منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 7 من 7
  1. #1

    المفكران : "حاج حمد" ود.الشحرور



    المفكران : "حاج حمد" ود.الشحرور:
    "الداروينية" حين تتحزم بالقرآن (1 – 7 )
    تفضلت عليّ الأستاذة هدى المعجل بمقالتها الموسومة بـ"بعث في الأميين رسولا " فأعادتني إلى الماضي والحاضر معا!
    الماضي عندما كتبت الأستاذة نبيلة محجوب عن الدكتور المهندس محمد الشحرور ،وتفسيره للقرآن،وعلقت بما معناه أنه كلما جاء أحد بفهم جديد للقرآن يتم الهجوم عليه .. إلخ.
    وقد بعثت لها بدراسة تفصيلية قام بها الدكتور المنجد .. حول الكتاب وتقع في أكثر من ثمانين صفحة .. وفيها بعض أخطاء فادحة،وقع الدكتور المهندس – والذي يكتب خارج تخصصه – فيها لعدم قدرته على التفريق بين مادتين في القاموس!!
    وسنعود إلى ذلك بالتفصيل إن شاء الله. المهم أنني بعثت بتلك الدراسة للأستاذة نبيلة.
    أما الحاضر الذي أعادتني له الأستاذة "هدى"فهو قراءتي لكتاب الأستاذ المفكر محمد أبو القاسم حاج حمد،والموسوم بـ"جدلية الغيب والإنسان والطبيعة : العالمية الإسلامية".
    قبل عدة أشهر نصحني أحد إخواننا – أبو هاشم – بقراءة الكتاب،فلم أعثر عليه هنا .. ثم بحث لي أشرف عنه في "الشابكة"فوجد عدة نسخ واحدة نشرتها دار الساقي سنة 2012 وتقع في 792 صفحة،وأخرى نشرتها دار ابن حزم سنة 1996 وتقع في 1078 صفحة وعنوان الكتاب ( العالمية الثانية : جدلية الغيب ..) ونسخة ثالثة تقع في 662 صفيحة،وعنوانها ( جدلية الغيب .. : العالمية الثانية).
    قبل أن أتحدث عن كتاب أبين ما دفعني للكتابة عنه .. فلقد لفت نظري أن أفكار المفكرين "حاج حمد"و"الشحرور"متناثرة في خطاب من أسميهم بـ"الداروينيين الجدد" وقد اطلعت على بعض الحوارات التي تدور بينهم .. بل عرضت الحوار على بعضهم فلم يرد .. فكتبت ( حوار هادئ مع الداروينيين) معظم تلك الحوارات تنضح بأفكار المفكرين المذكورين ..مثل حديث أحدهم عن إيمانه بالسنة ولو أنه لا يؤمن بها،لما صلى الظهر أربعا .. إلخ. وهذا تقريبا نص كلام "حاج حمد"إضافة إلى الحديث عن الأخذ من القرآن مباشرة .. ورد بعض الأحاديث الشريفة بزعم أنها تناقض القرآن الكريم،حسب فهم المفكر طبعا .. بل وصل الأمر بأحد شباب الداروينيين أن قال – عن تلك النظريات التي يضرب بعضها بعضا – : هذه نظريات علمية .. حتى لو انها خطأ لا زم نؤمن بها!!
    السؤال الذي يتبادر إلى الذهن .. ما الذي جعل ألئك الشباب – ومن تخطى تلك المرحلة – ينجذبون كل هذا الانجذاب إلى تلك النظريات الغربية ،والتي كما قلنا يضرب بعضها بعضا؟
    وكان السؤال نفسه – تقريبا – قدر خطر في بالي وأنا أستمع إلى شهادات بعض الموريتانيين حول مرحلة ما بعد الاستقلال،وانتشار البعثية والناصرية واليسارية .. إلخ. كيف وجدت ذلك الرواج في مجتمع مسلم فيه قدر كبير من الاعتماد على "المحضرة"أو تعلم القرآن الكريم؟! ثم رأيت الأستاذ أحمد منصور طرح السؤال نفسه على ضيفه في برنامج "شاهد على العصر" - الصادق المهدي - عن سبب انتشار الشيوعية في المجتمع السوداني المسلم،الصوفي؟
    أعتقد أن الموضوع في حاجة إلى دراسة جادة ،وإن كانت موجودة فلم أطلع عليها،كما أعتقد أن نظم تلك الأفكار الفلسفية في إطار جامع .. لا مع .. قد يكون خلف ذلك الانبهار – إضافة إلى مبدأ الجدة أو الحداثة – بينما يتناثر فكرنا في نصوص متفرقة .. مثل قول الحبيب صلى الله عليه وسلم : " والله ما آمن .. والله ما آمن .. والله ما آمن .. من بات شبعان وجاره جائع"أو كما قال عليه الصلاة والسلام .. وهذا أصل في العدالة الاجتماعية .. ولكنه ضمن نصوص متناثرة لم ينظمها أحد في سلك واحد .. ويدعو إلى تطبيقها .
    هذا الجانب الفكري أو الفلسفي إن صح التعبير .. أما الجانب الآخر .. فهو متعلق بنقطة أشرتُ لها عدة مرات .. وملخصها أن هذا التغيير الذي يحصل في الأذهان بسبب الاحتكاك بالحضارة الغالبة،والتمدرس في مدارسها المفتوحة أي "التلفاز والسينما"وما شابههما.
    حتى أن أحدهم كتب – عند حدوث أول حالة تحرش جماعي : نفق النهضة – أن السبب هو الكبت،وعدم قدرة الشاب والشابة على اللقاء العلني في مكان عام.
    وقد أشار معظم المنشقين – إن صح التعبير – عن التيار اللبرالي أن القضية الأساسية لديهم كانت هي"النساء"وما في حكمهم .. حتى ذكر – كاتبان - أسماهما أحد الساخرين "هيئة كبار السكارى" أن الخمر لم يحرم في القرآن الكريم.
    من هنا أقول .. ودون تعميم .. أن القضايا التي تثار حول الإلحاد ليست حقيقية .. الأقرب أن نُذكر بقول أحد الغربيين :"إذا لم يكن الله موجودا .. فكل شيء مباح" .. هؤلاء – دون تعميم – أرادوا أن يكون كل شيء مباحا .. والله موجود أيضا .. ومن هنا يأتي هذا الاحتفال بالمفكرين الذين ينطلقون من القرآن .. ويُنحون السنة .. ويتبنون الفلسفات المادية .. سوءا كانت إلحادية أو غير إلحادية.. والله أعلم.
    أعقود إلى كتاب المفكر أبو القاسم محمد حاج حمد وقد قرأت الكتاب – النسخة ذات 662 صفية - ثم مررت عليه أو على ملاحظاتي مرتين .. وهو كتاب طويل .. مليء بالتكرار .. والعجيب أن مؤلفه أشار في المقدمة إلى أن الطبعة الأولى من كتابه صدرت سنة 1399هـ = 1979 في 302 صفحة فقط!!
    إضافة إلى التكرار فإن بعض هوامشه طويلة جدا ... فقد كتب مثلا :
    (كما أوضح بعضا من جوانبها الشيخ الأكبر"محي الدين بن عربي"ذو الذهنية التحليلية الفائقة القدرات،"2"){ص 173 (جدلية الغيب والإنسان : العالمية الثانية / محمد أبو القاسم حاج حمد / بيروت / دار الهدى / الطبعة الأولى 1425هـ = 2004م) }. وحين ذهبت إلى الهامش المشار إليه وجدته قد كتب : ( 2 – فلسفة ابن عربي نقيض وحدة الوجود) و تمدد ذلك الهامش من الصفحة 195 حتى منتصف الصفحة 203}!!
    كما كتب أيضا :
    ( وقد أتيت بنصف الكتاب في المقدمة){ ص 316 ( جدلية .. )}
    قبل أن نقف وقفات طويلات مع هذا الكتاب الطويل،ننبه إلى أوجه الشبه بين أفكار المفكرين "حاج حمد" – كتابه هو الأقدم – و"الشحرور"فبالإضافة إلى طول الكتابين .. والهجوم على "السلفيين" يعتمد "حاج حمد"على نظرية "داروين"في التطور .. بينما يخفي "الشحرور"ذلك!!
    نعود إلى مقالة أختنا الأستاذة"هدى" لننقل عنها بعضا من كلام المفكر "الشحرور" ،استهلت أختنا مقالتها بهذه الأحرف :
    (قال عز وجل في سورة الجمعة "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين"
    ورد في كتاب"الكتاب والقرآن"للمفكر الإسلامي (محمد الشحرور) أن (لفظة الأمي)التي وردت في الكتاب ستة مرت (..) أطلقها اليهود والنصارى على الناس الذين لا يدينون بدينهم،أي ليسوا يهودا ولا نصارى(وجاءت من كلمة غوييم العبرية"الأمم"ومن هنا جاء لفظ الأمي التي تعني 1 – غير اليهودي والنصراني 2 – الجاهل بكتب اليهود والنصارى. أما الرسول فكان من أول حياته إلى وفاته أميا بالخط لا يقرأ ولا يكتب. وورد ذلك في"العنكبوت" 48 – 49"حيث اتضحت أمية النبي في شيئين : 1- أن النبي لم يتكلم في حياته قبل البعثة عن أي موضوع من مواضيع القرآن،وإن عرف بالصدق،والأمانة،والوفاء بالكيل والميزان 2- كان أميا بالخط وقد استمرت إلى أن توفي . وقد جاءه القرآن بصيغة صوتية غير مخطوطة" ص 139 – 140 – 141- 142 بتصرف ){ أ.هدى المعجل،مقالة "بعث في الأميين" جريدة الجزيرة عدد يوم الأربعاء 29 يوليو 2015 }.
    هذا ما كتبه المفكر"الشحرور"فماذا كتب المفكر "حاج حمد"؟ كتب يقول :
    (مفهوم (الأميين)بمعنى(غير الكتابيين) وليس ( غير الكاتبين) مفهوم أساسي وتأسيسي لكثير من طروحات هذا الكتاب ){ص 126 ( جدلية .. )}
    يبدو كلام المفكر"حاج حمد"أقرب إلى روح الآية من كلام المفكر"الشحرور" فالآية الكريمة تقول :
    (هو الذي بعث في الأميين) أي الخالق سبحانه وتعالى،فهو الذي وصف أمة محمد صلى الله عليه وسلم بـ"الأميين". ويضيف المفكر "حاج حمد" :
    (وقد ذهب إلى مثل هذا التفسير بعض علماء الإسلام أمثال قتادة وابن زيد،فقد روى عنهم الطبري في تفسيره ما يشبه هذا الذي قررناه هنا من أن العرب أمة أمية،أي أنهم ليس لهم كتاب سماوي يقرأونه ويدينون به ( ..) تمييز الشهرستاني لمعنى الأميين كمقابل لأهل الكتاب،أي اليهود والنصاري ){ص 132 - 133( جدلية ...)}
    وبهذه الإشارة التي تشير إلى أن بعض السلف سبقوا إلى ما يطرحه المفكر"حاج حمد"على أقل تقدير ينتفي عن طرح "الجدة".
    وقد قال مفكرنا"حاج حمد" عن نفسه :
    (حزمت نفسي بالقرآن،محاولا الوصول إلى (مجمع البحرين) سابحا من الزوايا المحددة في الرؤية الوضعية للأمور،إلى نقطة التلاشي الغيبية ..){ص 109 ( جدلية ..)}
    ما كان لصاحب هذا القول أن يقفز فوق قول الحق سبحانه وتعالى عن اليهود : ( ومنهم أميون) : البقرة 78،في إطار أن "الأميين" غير الكتابيين .. واليهود أهل الكتاب.
    والله سبحانه هو الذي قال : "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي" الأعراف 157 ,وقال – جل من قائل – في نفس السورة : "فئامنوا بالله ورسوله النبي الأمي" : الأعراف 158.
    أشرت من قبل إلى أن من أوجه التشابه بين المفكرين .. الاتكاء على"الداروينية" .. والفرق بين المفكرين أن"حاج حمد"لا يخفي ذلك .. بل يقول :
    ( لم يكن بحثنا انتصارا للتطورية الداروينية التي يأتي القرآن بما هو أعمق منها تفصيلا في مسالة الخلق والنشأة وتصوير الكائنات ){ص 80 ( جدلية ..)}
    يشير المفكران إلى أن "البشر" أقرب إلى "البهائم" – أو هم بهائم – ثم نفخ الله سبحانه وتعالى الروح في أبينا آدم – عليه وعلى نبينا السلام – يقول "حاج حمد" :
    (قد أدى نفخ الروح الإلهي في آدم إلى ضرورة تميزه العقلي والسلوكي عن البهيمية البشرية لألئك الذين احتجت الملائكة على سلوكهم .. (..) وقتها لم يكن آدم قد خلق بعد،فوجوده لاحقا كان بغيب يعلم الله ميقاته،فلما انكشف الغيب عن هذا الميقات "ولد"آدم من أبوين بشريين حيث نفخ الله فيه الروح وعلمه الأسماء ){ص 84 – 85 ( جدلية ..)}.
    قبل نقل كلام المفكر الآخر .. كيف تجاوز المفكر"حاج حمد" قول الحق سبحانه وتعالى :
    ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون) الأنبياء 34.
    ويحلل لنا كيف خاطب الله سبحانه وتعالى خير خلقه بـ"بشر"ولم يقل .. في غير القرآن : وما جعلنا لآدمي ؟!!
    أما المفكر"الشحرور" فيقول عنه الأستاذ (المنجد) : (ويرى الباحث الكريم أن هناك جنسا بشريا وجنسا إنسانيا، وآدم هو أبو الجنس الإنساني لا البشري، والروح هي التي حولت البشر إلى إنسان، أي نقلته من المملكة الحيوانية إلى كائن عاقل واع، فقبل آدم (( كان ثمة صنف من المملكة الحيوانية يدعى البشر، ثم اصطفى الله آدم وزوجته من ذلك الصنف {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ..} {آل عمران33} لقد نفخ الله الروح في البشر فتحول إلى إنسان وتطور وتقدم، ولم ينفخ الروح في القرود فبقيت كما هي )).
    وهنا لا بد أن يتساءل القارئ عن الكيفية التي توصل بها السيد المؤلف إلى هذه الأفكار المهمة، وعن الأدلة والبراهين التي اعتمدها، دون أن يشير إلى فرضية داروين ومن بعده في أصل الأنواع، وما دام السيد الكاتب يقرأ ذلك من خلال نصوص القرآن.
    لقد استند المؤلف في رأيه حول الفصل بين الجنس البشري والجنس الإنساني إلى دليل ما بعده دليل، هو أن كلية الطب تسمى كلية الطب البشري لا الإنساني، لأنها تدرس الإنسان بصفته كائنا حيا مشابها لبقية المخلوقات، وبالمقابل هناك علوم تسمى العلوم الإنسانية لا البشرية،لأن الإنسان هو الذي أوجدها، كالقانون والسياسة والآداب والفلسفة ... لاشك أن هذا الكلام لا يمثل براهين علمية، ولا أدلة عقلية، ولا علاقة له أصلا بأي منهج علمي، وهو من ثم لا يحمل أي احترام لعقل القارئ وفكره (..) أما الآية التي أوردها المؤلف وكأنها شاهد على أن الله اصطفى آدم من المملكة الحيوانية، وهي قوله عز وجل : {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ } فقد بترها ولم يكملها وهي كاملة : {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ }{آل عمران33} وهي واضحة الدلالة فهل كان نوح أيضا وآل إبراهيم وآل عمران في المملكة الحيوانية المسماة بالبشر، ثم اصطفاهم الله من ذلك الصنف؟! )){ ص 174 - 175 مجلة (عالم الفكر) الكويتية( المجلد الثاني والعشرون – العدد الرابع – إبريل – مايو – يونيو 1993م }.
    بطبيعة الحال لم يكن المفكر"حاج حمد"في حاجة لى بتر آية من القرآن!
    وعلى كل حال .. يثير كثير من مثقفينا تساؤلات حول مهاجمة"المجتهدين الجدد" .. وأن ذلك يدل على مصادر الاجتهاد .. والذي حصل فعلا هو أن كثيرا من المثقفين يصادرون حق من يرد على تلك الاجتهادات .. فليس لدينا في الإسلام "رجال دين" .. مفكر "اجتهد" – وإن في غير تخصصه – فرد عليه آخرون .. أليس هذا من أبسط حقوقهم؟!
    بقي أن نتساءل بدورنا : أين وصل بغير المختصين اجتهادهم في الدين؟
    نعود إلى المفكر"الشحرور"والذي لم يقع كتابه بين يديّ ... ولكنني قرأت نقدا تفصيلا للكتاب ..
    هذه أسطر سبق أن كتبتها تحت عنوان"اجتهاد آخر زمن : كتاب الشحرور مثالا"
    من الواضح جدا أن الاجتهاد، أو تفسير النصوص الشرعية، أصبح مشاعا، يؤلف فيه من شاء، حتى وإن كان لا يفقه شيئا في علوم الشرع! ولا أدل على ذلك من كتاب الدكتور المهندس محمد الشحرور ( الكتاب والقرآن قراءة معاصرة)، وبين يدي دراسة مفصلة كتبها الأستاذ ماهر المنجد، وقد نشرتها مجلة (عالم الفكر) الكويتية( المجلد الثاني والعشرون – العدد الرابع – إبريل – مايو – يونيو 1993م( الصفحات من 137 حتى 225) وقد أشار إلى أن صفحات الكتاب (أكثر من ثمانمائة صفحة، ورغم ضخامته فقد طُبع أربع مرات في أقل من عام ونصف، وهو رقم مذهل بالنسبة لهذه المدة القصيرة) {خصوصا في أمة،يقال أنها لا تقرأ!!} ثم قال في الهامش:
    ( كانت الطبعة الأولى في أيلول 1990 ثم كانت الثانية في العام نفسه ( 1990) في كانون الأول، أما الطبعة الرابعة فكانت في الشهر الأول من عام 1992 وهي طبعتان عادية وشعبية وهذا يعني أن بين الطبعة الأولى والطبعة الرابعة (15) شهرا فقط أي سنة وثلاثة أشهر). الدراسة طويلة جدا ومفصلة.
    وفبعد قضية"البشر"ينتقل الأستاذ (المنجد) إلى قضية أخرى : ( ... فمسألة التناقض المزعوم بين الحنفية المتذبذبة والاستقامة الثابتة، والتي مثّلها بالتوابع المستمرة .. استغلها في فرض حالات للحدود، لعل من أهمها حالتي الحد الأعلى والحد الأدنى في التشريع والفقه، ومن هنا نجد أن السيد المؤلف يفتي بأن لباس المرأة المسلمة يتراوح بين حدين، حد أعلى وحد أدنى، أما الحد الأدنى فهو اللباس الداخلي للمرأة فقط واعتمادا على ذلك يصبح باستطاعة المرأة المسلمة أن تخرج إلى الطريق بلباسها الداخلي فقط دون أن يكون في ذلك تجاوز لحد من حدود الله .. بيد أن القصة لا تنتهي عند هذا الحد، وفتاوى السيد المؤلف وتشريعاته تتقصى الأمور حتى تصل إلى فرج المرأة وإليتيها وثدييها .. فيسميها جيوبا، ويسمح بإظهارها أمام السبعة المذكورين في سورة النور، أي الأخ والأب وابن الأخت وابن الأخ ووالد الزوج وابنه .. وحسب رأيه يجوز للمرأة المؤمنة، أن تظهر عارية تماما أمام هؤلاء المذكورين ... ويصرح قائلا نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي أي إذا شاهد والد ابنته وهي عارية فلا يقول لها هذا حرام، ولكن يقول لها هذا عيب .. ) هكذا على رأي السيد المؤلف أن يتحول بيت كل أسرة إلى نادي للعراة... ولإثبات ما يقول يستشهد بشرحه لآية (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ){ النور 31 } .. إذ رأى أن الله تعالى في هذه الآية قد أمر بتغطية الجيوب فقط، أي تغطية الفرج والإليتين والإبطين والثديين ... فهل يعقل أن يأمر الله بتغطية ما هو مغطى أصلا ؟ أتراه كان يلهو مع عباده؟{ تعالى الله علوا كبيرا ... ونحن نتفهم غضبة الأستاذ ( المنجد) عفا الله عنا وعنه ولكن كان ينبغي له التأدب مع الخالق سبحانه وتعالى} أم أن نساء العرب كن يمشين في الطرقات مكشوفات الفروج والأدبار حتى نزل الأمر الإلهي بتغطيتها؟ .. إن الجيب لغة هو فتحة الثوب وطوقه، وهذا معنى معروف جدا وشائع في الاستخدام عند العرب، ويقال جيب القميص أي طوقه، وقد يراد بالجيب الصدر، لأن الصدور تلي الجيوب وتلامسها، ومن هنا قيل : فلان ناصع الجيب، ويعني بذلك قلبه وصدره.
    ومكمن الخلل أن السيد المؤلف لا يعرف كيف يقرأ في المعجم، ولا كيف يستخرج كلمة منه، نقول هذا الكلام لأن (الجيب) من مادة (جيب) أي مما عينه ياء، ولكن المؤلف لفرط جهله بأمور اللغة فتح المعجم على مادة (جوب) ومن هنا جعل الجيب هو الفرج .. وقد نص المعجم صراحة للاحتراز من هذا الوهم في كلا المادتين، فجاء في المعجم تعليقا على (جيب القميص)، فليس من لفظ الجيب لأنه من الواو، والجيب من الياء. ثم كرر ذلك في مادة (جيب) فقال : "فليس (جيب) من هذا الباب، لأن عين (جبت) إنما هو من جاب يجوب، والجيب عينه ياء، ولقولهم جيوب" ... ومعروف أيضا أن زينة المرأة في ذلك العهد كانت على قسمين زينة ظاهرة وزينة مخفية،(..) بيد أن السيد المؤلف يفهم الزينة على نحو آخر، فيرى أن الزينة نوعان، زينة الأشياء وزينة المواقع،فالأولى هي الأشياء المضافة إلى الشيء أو المكان، والثانية هي الزينة المكانية، ويشرح الزينة الشيئية أنها الحلي والمكياج... والزينة المكانية أنها جسد المرأة كله، وهذه الزينة الجسدية منها ما هو ظاهر بالخلق كالبطن والظهر والرأس والأطراف، وهذا يجوز إظهاره حسب رأيه لقوله تعالى (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) { النور 31 } ، ومنها ما هو خفي كالجيوب التي شرحنا فهم المؤلف الخاص لها. فإذا سألنا المؤلف كيف انقسمت الزينة إلى شيئية ومكانية؟ وما الأدلة المنطقية على ذلك؟ لا نجد جوابا. فالزينة لغة هي ما يُتزين به من أشياء مختلفة، فهلا يأتينا بدليل عقلي أو فلسفي أو قرآني أو لغوي ... على زعمه بانقسام الزينة إلى شيئية ومكانية؟ وإلا فما معنى المنهج العلمي والبحث الموضوعي؟ أفلا يعني – على الأقل – الاستناد في النتائج إلى مقدمات مثبتة وملزمة منطقيا؟ ولكن السيد المؤلف يخترع المقدمات من خياله الخصيب دون أن تكون مثبتة أو مسلما بها، ثم يبني عليها{ هذا بالضبط ما كان يفعله الدكتور طه حسين، وقد جاء في كتاب ( المؤامرة على الإسلام ..) سالف الذكر عن الدكتور طه ( .. الخطأ الذي اعتاد أن يرتكبه المؤلف في أبحاثه، حيث يبدأ بافتراض يتخيله ثم يرتب عليه قواعد كأنها حقائق ثابتة، كما فعل في أمر الاختلاف بين لغة حمير ولغة عدنان التي بنى عليها نفي وجود إبراهيم وإسماعيل وهجرتهما إلى مكة وبناء الكعبة، التي بدأ فيها بإظهار الشك ثم انتهى باليقين وكل ما استند عليه من أدلة هو ( فليس يبعد أن يكون – فما الذي يمنع – ونحن نعتقد – وإذن فليس ما يمنع قريشا أن تقبل هذه الأسطورة وإذن نستطيع أن نقول ) ص 25 من الكتاب المذكور.} .. فيخرج بنتائج مبنية على افتراضات فاسدة.
    وبتعبير أدق نقول إن عند المؤلف أفكارا محددة وجاهزة يريد أن يطرحها، فيخترع لها المقدمات زاعما أنها هي التي أوصلته إلى هذه الأفكار، نحن لا نقول هذا الكلام إلا بعد أن تمثلنا كتابه جيدا،وبعد أن وقفنا على كثير من القضايا التي توضح طريقة المؤلف الحقيقية في فرض أفكاره .. فهل هذا هو المنهج العلمي الذي كان يقصده بقوله : " وضعت منهجا علميا في فهم الكتاب" ؟ وهل هذا هو البحث الموضوعي الذي قصده بقوله : " كان رائدنا هو البحث عن الحقيقة بشكل موضوعي"؟ ....)){ 204 – 207 من المجلة}.
    نكتفي بدراسة الأستاذ "المنجد"في الحديث عن المفكر"الشحرور"والذي لم نقرا كتابه – كما سبقت الإشارة - لنوسع الحديث أو الحوار مع كتاب المفكر"حاج حمد"
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله

    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني

  2. #2


    المفكران : "حاج حمد" ود.الشحرور:
    "الداروينية" حين تتحزم بالقرآن (2)

    في مستهل هذه الحلقة نُذكر بما توصل إليه اجتهاد المفكر الدكتور المهندس محمد الشحرور .. أعني قوله،الذي نقله عنه الأستاذ"المنجد" نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي أي إذا شاهد والد ابنته وهي عارية فلا يقول لها هذا حرام، ولكن يقول لها هذا عيب .. ).
    إن مثل هذا الاجتهاد،والذي انطلق من القرآن الكريم – المصدر الأول للتشريع – ينهي الجدل الذي طال حول (حجاب المرأة) .. فإذا أجاز القرآن للمرأة المسلمة أن تظهر بملابسها الداخلية أمام السبعة المذكورين في سورة النور .. فإن كل حديث عن (تغطية الوجه) هو نكتة لا تضحك .. فكيف لا يبايع من أرقتهم قضية الحجاب هذا الفكر الجديد؟!
    وبشكل عام لا تمثل الأخلاق شيئا ذا بال لدى الفلسفة المادية،وعلى رأسها الداروينية بطبيعة الحال .. (تساءل"ماندفيل" أستاذ علم الأخلاق الإنجليزي"ما أهمية الأخلاق لتقدم المجتمع والتطور الحضاري؟ وأجب ببساطة :"لا شيء،بل لعلها تكون ضارة"){ ص 192 ( الإسلام بين الشرق والغرب) / علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : محمد يوسف عدس / القاهرة / دار الشروق / الطبعة الخامسة 2014م}.
    لا غرو إن رأى الماديون أن الأخلاق لا قيمة لها .. فلا فرق عندهم بين الإنسان والحيوان ..(يقول الماديون إن الإنسان هو الحيوان الكامل"home Machine،L"،وإن الفارق بين الإنسان والحيوان إنما هو فرق في الدرجة وليس في النوع،فليس هناك جوهر إنساني متميز { في الهامش : "يقول"جون واتسون" : في المجلة النفسية :"إنه لا يوجد فاصل بين الإنسان والبهيمة"} والذي يوجد فحسب،"فكرة تاريخية واجتماعية محددة عن الإنسان"والتاريخ الاقتصادي والاجتماعي وحده هو التاريخ الذي يوجد على الحقيقة.(..) لقد أخذ "داروين "هذا الإنسان اللاشخصي بين يديه ووصف تقلبه خلال عملية "الاختيار الطبيعي"حتى أصبح إنسانا قادرا على الكلام،وصناعة الأدوات،يمشي منتصبا. ثم يأتي علم البيولوجيا ليستكمل الصورة،فيرينا أن كل شيء يرجع إلى الأشكال البدائية للحياة والتي هي بدورها،عملية طبيعية كيميائية .. لعب بالجزئيات. أما الحياة والضمير والروح فلا وجود لها،وبالتالي ليس هناك جوهر إنساني){ ص 66 - 67( الإسلام بين الشرق والغرب) / علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : محمد يوسف عدس / القاهرة / دار الشروق / الطبعة الخامسة 2014م}.
    نعود للحديث عن المفكر الآخر الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد. ولا يخفى على متتبع حب المثقف المحدث للحديث عن "الفلسفة"وكأنه يأنف من هذه البساطة التي يمتاز بها الإسلام!!
    والفلسفة كما أفهمها هي البحث عن (الحق) عن طريق العقل المجرد... وذلك يعني ببساطة ان صاحبها لن يصل إلى "أمر"أو"نهي" أو"جنة"أو"نار"..إلخ... وقصارى جهده أن يصل إلى وجود "المحرك الأول".
    ثم وجدت المفكر علي عزت بيجوفيتش يقول :
    (وصف أرسطو مهمة الفلسفة "ما تمّ البحث عنه منذ أمد بعيد،وما سيستمر البحث عنه وسيبقى خلافا". أي ما هو الكائن وبالأحرى ما هو الكون؟ بلور أرسطو السؤال في كتاب الميتافيزيقيا،والذي يعتبره البعض حجر الأساس لمجمل الفلسفة. ويعتقد"هايدجر"بأن ما توصل إليه "أفلاطون وأرسطو"تم تبنيه في كل أنواع محاولات الفلسفة بعمومها. والبعض يسمي ميتافيزيقا أرسطو أم الكتب،ويعتبره حجر الأساس لكل التاريخ الأوربي الغربي "توماس لادن مترجم الميتافيزيقا إلى لغتنا"){ ص 261 ( هروبي إلى الحربة ) : علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دمشق / دار الفكر / الطبعة الثالثة 1429هـ = 2008م}.
    إذن "وسيبقى خلافا"تكاد أن تكون مربط الفرس .. فالفلسفة – بعيدا عن نور الوحي : لمن يؤمن بالخالق سبحانه وتعالى - تهويم في عالم الأفكار .. التي قد يهدم بعضها بعضا .. في دوران لا ينتهي.
    مع أن الحديث هنا عن المفكر"حاج حمد"إلا أنني سأبدأ بكلام جاء في مقدمة الكتاب.
    يقول الأستاذ الدكتور طه جابر العلواني،عن المفكر"حاج حمد :
    ( وأهم من هذا أنني وجدت إنسانا يأتي إلى القرآن العظيم محاولا التحرر من فكره وثقافته الوضعية وأي أفكار أو فلسفات كان قد اكتسبها،ليجلس في رحاب القرآن الكريم متدبرا متذكرا بفقر شديد واستلام لمحدداته ومؤشراته وموجهاته){ ص 15 ( جدلية الغيب والإنسان والطبيعة : العالمية الثانية ) / أبو القاسم محمد حاج حمد / بيروت / دار الهادي للطباعة والنشر / الطبعة الأولى 1425هـ = 2004م}
    فهل فعلا تحرر المفكر "حاج حمد"من ثقافته الوضعية؟ إن المادية الماركسية تصرخ في كل سطر – أو تكاد – كتبه ... فهو يقول :
    (فالحقائق العلمية – على نسبيتها التاريخية – لا تعطي في حال تماسكها وتكاملها،أي في حال وحدتها إلا المنهج الجدلي المادي كما صاغته الماركسية){ ص 161 ( جدلية ..)}
    فهل يوافقه الجميع على أن الحقائق العلمية – على جدليتها – تنتهي إلى الماركسية؟
    أعتقد أن كل مهتم بالفلسفة يعرف منهو كارل بوبر{ 1902 – 1994 } والذي نُعي عند ،بأنه خر فلاسفة القرن العشرين .
    جاء في كتاب"حاضر العالم الإسلامي" :
    من بين ما قاله كارل بوبر في هذا الصدد سواء في هذا الكتاب"بؤس التاريخانية"أو في كتابات أخرى أن الماركسية مثلها في ذلك مثل نظريات علم النفس الفرويدية والأدلرية أو سواهما،ليست بالنظريات العلمية لأن تأكيداتها ليست قابلة للتخطيء العلمي الصارم) { عن كتاب"حاضر العالم الإسلامي عام 1991م : سقوط الماركسية}.
    وما أشد التباين بين أن تكون الماركسية هي النتيجة النهائية للحقائق العلمية – كما يرى المفكر المسلم"حاج حمد" – وأكونها ليست نظرية علمية أصلا .. كما يرى الفيلسوف غير المسلم "بوبر"!
    كما يقول المفكر المسلم ،وابن الثقافة الغربية نفسها علي عزت بيجوفيتش عن ماركس نفسه :
    ( كان ماركس تلميذا "لداروين" أكثر مما كان واعيا بذلك. أعلن داروين حربه القاسية للنوع في العالم البيولوجي. و"ماركس"أعلن حربه غير الرحيمة للطبقة في الحياة الاجتماعية. وفي كلتا الحالتين فإن الأسباب الأخلاقية لم يكن لها أي تأثير،لا في الحرب،ولا في نتائجها ،ولا ينتصر الأحسن إنما الأقوى. والقيم الأخلاقية تتطابق مع المنتصر. لا تنتصر الاشتراكية بسبب بعض الأولويات الأخلاقية،وإنما لأنها تمثل شكلا تقديما للحياة الاجتماعية كما يبرهن ماركس. سبب ماركس هو تماما دارويني!){ ص 172 ( هروبي إلى الحربة ) : علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دمشق / دار الفكر / الطبعة الثالثة 1429هـ = 2008م}.
    لا يقف أمر المفكر"حاج حمد"عند رأيه ذلك في الماركسية .. بل يسل قلمه ليبكي على أطلالها .. وأنها تجربة أجهضت!! هذا في كتاب يفترض أن صاحبه "تحزم بالقرآن"ونبذ ثقافته الوضعية يقول مفكرنا الكريم :
    (صحيح أن التجربة الاشتراكية قد أجهضت في الاتحاد السوفيتي وهذا ما كنا نلاحظه منذ صدور العالمية في عام 1979 ){ص 149 (جدلية .. )} ويفرد صفحات للحديث عن ذلك الإجهاض مستشهدا بكلام بعض الماركسيين .. ويمتد ذلك من الصفحة رقم 149 وحتى الصفحة رقم 153
    ويقول أيضا :
    (وكما بحثنا بمنطق ماركسي عامل التشكل القبلي الذي يحول دون مقومات التطلع نحو الوحدة التي افترضها مروة (..)نعود وبمنطق الماركسية لدراسة أثر الصحراء ..){ ص 351 ( جدلية ..)}
    ويضيف في مكان آخر :
    ( على هذا النحو صاغت الماركسية نظريتها حول تشكل البنية الذهنية (..) وليس لنا أن نطلب الآن سوى تطبيق هذه النظرية بحذافيرها على علاقة"القرآن"بوصفه محصلة وعي أيديولوجي على الواقع الاجتماعي){ص 361 (جدلية ..)}.
    فهل يقال عن هذا المفكر بأنه .. (محاولا التحرر من فكره وثقافته الوضعية وأي أفكار أو فلسفات كان قد اكتسبها)؟!!
    بل إنني وجدت تطابقا عجيبا بين "مفكرنا"وبين"إنجلز" !!
    مع أن "الداروينية"ركيزة من ركائز المفكر"حاج حمد" إلا أنه يأتي في لحظة ليقول :
    ( بالنسبة لنا يختلف منظور التطور باختلاف الذهنية ومقومات تكوينها،فولادة الشيء من نقيضه ولادة ممكنة . ربما لا يكون"داروين"محقا في تحقيقاته حول أصل الإنسان أو مراحل نشوئه. فالمعلومة العلمية قابلة للنفي والإثبات وبالذات في تعاملها مع ظواهر تمتد في تكوينها إلى ملايين السنين ){ ص 641 (جدلية ...)}
    يقول مفكرنا الآخر"بيجوفيتش" :
    ( أكثر الأمثلة تعبيرا عن هذا الموقف يبدو في الإصرار العنيد على أن العلاقات الجنسية كانت حرة حرية كاملة طول حقبة من الزمن قبل التاريخ "كل امرأة لجميع الرجال،وكل الرجال لجميع النساء". ورغم أن"أنجلز"اعترف صراحة بأنه لا يوجد دليل مباشر على أن الأوضاع كانت على هذا النحو،إلا أنه يصر على هذا الرأي في كتابه"أصل الأسرة". من البين إذن،أن العامل الحاسم في القضية كان قرارا أيديولوجيا وليس الحقيقة العلمية){ هامش ص 96 ( الإسلام بين الشرق والغرب) / علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : محمد يوسف عدس / القاهرة / دار الشروق / الطبعة الخامسة 2014م}.
    إذا : "إنجلز"لا يملك أدلة على نظريته .. ومع ذلك يصر عليها .. و"حاج حمد"لا يهمه في لحظة ما أن يكون "داروين"مصيبا أم مخطأ!!
    ويصل الأمر بمفكرنا إلى وصف الشريعة الإسلامية بأنها "شوهت وخلخلت الميلاد الطبقي"!! :
    (بالطبع قد أتينا على نماذج من هذه القوانين وتطبيقاتها،على أن الخلاصة في ذلك هي أن التشريعات الإسلامية قد شوهت وخلخلت الميلاد الطبقي وحدت من الصراعات،فأبقت المجتمع العربي وإلى القرن الثامن عشر الميلادي تقريبا،بمعزل عن البلورة الطبقي){ ص 561 ( جدلية ..)}
    لا يتعلق الأمر باعتماد "الماركسية"كنهاية للحقائق العلمية،بل المادية تبرز رأسها بين أسطر المفكر الكريم:
    (فالنبوة تجربة عملية بيانية،والمنهج تجريد نظري دقيق .. التجربة العملية البيانية تتعلق بخصائص فردية ومحلية ويحكمها الظرف التاريخي والاجتماعي (..) وارتباط العالمية الإسلامية الأولى بالتجربة المحمدية فكان هو القدوة والأسوة الحسنة ضمن ظرف تاريخي واجتماعي محدد يلقي بخصائصه وظلاله على التركيب العام للتجربة){ ص 620 (جدلية .. )}
    ألا يعني هذا أن الظرف التاريخي والاجتماعي إذا اختلف ،اختلف النظر إلى "التجربة المحمدية" – كما يسميها على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسلم – واختلف بالتالي اعتباره صلى الله عليه وسلك "قدوة وأسوة"؟!
    في الحلقة القادمة إن شاء الله .. سنرى تجلي هذه المادية التي صاغ بها "حاج حمد"فلسفته .. وذلك حين يوجه اللوم إلى الأنبياء الكرام .. وينتقدهم ... وهذا كله في إطار "التجربة المحمدية" و"التجربة الموسوية" – على صاحبيها الصلاة والسلام - ولكن قبل ذلك .. سنختم هذه الحلقة بملاحظة لـ"بيجوفيتش" ..وضعها في كتابه (الإسلام بين الشرق والغرب) ..
    (مصطلح "دين"في هذا الكتاب يشير إلى المعنى الذي تنسبه أوربا إلى"الدين"وتفهمه على هذا النحو،وهو أن الدين تجربة فردية خاصة لا تذهب أبعد من العلاقة الشخصية بالله،وهي علاقة تعبر عن نفسها فقط في عقائد وشعائر يؤديها الفرد. وعليه،فلا يمكن تصنيف الإسلام كدين بهذا المعنى،فالإسلام أكثر من دين لأنه يحتوي الحياة كلها){ هامش ص 49 ( الإسلام بين الشرق والغرب) / علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : محمد يوسف عدس / القاهرة / دار الشروق / الطبعة الخامسة 2014م}.
    من لوم الأنبياء – عليهم السلام – ولفت نظرهم، تبدو "تجربتهم" لدى "حاج حمد" .. وكأنها غير مسددة بالوحي .
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله.



    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني

  3. #3
    لمفكران : "حاج حمد" ود.الشحرور:
    "الداروينية" حين تتحزم بالقرآن (3)
    إذا كنا قد ختمنا الحلقة الماضية بالحديث عن الدين في النظر الثقافة الغربية بصفته "تجربة" .. فإننا نشير في مستهل هذه الحلقة إلى الفرق البين بين "الدين" – بصفته وحيا من الخالق سبحانه وتعالى – وبين"الدين"كما تنظر إليه الفلسفات المادية.
    الأمر في غاية البساطة هما طريقان لا يلتقيان أبدا فالدين بصفته وحيا ... يبدأ – في علاقته بالبشر - من خلق الله سبحانه وتعالى لأبينا آدم – عليه وعلى نبينا السلام – أي في تلقي الأوامر مباشرة من الخالق – سبحانه وتعالى – والكلام معه .. ثم الهبوط من الجنة .. وتباين مسيرة البشر .. بين علو مستضيء بنور الوحي ... إلى تردي في دركات ظلام الجهل .. حتى ينتهي الأمر كما في الحديث الشريف .. أن الساعة لا تقوم إلى شرار الخلق ... أو همج كالدواب .. إلخ.
    أما طريق الفلسفة المادية"الداروينية" فعلى العكس من ذلك تماما .. إنها تبدأ من "الأميبا" .. صاعدة حتى ينتصب "الإنسان"على قدميه .. وصولا إلى "الإنسان الكامل" .. وشتان بين الطريقين.
    من نتائج الفلسفة المادية التي انتهجها مفكرنا"حاج حمد"التعامل مع الأنبياء عليهم السلام،بعيدا عن مكانتهم التي وضعهم الله فيها،واصطفاهم لها.
    وإنك لتعجب أشد العجب أن تجد مفكرنا الكريم يقول :
    (حزمت نفسي بالقرآن،محاولا الوصول إلى (مجمع البحرين) سابحا من الزوايا المحددة في الرؤية الوضعية للأمور،إلى نقطة التلاشي الغيبية ..){ص 109 (جدلية الغيب والإنسان والطبيعة : العالمية الإسلامية الثانية) / محمد أبو القاسم حاج حمد / دار الهدى + مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد / الطبعة الأولى 1425هـ = 2004م)}
    ثم يلقي الكلام جزافا دون أن يقف مع القرآن الذي تحزم به!!
    بل إنه يستعمل عبارات ربما كان من غير اللائق استعمالها مع الخالق سبحانه وتعالى،فهو يقول :
    ( كان الله يدرك أقصى القدرات التي أتاحها للعربي في هذا الدور العالمي .){ص 401 ( جدلية ..)}
    هل يوصف الله سبحانه وتعلى بأنه "كان يدرك"؟!!
    ويستعمل العبارة نفسها مع النبي صلى الله عليه وسلم،فيقول عنه :
    (كان محمد من بين العرب يدرك دوره العالمي وأبعاد رسالته الحضارية الكونية ){ ص 399 ( جدلية ..)}
    ويقول عن كليم الله موسى عليه وعلى نبينا السلام :
    (إن أهمية التجربة الموسوية أنها قد منحت موسى"بعدا غيبيا"في تفكيره للتأكيد على وجود الله في الفعل الإنساني والحركة،دون حلولية (..) ولكنها لم تمنحه "علما غيبيا"في إطار منهجي){ص 237 ( جدلية ..)}
    بل يصل به استعمال الألفاظ جزافا لدرجة أنه يصف الخالق سبحانه وتعالى بـما يُوصف به البشر من "نقد"و"تحليل"فيقول :
    (وقد تكاملت هذه المعاني بالفرضيات العكسية التي ساقها الله في الأصل نقدا وتحليلا لأوضاع الحضارات المادية الوضعية) { ص 588 (جدلية ..)}
    كما يقول عن الأنبياء جميعا عليهم السلام :
    (الأنبياء جميعا – من قبل محمد – صعب عليهم أن يمارسوا تجارهم الدعوية دون معجزات وخوارق ){ ص 415 ( جدلية ..}
    و"صعب عليهم"هذه إنما هي إطار التجربة في منطقوها المادي.
    أما كون نبينا صلى الله عليه وسلم لم يكن شاعرا .. فهذا في النص القرآني يأتي بـ"وما علمناه الشعر وما ينبغي له"
    أما في إطار الفلسفة المادية عند مفكرينا فالأمر مختلف تماما،فهو يقول :
    (نجد أن محمدا لم يكن شاعرا بل ظل من بلغاء اللغة على مستوى النثر فقد كان عقله تجريديا إلى حد كبير يعاني النفاذ إلى عمق الأشياء ولا يستطيع أن يقيد اندفاعه التأملي بأطر إنشائية جمالية بحتة){ ص 596 (جدلية ..)}
    فالقضية في الاختلاف بين العقل التجريدي وغير التجريدي !!
    ثم يعود في إطار التكرار ليكرر الحديث عن الأمر :
    (فالعربي كان متفردا في لسانه تفرد الشاعر،وليس تفرد الفيلسوف ،وكان"محمد"يرقى على تلك البيئة بعقليته التجريدية النفاذة التي جعلته مهيأ لتلقي المنهج الإلهي،وبحكم تلك العقلية التجريدية لم يستطع "محمد"مع فصاحته أن يكون شاعرا،وما ذلك إلا للفارق بين عقلية يغب عيها المعنى وعقلية الشاعر التي يغلب عليها المبنى،ولعلنا نلاحظ في النماذج المتقدمة "لابن عربي"و"الحلاج"و"ابن الفارض"غموض الشعر بتحميله المعاني التجريدية وخروجه عن تركيبته الجمالية){ ص 632 ( جدلية ..)}
    فالرسول صلى الله عليه وسلم ما منعه من قول الشعر إلا "عقليته التجريدية"!! ويضرب مثلا – للمقارنة بين العقليتين – بالحلاج .. وابن عربي!!!
    ثم يطور الأمر ليقول أن الفرق بين الشعر والقرآن نفسه .. مثل الفرق بين الله والإنسان :
    (فهم المفسرون في العالمية الأولى الأمر خطأ،فكما صادروا الفعل البشري بالقهر الإلهي صادروا الشعر بالإعجاز القرآني،ولا يتجاوز الأمر حقيقته سوى فوارق نوعية كالفارق بين الله والإنسان ){ ص 598 – 599 ( جدلية ..)}
    نعود إلى ما أشرنا إليه من قبل حول قفز مفكرنا فوق بعض الآيات التي تنقض ما ذهب أليه ..فهو يقول :
    (فالاسترجاع النقدي القرآني لا يتم على مستوى تصحيح الوقائع فقط،كأن نقول أنه ليس لنوح ذرية أصلا (..) أو أن آدم قد خلق عبر توسطات جدلية){ص 73 ( جدلية الغيب .. }.
    ثم كرر الكلام :
    (وبتعميق البحث قرآنيا تبين لنا أن لا ذرية لنوح أصلا) {ص 74 (جدلية ..)}
    ولم يكلف نفسه أن يحلل لنا معنى قول الحق سبحانه وتعالى :
    "وجعلنا ذريته هم الباقين" الصافات 77
    ثم يعرج على رعي الأنبياء – عليهم السلام – للغنم .. فينفيه نفيا قاطعا،فيقول :
    ( ليس بين الأنبياء من كان راعيا : كلما ذكرت النبوات استدعت الذاكرة الشعبية الصحراء ورعي الأغنام والتأمل،وهذا أمر يحتاج إلى مراجعة تاريخية دقيقة،(..) فنوح عالم رياضيات وفلك في بابل الأولى،وإبراهيم كان من عائلات "أور"القائمة على سدانة الهيكل،وموسى نشأ في بلاط فرعون حيث العلوم الرياضية والفلكية وليس هناك من رواية تاريخية موثوقة بأن محمدا كان يمتهن رعي الأغنام في صباه كما لم يثبت أنه تاجر لخديجة في أموالها أو ذهب مع عمه إلى الشام على طريق بصرى.){ص 209 ( جدلية ..)}
    أما قوله " وليس هناك من رواية تاريخية موثوقة بأن محمدا كان يمتهن رعي الأغنام"فهي غريبة جدا!! فالمصدر الوحيد الذي تم الحرص على نقله بدقة هو السنة المطهرة،وقد جاء فيها أنه صلى الله عليه وسلم رعى الغنم. فعن أية رواية تاريخية يبحث؟!!
    هنا تجدر الإشارة إلى أن لمفكرنا – كما لكل "دارويني" – موقفا من السنة،ليس نفيا لها على الإطلاق،وإنما زاعما ردها بالقرآن .. من حيث الأساس .. ثم يتوسع في نفيها،أو القفز فوقها .. كأنها غير موجودة – أو لم يطلع عليها - وسنفصل في ذلك إن شاء الله.
    العجيب في النفي القاطع لرعي الأنبياء عليهم السلام للغنم .. أن مفكرنا لم يخبرنا ما الذي كان يفعله سيدنا موسى عند سيدنا شعيب – عليهما وعلى نبينا السلام – عندما استأجره تلك الحجج المعدودة؟
    ونقطة أخرى،يقول مفكرنا الكريم :
    (كذلك لم يعتبر قوم نوح الفلك معجزة ،وإلا لكانوا قد آمنوا ،بل كانوا يسخرون){ص 76 ( جدلية .. )}.
    أولا : من قال أن السفينة نفسها معجزة،وقد جاءت بعد قول الحق سبحانه وتعلى "ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" هود 37 ،والمعجزة تأتي قبلُ لتقيم الحجة .. أما وقد صدر الأمر الإلهي بهلاك قوم سيدنا نوح عليه وعلى نبينا السلام .. فلا معنى للمعجزات.
    ثانيا : أين مفكرنا من قول الحق سبحانه وتعالى : "بوحينا"!
    ثالثا : على سبيل المثال : هل آمن قوم سيدنا صالح – عليه وعلى نبينا السلام – وقد أخرج لهم ناقة من صخرة .. ناقة تسير وتشرب ،وتحلب اللبن؟!
    فقوله : " وإلا لكانوا قد آمنوا "عجيب جدا!! .. بل القرآن نفسه يقول : "وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون" الإسراء 59.
    نعود لنكمل الحديث عن أكبر نتائج تبني الفلسفة المادية لدى مفكرنا"حاج حمد"أعني الإساءة إلى أنبياء الله عليهم السلام، فمفكرنا يقول عن نبي الله سليمان – عليه وعلى نبينا السلام – :
    ( كان "سليمان" قد غضب جدا حين تفقد الطير ولم ير الهدهد وما كان له أن يغضب وما كان عليه أن يتوعد ،فلو أمضى "سليمان" النظر في كيفية حشر هؤلاء الجنود له لأدرك أن الأمر قد تم بقوة التسخير الإلهي المطلق الذي لا يغرب عنه شيء (..)وإنما لحكمة كان يتوجب على "سليمان"التريث لديها قبل وضع الهدد بين تبرير الغياب أو الإعدام والتعذيب. فالخطأ حين يرتد إلى القدرة فإنما تعالجه المغفرة والرحمة وليس بالارتداد إلى السطوة،وهذا مظهر من مظاهر الفارق القائم دائما بين تصرف العبد بالقدرة الجزئية وتصرف الله بالقدرة المطلقة (..) ولو وقف سليمان لدى أقوال الهدهد لوجد فيه عبدا من عالم الطير كامل الإيمان بالله. ){ص 203 - 303 ( جدلية ..) }
    فهل كان سيدنا سليمان – عليه وعلى نبينا السلام – يجهل أن الهدهد عبدا من عالم الطير كامل الإيمان؟!!
    المفكر والتبني
    تبدو قضية التبني وانعكاساتها السلبية محورية في طرح مفكرنا الكريم ،فهو يقول :
    (وهناك حالة يوسف الذي تبناه العزيز،إذ لم تستطع امرأة العزيز وهي في مقام أمه بالتبني أن تمسك نفسها عنه،ثم أنه"نفسيا"قد هم بها ولم يفعل : (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ..) يوسف 24
    وقد أشار الله إلى تبني عزيز مصر ليوسف "عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا" وهكذا بدأ المحذور،ثم أشار الله إلى محذور آخر وهو مساكنة المتبنى لعائلة من يتبناه تحت سقف واحد ،ولتدقيق هذا الأمر نصت الآية على"وراودته التي هو في بيتها"فالإشارة المباشرة هي إلى المساكنة وتأتي الإشارة إلى امرأة العزيز هنا ضمنا. فالتبني له محاذيره وبالمساكنة تتضاعف المحاذير.
    مشكلة التبني وحساسية الطرح :
    ليس عبثا وليس لمجرد السرد التاريخي بأتي القرآن ويكشف عن هذه الوقائع الحساسة. فالله يحذرنا في القرآن حتى عن الخوض في أحاديث من شأنها كشف عورات الناس وخباياهم حتى لا يعتاد المجتمع ذيوع الفواحش بإكثار القول عن تفشيها :"إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون "النور 19
    مع ذلك وفي حالات ثلاث،فقد كشف الله أمروا لا يعلمها إلا هو – سبحانه – بالذات. فهو وحده من كان يعلم بأن ابن نوح ليس بابنه،ووحده كان يعلم أن يوسف قد هم بها نفسيا ووحده كان يعلم ما يخفيه محمد في نفسه .(..) كل هذا من أجل منع التبني والمساكنة خلافا لما يظنه كثيرون ويتهمونه فعلا للخير ..) {ص 78 ( جدلية ..)}.
    ومن الصفحة 78 يعود ليكرر الأمر مرة أخرى :
    ( ولكن بأسلوب خاص ومتميز في التحليل ضمن السرد "وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون" يوسف 23 بما يعني تحليلا للحالة التي تمت ضمنها المراودة فالأمر ليس محض رغبة جنسية كما فهمه بعضهم ){ ص 394 – 395 ( جدلية ...)}.
    ثم يكرر الأمر أيضا :
    ( وما كان الله ليطلعنا على خفايا نفوس الأنبياء"كمحمد"و"كيوسف"وكغيرهم "تسلية"لنا،وإنما لأمر عميق يتكافأ في عمقه مع الكشف عن هذه البواطن،فحين يكشف الله لنا في"يوسف "الصديق (إنه قد هم بها وقد همت به)وحين يكشف لنا في "محمد"(وتخفي في نفسك ما الله مبديه) فليست المسالة سطحية ..){ ص 631 ( جدلية ..)}
    قضية سيدنا يوسف – عليه وعلى نبينا السلام – أشبعت طرحا وخلافا،حول "هم بها " ولكن الذي يستحق التوقف عنده،من أين – في كتاب الله – جاء المفكر بأن "العزيز"قد تبنى سيدنا يوسف – عليه وعلى نبينا السلام – فالآية تقول "أو نتخذه ولدا"فهذه "أو"التي تفيد الاحتمال .. لا أعتقد أن في القرآن ما يرجح "التبني".. وخصوصا إذا نظرنا إلى قول سيدنا يوسف – عليه وعلى نبينا السلام – "معاذ الله إنه ربي"ولم يقل إنه"أبي"كما أن "النسوة"لو أن عملية التبني قد حصلت لقلن – في غير القرآن – تراود ولدها . .. وهذا أشد مكرا .. ونكيرا.. كما أن سيدنا يوسف – عليه و على نبينا السلام – قال للرسول :
    ارجع إلى ربك فاسأله" مما يؤكد استعمال القرآن الكريم لـ"رب"بمعنى سيد .. والله أعلم.

    أما ما يتعلق بالحبيب صلى الله عليه وسلم،وقد زعم بعض المفسرين أن الذي أخفاه الحبيب صلى الله عليه وسلم هو"حب زينب"وقد كتب الشيخ الأمين – رحم الله والديّ ورحمه – في "أضواء البيان" في الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يخف "حب زينب" :
    (والدليل على هذا أمران :

    الأول : هو ما قدّمنا من أن اللَّه جلَّ وعلا قال : ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ

    مُبْدِيهِ ) ، وهذا الذي أبداه اللَّه جلَّ وعلا ، هو زواجه إياها في قوله : ( فَلَمَّا

    قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا ) ، ولم يبدِ جلَّ وعلا شيئًا ممّا زعموه أنه أحبَّها

    ، ولو كان ذلك هو المراد : لأبداه اللَّه تعالى ، كما ترى .

    الأمر الثاني : أن اللَّه جلَّ وعلا صرّح بأنه هو الذي زوّجه إياها ، وأن الحكمة

    الإلهية في ذلك التزويج هي قطع تحريم أزواج الأدعياء في قوله تعالى : ( فَلَمَّا

    قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ

    أَدْعِيَائِهِمْ ) ، فقوله تعالى : ( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ ) : تعليل صريح

    لتزويجه إياها ، لما ذكرنا ، وكون اللَّه هو الذي زوّجه إياها لهذه الحكمة

    العظيمة صريح في أن سبب زواجه إياها ليس هو محبّته لها التي كانت سبباً

    في طلاق زيد لها – كما زعموا ، ويوضحه قوله تعالى : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا

    وَطَراً ) الآية ؛ لأنه يدلّ على أن زيداً قضى وطره منها ، ولم تبقَ له بها حاجة ،

    فطلّقها باختياره ، والعلم عند اللَّه تعالى .){ 6 ص 582 / 583 : نقلا عن "موقع أهل الحديث" }
    ثم هل كان سيدنا زيد وسيدتنا زينب – رضي الله عنهما – كانا يسكنان مع النبي صلى الله عليه وسلم .. حتى يتحدث المفكر عن أثر المساكنة؟
    نختم هذه الحلقة، بهذه الشطحات لمفكرنا"حاج حمد"فالمفكر الذي يقول عن الحبيب صلى الله عليه وسلم أنه "أخفى شيئا في نفسه" .. هو نفس الذي يقول :
    (كان الإسراء بقوة الروح المتعالية على البدن والنفس ولم يتحقق هذا المستوى الروحي لبشر في الحياة الدنيا إلا لمحمد لمحمول اسمه "أحمد"فهو المستخلف عن الله "كونيا"ولهذا جمع الله له بين القرآن كوعي معادل للوجود الكوني وحركته،وبين استخلافه على السبع السماوات والسبع أراضين وجمع الله بينهما كونيا وقرآنيا "وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم.ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم" الحجر 85 – 87 ){ ص 412 ( جدلية ...)}
    هنا أيضا كيف وصف "مفكرنا" الحبيب صلى الله وسلم بـ"بشر"رغم أنه وصف البشر ببهائم منقرضة؟!

    وهو الذي يرى الرسول صلى الله عليه وسلم "مستخلف"عن الله في الكون!! كما أنه"مطلق كوني"
    ( ومحمد بخصائص اسمه" المحمول - أحمد"هو مطلق كوني ولكن في إطار الزمان والمكان والوعي الذي"يدمج"بينهما : "ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم"الحجر 87 . فاتحد الاثنان ،أحمد وجبريل في كلية كونية واحدة يمكن لها أن تفرض "جبرية إلهية"على الوجود كله انطلاقا من عالم"الأمر الإلهي"لذلك لم يكن الجهاد سوى"تحريض"من أحمد لأمته،ولو أراد بقدرته الخاصة مجاهدة الآخرين لأبادهم ولكنه اكتفي بتحقيق نبوته الخاتمة ){ص 415 (جدلية ..)}
    في الحلقة القادمة،إذا أذن الله، نرى موقف "مفكرنا"من السنة المطهرة.

    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني










  4. #4
    المفكران : "حاج حمد" ود.الشحرور:
    "الداروينية" حين تتحزم بالقرآن (4)
    السؤال الذي لا بد أن يطرح نفسه : ما مشكلة "الداروينيين"مع السنة المطهرة؟!
    أعتقد ان الإجابة في غاية البساطة : القرآن الكريم نص "حمال أجوه"كما وُصف ،فيستطيع المفكر الفيلسوف أن يتفلسف ما شاء له القلم أن يتفلسف .. فالنص قد يحتمل .. أما السنة المطهرة فهي نص مباشر في معظمه .. وكمثال .. . نفي مفكرنا الأستاذ ابو القاسم محمد حاج حمد أن أيا من أنبياء الله – عليهم السلام – قد رعى الغنم .. يصطدم مباشرة مع قول الحبيب صلى الله عليه وسلم ،الذي رواه البخاري :
    (ما من نبي إلا وقد رعى الغنم).
    وكذلك حديث "خلق آدم"يرد مباشرة على "الداروينيين"فكيف تعامل مفكرنا"حاج حمد"مع هذا المأزق؟
    إضافة إلى ذلك حديث : "خير القرون قرني .. "
    قام المفكر بالتأكيد على تمسكه بالسنة المطهرة ،فقال :
    (وليس في قولنا ما يبطل السنة ،بل على النقيض من ذلك فإننا نؤكد على ضرورة الالتزام بمرجعية السنة الصحيحة التزاما لا لبس فيه ولا غموض (..) إنه إذا لم يكن الرسول قد حدد الفجر بركعتين والمغرب بثلاث ركعات والعشاء ..){ ص 58 – 59 ((جدلية الغيب والإنسان والطبيعة : العالمية الإسلامية الثانية) / محمد أبو القاسم حاج حمد / دار الهدى + مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد / الطبعة الأولى 1425هـ = 2004م )}.
    ثم يضيف :
    (فمعالجة الأحاديث ترتبط بقضية خطيرة ،فكل حديث يروى ويكون مخالفا للمنهج إنما يبطل مصداقية النبوة الخاتمة نفسها){ص 60 (جدلية .. )}.
    ويقول أيضا :
    (فنحن نسترجع السنة النبوية قرآنيا ولا نبطلها){ ص 344 (جدلية ... )}
    أي أن مفكرنا يقوم بعرض الحديث الشريف على فهمه هو للقرآن الكريم،فإن رأى تعارضا رد الحديث مباشرة،كما رد حديث عذاب المصورين بحجة أن "أحيوا ما خلقتم"لا يمكن أن تصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم،وهو سيد البلغاء،فيصف "التصوير"بالخلق!
    ويقول في زاوية أخرى :
    ( كان الرسول نفسه معجبا بشعر "أمية بن أبي الصلت"الذي قال مرة عنه إنه "سيبعث أمة وحده"{صحيح مسلم : عن عمرو بن الشريد – ج 7 ص 48} ..) { ص 599 (جدلية .. )}
    لم أستطع الوقوف على هذا الحديث .. وليس هذه هي القضية،بل القضية هي الطريقة التي "وثق"بها مفكرنا الحديث .. فإن الأحاديث لا توثق عبر رقم الصفة والمجلد،مما يشي ببعد مفكرنا عن علم الحديث الشريف.
    ويصل الأمر بمفكرنا الكريم،إلى الإشارة ضمنا إلى أن "الحمية"جعلتهم "يضعون "أحاديث تؤكد وجود معجزات حسية للحبيب صلى الله عليه وسلم،يقول :
    ( ثم يأتي من يفترض له معجزات كجريان لبن من بين أصابعه أو تكثير خبز ليضاهوه بمن سبقه من الأنبياء،وهؤلاء – مع غيرتهم – قد جهلوا منهاج نبوته ورسالته وخصائصه وخصائص نبوته،فاختصروه إلى وعيهم الذاتي وهو أكبر من ذلك بكثير وبما لا يدرك منه إلا قليلا. فهو من الأمر الإلهي وإليه يعود،وعصمته كعصمة القرآن :
    والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) : النجم 1 – 4

    ومع كل ذلك نسبوا لسنته المعصومة التناسخ مع القرآن وخرقوا له معجزات،وقالوا أصيب بسحر لبيد بن الأعصم ونادوه من وراء الحجرات وافروا على آل بيته بحديث الإفك و... و... و...) { ص 226 ( جدلية ..)}

    يرى مفكرنا أن المعجزات الحسية تخص الأنبياء السابقين فقط. يقول :
    (... نتيجة لأخذ بعض الأحاديث التي تبدو متعارضة مع صريح القرآن دون التدقيق الكافي في هذه الأحاديث وصحة نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم (..) كما نود أن نشير إلى أن البعض ممن يجهلون هذا الفارق وحذرهم الله من الجهل به قد انساقوا وراء "حمية"عصبوية ظنا منه أن خلو الرسالة الإسلامية من المعجزات الحسية إنما يقلل من مرتبة الرسول صلى الله عليه وسلم إزاء مراتب الرسل الآخرين من الذين أتوا بهذه الخوارق،وبالذات موسى وعيسى،صلوات الله عليهما،فنسبوا للرسول الموقر معجزات حسية وما أدركوا أنهم بذلك يقللون من شأن خاتم النبيين بجهلهم – الذي حذرهم منه الله – بالطبيعة والنوعية المفارقة للإسلام ){ ص 268 - 269(جدلية .. )}
    ولأن "حاج حمد"ليس من أهل الحديث الشريف كما يبدو ،فإنه يتحدث عن عدم التدقيق في أخذ الحديث .. ثم لا يهتم أصلا بأخذ "دينه"عن كذابين .. يأخذهم الحماس فيضعون الأحاديث الكاذبة،ويخدعهم اليهود فيدسون لهم حديثا يقول أن الصلاة كانت خمسين ثم خففت إلى خمس صلوات .. إلخ. فذلك من وجهة نظره يقلل من قيمة النبي صلى الله عليه وسلم – وحاشاه – بل ربما أبطل نبوته حين يأخذ التعليمات من سيدنا موسى – عليه وعلى نبينا السلام – هذا في الوقت الذي نجد أحد أهل الحدث يذهب ليأخذ حديثا من أحدهم ... فوجده قد وضع "حصى"في إناء يهزه ليخدع به دابته .. أي أنه يكذب عليها .. فرجع ولم يسأله عن الحديث!!
    بل إنهم حفظوا عن الحبيب صلى الله عليه وسلم الوعيد الشديد على من تقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    هنا سنأخذ لقطة من "فهم"مفكرنا"حاج حمد"لآية كريمة .. أعني "كنتم خير أمة أخرجت للناس" آل عمران 110،فهو يرى أن تلك الأمة ليست الأمة الإسلامية كلها بل"العرب"فهو يقول :
    (لم تكن خاصة بالعرب وإنما كانوا هم كأمة في وضع الطليعة لأمم أخرى يحملونها لها فعاملهم الله معاملة"جيش من الرسل"وليس أفرادا من أمة،لذلك لم يكنوا خير أمة"قابعة"في مكانها،ولكن خير أمة "أخرجت"للناس){ ص 375 ( جدلية ..)}
    ويؤكد هذا المعنى في قوله :
    (لم يطلب الله من المؤمنين اليهود أو غيرهم من الأقوام "الخروج"من ديارهم جهادا في سبيله،ولكن طلب ذلك من العرب والخروج مشقة ونفي،){ ص 406 (جدلية .)}
    بطبيعة الحال من حق مفكرنا أن "يفهم"كما يشاء ولكن هل يسلم له بهذا الفهم؟ وبعيدا عن الاختلاف في تفسير الآية .. فإن السؤال الأهم هو نأخذ الأمر بفهم من؟
    الذي يتبادر إلى الذهن،وكما سيفعل أصحاب كل "دين" هو العودة إلى "المنبع"أي إلى فهم"السلف"وهذا قطعا لن يوافق عليه مفكرنا برأيه السلبي في "الفهم السلفي"أولا،وبفلسفته المادية التي ينطلق منها .. والتي ترى أن "التطور"الذي حصل للفكر البشري يجعل المتأخرين اكثر"تطورا"ونضجا عقليا،وهذا منطوق كلامه أما نص كلامه فهو:
    (هنا نقول بصراحة أن الفهم السلفي للقرآن هو فهم عميق في حدود العمق المتاح .. والعمق المتاح هو أقصى ما يعطيه التكوين نفسه من استعدادات .. وهذه الاستعدادات هي ثمرة نشأة عقلية معنية .. مرتبطة بأوضاع بيئية محددة وبعلاقات اجتماعية مكيفة على جملة من القواعد : "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ...."البقرة 286 .وذلك كان وسعهم.){ص 632 (جدلية .. )}
    فـ"العمق المتاح"ربما يعني بلغة عصرنا "على قدر عقولهم"أو "تطورها"!!
    ثم يشن حملة شعواء .. ويفتح نار قلمه على كل الاتجاهات الفكرية والفقهية السابقة :
    ( لا أعني عودة إلى العمائم ولا إلى تحكيم تلك الجماعات التي تصدرها مراكز الأرشيف الديني التي بقيت كما هي منذ العهد الفاطمي .ليس عودة إلى عنعنات "ابن كثير"وإلى ما ثبت وما لم يثبت من أحاديث الرسول.أصبح الحديث في الدين يثير الكثيرين . أولا يكفي ما فعلوه بنا؟
    هل نريد أن نحيي من جديد الخلاف جول مبايعة علي بين سنة وشيعة والعصر يتجه للقضاء عليهما؟ هل نرجع لفتاوى"ابن تيمية"أم أحكام مخالفيه؟هل نتحول إلى فاديانية أو بهائية؟هل نعود متصوفة أو غير متصوفة؟ ظاهرية أم باطنية؟إخوان مسلمون أم فرق أخرى؟ مالكية أم شافعية؟ حنفية أم حنبلية؟ أشاعرة أم معتزلة؟ أم قرامطة؟ وأي الصحابة نعتمد؟ وأي القياسات نلتزم؟وهل يقفل باب الاجتهاد أو يفتح؟ وهل نلتحي أم نحلق؟ وهل نحجب المرأة أم نسفرها؟ وهل نسبح بالمايوهات أم نترك السباحة نهائيا؟ وهل يكون مرجعنا الأزهر أم النجف أم القيروان؟ومن يفتينا من الشيوخ؟ ومع من نقف؟ مع الملكية أم الجمهورية؟مع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم مع التكفير والهجرة؟ وماذا نفعل بالتعليم الأكاديمي هل نلحقه بدار الفتوى أم بوزارة الأوقاف ؟ومن سيشرف على مسلسلات التلفزيون والإذاعة شيخ الزاوية الأحمدية أم إمام مسجد تكية السلطان سليم؟ وعلى أي الأوراد سننتظم على الطريقة البرهانية الشاذلية الدسوقية أم الختمية أم القادرية أم الرفاعية أم التيجانية أم السنوسية أم البدوية أم العيدروسية؟
    والتماثيل هل ننسفها لأنها تجسيد حرام؟ واللوحات هل نمزقها لأنها صورة للروح؟ والموسيقى نكف عنها لأنها من مزامير الشيطان؟ويمنع الديكور في المنازل لأنه يشغل عن ذكر الله؟وهل نعود إلى قطع اليد ورجم الزاني والزانية؟أو جلدهما؟واستادات الرياضة التي لم يشارك فيها أحد من شيوخنا يوما هل نغلقها لأنها"لهو ولعب"؟ ){ص 521 ( جدلية ..)}
    كنت سأطرح هذا السؤال ثم تراجعت :
    إذا : هل نأخذ ديننا بهم الفكر "حاج حمد"؟
    بل فضلت تأخير طرح السؤال حتى أذكر بما خطر في بالي بعد أن قرأت هذا الكلام،وأعني دعوة سابقة للخروج من "الإسلام"والعودة إلى "الفطرة" لأن "الإسلام"هو سبب المشاكل التي تعيشها الأمة!
    كتب د.زكي مبارك نقلا عن السيد فخري شهاب ..( أن الأستاذ عزمي { محمود عزمي – أبو أشرف } دخل إحدى المدارس { في العراق – أبو أشرف} فقال للتلاميذ : هل تعرفون أن اختلاف السنة والشيعة أضر بالعراق؟
    قالوا : نعم.
    قال : وكيف السبيل إلى الخلاص؟
    قالوا : ذلك داء حار فيه الأطباء.
    فقال الداء يرجع إلى الأساس الذي قام عليه هذا الخلاف.
    قالوا : وما هو ذلك الأساس؟
    قال : هو الإسلام،ولو خرج العراقيون من دينهم ورجعوا إلى الفطرة لزالت أسباب هذا الخلاف.
    قال الراوي : فتدخل مدرس الديانات باللوم والاعتراض،وكان لهذه المحاورة صدى في أندية بغداد.
    والحكاية غريبة ولكن وقوعها من الأستاذ عزمي غير مستحيل.
    فله سوابق من هذا النوع،هو الكاتب الوحيد الذي اعترض على أن يُنص في الدستور على أن دين الدولة المصرية هو الإسلام ،وكان يسميه "النص المشئوم"في كلمات نشرها بجريدة الأهرام وجريدة الاستقلال .(..) هذا الصنف من المثقفين كثير الوجود،وهو يحتمل في كثير من الأحيان،لأنه في الواقع لا يكفر بالله وإنما يثور على أوهام الناس. (..) إن أهل العراق كسائر المسلمين لا يُرضيهم أن يتعرض إنسان بسوء لأصول الدين الحنيف.
    ولم يكن عزمي أول من أشار بالارتداد عن الإسلام لتنقية الفطرة من أوهام المخرفين من أتباع الدين،فقد سبقه إلى ذلك الأستاذ محمد فريد وجدي،ولكن فريد وجدي يُقبل منه كل شيء،لأنه قضى حياته في الدفاع عن الشريعة الإسلامية، أما محمود عزمي فرجل يعلن أن إيمانه مقصور على الحقائق التي يؤيدها العلم الحديث،ومن أجل هذا يقع هجومه على الإسلام موقعا غير مقبول){ ص 191 – 192 الجزء الثاني ( ليلى المريضة في العراق) / د. زكي مبارك / القاهرة / شركة نوابغ الفكر / الطبعة الأولى 2012 = 1433هـ }.
    أعود لطرح السؤال : هل نأخذ ديننا بفهم المفكر : أبو القاسم محمد حاج حمد؟
    الجواب وما المانع؟!!
    ظل الرجل على امتداد كتابه يزكي نفسه وكتابه،والذي يرفض أن يضيف إليه - في طبعاته اللاحقة - أو يحذف منه! أقول ... كأنه لا يأتيه الباطل .. إلخ. يقول مفكرنا :
    ( أما كتاب العالمية فلم أضمنه هذه الحوارات والإشكاليات ،إذ أبقيت على نصه كما هو في طبعته الأولى ،فهو ليس كتابا يستند إلى علوم تجريبية أو إلى فلسفات وضعية،لأعدل فيه وأضيف تبعا لما يطرأ من اكتشافات ومستجدات،فهو كتاب "تأسيسي"يستند إلى رؤية قرآنية){ ص 110 ( جدلية . )}
    ومرة أخرى يتحدث عن الفارق بين وعي السابقين ووعينا"نحن"وإن كانت "نحن"هنا لا تعني غير مفكرنا :
    (الوعي في عصره إذ إنه خاصية ملازمة لمراحل التطور البشري،ولم يكن العربي ولا غير العربي بقادر على أن يخرج عن تلك الخصائص التي تكونه. وقد أخذوا من القرآن – كما قيض الله لهم – ضمن خصائصهم ووعيهم – أي فهموه كما ينبغي لهم أن يفهموه،أما نحن فنعبر إلى القرآن من موقع تاريخي مختلف){ ص 633 (جلدية .. }
    ثم يكرر الحديث عن"نحن"والتي لا تتجاوز مؤلف الكتاب :
    ( فنحن لا نعاني مأزق المجددين ضمن الخصوصية التراثية أو خصوصية الجغرافية – البشرية وليس شاغلنا مخاصمة الشرق للغرب،فهنا عالمية في عصر العلم،شاغلنا فيه هو مأزق الإنسان الحضاري والاستلاب الذي يجرده من مطلقه وكينونته،سوء في الشرق أو الغرب ،من جزر اليابان وإلى الجزر البريطانية وامتدادا عبر الأطلسي ،مستهدفين استعادة هذا الإنسان إلى مطلقه وإلى وعيه الكوني المطلق.
    ( فكتبانا هذا يتمحور حول مشروع حضاري إنساني ،عالمي متكامل في مواجهة الاستلاب ..){ ص 277 ( جدلية ..)}
    لا زال مفكرنا يصفنا بـ"البشر" أي البهائم المنقرضة!! رغم وجود "الآدمية"و"الإنسانية"التي عاد فاستعملها!!
    على كل حال،من"نحن"إلى "منهجنا":
    ( إن منهجنا وبلا أدنى شك يعتمد على نوع من الحكمة التأملية التي تربط بين قدرات العقل الذاتية باعتباره جملة وعي حساس وبين مكونات القرآن باعتباره الوعي المعادل للحركة الكونية في صدوره عن الله.){ص 454 ( جدلية ..)}
    وحول فهم الإسراء والمعراج يقول :
    ( لقد اضطربت أفهام الناس واختلفت منظوراتهم بصدد ليلة الإسراء ولم يستنطقوا الكتاب الكوني المحيط"القرآن"فأخطأوا – هكذا - في الربط بين الإسراء والمعراج (..) وكذلك أخطأوا حين ربطوا بين الإسراء والمعراج وفريضة الصلاة ){ص 408 (جدلية ...)}.
    ثم يطلق سهامه على المفكرين العرب المحدثين،أي الذين يشاركونه "التطور"الذي حصل للعقل البشري من تلك الفترة المبكرة .. نسبيا .. فيقول :
    ( في طريقنا إلى العالمية الجديدة،يبدو دور المفكرين العرب متواضعا إلى حدود كبيرة،متواضعا على مستوى مناهجهم الفكرية ،وعلى مستوى طموحاتهم القومية){ ص 447 ( جدلية ..)}
    أي لا منهج .. ولا طموح !!
    ثم يجمع بين الإسلاميين والقوميين،فيقول :
    ( وكلاهما "القوميون"و"الإسلاميون"مخطئ في طرحه لأنهما لم يتناولا جدلية تركيب الشخصية العربية تاريخيا){ ص 475 ( جدلية ..)}
    وحتى الماركسيين لم يسلموا :
    (لهذا تخبط الماركسيون وغيرهم كثيرا في محاولاتهم تصنيف النظام الاقتصادي الإسلامي،كما سبق وأن تخبطوا في فهم المقومات الغيبية للتاريخ العربي – الإسلامي،وكما يتخبط القوميون والإسلاميون معا في فهم خصائص الشخصية العربية،نجد التخبط واضحا في ما كتبه حسين مروة مثلا ){ ص 489 ( جدلية ...)}
    ثم يضع الناس جميعا في إطار العجز عن الفهم :
    (لم يستطع أحد أن يتبين أن إعادة ترتيب الكتاب والتي تمت بأمر توقيفي من جبريل كان الغرض الأساسي منها هو تكريس شكل الوحدة المنهجية للكتاب){ ص 656 (جدلية ..)}
    ويقرر أن فهم القرآن يحتاج إلى جهد .. فيقول :
    ( القرآن أكبر وأبعد وأعمق من هذا كله ويتطلب جهدا لا ترقى إليه إلا النفس الجميلة التي تندمج بوعيها وحدسها في مكنوناته،لتنفذ إلى الوحدة عبر الكثرة،وإلى الكلية عبر الأجزاء،أما البقول بخلاف ذلك فمثله مثل الحمار يحمل أسفارا أو كمثل بعض الرسامين الذين يموت الموضوع الفني على لوحاتهم دون حركة ..){ ص 530 ( جدلية ..)}
    من هي هذه النفس الجميلة،التي تستطيع أن ترقى بوعيها؟
    يقول مفكرنا :
    ( لماذا خصنا الله في هذا العصر بالرؤية المنهجية للقرآن؟ ولماذا يختلف أسلوبنا "التحليلي"في التعامل مع القرآن عن الأسلوب "التفسيري"التقليدي؟وبمعنى آخر لماذا نلجأ نحن إلى الوحدة الناظمة في وقت لجأوا فيه هم إلى التعامل مع الكثرة؟ ){ ص 655 (جدلية ...)}
    نختم هذه الحلقة بتكرار ما سبق أن اقتبسته من كلام مفكرنا .. أقصد قوله :
    (هنا نقول بصراحة أن الفهم السلفي للقرآن هو فهم عميق في حدود العمق المتاح .. والعمق المتاح هو أقصى ما يعطيه التكوين نفسه من استعدادات .. وهذه الاستعدادات هي ثمرة نشأة عقلية معنية .. مرتبطة بأوضاع بيئية محددة وبعلاقات اجتماعية مكيفة على جملة من القواعد : "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ...."البقرة 286 .وذلك كان وسعهم.){ص 632 (جدلية .. )}
    رغم الاختلاف مع وجهة نظر "حاج حمد"إلى أن الأمر يبدو وكأن الرجل يحترم السابقين ،بل ويعتذر لهم .. ولكننا نجده فجأة يتحدث عن"مرور اللئام" فيقول :
    ( لم يتوقف العلماء المؤرخون عند تلك الظاهر اللغوية "الغيبية"كما لم يتوقفوا لدى "غيبيات"المعارك (..) مروا عليها سريعا وأحيانا مرور اللئام ){ ص 389 ( جدلية .)}
    ويقول أيضا :
    (إن الذين فهموا الارتباط بالغيب باعتباره تعطيلا لعالم الحس لا يدرون شيئا لا عن الحس ولا عن عالم الغيب){ص 285 (جدلية ..)}
    أما الحوار - ليلة الإسراء والمعراج - الذي جاء في كتب الحديث الشريف ،بين سيدنا رسول الله وبين سيدنا موسى،عليهما الصلاة والسلام،حول الصلاة،فإن مفكرنا يقول عنه :
    ( هذا قول يجمع بين السخافة والبطلان) {ص 418 ( جدلية ..)}
    في الحلقة القادمة .. إن شاء الله .. نلقي نظرة على موقف مفكرنا من"العقوبات" .. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله

    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني

  5. #5
    المفكران : "حاج حمد" ود.الشحرور:
    "الداروينية" حين تتحزم بالقرآن (5)
    من القضايا المفصلية في كل فكر إسلامي يطرح فلسفة جديدة أن نتبين موقف صاحبه من "الحدود"فهي مؤشر واضح على توجه الكاتب ومدى تناغمه مع شبه المستشرقين في قضايا الحدود.
    في حالة مفكرنا"حاج حمد"يؤكد بشدة أن التشريع سلطة إلهية،فيقول :
    (وسلطة التشريع هي سلطة إلهية وليست نبوية وليست بشرية .. ولا يمكن أن تنالها بالقياس ولا بالإجماع ولا باتفاق السلف الصالح ،فالله وحده هو الذي يحيط علما بدقائق مصدر التشريع "منهجية الحق"،فقد حرم الله من قبل على اليهود"طيبات"أحلت لهم ،ورد الأمر إلى تعنتهم وظلمهم ولم يرده إلى القياس أو إلى قاعدة الضرر :"فبظلم من الذي هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا" النساء : 160) { ص 623 ((جدلية الغيب والإنسان والطبيعة : العالمية الإسلامية الثانية) / محمد أبو القاسم حاج حمد / دار الهدى + مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد / الطبعة الأولى 1425هـ = 2004م)}
    بطبيعة الحال هذه عجيبة أخرى من عجائب مفكرنا،فهو يريد من الله – سبحانه وتعالى – أن "يقيس" والفقهاء يقيسون على أحكامه سبحانه وتعالى .. فعلى أحكام من سيقيس الله سبحانه وتعالى؟!!
    ويؤكد "حاج حمد"حاكمية الله – سبحانه وتعالى – كذلك في مسالة الربا .. فيقول :
    ( كما لا نستطيع أن نتأول ما ورد فيه "التحريم""فنبيح"الربا تحت أي اسم من الأسماء أو شكل من الأشكال.
    تشريعات الحرام تبقى كالمنهج ثابتة لا تتغير في أي زمان أو مكان إلا ذلك الاستثناء الذي أشار إليه الله في حق بني إسرائيل) { ص 623 (جدلية ..)}
    وحتى على المستوى العقلي البحت يحذر مفكرنا من جريمة الزنا .. ويرى أنها – لو تأمل البشر – تستحق أقسى العقوبات أي الرجم :
    ( فما بينه الله لنا من هذه الحالات إنما يشكل خلفيات ضرورية لتحريم الزنا من ناحية،ولمنع التبني من ناحية أخرى. فالمطلوب هنا بيان ذلك منهجيا بوجه مدارس اللبرالية الإباحية التي تفكك مسلمات التكوين العائلي (..) فإذا فشا الزنا في القوم وفشا التبني أورثوا عائلاتهم انحرافات لا تحصى ولا تحصر. ولاكتشف الناس أن عقوبة الرجم أولى بالزاني من عقوبة الجلد لولا أن شرعة الإسلام ناسخة لشرعة التوراة وتقوم على التخفيف والرحمة){ص 79 ( جدلية ..)}
    يفهم من هذا الكلام أن مفكرنا يرى أن عقوبة الزنا هي الجلد – دون أن يفرق بين مُحصن وغير مُحصن - ثم نجده في موضع آخر يتحدث عن"تكفير"الله لجميع سيئات المسلمين،ما عدى حالتين تمسان الذات الإلهية والبيت المحرم!! يقول "حاج حمد":
    ( فالتكفير يلحق بالمسلمين في هاتين الحالتين فقط وهما مما يمس بالذات الإلهية المحرمة والبيت المحرم،أما ما عدا ذلك فيكفر الله نفسه السيئات عن المسلمين بما يصيبهم به من نقائص في صحة أو مال أو ولد :"إن تبدوا الصدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير"البقرة 271) {ص 273 ( جدلية ..)}.
    وكأن حديث مفكرنا عن رجم الزاني .. لو تأمل البشر .. وتحريم الربا الذي لا يقبل الجدل،أو تحت أي مسمى من المسميات .. أصبح خافتا هنا!!
    ثم يلمح مفكرنا إلى مأزق المشتغلين بالدعوة حيال "الحدود"فيقول :
    ( كل"مشتغل"بالدعوة الإسلامية خارج الإطار الجغرافي التقليدي للمسلمين سرعان ما تواجهه مشكلة العقوبات البدنية كقطع اليد والرجم والجلد .. في هذه الحالة يلجأ إلى كل أنواع المبررات المنطقية ليؤكد على ضرورة هذه العقوبات منطلقا في دفاعه عنها كونها أمرا إلهيا غير قابل للتغيير وقد أثبته الله في نصوص كتابه){ ص 645 ( جدلية ..)}
    إذا كيف يحل "مفكرنا"هذه المعضلة؟
    يكتب مبتدأ بآية كريمة :
    (يقول الله تعالى "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون " المائدة 48.
    تنص هذه الآية على معنى خطير في التشريع إذ تقول "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"ولتحليل تركيب هذا النص يمكن إيراده على نواح شتى لاستبانة الفارق في المعنى .. {لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجا} في هذا المبنى المحرف يعني أن الله قد قيد التشريع به وأنزله أمرا دينيا دون الرجوع إلى أبعاد أخرى .. هذا معنى{لكل منكم جعلنا}.
    أما النص بـ{لكل جعلنا منكم } فيعني أن الله يرد التشريع إلى {منكم}أي جعلنا التشريع منكم أي مطابقا لخصائصكم وتكوينكم وأعرافكم. وبمعنى أكثر تحديدا أن الله ينزل حكمه متوافقا مع أخلاقية الواقع وسلوكياته ضمن توافق تام مع الظرف التاريخي. فالشرعة والمنهاج هما استخلاص إلهي مقيد بشخصية الواقع،وقد أراد الله – عبر هذا النص – أن يطلعنا على نسبية التشريع المنزل تبعا للحالات التاريخية والأوضاع الاجتماعية المختلفة. ){ ص 646 ( جدلية ..)}
    وكأن مفكرنا ينسف قوله السابق :
    (وسلطة التشريع هي سلطة إلهية وليست نبوية وليست بشرية .. ولا يمكن أن تنالها بالقياس ولا بالإجماع ولا باتفاق السلف الصالح ،فالله وحده هو الذي يحيط علما بدقائق مصدر التشريع "منهجية الحق") { ص 623 ((جدلية الغيب...)}
    وقوله الآخر :
    ( كما لا نستطيع أن نتأول ما ورد فيه "التحريم""فنبيح"الربا تحت أي اسم من الأسماء أو شكل من الأشكال.
    تشريعات الحرام تبقى كالمنهج ثابتة لا تتغير في أي زمان أو مكان إلا ذلك الاستثناء الذي أشار إليه الله في حق بني إسرائيل) { ص 623 (جدلية ..)}
    في "تحليله" للآية 48 من سورة المائدة،يصبح الربا – وغيره – متعلقا بالظرف التاريخي .." وأخلاقيات الواقع وسلوكياته ضمن توافق تام مع الظرف التاريخي"حسب نص كلام مفكرنا!!
    نعود لتحليله لآية سورة المائدة،فنجده يوسع الفكرة بالقياس على بيئة اليهود،التي تنزلت فيها العقوبات التي فرضت عليهم،يقول :
    (إن نظرة على البيئة التاريخية وأنماط العقوبات في ذلك العصر اليهودي توضح لنا أن ذلك الشكل من العقوبات كان دارجا في الحوض الحضاري التقليدي. فالحضارة العمورية السابقة على الديانة اليهودية كانت قد اختارت نفس هذه الأشكال وقد اشتهر بها "قانون حمورابي حوالي 2100 ق.م "(..) فمن نفس تلك البيئة التاريخية وعلى نفس نمطها جاء التشريع وقد أثار هذا التداخل بين الأعراف الوضعية والتشريعات الدينية خيال بعض علماء الأنثروبولوجية مما دفعهم للاستنتاج إلى الدين ليس سوى حامل أيديولوجي لثقافة تاريخية محددة. (..) إن الثابت في التشريع هو"مبدأ العقوبة"أو الجزاء،أما الأشكال التطبيقية لهذا المبدأ فموكولة لكل عصر على حسب أوضاعه وأعرافه وقيمه. بهذا يستوعب القرآن متغيرات العصور ويبقى كما أراد له الله صالحا لكل زمان وكان ( ..) إن هذا القول يفجر قضية في الوعي الديني المعاصر برمته هي مسألة تعلق بجوهر الدين وعلاقته بأشكال الوعي المختلفة. فالأديان جميعا قد تنزلت في مرحلة تاريخية معينة في تطور الإنسان){ ص 647 ( جدلية ..)}
    وهكذا يقرر مفكرنا هنا مع الأنثروبولوجيين أن "الدين"ليس أكثر من حامل أيديولوجي لثقافة تاريخية محددة!!!
    وهكذا يتطور الأمر مع مفكرنا من التشديد على جريمة الزنا .. وأن التحريم مسألة خاصة بالله سبحانه وتعالى وحده .. ليصبح الأمر: "أما الأشكال التطبيقية لهذا المبدأ فموكولة لكل عصر على حسب أوضاعه وأعرافه وقيمه"حسب كلامه !!
    بغض النظر عن اختلافنا الشديد مع ما طرحه "حاج حمد"هنا .. إلا أن هذه ليست قضيتنا هنا،ولكن السؤال :
    هل كان مفكرنا أمينا مع فلسفته المادية ؟ بعد تناقضه من ما قرره أولا من أن ما حرمه الله – سبحانه وتعالى – لا يمكن أن يحله أحد لأن الله – سبحانه وتعالى – هو المشرع .. والاستثناء الوحيد متعلق بحالة خاصة هي اليهود!
    سنأخذ ثلاثة أمثلة تظهرأن أن مفكرنا لم يكن أمينا مع فلسفته المادية و"محاكمة " عصر الراشدين، حسب أعراف هذا الزمان لا على أعراف زمانهم.
    أول الأمثلة .. يتعلق بما حديث في سقيفة بني ساعدة بعد انتقال الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى – إنا لله وإنا إليه راجعون – ويشن "حاج حمد"حملة شعواء على ما حدث في السقيفة،فيقول :
    ( ثم استرجعت السماء نورها المحمدي وأبقت نورها القرآتي،فانعدمت الصلة بين العرب ووسيط المنهج،فتنازعوا الأمر منذ أول يوم في السقيفة. فضاقت أولي الأمر{منكم} لتصبح من بينكم "مهاجرين فقط"ثم ضاقت فأصبحت ( فيكم – مجلس الشورى الذي شكله عمر بمعزل عن الأمصار لاختيار من يخلقه) ،ثم ضاقت فأصبحت "عليكم – بالوراثة الأموية العباسية ". إنها فتن كالليل المظلم . وقد كان الرسول على علم بتفاصيلها. إذن لماذا سكت عنها؟
    إنه الفرق بين عقلية تدرك المنهج،وعقلية تعمل بموجب القدرة العملية. فالمنهج يعني الالتزام بمقتضيات السلام والوحدة في التجربة البشرية. وبمعنى آخر العلو على مطلقات التنابذ في شكلها القبلي. بين الأنصار والمهاجرين،وبين القبائل فيما بينها،وبين العرب وغير العرب؟ فعبارة السقيفة المشهورة : منا أمير ومنكم أمير !هي عودة إلى حالة التنابذ. أي إلى خارج المنهج بعد فقدان العملية الوسيطة (..) إذن لم يكن من مهمات النبي أن يتجاوز بوعيه واقع مرحلته وخصائصها الفكرية .. فظل الرسول حافظا للعلاقة ما بين المنهجية في مطلقها والتطبيق في نسبيته،أي في حدود إمكانيات الفهم العربي للقرآن){ ص 637 – 738 ( جدلية ..)}
    بل يعيد بداية الانحراف – التناقض – عن الإسلام إلى .. السقيفة أيضا !! فيقول :
    ( ولا ترجع جذور التناقض إلى سلسلة الانحرافات الواضحة التي عددها المجددون في المراحل المتأخرة كشرب الخمر والزنا و القتل العمد،وإنما ترجع إلى البداية منذ وفاة الرسول وفي سقيفة بني ساعدة .. هناك البداية ثم أخذ التناقض في الاتساع بين المنهج الإلهي والسلوكية الحضارية (..) كم هي مأساة أن يموت"عثمان"بيد بعض أبناء الصحابة وأن يقود الصحابة وأبناؤهم من بعدهم حملات التصفية الدموية التي ظللت الجزيرة العربية وما بين خراسان والمغرب بألوان قاتمة من الدماء){ ص 619 ( جدلية .. )}
    ومرة ثالثة ... سقيفة بني ساعدة .. فيكتب "حاج حمد" :
    (ولكنه حذر كثيرا من فتن تأتي بعده"كقطع الليل المظلم"ومع ذلك تركهم وجها لوجه مع القرآن،فطفحت السلبيات في سقيفة بني ساعدة ){ص 633 ( جدلية ..)}
    لا أدري كيف لم ينتبه مفكرنا الكريم إلى أنه بهذا الكلام يعلن فشل المنهج،وسقوطه سقوطا مدويا .. لحظت غياب "الوسيط"أي"القدوة"أي الحبيب صلى الله عليه وسلم!!
    ثم ما الذي كان ينتظره الفكر المادي من قوم يعيشون في القرن السابع الميلادي؟ غير توريث الحكم كما هو الحال في "البيئة "المحيطة .. وهو الأمر الذي استمر ربما حتى بعد قيام الثورة الفرنسية سنة 1789،أي بعد ألف سنة من سقيفة بني ساعدة!!
    ولكن الواقع يقول أن تجربة سقيفة بني ساعدة كانت تستحق وقفة أكثر رحمة وعدلا من مفكرنا الكريم .. ففي ظل "بيئة توريث الحكم"لم يورث الصديق رضي الله عنه الحكم لابنه .. ولا فعل ابن الخطاب رضي الله عنه ذلك .. بل وضع "مجلسا" .. كما لم يورث سيدنا عثمان رضي الله عنه الحكم .. وحتى سيدنا علي – عليه السلام .. وهو في ذلك الموقف الحرج .. يقول عن تولية سيدنا الحسن – عليه السلام – لا آمركم ولا أنهاكم.
    أين نجد مثل هذا في بيئة القرن السابع ؟!!
    ليس هذا فقط .. بل الأمر بدأ برجل من فخذ صغير من قريش .. "بنو تيم" .. ثم تلى ذلك رجل من فخذ آخر ليس كبيرا بدوره .. "بنو عدي" .. ثم جاء دور الفخذين المتنافسين في الجاهلية .. "بنو أمية" و"بنو هاشم" .. فهذه الإيجابيات التي لا تتناسب وأعراف بيئة القرن السابع لم يرها مفكرنا الكريم!!
    المثال الثاني .. لعدم وفاء "حاج حمد"لفلسفته المادية،هو زواج سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. من أمنا عائشة رضي الله عنها .. وهي صغيرة .. أي أنه يكرر شُبه المستشرقين مرة أخرى .. بل وصل الأسى بمفكرنا أنه قال أننا نتمنى لو لم يتزوج الحبيب صلى الله عليه وسلم من أمنا رضي الله عنها وهي في تلك السنة!!
    العجيب أن مفكرنا يتحدث عن تقبل "بيئة"ذلك العصر لزواج الصغيرات .. ثم ينتقد الأمر بعقلية بيئة مختلفة وعصر مختلف!! لماذا والأمر في يتماشى مع البيئة؟
    يقول مفكرنا :
    (فمثلا،كانت التجربة العربية التي نشأ ضمنها"محمد"تتقبل بواقعية تامة الزواج من صغيرات السن،وقد تزوج"محمد""عائشة بنت أبي بكر الصديق"وهي في السابعة،ونحن ننظر الآن من منطلق قيم مختلفة،وكم يودّ بعضنا ألا يكون الرسول قد فعل ذلك .. بل هناك رجال في عصرنا يبلغ أحدهم السابعة والسبعين ويقدم على الزواج من فتاة صغيرة تعتبر ممارسة الجنس معها في عالم اليوم – حلالا أو حراما – أمرا غير مقبول (..) هل كان "محمد"مخطئا؟أو هل كان مصيبا؟ مثل هذه الأسئلة التي لا تبصر من الأمور سوى الأبيض أو الأسود تنم عن عقلية غير قادرة على الإحاطة بالأمور من أهم جوانبها. (..) "فمحمد"في زواجه من "عائشة"كان يصدر من شرعية اجتماعية،ذات بُعد أخلاقي معين،متعارف عليه في واقعه.){ ص 626 - 627 ( جدلية .. )}
    إذا تجاوزنا محاكمة المفكر "حاج حمد"لماضينا أو عصر الرسول صلى الله عليه وسلم على مقاييس الثقافة الغربية اليوم .. فهل ما ذهب إليه "حاج حمد"هو المشهد كله؟ رغم أنه ينطلق من ثقافة مادية .. أباحت مؤخرا "زواج الشواذ" .. فهل نربط "ديننا"وتشريعاتنا بهذه الثقافة التي تسمح "أعرافها "الآن بزواج الشواذ؟!!
    ليس هذا فقط بل إن الثقافة الغربية نفسها .. قد لا توافق مفكرنا على ما ذهب إليه .. وهي تجد نفسها في مأزق حمل المرهقات،رغم كل الجهود المبذولة للتثقيف ،وصرف موانع الحمل .. إلخ.
    على كل حال كتب بيجوفيتش :
    (العلاقة الجنسية مع شخص تحت الرابعة عشرة في إيطاليا هي عمل إجرامي. وتم في عام 1985م إطلاق مبادرة التخفيض {هكذا} هذا الحد إلى سن الثانية عشرة ) { ص 135 – 136 ( هروبي إلى الحربة ) : علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دمشق / دار الفكر / الطبعة الثالثة 1429هـ = 2008م}.
    كما يضيف عند حديثه عن الدعارة في البرازيل : ( كثير من هؤلاء الصغيرات يمتن من مرض السل،والجوع،والسكين والمسدس،والأمراض الجنسية. بين سن 11 – 12 عاما تلد الفتيات الطفل الأول،ويضعنه أمام أبواب الكنيسة،والفقيرات يضعنه في الشوارع،أو في الملاجئ ..){ ص 207 ( هروبي إلى الحربة ) : علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دمشق / دار الفكر / الطبعة الثالثة 1429هـ = 2008م}.
    وإلى البلد المحافظ بريطانيا :
    (لندن – وكالات الأنباء :
    "ومن جهة أخرى وافق نواب الحزب في البرلمان ومعهم أغلب نواب الأحزاب الأخرى على تعديل قوانين الشذوذ الجنسي في بلادهم وتخفيض سن"السماح" به إلى 18 عاما بدلا من 21 عاما. والغريب أن التعديل الجديد صدر بأغلبية ساحقة بعد جلسة عاصفة شهدها مجلس العموم البريطاني (..) حيث وافق عليه 427 نائبا مقابل 162 نائبا صوتوا ضده. والأكثر غرابة إن إحدى النائبات (أدوينا كاري) في الحزب المحافظين لم تكتف بالتخفيض المقترح بل إنها دعت إلى تخفيض أكثر ليصبح 16 عاما ..){جريدة الشرق الأوسط العدد 5566 في 13/9/1414هـ = 23/2/1994م}.
    هكذا في الوقت الذي يوجه"حاج حمد"سهامه إلى ماضينا،متأسفا،على الزواج من الصغيرات،متأسيا بالثقافة الغربية .. تقوم الثقافة الغربية نفسها .. بتخفيض سن السماح بذلك .. بل وتقر "زواج الشواذ"!!
    سؤال آخر :
    كيف ترفض "الداروينية"زواج فتاة .. سمحت لها"الطبيعة"أن تحمل وتلد ؟!! ألا يعني ذلك أن جسد تلك الفتاة قط "تطور"إلى الدرجة التي تسمح لها أن تصبح "زوجة"؟!!
    المثال الثالث .. ونحن دائما مع شبه المستشرقين نفسها،فمفكرنا يقول :
    (فالمرأة يظهرونها غير متكافئة مع الرجل في الحقوق،ومتكافئة معه في الواجبات،فشاهدتها نصف شهادة الرجل،وحظ الرجل في الميراث مثل حظ الأنثيين ){ص 39 ( جدلية ..)}.
    لم يوسع"حاج حمد"الحديث حول ميراث المرأة،لذلك لا يلزم أن نوسع،نحن أيضا،الحديث عن وجود حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل،وأخرى ترث أكثر مما يرث الرجل – كما كتبنا في الرد على تلك الشبهة تحت عنوان : "أستاذ سناء كيف حصرت النساء في البنت؟!!" - ما بعد زواج الصغيرات،وميراث المرأة سوى تعدد الزوجات،ولمفكرنا فيه وجهة نظر .. وهي أن التعدد أبيح ليتزوج الرجل بامرأة لديها أيتام .. والأمر في إطار الخوف من الكوارث التي تحدث عند مساكنة المتبنى !!
    يقول "حاج حمد":
    (قد جاءت عبارة فانكحوا ما طاب لكم من النساء مقيدة غير أن العرب أدركوها مطلقة.
    هنا تضمين إلهي لحكمة مكنونة،فالوصي على الأيتام حين لا يكون زوجا لأمهم يجد نفسه معها بحكم السقف في جو عائلي واحد – كموقف "يوسف"،وجعل التصرف في مال اليتيم ينطلق من أبوة حقيقية عبر الزواج من أمهم فيختفي عنصر التبني.
    فهذه السورة تبتدئ بالتركيز على النفس الواحدة والعلاقة الثنائية،ثم تبيح التعدد ضمن وضع اجتماعي محدد لا يتعلق برغبة الزواج المجردة كما ذهب المفسرون وإنما بالعناية بالأيتام وحدد الله للعدد أربعة فقط.
    في هذه الحالة يصبح للزوج الحق في القيام بأموال الورثة القصر مع اشتراط الرزق الجاري عليهم والكسوة لهم،ومعاملتهم معاملة حسنة تزيل عنهم الشعور باليتم،حتى إذا بلغ اليتامى سن الرشد مع المساهمة في ترشيدهم،تعود إليهم أموالهم،لتي يمنع التصرف بالإسراف في أصولها،كما يمنع المبادرة باستهلاكها قبل كبرهم.(..) كان الرسول يدرك أن الحكمة الإلهية المكنونة في القرآن لا تحبذ تعدد الزوجات والزواج من الفتيات بالذات لمن كان متزوجا لذلك رفض بشدة زواج "علي"من أخرى،وقد احتار المفسرون في ذلك الموقف فتأولوه تبعا لأفهامهم فقالوا إن الرسول لم يكن يرغب في أن يجمع رجل واحد بين ابنته وبين ابنة عدو الله .. فمنذ متى يحرم الرسول ما أحله الله ؟){ ص 631 ( جدلية ..)}
    وسبق له ان قال :
    ( فقد أوضحنا أن أي بحث في هذه المسألة لا يضع في اعتباره دلالة قصة"يوسف"مع"امرأة العزيز"(منع تواجد عنصرين أجنبيين امرأة ورجل – ضمن سقف واحد) ودلالة "منع التبني".. لا يستطيع أن يدرك حقيقة مقدمة سورة النساء .. لم يكن هدف السورة قط إباحة التعدد ولكنها لمعالجة مشكلة الأيتام مع رفض تبنيهم من ناحية و رفض وجود كافلهم مع أمهم من ناحية أخرى،مما يجعل التعدد مشروطا بالزواج فقط للعناية بالأيتام م الرحم.
    هذا المعنى الدقيق غاب عن المفسرين التقليديين؟ والسؤال لماذا غاب عنهم؟ هل لعجزهم اللغوي ؟لا،فقد كانوا فرسان الكلمة،ولكن غاب عنهم"الأسلوب الفكري التفسيري نفسه"كان يتعامل مع القرآن ضمن أشكال الأجزاء والسور والآيات ولم يستطع أن ينفذ إلى المنهجية الناظمة حيث يربط نص في سياق سورة بنصوص تبدو ذات غايات مختلفة في سور أخرى){ص 655 (جدلية .. )}
    وهنا عدة مسائل :
    أولا : على طول حديث مفكرنا عن مسألة التنبي،كان الحديث عن سيدنا يوسف ،وسيدنا رسول الله – عليهما الصلاة والصلاة والسلام – ولم يتحدث عن "الربيبة"وهي بالنسبة لزوج الأم "فتاة"في مقام الابن المتنبى .. فهل تحدث نفس الإشكالات؟!
    ثانيا : لم يذكر المفكر في حالة وصول الأيتام إلى سن الرشد هل يطلق أمهم .. أم يستمر الزواج؟
    ثالثا : إذا قلنا أن أهل تلك الفترة ،وحتى المفسرين الذي جاءوا بعد ذلك،لم يفهموا أن التعدد "مقيد"بأم الأيتام .. فماذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟
    المفكر يرى أنه فهم ذلك .. بدليل أنه رفض زواج سيدنا علي عليه السلام،بأخرى .. ويكاد أن يسخر من الذين قالوا أن سبب ذلك هو رفض النبي صلى الله عليه وسلم أن تجتمع ابنة نبي الله – عليه السلام – وابنة عدو الله تحت سقف واحد.
    قد يسال سائل ... كيف يسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن فهم الصحابة لإطلاق التعدد .. وهو مقيد .. ويتركهم يتزوجون مثنى وثلاث ورباع .. من غير أمهات الأيتام؟ وهل التعدد بغير ذوات الأيتام حرام أم مكروه؟
    وأخيرا : أين المنطق أو العقل في أن يتزوج "رجل"بثلاث نساء – إضافة إلى زوجته – كل واحدة لديها أيتام؟ هذه دار أيتام .. وليست أسرة!
    وبعد .. إ إضافة إلى أن مفكرنا الكريم لم يكن أمينا مع الفلسفة المادية التي ينطلق منها،والتي كانت تحتم عليه أن يحاكم ماضينا حسب بيئته .. فإن مسألة تعدد الأزواج لم تكن مفتوحة في القرن السابع الميلادي فقط،بل إننا نجد – في عصرنا الحديث أي بعد أكثر من ألف سنة من الفترة التي حاكمها "حاج حمد" – مؤلف قصة الحضارة يقول عن تعدد الزوجات :
    (ونذكر من بادئ الأمر أن الإنسان بفطرته ينزع إلى تعدد الأزواج،وأن لا شيء يستطيع أن يقنعه بزوجة واحدة إلا أقسى العقوبات،ودرجة كافية من الفقر والعمل الشاق،ومراقبة زوجته له مراقبة دائمة){ ص 89 جـ 4 مجلد 5 ( قصة الحضارة ) : ول ديورانت : ترجمة : محمد بدران }
    وينقل عن سابقيه من النصارى :
    ( وارتأى لوثر وهنري الثامن وأرزم والبابا كلمنت السابع أن الزواج من امرأتين يمكن أن يرخص به تحت شروط معينة،وخاصة إذا كان بديلا للطلاق (..) وكان البيت الذي يضم زوجا وزوجتين أمرا مألوفا كثيرا في فرنسا ،مثال ذلك البيت الذي كان يضم هنري الثالث وكاترين دي مدتشي وديان دي بواتيه،){ ص 200 جــ5 مجلد 6 (قصة الحضارة ) ول ديورانت / ترجمة : محمد أبو درة / القاهرة / طبعة جامعة الدول العربية}.
    إذا فالراهب الألماني مارتن لوثر – 1483 – 1546 – مُطلق عصر الإصلاح في أوربا،وفي القرن السادس عشر الميلادي .. كان له ذلك الرأي المعتدل في التعدد،بينما يحاكم فيلسوفنا التعدد الذي جرى في القرن السابع !!
    وأخيرا .. هل نهبط بديننا إلى مستوى .. التماهي مع ما تطلبه الثقافة الغربية .. التي تغير وجهها كل حين ؟!!
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله


    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني










  6. #6
    المفكران : "حاج حمد" ود.الشحرور:
    "الداروينية" حين تتحزم بالقرآن (6)
    في هذه الحلقة نذهب إلى لب اللب أي خلق أبينا آدم،فهو الـ"الجوهرة"في الفرق بين الفكر المادي والفكر الديني .. إن كان الله – سبحانه وتعالى – قد خلق آدم مباشرة ،فذلك مسار الدين والوحي،وأما طريقة المادية وتطور داروين فطريق آخر مختلف كل الاختلاق كما سبق أن قلنا ... حيث يبدأ الإنسان في الدين من السماء من خلق الله - سبحانه وتعالى - لآدم – عليه وعلى بينا السلام - وكلامه معه .. ثم يأتي الهبوط .. وأمواج تعلو بالبشر حين يستنيرون بنور الوحي .. وقد يهبطون إلى مستوى البهائم حين يضيعون البوصلة المتصلة بالخالق سبحانه وتعالى .. إلى أن تقوم اساعة على أشباه البهائم .. لا يعرفون معروفا .. ,لا ينكورن منكرا .. أما طريق "التطور الدارويني"فيبدأ من أميبا .. ورحلة تطور طويلة .. يبدأ فيها الأمر من الصفر .. إلى أن يعتدل الإنسان واقفا .. ثم يصبح "الإنسان الكامل"ضمن الاحتمالات الواردة.
    أراد مفكرنا الأستاذ ابو القاسم محمد حاج حمد أن يتخذ طريقا وسطا .. فهو الذي تحزم بالقرآن،وبالتالي لابد أن يربط فلسفته بالقرآن الكريم. يقول عن داروين :
    (ثم نفست الفكرة الكونية الآلية التي افترضت عنصر الثبات في الحركة وجاءت الفكرة التطورية الداروينية لتقدم مفهوما عن أصل الإنسان مختلفا عن مفهوم الكنيسة المفهوم التطوري){ص 254 (جدلية الغيب والإنسان والطبيعة : العالمية الإسلامية الثانية) / محمد أبو القاسم حاج حمد / دار الهدى + مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد / الطبعة الأولى 1425هـ = 2004م)}.
    ولا أدري لماذا قال مفكرنا "مفهوم الكنيسة"تحديدا وهو ينطلق من القرآن الكريم؟
    كما قلت يأخذ مفكرنا طريقا وسطا بين التطور الدارويني،وأقول "الدارويني"وليس تطور داروين .. لأن الدراسات تقول أن داروين لم يذكر التطور أصلا في كتابه!!
    يقول بيجوفيتش :
    (العالم"الباليونتولوجي الأمريكي الدكتور ستيفن جاي مؤلف الكتاب المشهور عالميا"the mismeasure of man" يبرهن على أنه توجد إشكالية فيما يخص داروين. فلم يبرهن داروين في أي مكان بأن التطور يعني التقدم الملزم،وتهرب حتى من كلمة تطور. وكل ما أكده داروين أن الجسم يتأقلم،وهذا يعني أن تغيير المحيط الطبيعي هو سبب لتغير الجسم. وهذا ما يسمى بنظرية التكيف المحيطي ويقول جاي"فكرة التطور هو تقدم شامل،وبأن هذا التطور من الأميبا إلى الكائن البشري،هي من الأفكار الثقافية السابقة"){ ص 291 – 292 ( هروبي إلى الحربة ) : علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دمشق / دار الفكر / الطبعة الثالثة 1429هـ = 2008م}.
    أما "حاج حمد"فإنه يقول :
    (قد أدى نفخ الروح الإلهي في آدم إلى ضرورة تميزه العقلي والسلوكي عن البهيمية البشرية لألئك الذين احتجت الملائكة على سلوكهم .. (..) وقتها لم يكن آدم قد خلق بعد،فوجوده لاحقا كان بغيب يعلم الله ميقاته،فلما انكشف الغيب عن هذا الميقات "ولد"آدم من أبوين بشريين حيث نفخ الله فيه الروح وعلمه الأسماء ){ص 84 – 85 ( جدلية ..)}.
    إذا فـ"آدم"قد وُلد من أبوين بشريين .. ثم نفخت فيه الروح .. لم يقدم مفكرنا دليلا واحدا على وجود أبوين لـ"آدم"من القرآن الكريم الذي تحزم به .. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أحد أسباب نفور "الداروينيين" من السنة المشرفة – كما سبقت الإشارة - لأنها تدحض فلسفاتهم التي تستغل أن القرآن الكريم "حمال أوجه" ، مثل حديث الترمذي ،والذي صححه الألباني :
    (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض،فجاء بنوا آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك ..).
    هذا فقط للفت للتذكير بدوافع نفور "الداروينيين"من السنة المطهرة .
    يركز الفكر"حاج حمد"كثيرا على التفريق بين "الخلق"و"الجعل"فبعد أن يشن حملة على المفسرين القدامى مثل فوله :

    ( سرعان ما يفسر خلق الإنسان كاملا في هيئته الأولى ضمن أحسن تقويم ثم يسارع إلى ربطها بأيات أخرى : "وما أمرنا إلى واحدة كلمح بالبصر"القمر : 50،وكذلك "هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون "غافر : 68 حيث يستقبل الذهن هذه المعاني بخلفية العقلية ويصل بها إلى النتائج المعروفة لدى التفسيرات التقليدية){ص 641 (جدلية ..)}
    ويقول أيضا :
    ( فالطور هنا – بالمعنى السلفي – ما يتعلق بحالة الطفولة والرجولة والكهولة أو بمختلف مراحل نمو الجنين في بطن أمه. وحين نستمر في مقارنة إسقاط التركيب الذهني (..) ويستمر الإسقاط الذهني المفارق إلى عبارات لم يقف لديها الأقدمون إلا في حدود الانسياب الجمالي للفظيات القرآن : "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون"البقرة 30. وليس"إني خالق"والملائكة في"عتبهم"على الإرادة الإلهية لم يصدروا عن علم بغيب الإنسان الذي لم يخلق بعد ،فمن أين لهم التساؤل؟ ){ ص 642 (جدلية ..)}
    يبدو لي أن في القرآن الكريم آية تقول : "والجن خلقناه من قبل من نار السموم"الحجر 27 .. فالجن خُلقوا قبل البشر،فلماذا لم يناقش "حاج حمد"احتمال – مجرد احتمال – أن يكون "الجن"هم الذين احتجت الملائكة على سلوكهم .. وخشيت أن يكرر البشر أفعالهم؟ أي بعيدا عن علم الغيب .
    أما يتعلق بـ"خلق"و"جعل"فيقول :
    ( فالجعل صيرورة ضمن خلق كائن،أما الخلق فهو إنشاء من جديد وعلى غير مثال سابق (..) لم يكن بحثنا انتصارا للتطورية الداروينية التي يأتي القرآن بما هو أعمق منها تفصيلا في مسالة الخلق والنشأة وتصوير الكائنات ){ص 80 ( جدلية ..)}
    ويعود فيكرر الفكرة :
    ( ويوضح الله في آيات السجدة علاقة التفاعل بين عالمي الغيب والشهادة بالفارق الدقيق بين استخدام عبارتي "خلقنا"و"جعلنا"،فالخلق من الغيب كما يقتضي الأمر الإلهي في إبداع الشيء من غير أصل أو احتذاء،أما الجعل فهو من عالم الشهادة حيث مجرى الصيرورة وتحول الشيء من شيء وتصيره على حالة دون أخرى){ص 238 ( جدلية ..)}.
    العجيب أن مفكرنا بعد كل هذا الوضوح في الحديث عن"الخلق"الذي هو "إنشاء من جديد وعلى غير مثال سابق"حسب نص كلامه في الصفحة 80 من كتابه،نجده يقول - وقد نقلناه سابقا -
    (قد أدى نفخ الروح الإلهي في آدم إلى ضرورة تميزه العقلي والسلوكي عن البهيمية البشرية لألئك الذين احتجت الملائكة على سلوكهم .. (..) وقتها لم يكن آدم قد خلق بعد،فوجوده لاحقا كان بغيب يعلم الله ميقاته،فلما انكشف الغيب عن هذا الميقات "ولد"آدم من أبوين بشريين حيث نفخ الله فيه الروح وعلمه الأسماء ){ص 84 – 85 ( جدلية ..)}.
    إذا فآدم وقتها لم يكن قد"خلق"!!!مع أن "حاج حمد"قال لنا من قبل أنه ولد لأبوين بشريين ... وهذا يعني أن لا يقع تحت "الخلق"الذي هو فعل مفاجئ على غير مثال سابق !!
    ليس هذا فقط .. بل مفكرنا يؤكد – كما رأينا – على أن الحق سبحانه وتعالى قال للملائكة "إني جاعل"ولم يقل لهم "إني خالق"ويتجاهل "حاج حمد"أن "الخلق"في "الجنة"و"الجعل"في الأرض :"إني جاعل في الأرض خليفة"
    إن الإنسان ليعجب من الذهول الذي أصاب مفكرنا وهو متحزم بالقرآن الكريم ..كيف ذهل عن تسلسل الآيات في سورة الحجر :
    "وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) الحجر 29.
    وقد تحدث مفكرنا – في موضوع آخر - عن الفرق بين العطف بالواو والعطف بثم ... وهنا نجد العطف بالواو :"فإذا سويته ونفخت فيه من روحي" ... فنفخ الروح عطف على التسوية بالواو ... إضافة إلى أن الآية الكريمة ذكرت أن نفخ الروح تم للبشر .. الذين يصفهن مفكرنا بالبهيمة البشرية ... كما يقرر أن نفخ الروح هو الذي ميز "آدم"عن البهيمية !!
    أما الذي يحرك البشر فهو"النفس"،أما "الروح" فقد بدأت بنفخها في آدم .. عليه وعلى نبينا السلام .. ويتحدث مفكرنا عن الفرق بين "النفس"و"الروح"
    كما أن قول الحق سبحانه وتعالى"خالق بشرا" أي فعل مكتمل مفاجئ على غير مثال سابق،ينقض النظرية الداورينية التي يحوم حولها مفكرنا ويتحدث عن الرحم الكوني و"لأرض ذات الصدع"وتشبيه ما حصل في ذلك التفاعل الكوني ... بتكوين الجنين في رحم الأم!!
    يقول "حاج حمد" :
    (بالنسبة للرحم الكوني الذي أبدع فيه الإنسان حتى أصبح تكاثره عن بعضه لا بطريقة الانقسام العددي ولكن بموجب نطفة تجد في رحم المرأة ما وجده الإنسان من قبل في رحم البيئة الكونية : "وقد خلقكم أطوارا" نوح 14 ){ ص 456 ( جدلية ...)}
    ويقول مفكرنا في إطار شرح فلسفته الكونية :
    ( وبمعنى آخر معاودة الاندماج في الرحم الكوني بالوعي بعد أن تم الانفصال عنه بالخلق وكما تم الانفصال بالخلق أطوارا يعود الاندماج بالوعي أطوارا. والأطوار التاريخية ثلاثة "العائلة،والقومية،والعالمية،تماثل الخلق الكوني للإنسان في الرحم في ظلمات ثلاث وتماثل النسيج الكوني تتحول إلى كائن عضوي ويتحول إلى إنسان"){ص 282 – 283 ( جدلية ..)}
    هنا نجد مفكرنا يتحدث عن "الانفصال بالخلق" مناقضا مرة أخر تأكيداته على أن "الخلق" أمر فجائي على غير مثال سابق .. وكان عليه أن يسمي ذلك الفصل بأي اسم آخر .. خير"الخلق"
    ثم إن "النسيج الكوني الذي تحول إلى إنسان" .. قفز فوق "البشر" – أشباه البهائم – وقفز كذلك فوق .. نظرية "داروين"وتبني نظرية أحفاد "داروين"الذين تجاوزوه .. وتحدثوا عن"التطور"الذي تهرب منه "داروين"نفسه .. كما يؤكد العالم" الأمريكي الدكتور ستيفن جاي .. والذي نقلنا كلامه في مستهل هذه الحلقة.
    فيما يتعلق بخلق أبينا آدم – عليه وعلى نبينا السلام - يركز مفكرنا الكريم على أن الخطيئة التي وقع فيها أبونا آدم – عليه وعلى نبينا السلام – كانت على المستوى الروح،فيقول :
    ( وهبط آدم حين غوى من مستوى خصائص الروح المتعالية على مؤثرات الطبيعة إلى مستوى خصائص النفس المنفعلة بها،فأحس الجوع والبرد و والظمأ والحر،فتحول الجسد المتعالي بقوة الروح إلى"سوءة"متأثرة بالمحيط الطبيعي،والسوأة غير العورة،في دلالات ألفاظ القرآن فأصبحت هذه السوأة الجسدية عارية أمام مؤثرات الطبيعة ،بعد أن نزع عنها "لباسها"الروحي ،واللباس غير الثوب في القرآن. فقد نزع إبليس بغوايته لهما عنهما لباسهما الروحي فتدنيا إلى خصائص الجسد والنفس){ص 83 ( جدلية ..)}.
    ويكرر الأمر كالعادة .. فيقول :
    (فالزلة الآدمية ليست معصية ضمن عالم النفس والحواس،ولكنها معصية ضمن عالم الروح والأمر الإلهي المطلق ،أي معصية فوق عالم الإرادة وفوق عالم المشيئة ،ويتضح ذلك بالترابط المنهي في هذه الآيات :"ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما. وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى.فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى. إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى.وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى.فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى .فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى.ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) : طه : 115 – 122){ ص 609 (جدلية ..)}
    ولم يكلف "حاج حمد"نفسه الوقوف عند سؤال صغير :
    هل تقع الروح في المعصية؟ وهي يتم تكليفها؟ وهل يتم تكليف روحين بأمر واحد؟ علما أن فرعون والنمرود وهتلر وستالين وماركس .. إلخ في عالم الذر أو الروح قالوا جميع "بلى"ردا على "ألست بربكم"؟
    و رغم ان مفكرنا أورد الآية الكريمة التي فيها :
    "وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة"إلا انه لم يكلف نفسه الوقوف ليسال :
    هل الأرواح تخصف على نفسها من ورق الجنة؟!!!
    الله !!
    من أين أتت "حواء" هذه – أو حواء الطيبة كما يصفها – هل ولدت لأبوين بشريين .. ثم نفخ الله – سبحانه وتعالى – فيها الروح؟
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله

    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني










  7. #7
    المفكران : "حاج حمد" ود.الشحرور:
    "الداروينية" حين تتحزم بالقرآن (7)
    في هذه الحلقة سنقف بضع وقفات مع ملاحظات تبدت لي وأنا أقرا الكتاب :
    الوقفة الاولى : مع أن مفكرنا "حاج حمد"قد تحزم بالقرآن الكريم ليقدم لنا نظرية او فلسفة تتكئ على القرآن الكريم ... مستفيدة من المنهج الغربي والنظريات العلمية الغربية،أقول رغم ذلك إلا أنه شحن كتابه – النسخة التي وقعت بين يديّ – بأسماء العلماء الغربيين بشكل لافت للنظر،وعلى سبيل المثال،نجد الأسماء التالية :
    لوك
    آدم سميث
    أجوست كونت
    إدوارد تيلر
    دينكن ميتشيل
    فرانسيس بيكون
    ميشال فوكو
    ليبنتز
    برتراند رسل
    لودفج فتجنشتين
    باشلار
    جان فوراستيه
    فوكوياما
    اشبنجلر
    كولن ولسن
    أنجلز
    إميل دوركهايم
    إيرك فروم
    رودني هلتون
    نيوتن
    جون ديوي
    جاليليو
    بافلوف
    داروين
    وهناك اكثر .. سنشير مجرد إشارة إلى أربعة أسماء من هذه القائمة الطويلة :
    جون ديوي: وقد كتب عنه الدكتور "خضر"متحسرا على استيراد المثقفين العرب لأفكار غربية تجاوزها أهلها :
    (فبينما كان الرئيس الأمريكي الأسبق إيزنهاور يهاجم الفلسفة البرجماتية في عقر دارها وموطنها "1959"كان موسم ازدهار البرجماتية عندنا .. ينتقد إيزنهاور أبو التربية البرجماتية جون ديوي "1859 – 1952"قائلا :
    "إن السنوات الخمس التي قضيتها في منصبي كرئيس للجمهورية جعلتني مؤمنا تماما بحتمية إعادة النظر في تعليمنا،ويجب على المربين والآباء،والطلاب أن يشعروا مثلي بالسخط على العيوب الكامنة في نظامنا التعليمي،عليهم أن يسلكوا طريقا تعليميا غير ذلك الذي سرنا فيه معصوبي الأعين بفضل تعليمات جون ديوي ){ مقالة "البرجماتية في التربية والثقافة العربية " / د.محسن خضر / مجلة الهلال القاهرية / مايو 1993م}.
    أما جاليليو،فيقول عنه"حاج حمد" :
    ( نظرية جاليليو في دوران الأرض ليست مجرد نظرية فلكية،إنها تحطيم لمبدأ السكونية،وهذا وعي جديد){ ص 560 (جدلية الغيب والإنسان والطبيعة : العالمية الإسلامية الثانية) / محمد أبو القاسم حاج حمد / دار الهدى + مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد / الطبعة الأولى 1425هـ = 2004م)}
    فماذا قال صاحب قصة الحضارة عن نظرية جاليليو ؟ يقول ديورانت :
    ( كتب جاليليو جاليلي – 1564 – 1642 – في رسالة إلى دوقة تسكانيا الكبرى سنة 1615 – قبل محاكمته - :"بالنسبة لترتيب أجزاء الكون،أعتقد أن الشمس قائمة دون حركة في مركز دوران الاجرام السماوية" {وفي الهامش علق ديورانت } : "من سخرية التاريخ ان هذه القضية لا يؤمن بها اليوم أي فلكي، وربما كان الفلك بأسره،مثل التاريخ برمته،يجب ان يؤخذ على انه فرضية ){ ص 274 جـ 3 مجلد 7 ( قصة الحضارة ) / ول ديورانت / ترجمة : محمد أبو درة / طبعة جامعة الدول العربية}.
    بافلوف : والذي كتب عنه علي عزت بيجوفيتش :
    (عدم ثبات العلماء : مؤسسة نظرية الانعكاس الشرطي "البروفسور بافلوف"كان يذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد. ولا شيء في مجاله إلحاديا أكثر مثل نظرية الانعكاس الشرطي){ ص 256 ( هروبي إلى الحرية ) / علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دمشق / دار الفكر / الطبعة الثالثة 1429هـ = 2008م}.
    داروين : والذي يقول عنه "كوهين"مؤلف كتاب "تاريخ الأدب الغربي" :
    ( إذا وجد من هو ضد المسيح فهو داروين. بالنسبة له قانون حب الذات هو أعظم قوانين الطبيعة. وذلك القانون ليس حقا وحسب،وإنما هو واجب على الفرد. نظرية داروين عن التطور قامت بذلك الانقلاب في المشهد الإنساني في العالم والحياة،والذي لا يمكن مقارنته بالاختراعات الكبيرة السابقة "كوهين – تاريخ الأدب الغربي 3 ص 38"){ نقلا عن : ص 290 ( هروبي إلى الحربة ) : علي عزت بيجوفيتش }.
    الوقفة الثانية : أعتقد أننا لو قمنا بعمل احصائية فسنجد ان اكثر كلمة استخدمها مفكرنا الكريم هي "المنهج"فالكتاب كله بني على فكرة"المنهج"ثم وجدته فجأة .. يقول :
    ( إن ما نملكه الآن هو اكتشاف جديد لنص قديم لم يكشف من قبل عن منهجيته. وكل ما نفعله الآن هو إعادة فهم النص ضمن تركيبة المنهج أي منهجية التركيب القرآني.وأسلوبنا في اكتشاف تركيبة القرآن المنهجية لا ترجع إلى مناهج علمية أو دينية جزئية في التحليل كالتي يعتمدها الباحثون في معالجتهم لظواهر معينة،وإنما يعتمد أسلوبا على "جملة الوعي الإنساني"باعتباره قدرة كونية كامنة في الإنسان بحكم منشئه الكوني ،وهي القدرة الوحيدة التي تقابل صفة القرآن الكونية الشاملة .
    من هنا لن نتوقف كثيرا لدى"مسألة المنهج"إذ أننا نعتبر أن ممكنات الوعي الكوني بالقرآن كامنة في التركيبة الكونية للإنسان نفسه وفي جملة وعيه الإنساني){ ص 636 ( جدلية .. }.
    لن نتوقف عند"مسألة المنهج"؟!! ماذا كنا نفعل على مدى اكثر من ستمائة صفحة؟!!
    الوقفة الثالثة : لفت نظري كثرة حديث مفكرنا الكريم عن "الثلاثيات"فهو يكررها بشكل لافت،فهو يقول :
    (عبر منهج الجمع بين القراءتين ،وقوة الوعي الثلاثي،والتزام مبدأ الحرية الفكرية كحالة الطير في جو السماء،كل هذا مقدمةنستأذن الله فيه،ونطلب قوة أمره،وإرادته ،ومشيئته،المباركة) { ص 442 ( جدلية ..)}
    مستأذن الله؟!! على كل حال .. نكمل الثلاثيات :
    ( إنما نعتمد على الجمع بين القراءتين وقوة الوعي الثلاثي ){ ص 430 (جدلية ..)}
    من"الوعي الثلاثي"إلى"جدلية ثلاثية" :
    ( فالقرآن هو المعادل بالوعي للوجود الكوني وحركته وذلك بما يؤدي لتفعيل "جدلية ثلاثية"){ ص 257 ( جدلية ..)}
    فإلى حالات تاريخية ثلاث :
    (من يومها واضح أن هذا الكيان العربي الذي بدأ بمعاناة الضغط على أطرافه"المغول – الصليبون "،ثم تقسيمه بين قوى الاحتلال الأوربي،ثم زرع إسرائيل في قلبه،واضح أنه يعاني ثلاث حالات تاريخية وموضوعية خطيرة){ ص 543 (جدلية..)}
    فإلى محطات ثلاث :
    ( يتضح لنا الآن أن المحطات الثلاث لتطورنا لم تدامج بعضها تمام ){ ص 552 (جدلية ..)}
    فإلى انحرافات ثلاثة :
    ( إن هذه الانحرافات الثلاثة : 1 – الحد من التفاعل بالجماليات 2 – عبورية الدنيا 3 – تعجيز الفعل البشري ){ ص 607 (جدلية ..)}
    وختاما للأمثلة ... تركيب العالمية الاولى الثلاثي ايضا :
    (قد استند تركيب العالمية الأولى على "المبنى اللفظي للقرآن + القدوة الرسولية الحسنة + التطبيق التحويلي في إطار الخصائص المحلية){ ص 638 ( جدلية ..)}
    الوقفة الرابعة : بعد قراءة الكتاب توقفت لأسأل عن الغاية من هذا الكتاب .. وما الذي يريد ان يوصلنا له المفكر ؟ خصوصا حين أتذكر قوله :
    (إن اليهود بالرغم من أقوالهم الغيبية قد حصدونا في كل حروبهم بطائرات تفوق سرعتها سرعة الصوت وألقوا علينا حمما من السماء ولم يقذفونا بألواح "موسى "فهل نقابلهم برقى وتعاويذ من سور الكتاب؟
    مهلا إني لا أسعى بكم إلى بيت واه كبيت العنكبوت،وإنما إلى البناء الإلهي .. ){ص 522 ( جدلية .. )}
    بما أن اليهود لم يقذفونا بصفحات من كتابهم المقدس،وإنما بطائرات أسرع من الصوت .. تصورت أن مفكرنا سيتحدث عن التقانة التي تجعلنا نرد الصاع لليهود صاعين .. أو أكثر .. ولكنني فوجئت به يتحدث عن محورين :
    المحور الأول : الفن .. الشعر ..الموسيقى ... الرسم ... النحت .. فيقول مثلا :
    ( ومن موقف القرآن والرسول بالنسبة للشعر كلوحة عربية ذات دلالات جمالية أنتقل إلى موقف الرسول تجاه سائر أنواع الجماليات الأخرى التي تجسد حيوية الإنسان،وتفاعله مع الحياة،والتي أعتبرها مقدمة ضرورية في بناء الإنسان الحضاري الحر المنطلق. أقصد بهذه الأنواع النحت والرسم والموسيقى وسائر الجماليات الأخرى التي رأينا تأثيرها كمقدمة لازمة للحضارة البشرية){ ص 600 - 601 ( جدلية ..)}
    ويشن حملة على الذين يحرمون الفن ... والذين لم يدخلوا مسرحية ابدا ...إلخ.
    أولا : وربما في الهامش فقط ..يقول سليل الثقافة الغربية علي عزت بيجوفيتش عن الفنون التشكيلية التي يتباكى عليها مفكرنا :
    (إن جميع ما يسمى بالفنون التشكيلية هو فن وثني في أصله. ولعل هذا تفسيرا لحساسية الإسلام،وبعض أديان أخرى لا تميل إلى التجسيد،تجاه هذا اللون من أشكال الفنون){ ص 80 ( الإسلام بين الشرق والغرب) / علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : محمد يوسف عدس / القاهرة / دار الشروق / الطبعة الخامسة 2014م}.
    هذا في الهامش أما المتن .. فثانيا: فيكفي أن نتذكر أن كلية الفنون الجملية في مصر افتتحت في 12 مايو 1908 بعد أن أوقف الأمير يوسف كامل – من الاسرة المالكة – مائة وعشرين فدانا من أجود الاراضي الزراعية،وبض العقارات في الاسكندرية على الفنون الجملية ... كما لا ننسى فناننا العظيم والرائد محمود مختار – 1891 – 1934 – صاحب تمثال نهضة مصر.
    وفي العراق افتتح معهد الموسيقى في بغداد سنة 1936م ... ثم تغير اسمه إلى "معهد الفنون الجملية"سنة 1940م.
    وفي سوريا افتتحت كلية الفنون سنة 1960 – 1961 م
    أما الموسيقى .. فلدينا قامات شامخة .. الرائد والشيخ سلامة حجازي 1852 – 1917 ،و الشيخ سيد درويش 1892 – 1923 ،والشيخ أبو العلا محمد 1884 – 1942 ،والشيخ درويش الحريري 1881 – 1957 ،والشيخ إمام 1918 – 1995م.ولسنا في حاجة للإشارة إلى عبد الوهاب والسنباطي ..إلخ.
    إذا فنحن لم نؤت – قطعا - من قبل الفن ولدينا كل هذه الريادة ... في الفن والموسيقى ... وقبل ان تزرع إسرائيل بين جنبينا!!
    المحور الثاني : "النفط"فيقول عنه :
    ( ولهذا تدفق النفط في الجزيرة العربية كأساس مادي لتطور متسارع يختصر جهدا بشريا ضخما. وكل شيء قد قدره الله تقديرا){ ص 532 ( جدلية ..)}
    وكان قد قال من قبل :
    ( ما جمعه اليهود في مئات السنين تدفق من بئر نفط واحدة تحت نعل شيخ بدوي كل ما كان يفعله هو الصلاة ساجدا بجبهته على رمال الصحراء الناعمة ومختتما سلامة بالصلاة على الرسول ){ ص 458 ( جدلية ..)}
    عجيب أن يصدر هذا الكلام من رجل كان قبل قليل يلومنا .. ويتحدث عن الطائرات .. التي هي أسرع من الصوت .. ويتساءل ساخرا : "فهل نقابلهم برقى وتعاويذ من سور الكتاب؟" فإذا به يتحدث عن بدوي لم يفعل أكثر من وضع جبهته على التراب .. ويختم صلاته بالصلاة على النبي!!
    كما أن هذا الكلام قد يفهم عند تأليف الكتاب،ونشره في فترة الطفرة النفطية،أما عند إعادة النشر .. وبعد أن تبين أن النفط لم يفعل شيئا سوى زيادة الترف ... وتجاهلُ الحديث عن نضوب النفط .. وبدائل النفط .. فعجيبة أخرى!!
    الوقفة الخامسة : يبرز في طرح مفكرنا "حاج حمد" محوران آخران :
    المحور الأول : والذي يلمسه مفكرنا لمسا خفيفا فهو أن صراع العالمية الإسلامية الثانية قائم على :
    (ثم لا يبقى بعد ذلك سوى التدافع العربي – الإسرائيلي ){ص 89 (جدلية ...)}.
    ويقول :
    (إن تاريخنا المعاصر يتجه – عبر صراعنا مع إسرائيل – إلى وضع لبنات العالمية الإسلامية الثانية ){ ص 644 (جدلية ..)}
    ولكنه بطبيعة الحال لم يبين لنا كيف سيحسم ذلك الصراع،وهو الذي سخر من تحدث الحجر في آخر الزمان .. وقال – ساخرا – أن الحجر لم يتكلم من قبل .. ولن يتكلم أبدا !!
    المحور الثاني : قد يكون هذا المحور شديد الوضوح .. وكثير التكرار ،هو السبب في خفوت صوت المحور الأول!!
    إنه "السلام الكوني"!! وما كان لفيلسوف السلام الكوني أن يتحدث عن الحرب،وقد قال :
    (أي توجيه الإنسان على طريق الوحدة والسلام وليس عل طريق الصراع والحرب){ص 246}
    أيصدر هذا الكلام عن رجل سخر منا وذكر أن اليهود يقذفوننا بطائرات سرعتها تفوق سرعة الصوت!!
    وهنا سأنقل مجموعة من نصوص "حاج حمد"المتعلقة بالسلام والوحدة .:
    1 - (إن الصورة التي يفصلها القرآن لطبيعة الخلق الكوني بما فيه الإنسان تجعل الحياة تتخذ نهجا محددا باتجاه واحد هو اتجاهالسلم والوحدة .. سلام بين الله والإنسان والكون الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين. وسلام بين الإنسان والكون الذي فصلت آياته وأحكمت للإنسان،وسلام بين الإنسان وذاته الاجتماعية ){ ص 245 ( جدلية ..)}
    2 - ( لتعطي المعنى الإنساني والمسخرة للإنسان علاقة التسخير والوحدة والسلام ){ص 247}.
    3 - (فيحل الصراع بديلا عن السلام والانقسام بديلا عن الوحدة ،ولا يصبح ثمة معنى للوحدة والسلام ){ص 249}.
    4 - (حين يتحرر المطلق الإنساني يكتسب النظام السياسي معنى جديدا حيث يكون الاتجاه نحو السلم والوحدة كما بينا في ..){ص 276 ( جدلية ..)}
    5 - (أما الحضارة الإسلامية فهي في نسقها وتطورها تقوم على العناية الإلهية لها باعتبارها حضارة السلام والوحدة في شكلها العالمي){ص 282 ( جدلية .. }
    6 - (التشريع القرآني،وهو منهج ينتهي إلى تحقيق السلام الكوني ){ص 398 ( جدلية ..)}
    7 - (إنها منهجية السلام الكوني الشامل التي تطرح نفسها بديلا كاملا عن حضارة الصراع والتناقضات){ ص 584 (جدلية ..)}
    8 - (أوضاع متناقضة مع منهجية السلام الكوني (..)المنهج الإلهي فتتمحور كلها حول "الحق"و"السلام"فبالحق خلقت السموات والأرض وما ينهما وبالسلام تمضي التجربة الكونية إلى مصيرها. (..) كنزوع إلى تطبيق العملي لهذا المنهج أي لتأكيد الحق والسلام في إطار الوحدة الكونية القامة بالله) ) { ص 620 - 621(جدلية ..)}
    9 - (هو أسلوب القراءة الكونية الجامعة لتحقيق الوحدة والسلام الكوني للبشرية جمعاء . ){ ص 644 (جدلية .. )}
    10 - (هذا يؤدي إلى تكريس مفهوم السلام مع الله ومع الكون ومع الذات ضمن منهجية الخلق الرحماني القائم على التسخير والوحدة) { ص 648 ( جدلية ..)}
    11 - ( إذن التشريعات على اختلافها هي نسبية حسب الواقع التاريخي (..) وذلك لتحقيق السلام الكوني مع الله ومع الكون ومع الذات){ ص 649 ( جدلية ..)}
    أعتقد ان هذا يكفي .. وليست هذه كل النصوص المتعلقة بالسلام والوحدة .. إلخ.
    والسؤال الذي يخطر في البال .. كيف سيقنع مفكرنا العالم بهذا السلام الكوني .. والذي مرتكزه "القرآن الكريم" ؟ كيف والرجل يخاطب صنفين /أحدهما لا يؤمن بوجد خالق أصلا .. فضلا عن أن يرسل رسولا أو ينزل قرآنا ،والصنف الثاني/ يؤمن بوجد الخالق – أو قوة خارج الطبيعة أو "المحرك الأول" – ولكنه لا يؤمن بمحمد – صلى الله عليه وسلم – ولا بالقرآن ... بل منهم من يرى أن الأفكار التي جاء بها محمد –صلى الله عليه وسلم – أخذها من الكتب السابقة.
    كان التصور أن يكون الإعجاز العلمي في القرآن سلاحا لدى مفكرنا ،ولكن العكس هو الذي حصل .. اكتفى بأقل من سطرين .. رمى فيهما أصحاب الإعجاز العلمي في القرآن بصاروخ ..ساخر. ولم يعقب !!
    قال مفكرنا :
    (ولا علاقة لما نسوقه هنا بما يروى عن"الإعجاز العلمي في القرآن"فالقرآن منهج رؤية كونية وليس مختبر علوم تطبيقية،وهؤلاء لا يأتون البيوت من أبوابها){ ص 12 (جدلية .. ) من المقدمة }.
    وهنا عجيبة أخرى م عجائب مفكرنا .. فهو يتقبل كل فكرٍ .. ثم يتجاوزه .. إلا فكر إخوانه !! ثم هو يتجاهل شيئا لا يمكن تجاهله .. علماء كتابيين وغير كتابيين يدخلون الإسلام بسبب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم،ومن لم يدخل الإسلام – مثل أحد العلماء الأمريكان – قال : إن كان هذا الكلام – أي وصف مراحل نمو الجنين – في القرآن فهو ليس من عند محمد {صلى الله عليه وسلم}.
    أما العالم الفرنسي الكاثوليكي – قبل أن يسلم – موريس بوكاي،فقصة أخرى، والذي كان كاثوليكيا،ثم أسلم بعد دراسة قصة فرعون في القرآن،وألف كتابه المعروف :
    (التوراة والإنجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث).
    إن تجاهل كل هذه الصور امر عجيب .. ثم يريد مفكرنا للعالم أن يؤمن بالقرآن بسبب "المنهج" التي في داخله،والتي تجاوزه هو نفسه!!
    ونختم هذه الرحلة الطويلة ..بعدة نصوص من بيجوفيتش،كلها مرتبطة بالماركسية التي تبناها – للتحليل – مفكرنا"حاج حمد":
    أولا مقارنة بين ماركوس وهيدجر :
    (ينتمي هيديجر تماما في فلسفته عن الموت إلى عالم التفكير والشعور المسيحي،مثلما ينتمي ماركس في فلسفته المتفائلة عن الحياة،إلى اليهودية والعهد القديم.(..) فلسفة ماركس سطحية وتفاؤلية.وفلسفة هيديجر عميقة ومتشائمة. وحدها الفلسفة التي تأخذ في حسابها الموت هي فلسفة حقة. لأنه يبقى طبعا السؤال كيف يمكن الحديث بشكل حقيقي عن الحياة متجاوزين الحقيقة التي حقيقتها خارج مجال الشك .. حقيقة الموت){ ص 24 – 25 ( هروبي إلى الحرية ) / علي عزت بيجوفيتش }.
    ثانيا .. العملية نجحت والمريض مات!!

    (الأطروحة الرئيسة لـ"ليشيك كولاكوفسكي"أن الدور التاريخي للماركسية قد تم إنجازه. لكن مشروع التغيير الثوري للعالم لم ينجح){ ص 340 ( هروبي إلى الحربة ) : علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دمشق / دار الفكر / الطبعة الثالثة 1429هـ = 2008م}.
    النص الأخير حول الماركسية :
    (تخلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني عن الماركسية في مؤتمر بادجود سبورغ عام 1959م "بوصفها طريقة لتحليل الظواهر الاجتماعية"،وانحاز هذا الحزب إلى ما يسمى "دولة الرفاه"بدلا من الصراع الطبقي.){ ص 122 ( هروبي إلى الحربة ) : علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دمشق / دار الفكر / الطبعة الثالثة 1429هـ = 2008م}.
    أما لقطة الختام – وعن بيجوفيتش دائما – فتعيدنا إلى سعي معظم مفكرينا الجدد إلى "تبرير"ديننا وشرائعه للغرب أو للحضارة الغالبة ..
    ( كل نهضة حقيقية تبدأ بالشعور بالاحترام تجاه الذات نفسها. وإذا صلحت فإنه لا يفهم وضع سياج إزاء بقية العالم،ورفض أي اتصال. إنه اختيار الطريق الذاتي والاتصال ذو المسربين مع بقية العالم. هذه هي النهضة الحقيقية){ ص 165 ( هروبي إلى الحربة ) : علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دمشق / دار الفكر / الطبعة الثالثة 1429هـ = 2008م}.}
    لن تقوم لنا نهضة ما دمنا نعدو خلف الغرب ... لا في التقانة وحدها .. ولكن في كل شيء .. وما دمنا لا نملك الشعور باحترام أنفسنا وثقافتنا .. وقبل ذلك كله .. ديننا .. فلن نندم لأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أمنا الطاهرة المطهرة عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة .. لمجرد أن ذلك لا يعجب الحضارة الغربية .. الكاذبة.

    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني

المواضيع المتشابهه

  1. "فرنسا 24" و"الحرة" … أو حين تتنكر "الدبابة" في ثوب "الميديا" كتبه شامة درشول‎
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-18-2015, 09:36 AM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-31-2012, 01:13 PM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-13-2012, 07:03 AM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-09-2012, 08:43 AM
  5. "فيسبوك" أكبر أداة تجسس عالمية.. و"ياهو" و"جوجل" واجهتان لـ"cia"
    بواسطة شذى سعد في المنتدى فرسان التقني العام.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-21-2011, 06:52 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •