سنة مباركة وربٌّ كريم
بقلم: شامل سفر

البارحة .. خرجتُ من البيت لسبب واحد فقط: أن أمارس رياضة المشي .. رياضة مَن هم فوق الخمسين مثلي .. لم يكن في بالي أن ألعب الشطرنج، فأصدقاء اللعبة اليوم مشغولون .. وبعد أن مشيتُ لبضع دقائق اتصل بي أحد الأصدقاء وقال: نحن ننتظرك .. فاستمهلته ريثما أعود إلى البيت كي أحضر الرقعة والأحجار ... في طريقي إلى البيت، استوقفني صديقٌ آخر ودعاني لفنجان قهوة ... حاولتُ الاعتذار .. أصرَّ .. فوافقتُ على شرط أن لا أتاخر .. فنجان قهوة فقط ..... فالناس تنتظرني.
أثناء شرب القهوة .. نادى أبو أحمد على شابٍّ يعمل عنده .. وقال: اقطف ثمرات من التين للحجّي .. البستان قريب من المكان .... وهكذا كان .. أكرمني الرجل .. أكرمه الله.
خرجتُ مسرعاً أقصد البيت كي لا أتأخر أكثر مما تأخرت ... رأيته .. ابتسم لي ابتسامته البريئة المعهودة ... درويشٌ شاب .. لا يملك القدرة على الكلام .. يحبه أهل الحي ويعطونه مما أعطاهم الله .. واعتدتُ أنا على (إعطائي) شيئاً مما أعطانيه ربي، كلما رأيتُه ...... شعرتُ بالحرج .... فقد خرجتُ مرتدياً ألبسة الرياضة، التي لا متسع في جيوبها للكثير .. الهويّة والجوّال والمفاتيح و القليل من النقود فقط .... استحيت .. أشرتُ له أنْ: لا شيء اليوم .. ومضيت.
في أول الحارة .. صادفتُ جاري .. سلّمتُ وسلّم .. ضيّفتُهُ تينةً قشّرها وأكلها ونحن نتحادث محادثة قصيرة .. حانت مني التفاتة، فإذا بالشاب الدرويش قد لحق بي إلى هنا ... ابتسم ثانيةً ... ترددتُ قليلاً .. ثم أعطيته الـ (سطل) الذي فيه التين ... ازدادت ابتسامته إشراقاً ... أكّدتُ عليه أن يغسل التينات قبل أكلها ... وما زلتُ الآن أرى ابتسامته في ناظِرَي خيالي مشرقةً .. وكأنها تضيء لي الطريق .....
سبحان مقسّم الأرزاق ... هذه السنة لم آكل تينةً واحدةً بعد ... لكني أخذتُ بدلاً عنها الكثير ... وكانت وظيفتي البارحة .. وسيلةَ نقلِ رزقٍ ينتظرُ صاحبَه .. لا ينتظره صاحبُه .. بل رزقُه ينتظره .. ويعرف رزقُهُ مكانَهُ .. أكثر مما يعرف هو.
مساؤكم تأمُّل.