منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 14
  1. #1

    كلام في الترجمة

    كلام في الترجمة

    الحديث عن الترجمة،ومن قِبل من لا يجيد لغة أجنبية،مثل كاتب هذه السطور،ومبتلى بعشق القراءة،أقرب إلى البكاء على الأطلال،شعور غير مريح،على أقل تقدير .. والقارئ تائه مشوش،هل يقرأ الكتاب الأصلي .. أم يقرأ أفكار المترجم ؟ وربما تدليساته !
    قبل أيام نشر أحدهم - عبر"تويتر" عنوان كتاب : "مذكرات ضابط عثماني في نجد" أردت أن أسجل العنوان،فعلق أحدهم،أن المترجم حذف بعض الفصول!!
    في كل الأحوال ..
    لا.بل قبل ذلك،قلت قبلُ أن أخي الدكتور ناجي حين،أعارني كتاب "الطريق إلى مكة" – مع كتاب آخر،أعدته له – طبعة منشورات الجمل،بما أنني سبق أن كتبت عن الكتاب نفسه،كُليمة بعنوان "العجب العجاب في ترجمة كتاب"مقارنا بين طبعة دار العلم للملايين،وطبعة مكتبة الملك عبد العزيز،والفروقات،في حذف بعض المعلومات .. العجيب أن طبعة "الجمل"وطبعة "المكتبة"لنفس المترجم! وهذا يعيدنا إلى في كل الأحوال .. يقول "مانغويل":
    (ما من ترجمة بريئة أبدا. تنطوي كل ترجمة على قراءة،واختيار للموضوع والتأويل،ورفض أو استبعاد نصوص أخرى،وإعادة تعريف بمقتضى شروط يفرضها المترجم الذي يغتنم هذه السانحة مستوليا على لقب المؤلف){ فن القراءة / ألبرتو مانغويل / ترجمة : جولان حاجي / دار الساقي / الطبعة الرابعة 2016}.
    بين براءة الترجمة،وعدم براءتها،جبال وأودية من القدرة أو التمكن من اللغة الأصلية للكتاب،واللغة التي يُنقل إليها .. كتب مانغويل .. ( وربما لم يكن بورخيس سيكترث . قال ذات مرة عن النسخة الإنكليزية من رواية وليم بيكفوردVathek { تاريخ الخليفة فاتك} المكتوبة بالفرنسية إن"الأصل قد خان الترجمة"){ص 81 (فن القراءة) .. }.
    يخطر في بالي أن أقارن بين ترجمة الكتب،وتحقيقها .. فإن كان المحقق يحاول جمع شتات كتاب ما،بضم نسخه المختلفة بعضها إلى بعض،فإن المترجم يلملم أفكار الكاتب وتضميناته،وإشارته،والتي قد تكون واضحة في ذهن مثقف اللغة الأصلية للكتاب .. ما ذكرني بهذه العلاقة،هو أن مترجم "فن القراءة" كتب في أحد هوامشه .. تماما كما يفعل محقق الكتاب .. (الفكرة مستوحاة مما كتبه كولريدج حول جوهر الإيمان الشعري،وكيف أننا عند القراءة نقوم مؤقتا،وبمحض إرادتنا،بتعطيل أو تعليق عدم التصديق. (لم يضع مانغويل أي هامش في هذا الكتاب،وأورد العديد من الكلمات والفقرات والعبارات والعناوين بلغتها الأصلية،وقد تُرجمت إلى العربية في متون النصوص،محتواة بين قوسين معقوفين.جميع الهوامش،القليلة والمقتضبة في كل الأحوال،من وضع المترجم)(م).){ص 18 (فن القراءة)..}
    بناء على هذا التنويه،فإن عبارة { تاريخ الخليفة فاتك} - في النص المنقول قبل هذا النص مباشرة – هي للمترجم .. ويبقى السؤال هل كان عليه أن يخبرني / أو يخبرنا،من هو "فاتك"هذا؟ وفي نفس السياق،وإن بصورة أوضح،لي كقارئ ..جاء عن مانغويل ،دائما ..
    (يقترح إمبرت أن بورخيس قد استخدم لغز شارع آركوس كنموذج لقصة "El acercamiento Almotasim"{الدنوّ من المعتصم} ..) {ص 94 ( فن القراءة) ..}
    من"فاتك"ومن"المعتصم"؟ وهنا يبرز المأزق،هل ستتحول هوامش الترجمة إلى كتاب آخر؟ وإن كان المترجم لم يبخل علينا .. فشرح مثلا .. (أمام عينيه الذاهلتين يظهر كل شيء في تعداد ويتماني : في الهامش : نسبة إلى وولت ويتمان){ ص 74 (فن القراءة) ...}.
    وأحيانا "شرح لنا" مثل .. (كان اللقاء الأول لكانتو مع بورخيس،من وجهة نظرها هي،بعيدا عن coup de Ffoudre{"الحبُ من النظرة الأولى"} : في الهامش : بالفرنسية تعني حرفيا"ضربة صاعقة".) {ص 71 "فن القراءة" .. }.
    قول الأستاذ "المترجم"أنه ألزم نفسه بوضع ترجمته للعناوين التي وضعها"مانغويل"بلغتها الأصلية بين قوسين معقوفين .. ربما يحتاج إلى دقة في المتابعة .. فنحن نجد مانغويل يقول :
    (درس ديك الختامي : حتى لو جرى إخراس الباحث عن الحقيقة،فإن إخلاصه أو صدقه Sincerity (من اللاتينيةSincerus وتعني"طاهر"أو"نقي") سيُجهزُ في النهاية على الكذب){ص 141 (فن القراءة) .. }.
    عبارة : (من اللاتينية Sincerus وتعني"طاهر"أو"نقي") بين هلالين،تعني أن الكلام للمؤلف،ولو تغيرت الأقواس .. هكذا مثلا : {من اللاتينية Sincerus وتعني"طاهر"أو"نقي"} لأصبح ما بينهما للمترجم!
    من الأشياء التي حيرتني ترجمة كتاب"فن القراءة"،كتب مانغويل : ( نحن القراء نتقبل واقع"الأنا"يتحول إلى شخص يقول لنا ناديني إسماعيل{إشمايل} أو ما رسيل){ص 177 ( فن القراءة) ..}.
    فهل يُترجم – لنا نحن قراء العربية – إسماعيل بأنه إشمايل؟ ولو كُتب الاسم باللغة الأصلية،ثم تُرجم بين قوسين،لاستقام الأمر.
    من هذه الأفكار التي تتدافع بالمناكب في رأسي وأنا أقرأ .. أو أفكر في موضوع الترجمة .. قول مانغويل :
    (الأبيات الأولى من القصيدة ( الكوميديا الإلهية – محمود ) وشهرتها تغنينا عن اقتباسها){ص 177 ( فن القراءة) ..}،هذه الأبيات مشهورة هناك،فهل هي مشهورة لدى القارئ العربي؟ّ ليس هذا فقط،بل كتب المؤلف بعد ذلك .. ( من تتحول إلى حب في نهاية الرحلة)،فيكتب المترجم في الهامش : (يختتم دانتي رحلته بهذه الأبيات في نهاية الفردوس :"هنا خيالي الشاهق خارت قواه / ولكن من حرّك رغبتي وإرادتي،/ كعجلة لا يختل دورانها،/ هو الحب الذي يحرك الشمس وسائر النجوم"){ص 178 ( فن القراءة) ..}،ربما كان من الأولى ترجمة الأبيات التي أغفلها "مانغويل"لشهرتها .. إضافة،أو بدلا من تلك التي أغفلها دون أن يشير إلى شهرتها .. وهذه وجهة نظر قارئ بطبيعة الحال.
    في نفس السياق،تقريبا، في كلام حول فن التلاعب بالكلمات ،في الهامش : ( الترجمة هنا لا تفي بالغرض المنشود من اقتباس هذين السطرين (..) نكتفي بالإشارة إلى مثال في اللغة العربية هو الخطبة المونقة الخالية من حرف الألف لعلي بن أبي طالب){ص ص 162 (فن القراءة) ..}
    بطبيعة الحال،وأنا أقرأ النص الأصلي،وقبل أن أصل للهامش،تذكرتُ واصل بن عطاء،وتجنبه حرف الراء،لأنه ألثغ .. ثم قرأت هامش المترجم،و إشارته إلى خطبة سيدنا علي رضي الله عنه،والتي لم أسمع بها من قبل،وهذا يجعل المترجم،كل مترجم،في حيرة بين ما يعرفه القارئ وما يجهله.
    ويقدم لنا المترجم خدمة أخرى،إضافة إلى نص دانتي،وذلك حين كتب،في الهامش عن"السنارك" : ( مخلوق خيالي تحدث عنه لويس كارول في قصيدته"صيد السنارك"){ص 169 (فن القراءة) ..}.
    هذه الخدمة ضنت بها علينا الأستاذة زينة إدريس،مترجمة كتاب"طعام صلاة حب"، فقد توقعت سوزان،صديقة المؤلفة،قائلة : (ستلتقين برجل يوما ما وتغرمين به وينتهي بك الأمر إلى شراء منزل وأرض في بالي".
    وكأنها نوستراداموس.){ص 336}.
    لم تتفضل علينا المترجمة بتعريف " نوستراداموس"هذا!!
    حين قرأت الكتاب أول مرة،لم أنتبه إلى هذه النقطة،ولم يكن ثمة "جوجل"بيننا .. كنت منفردا بـ!! لم أكن أنادي المؤلفة "ليز" فضلا عن"بُقول" .. كانت "إليزابيث" .. التي تروي لي قصتها .. ولكن عند القراءة الثانية،وقد أصبحت المؤلفة"بُقول" – بعد رفع التكلف – تنبهت إلى هذا الاسم "نوستراداموس" فأخبرني "جوجل" :
    نوستراداموس : أو ميشيل دي نوسترادام 14 ديسمبر 1503 – 2 يوليو 1566 وعادة ما يسمى باسمه اللاتيني نوستراداموس ،وكان صيدلانيا وهو منجم فرنسي.
    إذا .. أكان الأقرب،والأفضل أن تترجم الأستاذة "زينة" النص هكذا .. "ستلتقين برجل يوما ما وتغرمين به وينتهي بك الأمر إلى شراء منزل وأرض في بالي".
    وكأنها "منجمة". أليست "منجمة"هذه هي غاية المؤلفة؟
    عموما هذا الكتاب يقدم مثالا للدقة أو للأمانة في الشرح .. فقد جاء على غلافه الداخلي :
    (يتضمن هذا الكتاب ترجمة الأصل الإنكليزي
    Eat,Pray,Love
    حقوق الترجمة العربية مرخص بها قانونيا من الناشر
    Bloomsbury publishing
    بمقتضى الاتفاق الخطي بينه وبين الدار العربية للعلوم ناشرون ){ (طعام صلاة حب" / إليزابيث جيلبرت / ترجمة : زينة إدريس/ مراجعة وتحرير : مركز التعريب والبرمجة / الدار العربية للعلوم ناشرون / الطبعة الأولى 1430هـ = 2009}.

