طعام ... صلاة ... حُب .. (قصة المياسة والمقداد)"1"
{"خلطة" كتب}
على طرقة التلفاز في إعادة المسلسلات،هذه إعادة لمسلسل سياحتي "خلطة كتب" :

مصادفة .. ليست أكثر من مصادفة ضاعفت عندي الشعور بــ(الذنب) تجاه أخي وصديقي الأستاذ (كتاب).
لم يحتج الأمر أكثر من (غياب) – دون دخول في التفاصيل – الشبكة العنكبوتية،فقرأت .. وقرأت – دون أن يقاطعني (إيميل عابر للقارات) ... نعم أحسست بــ(الذنب) والتقصير ...
لو كنت صادقا مع نفسي لهجرت (الكتابة) ... وكسرت القلم .. وألغيت – هل هناك طريقة لذلك؟ - بريدي الإلكتروني ... ولكن الصدق مع النفس مرحلة لا يصلها الإنسان بسهولة.
قبل هذه الصدفة – والتي تعني أمرا لم أخطط له – التي وضعتني وجها لوجه مع الكتاب ... كنت في مكة المكرمة ،واشتريت بعض الكتب ... وهي التي سأصنع منها هذه (الخلطة) ..
لم أخبركم – هل فعلت؟ – أنني وجدت نفسي وأنا أقرأ ... فلا أذكر أن أحدا (حرضني) على ذلك الفعل ... كما لا أذكر متى بدأت القراءة ... فقط وجدت نفسي – والعياذ بالله – أعاني هذا الداء الخطير... وقد قرأت في تلك المرحلة كتبا مثل (سيرة عنترة) – في ثماني مجلدات – و(سيرة سيف بن ذي يزن) – في أربع مجلدات – وسيرة (الأميرة ذات الهمة) وسيرة ( الأمير حمزة البهلوان) ... إلخ. وحين وجدت – في زيارتي لمكة المكرمة – كتيبا بعنوان (قصة المياسة والمقداد الأصلية : وما جرى بينهما من الحروب الجسام وما لاقى لأجلها من الحب والغرام)،حين قرأت هذا العنوان ... عاد بي مباشرة إلى تلك الفترة المبكرة من عمري .. فاشتريت الكتيب – بريالين فقط،و يقع في 64 صفحة – لأعود إلى العبارات المألوفة مثل (قال الراوي) و (هذا ما كان من "فلان" أما ما كان من "فلانة" ) ... كما يجب على القارئ ألا يهتم كثيرا ببعض التناقضات التي قد ترد في (الخبر الظريف) .. كما سُميت هذه القصة ...
(قصة المياسة والمقداد الأصلية)
تبدأ القصة هكذا :
(قال الراوي لهذا الخبر الظريف. حدثنا محمد الهاشمي عن ابن عباس عن جعفر بن هاشم بن مضر قال لما أراد الله تعالى أن يسكن البشير النذير السراج المنير محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ويتخذها مسكنا شاع خبره وعلا ذكره ونمى فخره واتصلت أوامره ونواهيه إلى قريش وأهل مكة قاطبة. فتبادروا وتشاوروا في مكة فرحل عن مكة مهاجرا إلى المدينة فلما استقر بها قراره وطاب بها جواره،قام أبو جهل وأبو سفيان وأبومعيط وعكرمة وحنظلة ومرة وخالد بن الوليد وتحالفوا مع قريش على قتله وجعلوا الرأي بينهم على أذلته. فأتى إليهم أبو سفيان وقال يا معشر قريش ما تقولون في هذا الأمر؟ فقالوا له أنت أميرنا وكبيرنا وأمورنا بيدك فأمرنا بما تختاره؟ فعند ذلك قام أبو سفيان على قدميه وهو مغتاظ وقال يا أبطال الصفا والبطحاء اعلموا أن محمدا{صلى الله عليه وسلم} قد جعل يثرب مسكنه وأن العرب قد اجتمعوا عليه من كل جانب ومكان ولا تأمنوا أن يدهمكم بعساكره وجنوده ويملك ديارنا ويأخذ كعبتنا. قال صاحب الحديث : فلما سمعوا كلامه قالوا يا أبا سفيان فما تأمرنا فيه؟ فقال لهم قوموا بنا نمضى إلى صخر ابن حرب فقاموا وساروا،فلما دخلوا عليه حياهم وقربهم وسألوه عن أمر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فأطرق رأسه ساعة يتأمل إلى مقالتهم قال الشيخ البكري وكان في بني كندة رجل يقال له جابر بن الضحاك الكندي وكانت له بنت يقال لها المياسة وكانت ذات حسن وجمال وبهاء وكمال وقدّ واعتدال بخد أسيل وطرف كحيل وردف ثقيل وعنق طويل وقامة كأنها ميل ترتج في ردفها وتهتز من نصفها (..) وقد علا ذكرها وزاد فخرها واشتهر اسمها بين قبائل العرب وظهر اسمها عند ذوي الرتب. فخطبها السادات والأشراف والملوك من ربيعة ومضر ومن سائر العربان وهي لا ترغب في أحدهم. وقد آلت على نفسها وأقسمت بذمة العرب وشهر رجب والرب الذي إذا طلب غلب ما يملك عنانها إلا من يرد سنانها في ميدان الحرب وموقف الطعن والضرب.){ (قصة المياسة والمقداد الأصلية)3 - 4}.
