همسة حبيب....


شعرك الأشقر المنساب على الكتفين بفوضى أحببته جدا...يذكرني بنفسي عندما أصحو من النوم ولا أجد مشطي أ مامي..
عيناك العسليتان تشي بحكايات كثيرة كم أحببت أن أعرفها...عميقة النظرات.. مخيفة..
قامتك المستقيمة، تنبئ بأنك لست من هؤلاء الذي يعيشون تحت الخيام هناك في البعيد القاسي..
في تلك البداوة الحالكة السواد ، الغارقة في مادية الأخلاق...البعيدة عن البداوة التي نعرف..
نظراتك كانت تذبحني كلما مددت يدي لأعطيك شيئا ما....
لتقولي بحزم:
-أنا لست متسولة، أنا في المكان الخطأ.. لقد كنت في منزل سعيد.. وسط إخوتي...
كل هؤلاء الذين تراهم برمجهم الغريب كما يريد.. وتلك السيدة المليئة التي تتسول هناك فقدت عائلتها من قريب...
لقد نحلت وأصبحت أكثر قذارة من السابق.. تكاد تجن فعلا..
وكلما توغلت في مهنة التسول...ازدادت قذارة.
أنا لست متسولة يا خالة...
أنا في الصف الثاني ابتدائي.. لكن خلافا نشب بين والديّ.. جعل والدتي ترسلني لعمو أبو شحادة، ليعلمني مهنة نذهب فيها معا للحج!!
-يا الله ماذا تقولين؟
-نعم يا خالة..
مضت ولم تأخذ مني شيئا.. لكنها كانت تتلفت بنظرات مرتجفة...
-مما تخافين يا بنتي
-سأخبرك فيما بعد..
***********
كل يوم تمرّين من هنا...ينبض قلبي محبة ..وأسرق من عينيك كلمة...كأنها تهمس في أذني مالم تقولينه أنت.
أتوقع أتكهن أواسي فشلي في معرفة قصتك...
كل يوم تحدثني نفسي بالخروج باكرا لأرى من أين تأتين وإلى أين تذهبين...
ماهذا؟؟؟؟
حافلة.. وفندق.. وينزل منها أولادا كثيرون...بنات وبنين وسيدات..
وكأنه موعد مع العمل.. في الساعة السابعة ينتشر الوباء...كسرب ذباب مؤذٍ..
وصوت القهر يعلو.. ليقول:
-نحن في حرب...وسنحارب الفقر بأجساد أولادنا المقهورة الجائعة...
كلا ليس صحيحا توقعي...
نحن في زمن إبادة العقل والنفس والروح..
في عهد إعدام القلب والأخلاق والمحبة..
نشعر جميعا برغبة في قتل الآخر...
في القضاء على نبع الخير فيه..
لينمو الحقد في أركان وعمق طفولته...لا بل في كل أركان الحياة..
نعم..
لقتل الخير فيه، لقتل الاستقامة ..
لقتل ما تبقى من تفاؤل.. عشش في ثنايا حداثته...وكأننا ننتحر نكاية بمن نحرونا..!!
********
كان الصباح مليئا برطوبة مقززة.. بحرٍّ ينبئ بالخروج أمامك وكأنه ماردُ من صندوق خفي بشع...
يخطف برودة جسد قتله الحر الفظيع...فجعله منكمشا على ضيقه...نزقا في جملته لتصرخ في كل من يسبقك في عربته بلا داع.. فالتجاوز عن الحق بات شطارة في زمن الحرب..
كل صباح أراك تمدين يدك لتقولي...هكذا علموني ولكن لا تعطني شيئا.. لأنهم يسرقون ما لدي.. يضربونني إن كسبت أو لم أكسب.. إنهم لا يستحقون ما أكسب..
الخبز هناك يابس عفن.. والسكن قذر ضيق...والدخول للحمام بالطابور..
منذ شهر لم أستحم...والماء نتن كريه الرائحة.. في مستنقع حديدي وكأننا البهائم...
فالدجاج يأكل خيرا منا لأنه يبيض...
عندما مددت يدي ببعض النقود ملحة..
قلتِ :
-كفي يدك يا خالة.. لم تعد النقود تستر عورات هذا العالم البشع.. أريد العودة لبيتي لمدرستي...
أنتم يامن تركبون السيارات.. تنعمون بالهواء الرطب، وتنسون أن هواءنا بات خانقا..
-من أين جئت بهذا الكلام الكبير؟..
يا خالة أنا أقرا الصحف الممزقة في الأرض، أكتب في كراسة صغيرة في جيبي كل ما يخطر في بالي...
لكن مؤخرا أخبرني صحفي مثلك تقريبا، عندما أريته ما كتبت فقال :
-لن يعترفوا بك في اتحاد الكتاب غدا، إلا لو كنت جميلة أو غنية...أو..
لممتُ كراستي إلى صدري...وهطلت دموعي.. وفكرت أن أتعلم شيئا آخر، أكسب فيه حياتي..
فهلا ساعدتني؟ .
-كلامك أكبر من عمرك يا ابنتي ،إنني أتعجب فعلا..
- قلتُ لك يا خالة من الصحف التي نلف بها الطعام...والتي بحبرها تصبغ لنا الخبز فتجعله سيئ الطعم...
من الحياة التي نعيشها.. الممزوجة بدموع الثكالى و المشوهات..
خذي بيدي إلى دار الأيتام ..لاأريد ان أبقى هنا..
خذيني إلى أي مكان لا يبرمجوننا فيه على مهنة السرقة التي نقضي فيها حياتنا عبثا..
خذي بيدي إلى عالم لا حرب فيها.. ولا سلاح ..فقد مات معظم الأهل فيها وهم يسألون:
-ماذا فعلنا؟
همس الصدى قائلا:
-هم المجرمون وأنتم المهملون...
تلفتُّ ورائي فرأيته...
أخذتني الشجاعة فشددتك إلى سيارتي، أغلقت الباب وسرحنا معا...بسرعة فائقة...فقد وجدت حلا مناسبا جدا.
د. ريمه الخاني
24-8-2016