في حوار مع الشاعر إبراهيم عباس ياسين
الكلمة الأولى كانت أمي... وربما كانت هي القراءة الأولى أيضاً..
كانت أمي كتاباً مفتوحاً....
حوار سلام مراد
الشاعر والأديب إبراهيم عباس ياسين ابن الجنوب ابن حوران فيها ولد، ومنها انطلق إلى دوائر أوسع فأوسع، درس المراحل الأولى في درعا، حيث نشأ في مدينة بصرى الشام هذه المدينة الأثرية والتاريخية التي ما تزال حية وعامرة بالآثار والأوابد التاريخية ففيها مسرح بصرى الذي ما يزال صامداً في وجه العواصف والصعوبات، لأنها أنشأت على قاعدة قوية ومن حجارة الجنوب، حجارة البازلت وفي بصرى سرير الملكة، سرير الشعر والسحر والشرق، وفي بصرى أيضاً رائعة الأنباط، وتراث الآباء والأجداد ومقام الراهب بحيرة ومبرك الناقة، اجتمعت في بصرى علامات ودلالات فكان فيها الدفئ والحنان والتاريخ، هذه البيئة كانت محرضة ودافعة لكتابة الشعر والقراءة والكتابة، وخاصة قراءة تراث الأجداد والبناء عليه، ومن هذه البيئة انطلق الشاعر إبراهيم عباس ياسين ومن الجنوب انطلق شمالاً فدرس اللغة العربية في جامعة دمشق كان يسافر شمالاً وسافر شمالاً أيضاً إلى المحافظات السورية وكانت له صداقات وعلاقات مع شعراء وأدباء في أكثرية المحافظات السورية حلب وإدلب واللاذقية وطرطوس وحمص وحماه ودير الزور والرقة والحسكة، سافر إلى أماكن كثيرة ولكنه استقر في حوران هذا السهل الخصب الخير، فيها نشأ وأقام وعمل وما يزال مقيماً وباقياً، رغم الصعوبات والمعاناة، الإنسان والشاعر الذي تحدى الصعوبات وصمد مع الألم، لأنه كان مسكوناً بالأمل ومن أجل الإضاءة على تجربته وآماله وحياته كان لنا معه الحوار الآتي:
س 1 في البدء كان الكلمة، الإنسان؛ ما هي الكلمة الأولى والقراءة الأولى في حياتك؟!
ج1 ــ الكلمة الأولى والقراءة الأولى.. وبما لا أذكر البدايات بشكل واضح ودقيق.. ثمة كلمات وقراءات أولى كثيرة.. على أنني أستطيع القول وباطمئنان كبير أن الكلمة الأولى كانت أمي..
وربما كانت هي القراءة الأولى أيضاً.. فهذه المرأة ــ أقصد أمي ــ لم تكن عندي سوى كتاب مفتوح.. قرأت فيه المحبة في أجمل وأنبل تجلياتها.. وتعرفت فيه إلى الصدق. البراءة. الحنان الدافق. طفولة الروح. مكابدة الآلام بصبر وإيمان كبيرين.. الخ..
ومنه أخذت الكثير.. الكثير.. من الكلمات النابضة بالحياة والمحبة والدفء والتي نسجت منها الكثير من الأردية الشعرية لقصائدي اللاحقة.
س2 القصيدة الأولى والديوان الأول، البكور... وكيف تنظر إلى البدايات الآن؟!
ج2 ــ قبل أن أقوم في محاولة طيش طفولي بالمغامرة على إصدار مجموعتي الشعرية الأولى في دمشق في العام 1980 بعنوان "قصائد حب وغضب" وكانت سبقتها بعض المحاولات في النشر في الصحف والمجلات المختلفة.. وأذكر هنا أن أولى قصائدي المنشورة كانت بعنوان "إلى سمراء" في مجلة الأديب اللبنانية في العام 1979 وحوتها فيما بعد مجموعتي المذكورة.. واعترف هنا أنني لا أستطيع النظر بشكل حيادي أو موضوعي لتلك البواكير الشعرية.. وقد أبدي انحيازاً بائناً في النظر إليها والحنو على تلك القصائد المبكرّة.. ولكنني أستطيع القول، ودونما غرور، أن تلك المحاولات كانت تشي بولادة شاعر سيكون لديه ما يقوله شعراً مسؤولاً فيما بعد. لا توجد عندي قصيدة اسمها القصيدة الأولى.. عندي كتابات أولى كثيرة لم تكن في حقيقة الأمر سوى محاولات لمحاكاة قصائد شعراء كثيرين تعرفت إليهم سواء من خلال نصوصهم الشعرية المقررة في المناهج الدراسية أو من خلال دواوينهم الشعرية ــ على ندرتها آنذاك ــ والتي كنت أسعى للحصول عليها من المكتبة العامة للمدينة أو من المكتبة المدرسية.. ومثل هذه المحاولات كانت في سنّ مبكرة وأنا على مقاعد الدراسة الإعدادية..
ثم كان أن تبلورت تلك الكتابات الطفلية في مرحلة لاحقة بعد أن امتلكت زمام اللغة والأوزان الشعرية وبدأت تأخذ شكل القصائد الشعرية..
سواء تلك التي ترتدي اللبوس الشعري التقليدي أو الشكل المستحدث ــ قصيدة التفعيلة ــ
س3 النجوم والشخصيات الأدبية والعلمية في حياتك، من هم الأشخاص الذين ترى أن لهم فضل في قراءاتك وكتاباتك؟!
ج 3 ــ لا أنكر أن نجوماً كثيرة أضاءت فضاءاتي الشعرية وقادتني إلى منابع الشعرية.. كما أن ثمة أسماءً لشخصيات بارزة، أدبية واجتماعية، تركت بصماتها البائنة على مجمل قراءاتي ونتاجاتي الأدبية والشعرية.. ويصعب عليّ، هنا، حصر الكثير من الأسماء.. ولكني أشير بوجه عام إلى شعراء بارزين في موروثنا الشعري، على مختلف عصوره ومراحله، وعلى الأخص في العصرين الجاهلي والعباسي.. قبل أن أتعرف فيما بعد وفي مراحل لاحقة إلى شعر شعراء كثيرين في عصرنا الحاضر.. وتجارب شعرية باهرة ومهمة لا ينكرها إلا جاهل أو جاحد. (تجربة الشاعر السيّاب مثلاً، وتجربة الشاعر محمود درويش).. علاوة على تجارب إنسانية وعالمية معاصرة وإبداعات كثيرة يصح معها القول: إن الحياة، لولا الشعر، لكانت أقل جدارة من أن تعاش فعلاً.
س4 المشهد الثقافي السوري والعربي بين الأمس واليوم، الأحلام والآمال والواقع؟!
ج 4 ــ تصعب الإحاطة بالمشهد الثقافي بوجه خاص والعربي بوجه عام، ما بين الأمس واليوم، وبالتالي لا يمكن الحديث عن الأحلام والآمال والطموحات والواقع.. لكن بوسعي القول هنا، وبحذر شديد، إن هذا المشهد الراهن لا يخلو من ضبابيّة تبدو معها الرؤيا غائمة ومشوشة.. كما أن الصورة لا تدعو كثيراً إلى التفاؤل بقادم الأيام.. فالمثقف العربي، وبكل أسف، لم يشكل في مجتمعاتنا مرجعية ثقافية ومعرفية مسؤولة.. ولأسباب لا مجال لحصرها أو لذكرها الآن.. لا بل إن قطيعة كانت تبدو بائنة، وعلى الأخص في الأمس القريب، ما بين شعرائنا، مثلاً، والذين راحوا في كل وادٍ يهيمون، وبين الجمهور الذي راح يبحث عن زاده المعرفي في ميادين أخرى..
ولا بد لنا في نهاية المطاف، من وقفة هادئة ومتأنية، لمراجعة هذه العلاقة وتصويبها، والإشارة إلى مكامن الخلل دون محاباة أو وجل.. واضعين نصب أعيننا على الدوام أن الأدب كان مسؤولاً!
س5 الشعر وعلاقته بالتراث، خاصة علاقة الإنسان والشاعر العربي بماضيه، وتراثه الإنساني والشعري، وهل هذا سبب، التنابذ أحياناً ما بين المستمع والقارئ والشاعر، رؤيتك للنص والكاتب والقارئ، وكيف تكتمل عملية التفاعل والتواصل؟!
ج 5 ـــ تبدو لي ــ على الأقل ــ علاقة الشعر بالتراث، وعلى الأخص علاقة الإنسان والشاعر العربي بماضيه، وتراثه الإنساني والشعري، علاقة ذات دلالات هامة ومؤثرات بالغة الدقة. فلا يمكن لي ــ كشاعر ــ أن أنفصل عن ذلك الموروث المتجذّر في أعماقي.. وقد حاولت الاتكاء على موروثنا الشعري والديني والمعرفي بوجه في قصائد كثيرة.. مع ملاحظة أنني كنت أسعى دائماً لاستعادة التاريخ من خلال رموز وشخصيات ووقائع كثيرة.. فيما يخدم النص الشعري.. ويمنحه أبعاداً ذات دلالات بائنة فيما يخدم عملية التفاعل والتواصل مع الآخر.. القارئ أو المتلقي.. بعيداً عن التسجيلية والمباشرات الفجّة والتي من شأنها أن تعمل على التنابذ أحياناً.. ومثل هذه العملية، أقصد عملية التعاطي مع الموروث، تتطلب من الشاعر مهارة بالغة.. وبراعة في استخدام أدواته الشعرية وإدارتها بدقة وإحكام ليرتقي بقوله الشعري إلى مرتبة الإبداع الفني حقيقةً لا قولاً.. في سبيل الخروج من عباءة الماضي والتاريخ والانطلاق إلى المستقبل.. بخطاً حثيثة وواثقة.. فيما يخدم معادلة الموضوعي ما بين ماضيه من جهة وحاضره ومستقبله الآتي من جهة ثانية.
س6 علاقتك بقصائدك ودواوينك، وطريقة اختيارك للعناوين، باعتبار العنوان بوابة للدخول إلى النص والمضمون؟!
ج 6ـ من أكثر الارباكات في تجربتي الشعرية ما يتعلق باختيار عنوان ما لإحدى مجموعاتي لحظة تقديمها للطباعة والنشر. فليس من السهولة بمكان أن تقع على عنوان يقدّم للقارئ صورة متكاملة عن مجموعة قصائد قد تختلف في محتوياتها وتوجهاتها.. وكثيراً ما قمت باستبدال العنوان للمجموعة الواحدة أكثر من مرة.. كأن يتم تقديمها للطباعة تحت عنوان ما.. ثم يتم استبداله بعنوان آخر قبل أن ترى المجموعة النور، ومثال ذلك مجموعتي الشعرية "شموس في المنفى" والتي حملت بداية عنواناً آخر هو "أعلن باسمك بدء الغضب". وبوجه عام فإن عناوين أعمالي الشعرية ليست أكثر من مقاربات لمحتويات قصائدي.. وتبقى علاقتي بقصائدي ودواويني محمولة على قلق بالغ.. إذ لا أكاد أهدأ أو أستريح قليلاً بعد إصدار عمل جديد حتى تبدأ رحلة أخرى من المكابدات والمتاعب الجميلة في البحث عن عمل آخر.. يمكن أن يقدّم إضافة حقيقية، جديدة ومغايرة لما سبقه من أعمال.
سيرة ذاتية:
ــ إبراهيم عباس ياسين
ــ بصرى الشام 1954
ــ إجازة عامة في اللغة العربية وآدابها ــ جامعة دمشق ــ دبلوم في التربية.
ــ يكتب الشعر والمقال الصحفي والدراسة الأدبية والنقدية.
ــ عضو جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب.
ــ رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بدرعا.
ــ عضو شرف في اتحاد الكتاب الجزائريين.
ــ فاز بأكثر من جائزة للإبداع الشعري في سوريا والوطن العربي.
ــ صدرت له عدة مجموعات شعرية
من عناوينها:
ــ أناشيد لامرأة اسمها العاصفة
ــ شموس في المنفى
ــ أبجدية القلب
ــ بيضاء من غير سوء
ــ منازل القمر
ــ مرايا النار والورد
كرمته جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب لعام 2007م تقديراً لنتاجه الأدبي والإبداعي.