    اقتربت المساحة المخصصة لهذه الحلقة،من الانتهاء،وسأملؤ ما بقي من بياض الورقة بهذه اللمحة من "بُقول" ،وهي تتعلم الإيطالية في روما :
    (تعلمنا للتو أن un amica stretta تعني صديقة حميمة. ولكن المعنى الحرفي لكلمة stretta هو ضيقة.،كما نصف الملابس،كالتنورة الضيقة.بالتالي،فإن الصديقة الحميمة بالإيطالية يمكن ارتداؤها كالسترة الضيقة الملتصقة بالجسم،){ ص 69 (طعام صلاة حب" 2009}

    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي

  2. #2
    شكرا لهذا المقال والجهد المبذول فيه
    موضوع يستحق الدراسة والاهتمام
    دمت بخير

  3. #3
    السلام عليكم .. ألف شكر أخي الكريم رياض محمد سليم .. بل أعتذر منكم لتطفلي على موضوع خارج قدرتي .. بارك الله فيك .. وتقبل خالص ودي.
    دمت بخير

  4. #4

    رد: كلام في الترجمة

    كلام في الترجمة (2)
    في هذه الحلقة،أبدأ بالإشارة إلى زاوية أخرى،تتعلق بالمترجم نفسه،فلا يتعلق الأمر فقط بتمكنه من اللغتين،بل يتعلق الأمر أيضا،بسعة اطلاعه،وإحاطته بثقافة المؤلف الذي يترجم عنه،وذلك ما ينتج عنه مد يد العون للقارئ ليفهم الظلال التي تقف خلف "كلمات"المؤلف.
    قبل أخذ أمثلة من تلك اليد الممدودة للقارئ .. أذكر باقتراحي في الحلقة السابقة،أن يترجم وصف"ليز"بأنها .. ( نوستراداموس.){ص 336 ( طعام صلاة حب)}،اقترحتُ أن توصف بأنها"منجمة"،الآن وقفت على هذا النص لمانغويل،وهو يتحدث عن الملك فريدريش الثاني،ملك بروسيا،والذي رفض توجهات والده،وحاول الفرار إلى فرنسا،مع أحد الضباط،فألقي القبض عليهما،سجن ابن الملك،وأعدم الضابط تحت نافذته ..( وآنذاك بدأ فريدريش يرى فضائل التقية.){ص 228 (فن القراءة) .. }.
    أيا كانت العبارة التي استعملها "المؤلف"فإن "التقية"عبرت عنها بكل جلاء.
    وكذلك،عبارة"السليط’" كما ترجمها الأستاذ "جولان" .. ثم كتب في الهامش : "حرفيا"تلك الفأس المسنة" :: تعبير استخدم ذما وقدحا في الإنكليزية القديمة،ويشير إلى فؤوس الفايكنج التي خلخلها طول القتال){ص 259 (فن القراءة) ..}
    المؤلف،كل مؤلف،يترك فراغات في النص اعتمادا على "معرفة"القارئ .. ولكن حين تترجم الكتب،إلى ثقافة أخرى،يختلف الأمر .. فـ"مانغويل"دون شك يثق في معرفة قرائه بقصة "أليس في بلاد العجائب" .. لذلك اكتفى بالقول .. (ولكنّ فيه مزية عظيمة واحدة،وهي أن ذاكرة المرء تعمل بكلا الاتجاهين" : في الهامش : "الملكة الحمراء في هذا المقطع،تخبر أليس بأنها تتذكر المستقبل"){ ص 254 (فن القراءة}... وكتب كذلك .. (القديس أوغسطين كان جالسا إلى منضدته يكتب إلى القديس جيروم،سائلا إياه رأيه في سؤال التطويب الأبدي،وعندما امتلأت : في الهامش : "استنادا إلى "الموعظة على الجبل:"،ومستهلها في إنجيل متى : "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات"){ ص 254 (فن القراءة)}،وكمثال أخير،ليد المساعدة التي يمدها المترجم للقارئ،كتب مانغويل،عن القراءة عبر الشاشات،وقدرتها على إسماع القارئ صوت "النص" – إن جاز التعبير - ..(عبر آليات ميكانيكية مثل غولم مسبق الصنع ) ما هاذا "الغولم"؟ هذه عبارة مغلقة دون إضاءة المترجم التي تقول .. ،في الهامش ..("Golem : مخلوق خيالي في ميثولوجيا يهود وسط أوربا،جُبل جسده من كلمات الكتاب المقدس التي عكف القبلانيون عل دراستها،ويتم تصويره أحيانا كنموذج بدائي للإنسان الآلي . أحد أشهر أمثلته في الأدب رواية غوستاف ميرنك الغولم"){ص 257 (فن القراءة) ..}،هكذا تفجرت مفردة"غوليم"لتلد عدة أسطر .. وأردت أن أزيد من امتدادها .. فبحثت عن "القبلانيين"،لكن محرك البحث "غوغل"أعطاني "العقلانيين" العرب!! ثم تبين،عبر ترجمة أحد اليهود أن "القبلانيين = المتصوفة"!!
    لا يمد لنا المترجم يد العون فقط،بل قد يمنحنا ومضة عن حالة اجتماعية ما .. فحين نقل"مانغويل"وصية الكاتب هيلير بيلوك :"عندما أموت،رجائي أن يقال عني / كانت خطاياه قرمزية ولكن كتبه مقروءة){ص 297 (فن القراءة) ..}.
    ما دلالة اللون القرمزي ؟ هنا يتدخل المترجم ليقول لنا،في الهامش : (اللون الصارخ إشارة إلى عار أو فضيحة.) كان لهذا التوضيح أن يكون كافيا،ولكن المترجم وسع دائرة النظر .. (الطهرانيون الأمريكيون قلّدوا الزانيات حرف Aقرمزيا،إشارة إلى الحرف الأول من كلمة زانية Adulteress كما كتب ناثانييل هوثرون في رواية الحرف القرمزي. ){ هامش ص 297 (فن القراءة) ..}.
    قد يساعد المترجم القارئ،ولكن اللغة قد تقف عاجزة عن ترجمة "مفردة"لأكثر من سباب،فلا تمد يد المساعدة للمترجم، يبين أحد المترجمين ذلك .. عن رواية ..( .. زولا L'assommoir : في الهامش " يصعب إيجاد معنى دقيق بالعربية , أو حتى بالانكليزية , لعنوان الرواية . فقد كان اصطلاحاً تركيبياً في باريس القرن التاسع عشر , يشير إلى متجر لبيع الخمور الرخيصة المقطرة في المكان ذاته .( م) " ) {ص 186 ( المكتبة في الليل ) / ألبرتو مانغويل / ترجمة : أحمد م.أحمد / دار الساقي / الطبعة الأولى 2015}.
    سأترك بقية البياض،لـ"اعتراف" مؤلف"فن القراءة"،حين لعب دور "المترجم"،وذلك في مقالة"قراءة مقلوبة الأسود فيها أبيض"تتمدد على الصفحات 275 – 283،يقول عن ترجمته لرواية الكاتبة مارغريت يوسنار"حكاية زرقاء"،من الفرنسية إلى الإنجليزية،وقد كتبتها في شبابها،وقبل أن تنضج فنيا .. (خلتُ أن إبقاء النص الشاب ليورسنار،بكل ما فيه من بهارج ولفّ ودوران،لن يكون إلا حذلقة من جانبي،فذلك شأن علماء حفريات الأدب ولا يعني بالقدر نفسه عشاق الأدب، لا بل أكثر،فاللغة الإنكليزية أقل صبرا مع الطيش من اللغة الفرنسية. وهكذا،في بضع مرات – هذا ،هذا ذنبي الجسيم : في الهامش : "ترد باللاتينية،كما في الصلوات الكاثوليكية" } قصصتُ في صمتٍ نعتا أو شذبتُ تشبيها.){ ص 275 – 276 (فن القراءة) ..}.
    مباشرة يخبرنا المؤلف بوجهة نظر مخالفة .. ( أجاب فلاديمير نابوكوف،عندما انتقده صديقه إدموند ويلسون على ترجمة لرواية يوجين أونغين { يفغيني أونغين – المترجم } "مع ثآليل وكل ما هنالك"،بأن عمل المترجم لا يقتضي تجميل الأصل أو شرحه وإنما التقدم إلى قارئ يجهل إحدى اللغتين بنص أعيد تأليفه بكافة الكلمات المكافئة في اللغة الأخرى. ){ص 276}.
    يجادل "مانغويل" ..(واضح اعتقاد نابوكوف (وإن صعب عليّ تخيل المعلم القدير يعني ما يقوله) أن اللغات"متكافئة"معنى وصوتا،وأن المتخيل في هذه اللغة من الممكن إعادة تخيله في لغة أخرى.- من دون حدوث أي خلق جديد تمام الجدة. ولكن الحقيقة(كما يكتشف كل مترجم عند البدء بالصفحة الأولى) هي أن الفينيق المتخيل في هذه اللغة لا يعدو دجاجة في لغة أخرى،ولتزيين ذلك الطير الداجن الوحيد بجلال الطائر المنبعث من رماده فقد تتطلب تلك اللغة الأخرى حضور مخلوق مغاير يُقتطف من كتب الحيوان التي لها مفاهيمها الخاصة بالغرائب.
    ففي اللغة الإنكليزية،على سبيل المثال،لا يزال لكلمة phoenix رنين وحشي يستفز الذاكرة،لكنها في اللغة الإسبانيةave fenix جزء من البلاغة الزخرفية المنحدرة من إرث القرن السابع عشر){ص 276 ( فن القراءة}.
    ينقلنا"مانغويل"مباشرة إلى العهد الوسيط .. (في مطلع العصر الوسيط كانت الترجمة translatiom(وهي مشتقة من صيغة الزمن الماضي للكلمة اللاتينية transferre"ينقل")تعني نقل رفات قديس من مكان إلى مكان آخر. كانت هذه النقلات{الترجمات} غير قانونية أحيانا،كما هي الحال عند سرقة بقايا جسد قديس من إحدى المدن والذهاب بها نحو مدينة أخرى تصبو إلى المزيد من المجد،إذ بتلك الطريقة نُقل جثمان القديس مرقس من القسطنطينية إلى فينيسيا / البندقية،مخبأ في عربة تحت قنطار من لحوم الخنازير امتنع عن لمسها الحرَسُ التركي عند بوابات القسطنطينية . نقل شيء ثمين وجعله لك بكل الوسائل المتاحة : لعل هذا التعريف يفيد الترجمة الأدبية على نحو أفضل من تعريف نابوكوف.){ص 276 – 277 (فن القراءة) ..}
    ويضيف أيضا .. (فلا بد من الاعتراف أيضا بأن كل ترجمة – كتابة ألفاظ النص بحروف لغة أخرى،إعادة السرد،إعادة ترتيب العبارات – تضيف إلى النص الأصلي قراءة أشبه بالألبسة الجاهزة أو تفسيرا ضمنيا. وعند هذه النقطة يتدخل الرقيب.
    إن إخفاء الترجمة للنص،أو تحريفها له أو إخضاعه أو حتى قمعه،حقيقة يعرفها ضمنا القارئ الذي يقبلها بوصفها نسخة"عن النص الأصلي،وقد وصف جواكيم دو بيلاي تلك العملية في كتابه{ دفاعا عن اللغة الفرنسية ومثالها } : "وما عساي أقول في هؤلاء الذين يليق بهم لقب الخونة أكثر من لقب المترجمين،لأنهم يخدعون أولئك {المؤلفين } الذين يرمون {المترجمين } إلى إلقاء الضوء عليهم،فينتقصون من مجدهم ويُغرون القراء الجهلة بقراءة مقلوبة الأسود فيها أبيض"){ص 277 – 278 (فن القراءة}.
    قد لا تكون هناك مشكلة كبيرة،في تلك التغييرات التي قام بها "مانغويل" في كتاب " يورسنار "طالما أن الأمر كله ضمن متعة الأدب .. بل هو،بفعلته،يقدم حجة قوية،لحذف"التجديف"ولكن تلك قضية أخرى،قد نتعرض لها في حلقة أخرى،إن شاء الله .. إذا .. المشكلة تكمن فيما يتعلق بالتاريخ،وتحويل الأسود إلى أبيض،يحدثنا "مانغويل"نفسه،عن احتلال اليسوعيين للبارجواي في نهاية القرن السادس عشر .. (عند ترجمة اللغة الغورانية { لغة السكان الأصليين للبارغوي - محمود} إلى الأسبانية عزا اليسوعيون بعض الأعراف،التي كانت تدل على سلوك مقبول أو حتى يحتذى به بين السكان الأصليين،إلى مرجعية ذلك السلوك في الكنسية الكاثوليكية أو البلاط الملكي الأسباني،المفاهيم الغوارانية للشرف الشخصي،والامتنان الصامت عند قبول الهدية،والمعرفة الخاصة بالمقارنة مع المعرفة المعممة،والاستجابة الاجتماعية إلى تقلب الفصول والأعمار،تُرجمت جميعها باستسهال وفظاظة
    إلى"الكبرياء،،و"الجحود"،و"الجهل"،و"التلون"،بالترتي ب. لقد أتاحت مثل هذه المفردات للرحالة مارتن دوبريتسهوفر من فينا،بعد ستة عشر عاما من طرد اليسوعيين سنة 1783،أن يتأمل في كتابه{ تاريخ شعب آبيبونر}،الفطرة الخبيثة للغوارنيين :"إن مناقبهم العديدة التي تعود بالتأكيد إلى كائنات عاقلة مؤهلة للتعلم والثقافة تقوم مقام الواجهة لتراكيب شاذة إلى أبعد الحدود توارى داخل تلك الأعمال نفسها،إنهم أشبه برجال آليين جُمعت في صناعتهم عناصر من الكبرياء والجحود والجهل والتلون. من تلك الينابيع الأساسية تتدفق جداول الكسل والسُّكر والوقاحة والريبة،مع اضطرابات كثيرة أخرى تسفه طباعهم الأخلاقية"){ص 281 (فن القراءة) ..}
    لاشك أن هذا "الظلم"الذي وقع على الغورانيين،نتيجة سوء"الترجمة"لا يقارن مع تلك"التعديلات"التي قام بها "مانغويل" .. والذي "يطمئننا"على أنه ..(عبر التاريخ،جرت الرقابة في الترجمة وراء أقنعة أدهى،والترجمة في عصرنا،في بلدان معينة،هي إحدى الوسائل التي يتم بواسطتها إخضاع الكتّاب"الخطرين"للتطهير والتصفية. (البرازيلي نيليدا بينيون في كوبا،الساقط أوسكار وايلد في روسيا،المؤرخون الأمريكيون الأصليون في الولايات المتحدة وكندا،الطفل الخارق { في الهامش : Enfant terrible :تعبير فرنسي دارج يترجم أحيانا إلى"الطفل الرهيب"الذي يربك والديه أو الآخرين بأسئلة غير متوقعة،وقد تطلق هذه التسمية على فنانين تحسبهم مؤسسات المجتمع خارقين للمألوف والعادات } الفرنسي جورج باتاي في أسبانيا خلال حقبة فرانكو،هؤلاء جميعا نُشرت أعمالهم في ترجمات مبتورة. وعلى الرغم من حسن نواياي كلها،ألا يمكن اعتبار ترجمتي ليورسنار قد خضعت للرقابة؟).
    ببساطة،إن المؤلفين الذين لا تبعث قراءة آرائهم السياسية على الارتياح لا يُترجمون غالبا،ومثلهم المؤلفون أصحاب الأسلوب الصعب،فإما التغاضي عنهم،إذ يُفضل عليهم مؤلفون آخرون أسهل على الترجمة،أو أنهم محكومون بترجمات اعتباطية أو ركيكة لأعمالهم.){ص 282}.
    ويخلص "مانغويل"إلى هذه النتيجة .. (على أية حال،ليست كل ترجمة غشا وفسادا. من الممكن إنقاذ الثقافات عبر الترجمة أحيانا،فتتبرر للمترجمين مطارداتهم اللغوية الصاغرة والمضنية. في كانون الثاني / يناير 1976،ركع الأمريكي المختص في المعاجم روبرت لافلين أمام كبير الحكام في بلدة ثيناكنتان جنوب المكسيك وهو يرفع كتابا استغرقه إعداده أربعة عشر عاما : معجم التزوتزيل الكير الذي نقل إلى اللغة الإنكليزية إحدى لغات المايا،تلك التي ينطق بها 120 ألف من أهالي تشياباس الأصليين،والمعروفين أيضا باسم"شعب "الوطواط". بتقديمه المعجم إلى كبير التزوتزيل قال لافلين،باللغة التي انكب متفانيا على تسجيلها :"إذا أتاكم أجنبي وقال إنكم هنود بُلهاء حمقى،فأرجوكم أروه هذا الكتاب،أروه ثلاثين ألف كلمة من معرفتكم وعلمكم".
    من غير بد سيفي ذلك بالغرض.){ص 282 – 283 ( فن القراءة}.
    يفي بالغرض؟ .. إذا من المؤكد أن هذا القدر من سكب الحبر على بياض الورق،يفي بالغرض،في هذه الحلقة .. بل يزيد!

    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي

  5. #5

    رد: كلام في الترجمة

    كلام في الترجمة (3)
    في مستهل هذه الحلقة،لكم في ذمتي اعتراف بأنني أكتب حسب ما يتيسر لي . . أو حسب ما يستجد،وذلك بعد أن جمعت قدرا من المعلومات،ثم خشيت تراكمها،وقد سمعت الدكتور عبد الوهاب المسيري – رحم الله والديّ ورحمه – يتحدث عن قصة صديق له أو زميل. طلب"المسيري"من الزميل كتابة موضع ما،أنسيته،لنشهره في عدد خاص من إحدى المجلات،وبعد فترة .. حين سأل الدكتور عن البحث،جاءه الرد لم أنته منه،قد وسعته ليشمل صدر الإسلام – مثلا – ثم وسعه ليشمل العصر الأموي .. وصدرت المجلة،ولم ينته البحث،يقول الدكتور وقد لا ينتهي البحث .. ثم أشار إلى ما أسماه "هيجل" : ذئب المعلومات"أنا أيضا خشيت أن تتراكم المعلومات،حتى أهجر الموضوع .. أو يهجرني.
    سبب هذه المقدمة،أن أخي محمد يحيى ولد الدادة،قدم من زيارة لموريتانيا،وفي جعبته بعض الكتب "التوغل في موريتانيا"و"تاريخ واكتشاف وغزو ..." وهما مترجمان،عن الفرنسية،أما الكتاب الثالث فهو"تاريخ الرق في موريتانيا"فلا علاقة له بما نتحدث عنه هنا.
    مترجم "التوغل"،للأسف،لم يمد للقارئ يد العون .. فقل نصا مغلقا:بالنسبة لي على الأقل .. ")وإذا كانت لي الرغبة في أن أشرب الماء المغنسي"هل يمكن الاكتفاء بهذا الكلام الذي ورد في Martine Rosee من Sganarelle في شكل مزحة من صحراوي رافض الرد على السؤال الملح لإعطاء التفسير المطلوب ){ص 13 ( التوغل في موريتانيا : اكتشافات .. استكشافات .. غزو) / الرائد جلييه / ترجمة : د.محمدن ولد حمينا / الكويت / دار الضياء للطباعة والنشر / الطبعة الأولى / 1428هـ = 2007}.
    هنا،لابد أن نتذكر يد العون التي يقدمها مترجم"فن القراءة"للقارئ ..
    ( Gryffonأو Griffon : الغريفن مخلوق خرافي يصفه هيرودوت بالمسخ المجنح،ويصفه بليني بالوحش طويل الأذنين معقوف المنقار،كما يرمز إلى المسيح في المنحوتات الكنسية،أسدا برأس نسر وجناحيه ومخالبه،يضعه دانتي في مقدمة عربة النصر في المطهر. أما السلحفاة فشخصية مذكرة حزينة استعار لويس كارول تسميتها الساحرة من اسم طبق حساء إنكليزي رخيص في العصر الفكتوري يحاكي حساءً آسيويا معدا من لحوم السلاحف،فركب المؤلف على جسد السلحفاة رأس عجل وأطرافه التي كانت تستخدم عادة في إعداد ذلك الحساء){ص 317 (فن القراءة)}.
    ومثل إضافته عند ما وردت عبارة ..( hortus conclusus (في الهامش : "كانت ترجمة هذا التعبير اللاتيني في العصر الوسيط هي:"جنة مغلقة"،استنادا إلى ما ورد في ترجمة"نشيد الإنشاد"،"أختي العروس جنة مغلقة"){ص 364 (فن القراءة)}
    نعود إلى كتاب"التوغل"وتوجد فيه مشكلة أخرى،فثمة ثلاثة أنواع من الهوامش،تتداخل بشكل مربك .. هامش،للمؤلف قطعا،وآخر للمترجم قطعا – حين يعقب أو يصحح للمؤلف – ونوع ثالث،يحتمل أن يكون لهذا أو ذاك!!
    كما أن المترجم لم يقدم لترجمته!
    أما الكتاب الثاني،فقد كتب مترجمه مقدمة،جاء في أول سطر منها .. (لا شك أن كتاب غوميس أيانيس دي آزورارا . ) في الهامش : "في الطبعات الجديدة لهذا الكتاب بالبرتغالية يكتب اسم المؤلف على النحو التالي : غوميس أيانيس دي زورارا ){ص 5 (تاريخ اكتشاف وغزو غينيا أو تاريخ الغارات البرتغالية عل سواحل غرب إفريقيا وبشكل خاص عل سكان الساحل الموريتاني الحالي من 1441 إلى 1448) / غوميس أيانيس دي آزورارا / ترجمة : د. أحمد ولد المصطف / مكتبة القرنين 15 / 21 للنشر والتوزيع / نواكشوط / الطبعة الأولى 2015}.
    وهذا الكتاب يذكر ما سبقت الإشارة إليه من وجود تشابه بين"الترجمة"و"التحقيق" .. فقد ترجم "المترجم" لبعض الأعلام .. جاء في النص ...( الفرغاني : في الهامش : "هو أبو العباس أحمد بن محمد بن كثير الفرغاني ...){ ص 13 (تاريخ اكتشاف وغزو ..) }.
    بالعودة إلى كتاب"التوغل"نأخذ مثالين،على استعمال"الأقواس"- وفي الذهن بطيعة الحال،صنيع مترجم "فن القراءة" – المثال الأول .. (فإذا طلبوا العون من السماء(الله) فكروا فيمن تركوا خلفهم ..){ص 55 (تاريخ التوغل ..)}،أما المثال الثاني ففي هذا النص ..(وتم أسره من قبل السكان الأصليين {البيضان} ..){ص 87 (تاريخ التوغل ..)}.
    إن لفظ الجلالة(الله) بين هلالين .. وعبارة {البيضان} بين قوسين معقوفين أقرب إلى أن يكونا إضافة من المترجم .. ولم يشر إلى ذلك!!
    يبدو أن الكتابين الجديدين – عن موريتانيا – سيساعدان في الوفاء بشبه وعد سابق،بالحديث عن"التجديف"وذلك حين اعتذر "مانغويل"عما فعله عند ترجمته لأحد أعمال"يورسنار".
    عند الحديث عن"التجديف"سيغادرنا كتاب"فن القراءة"أو نغادره،فلا مشكلة في الأمر لدى مترجمه.
    قبل حصولي على كتاب "التوغل في موريتانيا"شاهدت لقاء مع مترجمه الدكتور"حمينا"وقد سأله مقدم البرنامج عن التحرج في ترجمة ما يسيء للدين،أو للأشخاص؟
    أفتح قوسين،لأشير إلى أن الإساءة للأشخاص،في المجتمعات القبلية،حساسة جدا .. وقد قامت باحثة ما،من بلد ما،بكتابة بحث عن قبيلة ما،ومع أنها كتبت الأطروحة خارج بلدها،إلا أنها عندما عادت .. تم ضربها،وحلق رأسها!
    بدأ الدكتور"حمينا"بالتأصيل للموضوع،فذكر قول الحق سبحانه وتعالى"وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا" .. وخلص إلى القاعدة الفقهية "ناقل الكفر ليس بكافر"ثم ذكر أنه حين تكون الإساءة للأشخاص فإنه "يلطف"العبارة قد المستطاع،أما عند الإساءة للدين،فإنه يكتب العبارة بلغتها الأصلية،ويشير إلى ذلك في الهامش.
    أخذ الكلام مقدم البرنامج لضرب مثالا،لأمانة الترجمة،فقرأ من كتاب ( وثائق من التاريخ الموريتاني / محمد ولد المين )،نقل مترجمه عن أحد الفرنسيين قوله .. (إن البيضان أنذال وجبناء،لا يحاربون إلا عن طريقة إقامة الكمائن (..) أو عندما يوقعون عدوهم عن طريق خدعة ما،وهم متبجحون متغطرسون حقودون وميالون للثأر يعرفون كيف يخفون حقدهم منتظرين أحيانا بضع سنوات ليجدوا الفرصة السانحة للانتقام وهم مسلمون متزمتون يعتبرون الزنوج عبيدا بالأصل العرقي والمسيحيين أعداء سيفتح لهم اجتثاثهم أبوب الجنة ومع أن البيضان يعترفون بالسلطة الدينية لسلطان المغرب فإنهم لا يعتبرون أنفسهم أتباعا سياسيين له كما أنهم فخورون بأصولهم النسبية التي يعرفونها جيدا ..) يقول المترجم في الهامش :
    ( لا يخلو هذا الجزم من تحامل فبعض الرحالة الفرنسيين الذين زاروا هذه البلاد يشير إلى عكس هذا يقول الرحالة "؟؟"متحدثا عن شجاعة البيضان : "إن هؤلاء الفرسان المحتمين وراء .." لم يكمل النص،لأنه نقله في حلقة سابقة!! ولكن من الواضح أنه مدح شجاعتهم.
    أما الدكتور أحمد ولد المصطف،فلم ذكر في مقدمته كيف سيتعامل مع النصوص المسيئة .. ولكنه قام بذلك عمليا،فحين تحدث المؤلف،وهو يمجد "هنري الملاح"عن الجانب الآخر،أي القتلى من المسلمين ..(لكني لاحظت بهذا الخصوص أنهم لا يشتكون كثيرا من سوء الحظ الذي حل بهم في نهاية مصيرهم في حياتهم الأولى (..) هكذا) وفي الهامش : "تم اقتصار هذه الفقرة على هذا الحد لاشتمالها في الأخير على تحامل عقدي من قبل الكاتب ينم عن تعصب أعمي. للاطلاع على بقية الجملة راجع ..){ ص 32 – 33 (تاريخ اكتشاف وغزو..) }.

    السعي نحو الحقيقة ..

    غني عن القول أن السعي نحو الحقيقة هدف أسمى. والقصد أن نطرح سؤالا عن دور المترجم،في التنبيه إلى ما قد يرد من أخطاء في المادة التي يترجمها! أم أن دول المترجم ينحصر في نقل النص فقط؟
    أبدأ بحديث "مانغويل"عن أحد رواد المكتبات .. (اراد بانيتزي "الذي صوره غوس كـ"إيطالي أسمر معمر،يجلس كعنكبوت داخل شبكة كتب"(..) وقد أوجز رؤاه بأوضح العبارات .." : في الهامش : "الحقيقة أن النص،كما كتبه بانيتزي،يبدو منفرا وركيكا" ){ص 224 ( المكتبة في الليل ) / ألبرتو مانغويل / ترجمة : أحمد م.أحمد / دار الساقي / الطبعة الأولى 2015}،هنا تدخل المترجم مباشرة ليبدي وجهة نظره في خطاب ذلك المكتبي العتيد!!
    في نفس الكتاب،تحدث المؤلف عن فرية إحراق المسلمين لمكتبة الإسكندرية ..( ألقى تاريخ مسيحي مستمد من "تنقل" أو تاريخ الحكماء "مرجع فاقد المصداقية الآن"لابن القفطي بمسؤولية الدمار على القائد المسلم عمرو بن العاص الذي يفترض أنه تلقى الأمر من الخليفة عمر بإضرام النار في محتويات المكتبة ..){ص 34 – 35 (المكتبة في الليل) ..}،هنا لا مشكلة حين يذكر المؤلف أن ذلك المصدر"فاقد للمصداقية الآن"ولكن حين يعيد تلك المعلومة .. بشكل يؤكد حصولها ... فهل كان على المترجم أن يعلق،سواء على أصل الفرية أم يكتفي بالتنبيه على عدم الثقة في المصدر الرئيس للمعلومة؟
    يقول"مانغويل" :
    (ذكرت بداية،الحكاية التي اتهمت عمرو بن العاص بتنفيذ أمر الخليفة عمر بن الخطاب بإضرام النار في مكتبة الإسكندرية. يستحق جواب عمر المشكوك في صحته أن يُستشهد به في هذا المقام لأنه يكرر المنطق الكامن وراء حرق الكتب في ذلك الحين كما في هذه الأيام.قيل أنه رضخ للأمر بقوله :"وأما الكتب التي ذكرتها فإن كان فيها ما وافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى،وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه،فتقدم بإعدامها". كان خطاب الخليفة عمر – والحق يقال – بالغ الصرامة بما حمله من جزالة أدبية){ ص 95 ( المكتبة في الليل) .. }،لعل عبارة"المشكوك فيه"ينسفها النص المنسوب لسيدنا عمر رضي الله عنه. وكأني بالمؤلف يرد على نفسه في مكان آخر .. أو يصف نفسه بـ"تصلب الذاكرة" .. فهو الذي كتب :
    (ولكن الذاكرة قد تضللنا. في ستينيات القرن العشرين حدد علماء النفس ظاهرة في وجداننا أطلقوا عليها اسم"المواظبة على الذكرى". ففي معظم الأحيان عندما نعلم بأن واقعة ما قد ثبت بطلانها لاحقا،فقد تكون القوة التي تلقينا بها تلك المعلومة للمرة الأولى عظيمة إلى حد تتغلب فيه على معرفتنا بأن تلك"الوقعة"غير صحيحة فنستمر في تذكر "الواقعة"بوصفها صحيحة،على الرغم مما يُقال لنا خلاف ذلك (..) وقد يتذكر الناس في السنوات القادمة إدارة بوش "لإحلالها السلام في الشرق الأوسط"(كما صرحت كونداليزارايس). قد يكون التاريخ أم الحقيقة،ولكنه قد ينجب أيضا أطفالا غير شرعيين){ص 138 (فن القراءة) ..}،فهو نحن أمام "تصلب الذاكرة"!
    لمحة أخيرة من هذا الكتاب،والذي جاء فيه .. (الروض العاطر للشيخ النفزاوي في القرن الخامس عشر،وفيه صُنفت الأفعال الجنسية طبقا للشريعة الإسلامية){ص 237 ( فن القراءة) ..}،أيضا لم يعلق المترجم على هذه المعلومة .. والكتاب،لمن قرأه يعلم أنه لا علاقة له بالإسلام.
    نذهب إلى "التوغل في موريتانيا" .. ولكن قبل ذلك المعلومة التي الرائجة،أن المستعمر حين جاء إلى موريتانيا،انقسم الفقهاء حول هذه "النازلة" .. فقسم أفتى بمهادنة المحتل،لتباين القوة بين الفريقين،وقسم أفتى بالجهاد،وقسم أفتى بالهجرة... هذه الأمور شديدة الوضوح،ولكن حين يدس مؤلف الكتاب "التعاون"مع المحتل،وقتل المسلم لأخيه المسلم،بأمر من المحتل .. فربما كان على المترجم .. أن يؤكد أو ينفي تلك المعلومات،بدلا تركها عائمة .. قد تكون موافقة ضمنية،وقد لا تكون .. هذه وجهة نظري بطبيعة الحال.
    يقول المؤلف :
    (وفي شهر فبراير {سنة 1905 - محمود} تم سحق جيش كامل تقريبا من 150 رجلا من أولاد أبييري كنا قد سلحناهم لغزو أحياء أولاد بسباع فتحولت كل تلك الأسلحة إلى أيدي الأعداء){ص 139 ( التوغل ..)}،وكان قبل ذلك قد كتب :
    (حيث يأتي الوجهاء من مختلف القبائل الزاوية والمحاربة للإعلان عن خضوعهم بحضرة الشيخين الكبيرين،الشيخ سيديا والشيخ سعد بوه. فقام الشيخ سيديا الذي كسب ثقة كوبولاني بإصدار فتوى تبين بطريقة ذكية للمسلمين أن احتلال الفرنسيين لبلاد البيضان نعمة من الله){ص 135 ( التوغل ..)}.
    من زاوية أخرى،أكثر وضوحا لأهداف المؤلف،وهو يكتب في حرقة عن مقتل " كوبولاني"،والذي يُسمى مهندس احتلال موريتانيا،ولاشك أن اغتياله كان ضربة قاصمة لفرنسا .. يقول المؤلف،متحسرا على ذلك"المهندس" :
    (ونجح بهذا الأسلوب في أن يبسط نفوذنا على جزء كبير من موريتانيا في أقصر مدة وبأقل تكلفة وبالحد الأدنى من إراقة الدم. ولم يبق له لإكمال مهمته إلا إتمام دخول آدرار ،المرحلة الأخيرة من هذا البرنامج الكبير الذي حدده لنفسه والذي تم تنفيذه نقطة نقطة حسب التوقعات. وكان سيتمه لولا أنه سقط تحت ضربات متعصب من أولاد النور. { في الهامش : "الأطفال الذين خلقوا للأمور الجسام وخاصة للمصالح الدينية وهم الذين ولدوا خلال الحفلات الليلية من الاحتضان الشعائري في طريقة الغظف"طريقة في جنوب آدرار"}..){ص 156 ( التوغل ..)}.
    وتمر هذه فرية"أولاد النور"دون كلمة واحدة من المترجم!! رغم أن المؤلف نسه كتب قبل عدة صفحات ..(وفي تلك الأثناء نجح شريف متعصب من آدرار يدعى سيد ولد مولاي الزين ..){ص 154 ( التوغل ..)}
    إلى الحلقة القادمة .. إن شاء الله

    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي

  6. #6

    رد: كلام في الترجمة

    كلام في الترجمة (4)

    نبدأ هذه الحلقة بحديث ذي شجون .. ترجمة الشعر. النص الأول،ذكرني بقول زكي قنصل :
    ما بال أنصار الجديد تهيؤا للحرب واصطفوا لها أفواجا
    يا أدعياء الشعر لا تتبختروا طار الدجاج ولا يزال دجاجا
    ما نحسبه"جديدا"قد لا يكون كذلك،فطريقة كتابة الشعر الحر،يبدو أنها ليست بتلك الجدة التي يعتقد أصحابها .. ولعلهم يعلمون!!
    كتب مترجم "فن القراءة" في الهامش:
    (في ترجمة سفر حزقيال وأشعيا اعتمد القديس جيروم،شفيع المترجمين،منهجا في التقطيع يفيد بأن يكون كل سطر متكاملا في معناه"سباقا في هذا المضمار،قبل طرائق تقطيع الأبيات في الشعر الحر أو الشعر المرسل"،فإذا تجاوز المعنى سطرا واحدا استكمله المترجم أو النَّساخ في السطر الذي يليه إلى أن يكتمل المعنى ليبدأ بعده سطر جديد){ص 158 ( فن القراءة) ..}.
    حول ترجمة الشعر،يحدثنا "حمزتوف"قائلا :
    (كان أفندي كابييف صديقا لسليمان ستالسكي،وهو الذي ترجم أشعاره إلى اللغة الروسية.وكانت هذه الصداقة مثار حسد في نفوس بعض الناس المساكين. وحالوا أن يغضوا من أفندي كابييف في عيني الشاعر الشهير أن يدسوا عليه،وقالوا لسليمان :"أنت لا تقرأ اللغة الروسية،ولكننا نحن نعرف أن أفندي كابييف يفسد أشعارك عندما يترجمها. يزيد فيها ما يشاء،ويحذف منها ما يشاء،ويصوغ بعضها تماما حسب طريقته.
    وذات يوم في حوار هادئ قال سليمان لأفندي :"يا صديقي.قيل لي إنك تضرب أولادي.وفهم أفندي رأسا موضوع الحديث :"ليست أشعارك أولادك يا سليمان. إن قصائدك هي أنت نفسك.
    إذن فأنا أستحق وأنا عجوز احتراما أكثر مما يستحقه الأطفال.
    "ما الذي تراه أكثر قيمة في نظرك؟ أعداد أبيات القصيدة أم أسلوبها؟ روح قصائدك؟ أمامنا زجاجة خمر. ولنفرض أنها تعرضت للهواء وفسدت. سيكون لدينا تقريبا كمية مماثلة من الخمر،ولكنها لن تكون خمرتنا نفسها،خمرتنا هذه التي نشربها الآن. والتي نتمطق ونتلمظ بها.المسألة ليست مسألة كمية الخمر،ولكن مسألة نكهتها مذاقها،حمياها".
    "أنت على صواب ذلك هو المهم.){ ص 157 ( داغستان بلدي ) / رسول حمزتوف / تعريب : عبد المعين الملوحي و يوسف حلاق / دار الفارابي / بيروت / الطبعة الخامسة 2016}.
    ومرة أخرى،نجد في النفس الكتاب،حديثا عن ترجمة الشعر،ولكن شعر المؤلف نفسه هذه المرة :
    ( كنت أدرس هذه المرة في المعهد الأدبي،وكانت نينا في معهد لينين التربوي.
    وذات يوم من أيام كانون الأول دعتني لزيارتها.كنت أعرف أن هذا اليوم يوم ميلادها. اهتممت بالهدايا طبعا،لكنه بدا لي أن أفضل هدية هي شعر أكتبه فيها،وأقرأه على الحضور ثم أقدمه لها بشكل رسمي.
    وهكذا كتبت قصيدة تهنئة،وأقنعت زميلي في المعهد،وهو شاعر شاب،أن يترجم القصيدة إلى الروسية. ظل زميلي يعمل طوال الليل في الترجمة. ولما قراها لي،لم أتعرف فيها على شعري.
    كانت هناك عاطفة زائدة واندفاعات هوى جارف،لكن لم يكن فيها شيء مما كنت أريد قوله لنينا.
    كان من الصعب خداعي الآن،فقد أصبحت شخصا محنكا. قلت لزميلي :"حسنا ستقرأ هذه القصيدة لحبيبتك في عيد ميلادها،لأن هذه القصيدة لك،وليست لي.){ص 102 ( داغستان بلدي ) ..}.

    متفرقات .. حول الترجمة ..

    هذه بعض اللمحات .. أو "حكاكة"المعلومات التي كنت أجمعها .. والتي خفت من"ذئبها"أن يلتهمني!!
    لاحظت لدى بعض المترجمين .. ما يبدو وكأنه تردد بين عبارتين،فيضع الأولى،ثم يضيف الثانية بين هلالين. في كتاب"هروبي إلى الحرية "مثلا نجد التالي .. (ويصبح هذا التناقض المسمى حياة نهائيا ومحلولا"ومبتوتا فيه") {ص 102 (هروبي إلى الحرية) / علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة {في الداخل : ترجمة / إبراهيم أبو البندورة } / مراجعة : د.محمد أرناؤوط / دمشق / دار الفكر / الطبعة الثالثة 1429هـ = 2008}،ونجد كذلك .. (والصراع يمكن أن يكون بناءً،هادما أو عبثيا"زائدا") {ص 72 ( هروبي إلى ..)}.
    أما في كتاب"التوغل في موريتانيا"،فنجد التالي ..(تم أسره من قبل السكان الأصليين"البيضان") {ص 87 (التوغل)}،ونجد كذلك،كرما في الأقواس،في هذه العبارة ..(فكان ذلك نيل السودان (صنهاجة)"سنغال"){ص 27 (التوغل)}.
    بالعودة إلى"هروبي إلى الحرية"،نجد النص التالي .. (وأزيلت عن كل الآخرين(لا تخافوا أيها الناس وأنا ربكم فاخشوني – القرآن – سورة المائدة){ص 89 (هروبي إلى ..}،عجيب أن "يترجم"القرآن الكريم بهذه الصورة!! رغم أن الكتاب فيه بعض الآيات التي نقلت بنصها،وبالرسم كما في المصحف!! ولكن الأغرب هو هذا النص ..(حازت جملة واحدة من القرآن على اهتمامي وبقدر ما أعرف،فقد فسرت بطرق مختلفة. لو أن كل شيء موجود "يحدث"لأن الحيرة لم تنته. عندما يزيح الله هذا الازدواج،وعندما يصبح كل شيء واضحا ومكشوفا،عندها يصبح كل "شيء جاهزا ومنتهيا"(القرآن) ..)){ص 101 (هروبي إلى ..}.
    قد يكون النص الأول،والذي حدد فيه اسم السورة،يشير إلى قول الحق سبحانه وتعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) المائدة 3
    أما النص الثاني،فلم أستطع معرفة : ((يصبح كل "شيء جاهزا ومنتهيا"(القرآن) ..))!!
    لاشك أن الترجمة قدمت للحضارة خدمات كبرى .. فقد ضاعت أصول كتب لا تحصى،ولم يبق منها غير"ترجماتها"،ولا ينكر – باستثناء قلة لا ترى بالعين المجردة – فضل المسلمين،ولغتهم العربية على الحضارة الغربية،بمدها جسرا من ترجمات الكتب ..
    (إن الألسن التي تطورت في العالم الهوميري وما قبل الهوميري،تحت تأثير الهجرات والفتوحات،بغرض التواصل الفني والتجاري في آن معا،كانت ألسنا"مترجَمة".بعبارة أخرى،أسهمت الألسن،لأسباب الحرب والتجارة،في تأسيس اتصالات بين الإغريق و"البرابرة"،بين أولئك الذي كانوا يسمون أنفسهم بالمتحضرين وبين الآخرين"المبربرين". : { في الهامش : في لسان العرب"البربرة" هي الصياح والجلبة باللسان،و"البربري"هو كثير الكلام بلا منفعة"}. إن الانتقال من قاموس إلى آخر،بترجمة تصور واحد للمعنى (بالمعنى الحرفي للكلمة)إلى تصور آخر لذلك المعنى نفسه،واحد من الألغاز الجوهرية في العمل الفكري. لأنه إذا كان التواصل الدلالي،سيان الشفوي أو المكتوب،المحكي أو الفصيح،يستند إلى الكلمات التي تقومُ عليها وإلى قواعد بناء الجملة،فما الذي يظل إذن محفوظا لا يُمس عندما نستبدل بهما كلمات أخرى وقواعد أخرى؟ ماذا يتبقى عندما نستبدل الصوت والبنية والتحيز الثقافي والقواعد اللغوية؟ ماذا نترجم عندما يحدث أحدنا الآخر من لسان إلى لسان؟ ما يتبقى ليس المعنى المتأصل ولا الصوت،بل شيء آخر ينجو بعد تحول كليهما،أيا كان هذا الشيء،عندما يُجرد النص المنقول من كل شيء. لا أعلم إذا كان تعريف هذا الجوهر ممكنا،ولكننا قد نستوعبه،من باب التشبيه،بوصفه أغنية عرائس البحر){ص 199 – 200 ( فن القراءة) ..}
    وفي،الجانب "العملي" – إن صح التعبير - "قصة الحضارة"،نجد "ديورانت"يقول :
    (وترجم موسى بن طبون كتاب العناصر لإقليدس من اللغة العربية أيضا،وترجم القانون الصغير لابن سينا،وكتاب الترياق للرازي (..) وشروح ابن رشد القصير لأرسطو(..) وقد ولد يعقوب هذا في مرسيلية حوالي عام 1194 ودعاه فريدريك الثاني للتدريس في جامعة نابلي،وفيها ترجم إلى اللغة العربية {هكذا وجدتها في كناشتي ،ولعل الأقرب من اللغة العربية - محمود} شروح ابن رشد الكبرى. وكان لهذه الشروح أكبر الأثر في الفلسفة اليهودية . وكانت ترجمة كتاب المنصوري للرازي على يد الطبيب الفيلسوف شم طب"1264" (..) وترجمت إلى اللغة اللاتينية كثير من التراجم العبرية للكتب العربية من ذلك ترجمة كتاب التيسير لابن زهر إلى اللغة اللاتينية في بدوا"1280"وتمثل لنا ترجمة كليلة ودمنة لبيدبا الطريق الملتوية التي كانت تسير فيها الهجرة الثقافية : فقد ترجم هذا الكتاب إلى الإنجليزية من ترجمة أسبانية لترجمة لاتينية لترجمة عربية لترجمة فهلوية للنسخة السنسكريتية المزعومة){ ص 16 جــ6 مجلد 4 (قصة الحضارة ) / ول ديورانت : ترجمة محمد بدران"طبعة جامعة الدول العربية"}.
    هذه الأهمية الكبرى للترجمة،يبدو أنها لم تنس المترجم نفسه،لتجعل له أهمية،مثل أهمية محقق الكتب،المتميز .. كأن نقول عن كتاب أنه من تحقيق"عبد السلام هارون"مثلا.
    هذه الأهمية،أوجدت،من الناشرين،من ينتحل اسم مترجم معين،ليطرز به كتابه!! يقول "مانغويل"،حول نشر مجلة إيطالية قصة"لغز الصليب"ونسبتها إلى "بورخيس" ..( وقام بترجمتها الكاتب والمترجم القدير فرانكو لوتشنتيني,وتفضل بالسماح بنشرها بورخيس نفسه (..) وفي رسالة مفتوحة إلى جريدة لاستامبا في تورنتو أنكر لوتشنتيني أنه قد ترجم القصة يوما،فهي،كما قال،لا تشبه أي شيء كتبه بورخيس،لا بل تبدو كذلك "مكتوبة من قبل شخص شبه أمي"){ص 97 ( فن القراءة ) ..}.

    مقارنات

    كنت أمتلك ترجمتين لرواية لـ "وليم جولدنج"،تُرجمت مرة"أمير الذباب"،وترجمها آخر "لورد الذباب"،أحداهما أطلقت ساقيها للريح! بينما تترست الأخرى بالغبار .. ربما. والغبار من الأسلحة الفتاكة التي ترهبني .. أو ترعبني!!
    على كل حال،الإشارة هنا إلى فكرة وضع ترجمة لنص واحد،لمترجمين مختلفين .. وهذا ما تحقق في مذكرات أخينا مالك الشاباز – مالكوم إكس – في هذا العبارة :
    (اتضح لي أن القوة والضعف المعنويين للبلدان يظهر بسرعة على مظهر النساء في تلك البلدان وسلوكهن في الشارع ولاسيما الشابات) { مذكرات "مالكوم إكس" / ترجمة : ليلى أبو زيد}.
    وهذه ترجمة أخرى،لنفس العبارة :
    (تأكدت أن القوة الأخلاقية أو الضعف الأخلاقي لكل دولة يمكن قياسه بلباس وسلوك المرأة،وخصوصا منهن الشابات في الأماكن العامة){ (هروبي إلى الحرية ..)}
    إذا تجاوزنا الفرق بين ترجمة"بندورة"و"أبوزيد" وقد ترجم الأول العبارة عبر ترجمة "بيجوفيتش لها"،وعير كتابين مختلفين،فإننا نصطدم بترجمتين مختلفتين لعبارة واحدة،وفي كتاب واحد!!
    (قال أبو طالب : إذا أطلقت نيران مسدسك على الماضي أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك) {ص 7 ( داغستان بلدي ...}
    (إذا أطلقت رصاصة من مسدسك على الماضي أطلق عليك المستقبل قنابل مدافعه){ص 189 ( داغستان بلدي ..}،بطبيعة الحال،الكتاب مترجم من قبل الأستاذين،عبد المعين الملوحي و يوسف حلاق،فلعل كل واحد منهما،ترجم العبارة منفردا.
    لفت نظري،أيضا،ما ذكره "شارما"حين قال :
    (سمعني أحد الأشخاص أقول "إنني لست معلما"،فاقترب مني وسألني : "لماذا يضايقك أن يقول عنك الناس إنك معلم؟ إن كلمة guru في اللغة السنسكريتية – لغة الهند القديمة – مكونة من المقطع gu بمعنى "الظلام"،والمقطع ruبمعنى "يبدد". وبالتالي فإن كلمة guru ببساطة تدل على الشخص الذي "يبدد الظلام"){ص 2 ( دليل العظمة ) / روبين شارما الطبعة الثانية 2009 حقوق الترجمة العربية والنشر والتوزيع محفوظة لمكتبة جرير).
    هكذا ببساطة"يبدد الظلام"،ولكن في كتاب "بُقول"نجد معنى آخر لهذا الغورو .. (مزاول اليوغا العظيم هو من بلغ حالة التنوير الدائم أما الغورو فهو مزاول يوغا عظيم قادر على نقل تلك الحالة إلى الآخرين وتتألف كلمة غورو من مقطعين سنسكريتيين الأول يعني الظلام والثاني النور من الظلام إلى النور وما ينتقل من المعلم إلى التلميذ يدعى "مانتراتفيريا : "قوة الوعي المُنار"و بالتالي أنت تقصد الغورور ليس لتعلم الدروس فحسب كما هو الحال مع أي معلم بل ليتلفى حالته الروحية){ص 155 (طعام صلاة حب ..)}.
    ما دمنا في كتاب"بُقول"فهذه فرصة لنقطة أخرى .. حيث جاء في الكتاب،في حوار لها مع"السباك" :
    (قاطعني قائلا :"أترين،تلك مشكلتك.تتمنين كثيرا،يا عزيزتي.
    ما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا".
    منحني هذا البيت أول ضحكة في ذلك اليوم){ص 186 (طعام صلاة حب" / إليزبيث جيلبرت / ترجمة : زينة إدريس/ مراجعة وتحرير : مركز التعريب والبرمجة / الدار العربية للعلوم ناشرون / الطبعة الأولى 1430هـ = 2009}،لم تكلف أختنا المترجمة نفسها لتخبرنا عن أصل البيت الذي أضحك "بُقول"! أم أن ذلك"السباك"والمؤلفة يعرفان أمير الشعراء!!
    وفي الكتاب نفسه نجد أيضا .. (كل يغني على ليلاه){ص 389 ( طعام صلاة ..)}.
    نجد في"فن القراءة"أيضا هذه العبارة،وإن كانت تختلف عن بين من الشعر .. (وكتفسير الماء بعد الجهد بالماء){ص 47 ( فن القراءة ) ..}،ويقول المترجم،في أحد هوامشه .. (إن التعبير اللاتيني "Per ardua ad astra"،أي "بالصعاب تطول السحاب" : في الهامش : حرفيا "عبر المشقات تطول النجوم"){ص 215 (فن القراءة) ..}،ولا أدري ما الذي ألجأ المترجم إلى استبعاد المعني الحرفي،رغم وضوحه .. أم هو البحث عن السجع فقط!
    ويلفت نظرنا المترجم إلى هذا التباين في الترجمات .. كتب "مانغويل" : ( كما ينذرنا سفر الجامعة،ليس غير"باطل وقبض الريح"،فكتب المترجم في الهامش : "وفي ترجمة أخرى : "باطل الأباطيل وانقباض الأرواح"){ص 192 (فن القراءة) .. }.
    الواقع يقول أن أول ما لفت نظري في مسألة الترجمة هي رواية"دون كيشوت" كما كنا نقرأ عنوانها .. و"الدون كيوشتيون" محاربوا طواحين الهواء!! ثم قيل لنا أن خللا ما وقع فالاسم الصحيح للرواية هو"دون كيخوتة" .. ولكن لأننا ترجمنا الرواية عن لغة غربية ليس فيها حرف الخاء،فقد حصل الخطأ .. ثم قرأنا أن اسم كاتب الرواية ليس "سرفانتس" وإنما "ثرفانتس" .. أيضا لعدم وجود الثاء .. وأخيرا في كتاب"فن القراءة" وجدت التالي :
    (هذه هي المفارقة الكبرى التي يريدها ثربانتس منا مراجعتها : العدالة ضرورية،حتى لو ظل العالم ظالما){ص 133 ( فن القراءة) ... }،بينما نجد في "المكتبة في الليل"لـ"مانغويل"أيضا :
    (في فالاوليد يستطيع قراء دون كيخوتة أن يجولوا البيت الذي سكنه ميغيل دي سرفانتس بين 1602 و 1605) {ص 141 (المكتبة في الليل) ..}.
    وعلى ذكر "المتحول" ثرفانتس .. أو سرفانتس .. في مكتبتي كُتيب،كُتب عليه بالحرف :
    ((كتاب " دون كيشوت "
    بقلم عادل الغضبان / سلسلة اولادنا / دار المعارف / الطبعة السادسة / رقم الايداع 1985)) ويقع في 160 صفحة .. هكذا دون ذكر لاسم المؤلف،وبتحويل الكتاب الذي يقع في أكثر من ألف صفحة .. إلى 160 فقط!!
    في رحلة العدو خلف الترجمة،لفتت نظري هذه العبارة :
    ( وليس لهذا الدوق من ابن أو بنت سوى واحدة من أم ولد ) {ص 189 ( رحلة طافور في عالم القرن الخامس عشر الميلادي ) / ترجمة : د.حسن حبشي / مكتبة الثقافة الدينية / القاهرة / الطبعة الأولى 1423هـ - 2002}،فـ"أم ولد" يبدو مصطلحا فقيها إسلاميا!
    وفي نفس الكتاب نجد أيضا،عن وصول "المؤلف" إلى مدينة "فيرونا" ..( كما أنها قديمة جدا،والوارد عنها في الأخبار أن الفضل في تشييدها يرجع إلى جهود المنفيين الرومان الذين أطلقوا عليها اسم "فيرونا" ومعناها"ها هي ذا روما أخرى"){ص 347 (رحلة طافور في عالم القرن الخامس عشر الميلادي ) ..}،فهل يمكن لـ"في"أن تكون بمعنى" ها هي .. أخرى؟!! لعل الأقرب : هذه روما .. فيكون اسم المدينة "فيروما"!!
    عليّ أن أختم هذه الأسطر،قبل أن أتحول من "أمي في اللغات"إلى "خبير"في الترجمة!
    والخاتمة،أحسن الله لنا ولكم الختام،بالإشارة إلى بعض نتائج ضياع الأندلس،والحديث عن"دون كيخوتة"والذي زعم مؤلفه أن وجد مخطوطة الكتاب بلغة مختلفة،وترجمه له سيدي"حامد بن الأيل" .. كتب المترجم في الهامش:
    (مخطوط كاتب عربي يكتب بالخيميادو أو الألخمية AIjamfa وهي لسان رومانسي يُكتب بأحرف عربية : في الهامش : "أصل الكلمة بلفظها الإسباني هو المفردة العربية"الأعجمية"،وتشير إلى استخدام حروف الأبجدية العربية في كتابة اللغات الرومانسية ،وقد ساد بين المغاربة الإسبان والمتنصرين"الموريسكيين"){ ص 252 (فن القراءة}.


    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي

  7. #7

    رد: كلام في الترجمة

    لك نفس طويل على كتابة المفالات أجدت وأبدعت
    وعندي نص روائي بحاجة للترجمة الى الانجليزية بعد ان ترجمت للفرنسية
    ههههههههه
    على هامش المقال
    دمت بخير

  8. #8

    رد: كلام في الترجمة

    السلام علكيم أخي الكريم " رياض محمد سليم " أضحك الله سنك .. وما لي لا يكون لديّ الجلد ! وقد هجرت التلفاز .. حتى أنني عرفت بالمصادفة أن بريطانيا العظمى!!!!! أصبحت لديها رئيسة وزراء! وأن بان كي مون .. انتهت ولياته!!
    أما النص الذي يحتاج إلى ترجمة .. فتحت أمرك!!

    فقط أتعلم اللغة السريانية واللاتينية .. وصولا إلى الإنجلزية .. إن شاء الله.
    وتقبل خالص تحياتي.
    دمت بخير

  9. #9
    مدرس لغة عربية ومترجم من الفرنسية
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    المشاركات
    473

    رد: كلام في الترجمة

    رواية بلدي لـ رسول حمزاتوف pdf





    [TR]

    [/TR]


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيالكتاب: بلدي
    تأليف : رسول حمزاتوف
    ترجمة: عبد المعين الملوحي -يوسف حلاق
    الناشر: دار الفارابي -بيروت
    الحجم : 7.3 م.ب.
    عدد الصفحات: 552
    معاينة الكتاب - تحميل الكتاب

    [TR]

    [/TR]



  10. #10

    رد: كلام في الترجمة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمود المختار الشنقيطي مشاهدة المشاركة
    السلام علكيم أخي الكريم " رياض محمد سليم " أضحك الله سنك .. وما لي لا يكون لديّ الجلد ! وقد هجرت التلفاز .. حتى أنني عرفت بالمصادفة أن بريطانيا العظمى!!!!! أصبحت لديها رئيسة وزراء! وأن بان كي مون .. انتهت ولياته!!
    أما النص الذي يحتاج إلى ترجمة .. فتحت أمرك!!

    فقط أتعلم اللغة السريانية واللاتينية .. وصولا إلى الإنجلزية .. إن شاء الله.
    وتقبل خالص تحياتي.
    دمت بخير
    استاذي الكريم
    بارك الله فيكم وزادكم تقوى وايمان وعلما
    ترجمت للفرنسية على حساب دار نشر في الجزائر
    اطمح كذلك بدار نشر تتبناها للانجليزية فالوضع في فلسطين صعب
    كما تعلم
    احترامي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. كأنها .. عن الترجمة !!
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى foreign languages.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-06-2018, 02:03 AM
  2. يا غير مسجل الترجمة وأحوالها
    بواسطة سنا الخاني في المنتدى foreign languages.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-23-2017, 12:46 PM
  3. الترجمة الدبلوماسية
    بواسطة د. حسيب الياس حديد في المنتدى foreign languages.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-15-2017, 05:25 PM
  4. من مصاعب الترجمة
    بواسطة شذى سعد في المنتدى foreign languages.
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 06-15-2012, 06:21 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •