شرح قصيدة الجندول
============-


التعريف بالشاعر:
علي محمود طه شاعر عربي ولد في مصر عام 1902م وتخرج في مدرسة الفنون التطبيقية ، عمل مهندساً ، ثم وكيلا لدار الكتب المصرية ، عُرِف بالنزعة التجديدية ورقة الشعر وعذوبته توفي عام 1949م ، أصدر عدة دواوين منها :
( الملاح التائه ، ليالي الملاح التائه ، أرواح وأشباح ، زهر وخمر ) ...

مناسبة القصيدة :
زار الشاعر مدينة فينيسيا بإيطاليا في صيف 1938م وكان الإيطاليون يحتفلون بالكرنفال المشهور ، ينطلقون في جماعات كل منها في جندول مزيّن بالمصابيح الملونة والورود يمرون في قنوات المدينة بين قصورها التاريخية والجسور الرائعة يمرحون ويغنون في ملابس تنكرية مما دفع الشاعر لنظم هذه القصيدة .

القصيدة
1- وصف ليلة بفينيسيا

أينَ مِنْ عَينيَّ هاتيكَ المجاليِ يا عروسَ البحرِ , يا حُلْمَ الخيالِ
أينَ عُشــاقُك سُمَّـــارُ اللَّيَالي أينَ من واديكِ يا مهـــدَ الجمـــالِ
موكبُ الغِيدِ وعيـدُ الكرنفال وَسُرَى الجُنْدُولِ في عرض القنــالِ
بين كأسٍ يتشهّى الكرمُ خمرَهْ
وحبيبٍ يتمنَّى الكأسُ ثَغْـــرَهْ
التقتْ عيني بـه أوَّل مــــــرَّهْ
فعرفتُ الحبَّ من أوَّلِّ نظــرَهْ

المفردات :
هاتيك : الـ(ها) للتنبيه ، تيك للدلالة على المثنى ، المجال :موضع الجولان ، والجولان : ما تجول به الريح على وجه الأرض من تراب وحصى(جول) ، عروس البحر : لقب لفينيسيا ، حلم : ما يراه النائم في نومه (ج) أحلام ، الخيال: الشخص أو الطيف .، عشاق :مفردها عاشق وهو المفرط في الحب سمار: مفردها سامر وهم القوم يسهرون ليلاً للترفيه مهد :المهد فراش الصبي موكب : جمعها مواكب القوم الراكبون على السفن للزينة الغيد : جمع غادة وهي المرأة الحسناء الكرنفال: كلمة أجنبية تعني المهرجان سرى: سار ليلاً الجندول:كلمة أجنبية تعني المركب القنال(قنو): مفردها قناة مجرى للماء يتشهى (شهو):يرغب بشدة الكرم:شجر العنب والمراد الخمر ثغره:فمه

الشرح :
يبدأ الشاعر قصيدته بيان عجز عينيه عن الإحاطة بكل ما يجول حوله فقد تزينت فينيسيا كالعروس وكأن ما يراه حلم في الخيال ، فقد تجمع عاشقي جمال فينيسيا لإحياء لياليها وقد امتلأ واديها بالجمال والزينة والفرح والبهجة والسرور ، حيث موكب النساء الجميلات وعيد الكرنفال فقد تهادت المراكب في القناة ، وقد علت الكؤوس وامتلأت بالخمر و في وسط ذلك الجو وقعت عين الشاعر على الحبيبة التي رآها وأحبها من أول نظرة .

مواطن الجمال :
( أين من عيني هاتيك المجالي)
(أين عشاقك سمار الليالي)
( أين من واديك ) أساليب إنشائية طلبيه استفهام الغرض منها الدهشة والتعجب
( يا عروس البحر ) ، ( يا حلم الخيال ) ،( يا مهد الجمال ) أساليب إنشائية نداء للدلالة على النشوة والسحر وقربهما من نفس الشاعر .
( بين كأس يتشهى الكرم خمره) استعارة مكنية حيث جعل الكرم إنسانا يرغب بأن يكون خمراً للكأس.
( وحبيب يتمنى الكأس ثغره ) استعارة مكنية حيث جعل الكأس إنسانا يتمنى ثغر الحبيب .
( التقت عيني به أول مرة ) ، ( فعرفت الحب من أول نظرة ) أساليب خبرية للتقرير .
( بين كأس يتشهى الكرم خمره ) ( وحبيب يتمنى الكأس ثغره ) حسن التقسيم الذي يضفي الموسيقى جمالا وروعة .


2- سمات الحبيبة :
أينَ مِنْ عيني هاتيك المجالي ياعروس البحر , يا حلم الخيال
ذهبي الشعر , شرقي السمات مرح الأعطاف , حلو اللفتات
كلما قلت له : خذ . قال : هات ياحبيب الروح يا أنس الحياة
أنا من ضيع في الاوهام عمره
نسي التاريخ أو أنسي ذكره
غير يوم لم يعد يذكره غيره
يوم ان قابلته أول مرة

المفردات :
السمات : جمع سِمة وهي المَلمَح ، مرح : شديد الفرح ، الأعطاف : جمع عطف وهو الجانب ، اللفتات :مفردها لفته واللفت هو اللّي والمراد الحركات ، أنس : الأنيس الصفي والخاص ، الأوهام : مفردها الوهم الغلط والسهو .

الشرح :
يستمر الشاعر في الحديث عن هذه الحبيبة التي التقى بها معدداً سماتها فهي ذهبية الشعر ذات سمات شرقية مرحة من كل الجوانب في كل حركاتها حلوة وتجاذبا أطراف الحديث في أنس وصفاء . وبدا الشاعر معترفاً بأنه أضاع عمره في الأوهام وقد محى الماضي ولم يبق سوى يوم لقائه بالحبيبة أول مرة .

مواطن الجمال :
تكرار البيت ( أين من عيني .................) الغرض منه الإنشاد والغناء
( ذهبي الشعر شرقي السمات مرح الأعطاف حلو اللفتات ) حسن التقسيم يضفي موسيقا داخلية تؤثر في النفس .
( خذ ، هات ) طباق يوضح المعنى ويبرزه
( يا حبيب الروح ، يا أنس الحياة ) أسلوب إنشائي نداء للدلالة على قرب المحبوب له وإحساسه به
( نسي التاريخ ) استعارة مكنية حيث جعل التاريخ إنسانا ينسى

3- الذكريات الجميلة في مصر :
أين من عيني هاتيك المجالي ياعروس البحر , ياحلم الخيال
قلت والنشوة تسري في لساني هاجت الذكرى ، فأين الهرمان؟
أين وادي السحر صداح المغاني؟ أين ماء النيل ؟ أين الضفتان؟
آه لو كنت معي نختال عبره
بشراع تسبح الأنجم إثره
حيث يروي الموج في أرخم نبره
حلم ليل من ليالي كليوباترا
أين من عيني هاتيك المجالي ياعروس البحر , ياحلم الخيال

المفردات :
النشوة : السكر رجل نشوان : أي سكران ، تسري : تنتشر ، هاجت :ثارت ، الهرمان : المراد أهرامات الجيزة ، السِّحر : الأُخْذَةُ. وكلُّ ما لَطُفَ مَأْخَذُهُ ودَقَّ فهو سِحْر ، صداح :صاح بصوت شديد مطرب ، المغاني : مفردها مَغنى وهي المواضع التي كان بها أهلوها ، الضفتان : ضفتي النيل الشرقية والغربية ، نختال :نسير في اختيال ، شراع : ساري المركب ، إثره : أي خلفه ، أرخم :أرق وألين والرخيم هو الرقيق اللين ، نبرة:صوت (ج) نبرات.

الشرح :
يستمر الشاعر في بيان أثر الجمال الذي حوله على نفسيته ففي خضم النشوة التي يعيشها هفت عليه ذكرياته الجميلة الخالدة في بلده مصر ، حيث الأهرامات الشامخة وماء النيل العذب الذي يترقرق بين ضفتيه الخصبتين ، فأثارت الذكريات في نفسه الأشجان وتخيل حبيبته التي رآها في فينيسيا ( كليوباترا) وقد ركبا مركبا يختال في مياه النيل في ليلة تملأ النجوم السماء يستمتعان بصوت الأمواج الرقيق اللين ،وقد غاب في عالم من السحر والنشوة .

مواطن الجمال :
تكرار البيت ( أين من عيني .................) الغرض منه الإنشاد والغناء
( النشوة تسري في لساني ) تعبير جميل حيث شبه النشوة بالشيء الذي يسري ويؤثر في لسانه وكلامه
( أين الهرمان ) ( أين وادي السحر صداح المغاني) ( أين ماء النيل ) ( أين الضفتان ) أساليب إنشائية استفهام الغرض منه الحيرة والدهشة .
( تسبح الأنجم إثره ) استعارة مكنية حيث شبه الأنجم بإنسان يسبح خلف المركب ز
( يروي الموج في أرخم نبرة ) استعارة مكنية حيث شبه الموج بالإنسان الذي يروي قصة في صوت رقيق لين .

نقد القصيدة :
تمهيد :
هذه القصيدة من الشعر الغنائي ، حيث عبر الشاعر عن ذاتيته وتجربته العاطفية التي مرّ بها والنشوة والسعادة التي عاشها في كرنفال فينيسيا والتي تمثلت في حبه لفتاة إيطالية وذكرياته الخالدة في مصر .
والشاعر يسير على درب رواد مدرسة أبولو حيث يركز على النزعة العاطفية التي تصور وجدانه مناجياً أماكن الذكريات مشخصاً للطبيعة وعناصرها كما لو كانت كائن حي وتلك من سمات المدرسة الرومانسية خاصة ( مدرسة أبولو ) .

الأفكار :
تتسم الأفكار بالتسلسل والترابط ، حيث بدأها الشاعر بوصف احتفال الإيطاليون بليالي الكرنفال المليئة بالسحر والجمال وقد أنعكس هذا الجمال على نفسه بلقائه بفتاة إيطالية أنسته من فتنتها نفسه فتخيل أنه في مركب بنيل مصر وكأنه أنطونيو وهي كليوباترا .

العاطفة :
تسيطر على الشاعر عاطفة الفرحة والنشوة والدهشة وقد كان لهذه العاطفة أثرها في التعبير والتصوير

الألفاظ :
استخدم الشاعر في هذه القصيدة ألفاظاً خلابة بديعة حتى قيل :" إن ألفاظه كالبخور ، فقد كان يحرق البخور في قصائده " فترابطت ألفاظه في جو من الدهشة والسعادة والنشوة مثل : عروس البحر ، حلم الخيال ، سمار الليالي ، موكب الغيد ، الجندول ، مرح الأعطاف ، حلو اللفتات ، صداح المغاني ....
تكرار الشاعر لبعض ألفاظ القصيدة أثرى المعنى وحقق جانب الإنشاد والغناء مثل تكرار البيت الأول في خاتمة كل مقطع .
تعتمد ألفاظه على الانفعالات الموسيقية والأصوات والألحان وما تثيره في نفس المتلقي من ذبذبات صوتية .

الأساليب :
نوّع الشاعر بين الأساليب الخبرية والإنشائية التي توحي بالدهشة والنشوة والسحر
فقد استخدم أسلوب النداء عدة مرات مثل : يا عروس البحر ، يا حلم الخيال ، يا مهد الجمال ، يا حبيب الروح ، يا أنس الحياة .
كما استخدم أسلوب الاستفهام عدة مرات مثل : أين عشاقك؟ ، أين من واديك ؟، أين الهرمان ؟، أين وادي السحر ؟ ، أين ماء النيل ؟، أين الضفتان ؟ .
استخدم أيضا أسلوب الشرط : كلما قلت له خذ قال: هات

الصور والأخيلة
جمع الشاعر بين التصوير الكلي والجزئي لتوضيح الفكرة والتعبير عن المشاعر ، وتتمثل الصورة الكلية في مناظر من الكرنفال ولقاء الحبيبة والتسامر معها والنيل والمراكب وخطوطها الفنية تتضح في :
الصوت الذي تسمعه في : قلت ، قال ، يا حبيب الروح ، قلت ، أين ، يروي ، أرخم نبرة
الحركة التي نراها في : سُرى الجندول ، حلو اللفتات ، خذ ، هات ، نختال
اللون الذي نراه في : الكرم ، النيل ، النجم ، الموج ، ذهبي الشعر
أما الصور الجزئية فنجدها في التشبيه والاستعارة ويميل الشاعر فيها إلى التشخيص والتجسيم أي تحويل الأمور المعنوية إلى صور حسية وتلك سمة من سمات مدرسة أبولو

المحسنات البديعية
غير متكلفة وقد استخدم منها الشاعر الطباق وحسن التقسيم.

الموسيقا
وفق الشاعر فاستخدم بحرا موسيقيا غنائيا ( بحر الرمل ) وهو من البحور الصافية التي تتكرر فيها التفعيلة ( فاعلاتن ) ثلاث مرات في كل شطر ..كما حرص على التصريع في مطلع القصيدة .
وفي القصيدة نوعان من الموسيقى :
1- خارجية ظاهرية : تتمثل في خروج الشاعر عن نظام القصيدة التقليدية فبناها على نظام المقاطع وجعل كل مقطع يتكون من ثلاثة أبيات وأربعة أشطر على غرار الموشح الأندلسي ،، وعلى الرغم من خروج الشاعر على نظام القافية الواحدة ففقد حافظ على الروي الواحد في الأبيات المشطورة مستخدما الراء المفتوحة والهاء الساكنة في كل مرة ( وهذه سمة لمدرسة أبولو ).
2- داخلية : وهي نوعان :
أ – ظاهرة : تتمثل في المحسنات البديعية غير المتكلفة.
ب- خفية : تتمثل في حسن اختيار الألفاظ الموحية والصور الحية الرائعة وترتيب الأفكار مع صدق العاطفة وقوتها .

الوحدة العضوية :
تحققت الوحدة العضوية في القصيدة وهي وحدة الموضوع حيث لأنها تدور حول موضوع واحد ، ووحدة الجو النفسي حيث تسيطر على الشاعر عاطفة واحدة وهي الفرح والنشوة والدهشة وكلها نابعة من موقف شعوري سابق .

الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر :
1- اختيار الألفاظ السهلة الموحية المعبرة الموسيقية .
2- تسلسل الأفكار وترابطها وترتيبها .
3- الميل إلى التجسيم والتشخيص.
4- التحرر من المحسنات البديعية المتكلفة .
5- التجديد في شكل القصيدة .
6- اختيار الموسيقى الهادئة .

من سمات القديم
1- التزام وحدة الوزن .
2- بعض الصور مستمدة من القديم

من سمات الجديد
1- تحقق الوحدة العضوية.
2- التجديد في الموضوع حيث انطلق إلى التغزل في المرأة يستلهمها ويعيش في كنفها.
3- الاندماج في الطبيعة وتشخيصها.
4- الجمع بين الخيال الكلي والجزئي.
5- التحرر من المحسنات المتكلفة .
6- استخدام القافية المتنوعة .
7- التجديد في الشكل حيث نظمها على شكل الموشح.


__________________


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


https://www.facebook.com/24888468515...9385507443209/