السلطة تعطل استثمار الفلسطينيين لأراضيهم
بروفيسور عبد الستار قاسم
12/كانون ثاني/2015
سبق أن كتبت حول الرسوم والضرائب التي تفرضها السلطة الفلسطينية على المواطنين الفلسطينيين عند التصرف بأراضيهم، وكان الاستنتاج أن السلطة تعطل استثمار الفلسطينيين لأراضيهم وتحول بينهم وبين الاطمئنان على مستقبل هذه الأراضي، وتبعث فيهم الشكوك حول إمكانية تسربها للمستوطنين. للتأكد من الوضع، ذهبت إلى دائرة تسجيل الأراضي بنابلس واستشرت بعض تجار الأراضي، وهم أكدوا صدقية ما كتبت.
المشكلة الأساسية أن من يريد وطنا عليه أن يزرع الأرض أشجارا وبيوتا. كان من المفروض أن يركز الفلسطينيون منذ زمن بعيد على الانتشار العمراني على كل أرض فلسطين وأن يزرعوا كل قطعة أرض صالحة للزراعة بخاصة زراعة الأشجار وذلك لفرض أمر واقع يحاصر التمدد الاستيطاني الصهيوني. لكن حتى يتمكن الفلسطيني من عمل ذلك كان من المفروض تسوية قطع الأراضي ليعرف كل مواطن بالضبط أين تقع قطعته لكي يستطيع التصرف بها بدون منازعات. هذا ما نسميه الإفراز. المواطن ليس مستعدا لبناء بيت أو غرس الأشجار في قطعة لا يملكها أو يوجد هناك من ينازعه عليها. وكذلك يصعب عليه أن يبيعها لمستثر أو لشخص يرغب في بناء مسكن. وجزء كبير من الأراضي في الضفة الغربية غير مسوى، وبالتالي يصعب على الناس التصرف بأراضيهم مما يثير شهية الاستيطان للاستيلاء على الأرض.
كان من المفروض أن تعمل السلطة على خفض الرسوم المفروضة على الطابو وعلى الإفراز لكي ينشط الفلسطينيون في مجال الزراعة والإعمار.
الذي حصل أن السلطة رفعت رسوم الطابو من 1% إلى 3%، بدل تخفيضها إلى ثلاثة أعشار%. أما الفرز وفق ما أفادتني مسؤولة دائرة تسجيل الأراضي بنابلس فهي 1% وقد تصل إلى 5% في بعض الحالات. ولدى احتجاجي قالت إن هذا هو القانون. حسب معرفتي، لا يوجد قانون صادر عن مجلس تشريعي فلسطيني بهذا الخصوص. نحن في الضفة الغربية لدينا قرارات إدارية استبدادية تدعي السلطة أنها قوانين. وهذا جزء من خطورة إدارة الضفة الغربية إذ يقوم الإداري بسن بإصدار قرارات إدارية يدعي أنها قوانين قوانينو يدعي فيها أنه حريص على مصالح الشعب الفلسطيني.
يتذمر الناس من ارتفاع رسوم الإفراز، وهم غير قادرين على التصرف بالأرض بالطريقة المناسبة. أما تجار الأراضي فيرون في الرسوم تعطيلا للمصالح والنشاط الاقتصادي وتعريض الأراضي للنهب من قبل المستوطنين. وطبعا الرسوم يتم استيفاؤها تراكميا. المواطن يدفع رسوم تسجيل الأرض، وإذا أراد فرزها بعد ذلك فإنه يدفع رسوم الإفراز أيضا. والرسوم يتم تحديدها وفق تخمين دائرة تسجيل الأراضي لقيمة الأرض المالية. وحسب التجار، قامت دائرة الأراضي برفع قيمة التخمين لتجني رسوما أعلى من الناس. وقالوا لي إن تخمين الأراضي على المستوى العالمي يجب أن يكون بحدود 60% من القيمة الحقيقية للأرض. هنا التخمين يتجاوز أحيانا القيمة الحقيقية للأرض. أما في المناطق ج فيفرض الصهاينة رسوما تصل إلى 5% على الطابو، لكن التجار قالوا لي إن تخمين اليهود لقيمة الأرض أرحم من تخمين السلطة.واضح أن السلطة تريد رفع الرسوم من أجل تحسين الميزانية فتستطيع دفع رواتب موظفيها الذين لا يقومون بواجبهم. وبدل أن تشجع السلطة الاستثمار والإنتاج تلجأ إلى تثبيط الاستثمار والإنتاج مما يعني أن قدرتها على تحسين ميزانيتها تتعطل. أي أن السلطة الفلسطينية تضر نفسها وتضر الناس بهكذا إجراءات. والمسكلة أنه لا يوجد لدينا مواطنون يدافعون عن أنفسهم ومصالحهم.
المفروض أن تنخفض الرسوم على الطابو إلى 3/10%، ورسوم الإفراز إلى 1/1000. والمفروض أن يدافع الناس عن وطنهم وأرضهم. فنحن لا يحاصرنا الصهياينة فقط وإنما يحصارنا أيضا سماسرة الوطن.