قررت قريش أن تتحالف – عبر المصاهرة - مع (كندة) ليقضوا على الرسالة،فشدوا الرحال إلى أبي المياسة،لخطبتها :
(فقام أبو جهل يخطبها لولده حنظلة وخالد بن الوليد يخطبها لولده سلمان وعمرو بن ود العامري يخطبها لولده عمار والباقون كل منهم يخطبها لنفسه ..) {ص 5}.
بطبيعة الحال أخبرت والدها بشرطها،ثم استعدت لمبارزة (قرش)!!!!!!
(وخرجت المياسة وقد أسرجت على جواد من سباق الخيل يقال له الجوال ثم أنها أفرغت عليها درعا داوديا وتركت على رأسها بيضة عادية ململمة مجلية وطاسة من الحديد الصيني وتقلدت بسيف هندي واعتقلت برمح خطي {ربما صناعة "يابانية"} ووقفت على ربوة من الأرض،وأزبدت وأرعدت وأنشدت تقول :
أهمك قول الشين والعذل ****** وقلت قولا ليس بالمحال
إذا قريش عاينوا فعالي ****** ولوا عن الحرب والنزال
قال فما سمع أبو سفيان شعرها ونظمها أجابها يقول :
ما في العشائر والقبائل مثلنا ***** ولنا الفخار وسائر الإكرام
فينا الشجاعة والبراعة والندا *** ولنا العز والإجلال والإعظام
قال صاحب الحديث فلما سمعت المياسة شعره ونظامه أخذتها الحمية والنخوة العربية وحملت على القوم ونادت أيها السادة هلموا إلى الميدان فهنا يبان فيه الشجاع من الجبان،قال فلم يزل يبرز إليها فارس بعد فارس وبطل بعد بطل حتى لم يبق منهم أحد إلا برز إليها إلى الميدان فلم يكن فيهم من قريش من يرد سنانها ولا يلوي عنانها فتحير منها الفرسان وذهلت منها الأعيان.){ص 7}.
ثم تحكي لنا القصة خبر فقر (المقداد) ورغبته في دخول ميدان المبارزة،فذهبت أمه و(استجدت) له جوادا من زوجة خاله،فحصل على جواد هزيل .. قال الراوي :
( ثم إن المقداد أطلق عنان جواده وحمل على السادات من قريش وصال على فارس فجندله،وطعن ثانيا فقتله،وثالثا أخرج السنان يلمع من ظهره ورابعا أرداه يخور بدمه {المقداد .. أو الراوي أحدهما نسي أن الأمر مجرد "مبارزة" وليست "حربا"!!!} فما كان إلى ساعة زمانية حتى جندلهم على الثرى والناس ينظرون إليه فمنهم من قال هذا شيطان ومنهم من قال هذا غيل من الغيلان أو عفريت من الجان : ومنهم من يقول هذا ملك أو سلطان. (..) ثم إن المقداد دنا إليها فلم يمهلها دون أن حمل عليها حملة منكرة. وتجاولا طويلا واعتركا مليا،وتطاعنا بالرمحين حتى تحطمت،وتضاربا بالسيفين حتى تثلمت،وعضت الخيل على المراود وارتضت تحت خيولهم الجلامد وعلا بينهما الغبار وأظلم النهار حتى غابا عن الأبصار وهما في كر وفر وطعن وضرب وبعد وقرب وهتك وفتك وجد وهزل وازدحام والتحام والناس يقولون ما هذا إلا شيطان مارد،أو عفريت شديد. (..) قال ولم يزل المقداد والمياسة في كر وفر حتى جرى منهما العرق وازورت منهما الحدق وهو لا ينظر إلى وجهها ثم أنها قالت أيها الفارس الكرار من تكون حتى أعرفك (..) وكان المقداد لا ينظر إليها مخافة أن يفتتن بحسنها وبجمالها وتبطل حركته.
(قال الراوي) قالت المياسة من تكون من الرجال (..) فلم يجبها دون حمل عليها وضايقها ولا صقها. وهم أن يطعنها فسابقته بطعنة فراغ عنها،ثم أنه لكزها في كعب الرمح فرمى البيضة من على رأسها فقالت أيها الفارس هل لك أن تمهلني حتى أشرب الماء وأرجع إلى الميدان؟ فقال لها المقداد أنت مجازة بذلك فدعت بشربة ماء فشربت ثم مالت تمانعه و تخادعه و وتدافعه وتقول : أيها الفارس الكرار والليث المغوار والأسد الزيار،هل لك في شربة الماء حاجة،ثم أنها كشفت البرقع عن وجهها وقد احمر وجهها من العرق فقامت تمسح العرق عن جبينها وهو ينحدر على خدها كاللؤلؤ الرطب،فنظرت إلى المقداد نظرة التفت إليها التفاتة فوقعت عيناه عليها فانذهل عقله واستلب فؤاده واندهش واحترق قلبه وانقلبت عيناه في أم رأسه وصار شاخصا باهتا لا يرد جوابا ولا يصبو إلى خطاب فطمعت المياسة فيه وقالت لاشك أن هذا الغلام زال عقله وسلب فؤاده من حسني وجمالي.
(قال الراوي) وبعد ساعة أفاق المقداد وصحا من سكرته وانتبه من رقدته ورد عقله إليه واستدرك وقال في نفسه ويحك يا مقداد إن المياسة ما تصيد الرجال الأبطال إلا في هذه الحيلة والمكر والدلال والحسرة والجمال (..) ثم إن المقداد ضايقها ولاصقها وأراد أن يقتلعها من سرجها،فانقلبت عن تحت بطن الجواد ثم{كبيرة شويه!!! أم أن (الراوي) نسي الأوصاف التي أطلقها عليها في أول القصة؟!!!} استوت على ظهر جوادها،فلما رآها المقداد طعنها بكعب الرمح فرمى البرقع عن وجهها فنظرها وقال شعرا : ...){ص 11 - 15}.
قال (محمود) فلما هزمها المقداد .. طلب أبوها،ما يدل على أن غلاء المهور ليس بدعة من بدع آخر الزمان!! قال والدها :
(أريد منك مهر ابنتي أربعمائة ناقة حمر الوبر سود الحدق لم يحمل عليها شيء،وأربعمائة رأس خيل مجلل بجلال إبريسم وسرجها وركابها من ذهب. وماية جارية وماية عبد وماية أوقية من المسك وخمسين أوقية من الكافور وماية رطل من العمود القماري وماية ثوب من الديباج وعلبة قمطر مملوءة من ثياب مصر وعمل الشام وألف أوقية من الذهب الأحمر وألف اوقية من الفضة البيضاء وثمانية نوق معلمات وثمانمائة أوقية من البنان الرومي،وبعد ذلك أريد منك جهازها مثل بنات العرب وإذا أحضرت جميع ما طلبته منك تعمل وليمة عظيمة تدعو لها أهل الحي جميعهم وتكسي صبيانهم.){ص 20}.
حصل المقداد على مهلة قدرها ثلاثة أشهر،ليحضر المهر!! فخرج إلى الصحراء،وهناك قابل أبناء عبد المطلب : العباس وحمزة وشيبة،أخبرهم بقصته،فحصل على (شرهة) مقدارها 300 ناقة حمر الوبر سود الحدق محملة من صنائع مصر وتحف الشام. فتركها وديعة عندهم،وانطلق،فأنقذ قيس بن مالك وزجته الخنساء من أسر (الولهان). لا يمكننا أن نكمل القصة دون أن نورد بيتا من الشعر قالته الخنساء،ردا على (الولهان) :
كذبت يا نسل بني اللئام *********** يا كلب يا ملعون يا حرامي {ص 25}.
هذا (البيت) ذكرني ببيت آخر يقول صاحبه .. وهو يرثي أحد الخلفاء :
مات الخليفة أيها الثقلان ******* فكأنني أفطرت في رمضان
قال (محمود) : أكرم قيس بن مالك (المقداد) وخرج من عنده بهدية تقدر :
(.. بمائتي رأس من الخيل العتاق،ومائة ناقة محملة من صنايع مصر وتحف الشام،ومائة جارية،ومائة أوقية من العود القماري،وألف أوقية من الذهب الأحمر وألف أوقية من الفضة البيضاء،وأحضرا بنو عمه من الأموال شيئا كثيرا وأتحفوه بالخيل والجمال.){ص 32}.
كان الأمر الطبيعي أن يعود المقداد بعد أن حصل على كل هذه الأموال،ولكنه – لأمر ما – واصل السفر،حتى وصل إلى بلاد فارس،وهناك قابل ليوث فارس،فكانت حصيلة معاركه معهم كالتالي :
قابل 300 فارس فقتل منهم 200
فأرسل له كسرى 100 فارس (ليوث عوابس) فقتل منهم 80
ثم قابل 400 فارس (ليوث عوابس) – أيضا - فقتل منهم 270
فجهزوا له ألف فارس – لم يحدد إن كانوا ليوث عوابس أم لا!!! - فقتل منهم 500
ثم قابل كسرى أن شروان نفسه،وحصل منه على كثير من الأموال ... كما حصل على (تاج كسرى)!!! ولكنه حين عاد كانت المدة قد انتهت،وقابل في طريقه (المياسة) .. (مزفوفة) إلى عريسها الجديد،فقاتلهم .. واستعادها. .. وفي طريقهما إلى مضارب القبيلة :
قابل المقداد فارسا،فهم بسلب ما معه .. كالعادة .. فعرف الفارس بنفسه :
(ويلك يا مقداد أنا الفارس الصؤول وابن عم الرسول {صلى الله عليه وسلم} أنا زوج البتول {عليها السلام} أنا الفارس الكرار والليث المغوار،والأسد الزيار.وأنا قالع الباب والأسد الوثاب،أنا السم والعلقم،وأنا الثعبان الأرقم،أنا الذي سمتني أمي حيدر،أنا المدعو بكرار،أنا ليث بني غالب أنا مظهر العجائب ومبدي الغرائب،ومفرق الكتائب. أنا المذكور في المشارق والمغارب،أنا علي بن أبي طالب{رضي الله عنه،وكرم وجهه}. فلما سمع ..){ص 49 - 50}.
ثم تبارزا،فانتصر سيدنا علي رضي الله عنه،ولكن المياسة تشفعت فيه،فرد الإمام رضي الله عنه :
(ولكن أريد منه أن يقول كلمة خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان،هي شهادة"أن لا إله إلا الله محمد رسول الله وأن عليا بالحق ولي الله).){ص 52}.
قال الراوي محمود : وهنا يتوقف القلم،بعد أن تبين أن المغزى من القصة،ومن تلك الفروسية النادرة للمقداد،رغم غرابة التركيز على انتصار المقداد على (الفرس) وما فعل بأبطالهم (الليوث العوابس)!! ولكن الخلاصة،هي الشهادة لسيدنا علي – رضي الله عنه – بالإمامة،بل من العجيب أنه وفي حضرة الحبيب – صلى الله عليه وسلم – كان يطلق على سيدنا علي – كرم الله وجهه – لقب (أمير المؤمنين)!!
إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
س/ محمود المختار الشنقيطي
س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب