ومضات من مذكرات خالد العدساني(1)

حل مجلس الأمة سنة 1939 م

كنت – ولا أزال - شديد الإعجاب بالكويت والشعب الكويتي .. وقد زاد إعجابي حين قرأت مذكرات المرحوم خالد بن سليمان العدساني،وقد نشرها الدكتور فالح العمرة – عبر الموقع الرسمي لقبيلة العجمان - وقد علقت على المذكرات شاكرا الدكتور،ومتمنيا لو أنه نشرها منجمة على حلقات،فهي طويلة ونحن في زمن (المتصفحين) .. وكانت تلك مجرد وجهة نظر.
بعد قراءتي للمذكرات،تذكرت حوارا مطولا مع الدكتور عبد الله النفيسة،أجرته معه إحدى القنوات،وقد ضاع الحوار مع بريديّ المسروقين .. ومع ذلك فأنا أتذكر أن الدكتور (النفيسي) ذكر أن الديمقراطية الكويتية جاءت عبر نصيحة إنجليزية .. استجابت لها الكوبت،بينما رفضتها بعض الدول الخليجية الأخرى – ذكر قطر وعمان والإمارات إذا لم تخني الذاكرة – فتم تغيير الحاكم!!!
تذكرت تلك المقابلة وأنا أقرأ عن نضال الكويتيين من أجل نيل حقوقهم .. وكان ذلك عكس رغبة الإنجليز!!
وبما أن أمير الكويت حل مجلس الأمة مؤخرا .. فقد أعادني ذلك إلى المذكرات .. فقررت أن أقتطف منها عدة ومضات ..
ومضة من المقدمة :
(بعض ما في هذا الكتاب وريقات ووثائق سطرتها وأنا وسط الأحداث العاصفة التي هبت على الكويت أثناء التأزم في المراحـــل الأخيرة من أيام (مجلس الأمة التشريعي) في عام 1939.
فلما حل مجلس الأمة التشريعي الثاني أو قبل ذلك أدركت أن الواقعة ستقع وأن السلطة ستطاردني للقبض علي وربما فتشت بيتي فتعثر على هذه الوريقات وتصادرها. تقبض علي ليس بصفتي فقط سكرتيرا لمجلس الأمة التشريعي الأول فالثاني بل ولانها تعلم اني انا الوحيد الذي رتب وأنشأ ودون كل أثر من آثار المجلسيين، لهذا عنيت بدفن هذه الأوراق في التراب عند عتبة غرفة نومي في بيت الوالد الكائن في شارع (فهد) الصالحية سابقا، وبعد أن وضعتها في علبة من التنك. وصدق ظني فلقد داهمت السلطة البيت للقبض علي فلما لم تجدني فتشت كل من فيه لكنها لم تعثر على الضالة. وبعد سنوات عدت الى الكويت من العراق مع الأخوان الحاج محمد الثنيان الغانم والسيد محمد أحمد الغانم والسيد عبدالوهاب عيسى القطامي عام 1363هـ 1944م بطلب من المرحوم أمير البلاد آنذاك الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح الذي أرسل لنا وفدا من شخصيات الكويت بعد ان اطلق سراح المعتقلين السياسيين الخمسة ليعبر لنا عن كامل رضاه وتناسي احداث الماضي وآثاره. وحينما وصلت الكويت بعثت تلك الأوراق المدفونة من مرقدها ثم جعلت تنتقل معي وتطاردني سنوات من بلد الى آخر في أمل ترتيبها أو تهيئتها في كتاب متى سنحت لي الفرصة.)
وهذه ومضة أخرى :
(وفي ليلة ثلاثين من ربيع الثاني عام 1357هـ اجتمع كل أعضاء الكتلة الوطنية الموجودين في الكويت ليلتها وكانوا عشرة -تغيب عن الاجتماع عبدالله الصقر وحمد الحميضي لعدم وجودهما في الكويت- وقر رأي الجميع انتداب وفد لمفاوضة سمو الشيخ في صباح الغد ووقع الاختيار على الحاج محمد الثنيان الغانم وسليمان العدساني وعبدالله الصقر على ان يكون الأول رئيسا وحملناهم هذه الرسالة الى سمو الأمير :
حضرة صاحب السمو الأمير الجليل أحمد الجابر الصباح ادام الله بقاه
يا صاحب السمو ان الاساس الذي بايعتك عليه الأمة لدى اول يوم من توليك الحكم هو (جعل الحكم بينك وبينها على اساس الشورى التي فرضها الاسلام ومشى عليها الخلفاء الراشدون في عصورهم الذهبية).
غير ان التساهل الذي حصل من الجانبين ادى الى تناسي هذه القاعدة الاساسية كما ان تطور الاحوال والزمان واجتياز البلاد ظروفا دقيقة بعث المخلصون من رعاياك ان يبادروا اليك بالنصيحة راغبين التفاهم واياك على ما يصلح الامور ويدرأ عنك وعنهم وادي الايام وتقلبات الظروف ويصون لنا كيان بلادنا ويحفظ لنا استقلالنا، غير قاصدين إلا ازالة الشكوى واصلاح الامور من طريق التفاهم مع المخلصين من رعاياك متقدمين اليك بطلب تشكيل مجلس تشريعي مؤلف من احرار البلاد للاشراف على تنظيم امورها. وقد وكلنا املي كتابنا هذا ليفاوضوك على هذا الاساس والله تعالى نسأل ان يوفق الجميع لما فيه صالح البلاد.،،،

30 ربيع الثاني 1357هـ جماعتك المخلصين

وذيلنا هذا الكتاب بكلمة (جماعتك المخلصين) كيلا يعلم الأمير اسماء وعدد الجمعية السرية (الكتلة الوطنية) التي كان الناس يبالغون في كثرتها.
وفي الصباح توجه الوفد الى سمو الشيخ في قصره الكائن على ساحل البحر (قصر السيف) حيث كان يجلس جلسته المعتادة الى زواره والمترددين عليه، وهناك رجوا من سموه الاجتماع به على حدة، حيث ناولوه الرسالة آنفة الذكر وكاشفوه في الغاية التي وفدوا من اجلها. وفي هذا الاجتماع تكلف سموه مجاملتهم وابدى ارتياحه الى تحقيق الفكرة التي جاؤوا من اجلها وقال انه ليسره على الدوام ان يصارحه المخلصون بما فيه صالح الكويت ثم قال انه سيرسل عليهم غدا في مثل هذا الوقت ليتداولوا معهم في الأمر ويعطيهم رأيه فيه.
وقد حضر هذا الاجتماع متعمدا فقط الشيخ فهد السالم الصباح اخو ولي عهد الامارة الثاني من ابيه. وبعد انصراف الوفد من سمو الأمير ارسل الشيخ عبدالله السالم الصباح ولي العهد اخاه فهد الى ديوان الشيخ يوسف بن عيسى طالبا اليه تبليغ الجماعة (أعضاء الوفد) تأييده هو واخيه لمؤازرة الجماعة واستعداده للتعاون معهم في تحقيق مطالبهم، فكانت هذه الروح الطيبة من البوادر الجميلة التي شجعت عزائم الوطنيين وبشرتهم بالنجاح. وقد ارسل الأمير على أعضاء الوفد رسوله في اليوم التالي يدعوهم الى الاجتماع به، وقد وجدوا معه في انتظارهم سعادة الشيخ عبدالله السالم الصباح الذي طلب الأمير حضوره الى جانبه وابدى سموه موافقته على تشكيل المجلس وانما اشترط ان يكون الشيخ عبدالله السالم رئيسا للمجلس المنتظر.
فرد عليه أعضاء الوفد كل بدوره محاولين الايضاح لسموه ان أمر رئاسة المجلس من اختصاص اعضائه الذين ستنتخبهم الأمة بكامل حريتها وانه ليس في مكنتهم البت فيها منذ الآن وقالوا ان مهمتهم تقتصر على مفاوضة الأمير واخذ موافقته على تشكيل المجلس والأمر باجراء الانتخابات، والواقع ان احدا من هؤلاء ما كان يفكر في ترشيح غير سعادة الشيخ عبدالله السالم الصباح لرئاسة المجلس العتيد لا سيما بعد ان ظهر منه التأييد الكامل لهم غير انهم رأوا ان لا تفرض على الكويتيين هذه الرئاسة فرضا وانما تجري على سننن الانتخابات، فرد الأمير وهو يحاول جس نبضهم: "ومتى قلنا لكم انه ليس عندنا لكم مجلس ولا غير مجلس ماذا تفعلون؟"
فنهض عندئذ رئيس الوفد الحاج محمد ثنيان عن كرسيه غاضبا وهو يقول: "نقول في أمان الله". غير ان سمو الأمير وهو المشهور بسعة حلمه ودماثته المعروفة تدارك الأمر قائلا: "العفو انا امزح معكم.. استرح يا ابي عبداللطيف، انكم احرار في انتخاب رئيسكم ولكم ان تباشروا بالانتخاب فورا". وتكلم الشيخ عبدالله السالم فقال: "انا من رأيي التعجيل بالانتخابات حالا كيلا تحصل تحزبات عنصرية وغيرها"، وكان يخشى حفظه الله تكتلات العجم وغير ذلك. )

فإلى ومضات أخر.

ومضات من مذكرات خالد العدساني(2)
حل مجلس الأمة 1939 و 2012

وهذه حلقة أخرى .. أو ومضة أخرى من مذكرات خالد العدساني .. ونضال الكويتيين ..
(كان الحكم في الكويت الى ما قبيل عهد المجلس التشريعي محصورا في جميع مظاهره واشكاله في يدي الحاكم الفرد الذي يتعلق على كفائته وحسن اختياره لموظفي الحكومة ورجال القصر من الحاشية والتابعين مصير البلد والناس جميعا. أما الواردات فانها كانت تجبى دون ان يخصص منها ولو نصيب يسير للخدمات الضرورية، لا في الصحة ولا في المعارف ولا في العمران أو في أي منفعة عامة اخرى. وكان القضاة وغيرهم يعينون بارادة الحاكم التي يكيفها دائما اقرب المشيرين اليه من رجال الحاشية والمتنفذين، فكان من غير المتوقع ان يشيروا على سموه بانتقاء الرجال الاكفاء المشهود لهم بالنزاهة وطهارة الضمير بل كانوا ينتقون الضعفاء والخائرين للتعاون معهم في كسب الاموال الحرام وتهيئة الوسائل العجيبة لابتزاز الخزينة والتحكم في رقاب الناس وقضاياهم.)

ونختم بهذه الومضة الطويلة ..

(بدأوا أول ما بدأوا بانتخاب الشيخ عبدالله السالم الصباح ولي العهد للمجلس التشريعي توقع كافة القرارات والرسائل التي تصدر من المجلس باسمه لتكون لها حرمتها المبتغاة بصفته ابرز أعضاء العائلة الحاكمة بعد سمو الأمير، ثم تواصوا على وضع قانون صلاحية مجلس الأمة ورُشح الشيخ يوسف بن عيسى نفسه لوضع القانون المذكور، بينما اوعز الي جماعة الكتلة الوطنية من أعضاء المجلس ان اهيئ مسودة الدستور المطلوب.
وفي جلسة تالية تلا الشيخ يوسف على أعضاء المجلس صورة ما أعده فاذا به يشمل على بعض الآيات القرآنية والاحاديث النبوية والنصائح الاخرى مما لا يتصل والموضوع المطلوب، فشكروا الشيخ يوسف على اجتهاده ولكنهم اعتذروا منه عارضين مسودة القانون الذي اعددته فوافق عليه الجميع، وارتأوا ان يحمله سعادة رئيس المجلس ليطلب من سمو الحاكم التفضل بتوقيعه. ولكن رئيس المجلس رجع اليهم ليلا وهو يقول: "ان الأمير يوافق مبدئيا على القانون ولكنه متردد في توقيعه، لانه يقول لا حاجة الآن الى ذلك والافضل ان تسير البلاد تدريجيا في هذا الشأن".
فكان ذلك صدمة كبيرة للمجلسيين وانصارهم اوشكت ان تنقلب الى ازمة حادة بينهم وبين القصر لا يعلم الا الله ماذا ستكون نتائجها حيث كان المجلسيون في عنفوان حماسهم وتراصصهم للمغامرة في الفوز بالحقوق الدستورية كاملة غير منقوصة. وكان على رأس كل ذلك رئيس المجلس ولي العهد والعديل الأول لحاكم الكويت تشجعهم مكانته المرموقة من العائلة الحاكمة ومقامه لدى الرأي العام. واذكر ان ذلك اليوم كان من الايام الفاصلة في تاريخ الكويت. فقد كان الناس في شبه ذهول ينتظرون ماذا يكون موقف نوابهم وشجاعتهم بعد تلك الصدمة التي كانوا يتوجسون من ورائها الغدر والخديعة من الحاشية التى تآلبت على سمو الأمير تنصحه بعدم التساهل واستخفاف أمر المجلسيين. اما الشباب الوطني فقد توافد ليلا حول بناية المجلس ليتلقى من نوابه التعليمات الاخيرة التي تطوع أفراده للقيام بها من امور الدعاية وتنوير الرأي العام. وجاءتني سيارة الصقر في الساعة الرابعة بعد الغروب ليلا وكانت من ليالي الصيف القصيرة يدعونني النواب الى الحضور عندهم لمهمة لا اعرف ما هي، ولما صعدت الى النواب في قاعة المجلس الذي كان مقره (الكشك البحري من بيت آل صقر) على ساحل البحر، وجدتهم قد انهوا مداولاتهم وتناثروا في غرف المجلس يتحدثون ويطغي على حديثهم روح الحماس والتشدد. وقابلوني جميعا وهم يقولون لي: "اكتب الى الشيخ (الأمير) كتابا قويا فحواه كذا وكذا "، وأردت ان اتملى واتدبر في الأمر لألمس روحية النواب جميعا كيما يكون كتابي معبرا عن رغبة الجميع فلا اعود ثانية للحذف والتعديل ولكني حينما وجدت حتى الشيخ يوسف بن عيسى يؤكد علي بشدة اللهجة، لم اعد بعد ذلك في حاجة الى تأكيد، فرجوتهم ان يتركوني وحدي لأتفرغ الى نفسي في كتابة ما يريدون.
وبعد ساعة وقع الجميع على الكتاب دون ان يتردد منهم او يتريث، ثم حمله سعادة رئيس المجلس ليعرضه بعد ذلك صباح الغد على سمو الأمير واليك نصه:
حضرة صاحب السمو الشيخ أحمد الجابر الصباح دام بقاه
يا صاحب السمو، تقدم اليكم مجلس الأمة التشريعي هذا اليوم بقانون وافق عليه أعضاء المجلس بالاجماع موضحا الصلاحيات الاساسية لمجلس الأمة وقد أحاطنا سمو الشيخ عبدالله السالم بما دار بينكم وبينه اثناء عرض القانون عليكم لتوقيعه الا اننا لمسنا صراحة ان جوابكم لم يكن مقنعا فسموكم تقولون انكم موافقون على القانون ولكنكم تريدون ان يكون العمل به تدريجيا ولذلك لا ترون حاجة الى امضائه في الوقت الحاضر وجوابا على بيانات سموكم نفيدكم ان أعضاء المجلس جميعا لم يرتاحوا ولم يقتنعوا بهذه البيانات الشفهية ففي الظروف التي توليتم بها الحكم قطعتم ايضا على انفسكم ان تجعلوا الحكم بينكم وبين الأمة شورى ومضت الايام ولم تر الأمة تحقيقا لما وعدتم.

ان نواب الأمة يا صاحب السمو حينما وطدوا عزائمهم على خدمة الشعب والبلاد كانوا جادين غير هازلين ولا مترددين وقد اقسموا ان لا يحول بينهم وبين خدمة الأمة والاصلاح اية عقبة كانت ولعل هذه اللحظة في تاريخ البلاد تكون من اللحظات الفاصلة فاما الى الخير وانت على رأس الأمة يحيط بك الاجلال ويحفك التقدير والحب من كل حدب وصوب، واما الى ضده وهؤلاء نحن قد تهيأنا لكل أمر متوقع كتلة واحدة في صف البلاد لا نتردد ولا نتقهقر . ففي هذه اللحظة التي نرفع اليك فيها كتابنا هذا نقف جميعا في انتظار جوابكم التحريري الحاسم بالموافقة والله تعالى نسأل ان يوفق الجميع الى ما فيه السداد.
الكويت تحريرا في 12 جمادى الأولى 1357هـ تواقيع جميع الأعضاء
أما الشباب الذي كان محتشدا خارج المجلس ينتظر التعليمات ليبثها عن طريق المناشير والكتابة بالحيطان -وهي اعمدة الجرائد المعوضة في الكويت- فقد أُوعز اليه ان يكتب امثال هذه العبارات في طريق سمو الأمير:
(حب الشعب يرفعك الشعب) (اخلص للامة تخلص اليك) (عاش النواب المطالبون بحقوق الوطن) وغير ذلك من العبارات المهذبة.

بيد ان هنالك مع الاسف الشديد من شوه الموضوع، فقد كتبت ايضا كتابات قاسية جارحة ربما كان مصدر بعضها بعض الشباب المتهور، الا انه من الثابت ايضا ان اكثر هذه العبارات الجارحة موعز به من قبل رجال الحاشية والمفسدين وذلك لاستفزاز شعور الأمير وغضبه، فكنا ننصح شبابنا بمحوها حلا.
وفي الصباح عندما اجتمع سعادة الرئيس بسمو الأمير الذي كان قد تسرب اليه فحوى الكتاب المنوى تقديمه بادر سموه الرئيس بقوله: "انه مقتنع بالقانون وليس لديه ثمة اعتراض عليه وطلب فقط استبدال كلمة (نحن أمير الكويت) المصدر بها القانون بكلمة (نحن حاكم الكويت) ثم يوقعه مصححا".
وبعد صلاة العصر حمل الرئيس القانون بصيغته النهائية الى سموه حيث تم التوقيع عليه ورجع سعادته به الى أعضاء المجلس الذين كانوا قد هيأوا النشرات العديدة من القانون لتوزيعها على كافة الناس، فتقاطر الكويتيون يتخاطفونها منهم ويتلوها بعضهم على بعض في الطرق والاسواق في شبه مظاهرات متعددة وقفت اثناءها كافة الاعمال وانقطعت حركة المرور، وأمست الكويت في ذلك اليوم تعج بالافراح وكأنها في احد الاعياد الكبيرة.
واليك نص القانون المذكور :
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن حاكم الكويت
بناء على ما قرره مجلس الأمة التشريعي صادقنا على هذا القانون في صلاحية المجلس التشريعي وأمرنا بوضعه موضع التنفيذ:
المادة الأولى - الأمة مصدر السلطات ممثلة في هيئة نوابها المنتخبين.
المادة الثانيـة - على المجلس التشريعي ان يشرع القوانين الآتية:
1- قانون الميزانيــــة - "أي تنظيم جميع واردات البلاد ومصروفاتها وتوجيهها بصورة عادلة الا ما كان من املاك (الصباح) الخاصة فليس للمجلس حق التدخل فيه"
2- قانون القضــــــاء - "والمراد به الاحكام الشرعية والعرفية بحيث يهيئ لها نظاما يكفل تحقيق العدالة بين الناس"
3- قانون الامن العـام - "والمراد به صيانة الامن داخل البلاد وخارجها الى اقصى الحدود"
4- قانون المعـــــارف - "والمراد به سن قانون للمعارف تنهج فيه نهج البلاد الراقية"
5- قانون الصحـــــــة - "والمراد به سن قانون صحي يقي البلاد واهاليها اخطار الأمراض والاوبئة ايا كان نوعها"
6- قانون العمــــــران - "وهو يشمل تعبيد الطرق خارج البلاد داخلا وخارجا"
7- قانون الطـــــوارئ - "والمراد به سن قانون في البلاد لحدوث أمر مفاجئ يخول السلطة حق تنفيذ الاحكام المقتضية لصيانة الامن في البلاد" (جميع هذه التفسيرات الواردة بين قوسين للقوانين وضعت باجتهاد واصرار الشيخ يوسف بن عيسى حيث لم تكن موجودة في الاصل)
8- كل قانون آخر تقتضي مصلحة البلاد تشريعه.
المادة الثالثــة - مجلس الأمة التشريعي مرجع لجميع المعاهدات والامتيازات الداخلية والخارجية وكل أمر يستجد من هذا القبيل لا يعتبر شرعيا الا بموافقة المجلس واشرافه عليه.
المادة الرابعـة – بما ان البلاد ليس فيها محكمة استئناف فان مهام المحكمة المذكورة تناط بمجلس الأمة التشريعي حتى تشكل هيئة مستقلة لهذا الغرض.
المادة الخامسة - رئيس مجلس الأمة التشريعي هو الذي يمثل السلطة التنفيذية في البلاد.
تحرر يوم الجمعة الحادي عشر من جمادي الأولى عام الف وثلاثمائة وسبعة وخمسين هجرية الموافق الثاني
من جولاي عام الف وتسمعائة وثمانية وثلاثين ميلادي

حاكم الكويت
أحمد الجابر الصباح
بعد هذا النصر الحاسم لم يتجاسر احد على الوقوف في طريق المجلسيين فقد انكمشت الوجوه الصفيقة وخرست الالسنة الناعقة بالفساد، وخشى على كرامته من كانت له كرامة، ولو ان بعض المعارضين مال على بعض يتعاهدون سرا ويبيتون دسائسهم ليوم تتوافر فيه عناصر الكيد وتسنح اسباب التشفي والانتقام. اما الوطنيون فانهم ساروا شوطا قصيا في طريق الاصلاح الشامل مواصلين الليل بالنهار حتى اتموا في خمسة شهور قصيرة ما لا يمكن اتمامه في سنين. وقد وزعوا انفسهم على انجاز المهام المطلوبة والاشراف على سير الاعمال والمصالح العامة على طريقة لجان اختصاصية. فلجنة للشئون السياسية واخرى للمالية وثالثة للعمران ورابعة للمعارف وغير ذلك من اللجان التي تتطلبها حاجة الكويت وتشكيلاتها الجديدة. وجعل للمجلس مجتمعا الكلمة الاخيرة والقول الفصل في المصادقة على قرارات اللجان. ومن الاصلاحات الكثيرة التي انجزها المجلسيون في الدورة الأولى:
فصل الموظفين المرتشين وعديمي الكفاءة من تراث العهد الخامل واحلال الشباب النزيه بدلا منهم، كما التفتوا الى القضاء والمحاكم فاصلحوا من انظمتها وقننوا مجلة الاحكام الشرعية لتكون وحدها مصدرا لكافة الاحكام الشرعية ليس للقاضي ان يتأول فيها ويجتهد الآراء والفتاوى المتناقضة طبقا لميوله والمؤثرات الخاصة تلك التي ضج الكويتيون منها في عهد بعض القضاة المنحرفين، وعينوا الوجيه (مرزوق البدر) مستشارا عرفيا ومعاونا لحاكم المحكمة العامة. ثم عطفوا على المعارف فوسعوا نطاقها واضافوا الى ايرادها نصف واردات مصلحة النقل والتنزيل التي امموها والتي يعلم الكويتيون كيف طبخ امتيازها في مكتب الملا صالح قبل عهد المجلس لنفر قليل من الذين عرفوا استغلال الظروف بعد ان كانت اسهمها جميعا قد اكتتب بها كافة الراغبون{هكذا} من الكويتيين فاحتكروا لانفسهم جميع اسهمها واعادوا للكويتيين المكتتبين اوراق المساهمة وكانت تدر عليهم وحدهم من الارباح ما ليس يحصى. )


إلى اللقاء في ومضة جديدة ..


ومضات من مذكرات خالد العدساني(3)
حل مجلس الأمة 1939 و 2012

وهذه حلقة أخرى .. أو ومضة أخرى من مذكرات خالد العدساني .. وهنا حديث عن محاربة الاحتكارات،ومن احنكار "المصارين"!! وعلينا أن نتذكر أن محاربة الاحتكارات – بل وتأميم شركة النقل - هذه كانت سنة 1357هجرية، أي سنة 1934 ميلادي،لنعرف تميز الكويت ورجالاتها:
(وكانت اول هذه المحاولات المضرة منح احتكار (صنع مشروب النامليت) لصاحب معمل اجنبي لقاء رسم زهيد يدفعه للحكومة سنويا، الأمر الذي جعل لصاحب الامتياز وحده حق التحكم في الاسعار والاستخفاف بجودة النوع ونظافته، ولكن المجلس التشريعي عندما درس ظروف الحصول على هذا الامتياز قرر بتاريخ 5 رجب 1357 الغاء الامتياز وتنازل عن رسم الحكومة فترك بذلك الباب مفتوحا للمتنافسين والمتزاحمين ترقية لنوع اصناف المشروبات وتطمينا لصالح المستهلكين.
اما الاحتكار الثاني وهو احتكار (المصارين) ولعله من اعجب واغرب انواع الاحتكارات اذ تنص اتفاقيته المعقودة مع السلطة على الزام كافة الجزارين وبائعي المصران بيع كافة ما لديهم منها لمشتر واحد هو صاحب الاحتكار، مهما شح معهم او تحكم في زهد الثمن.. ويكفي معرفة مقدار الغبن النازل بهؤلاء من اضطرارهم بيع كل مصير واحد بآنه واحده او نصف آنه (الآنه الهندية تساوي تقريبا او تقل عن الخمسة فلوس) بينما يبيع المحتكر نفسه على مقاول آخر معه في ارض الكويت بما يترواح بين الاثني عشر والثمانية عشر ضعفا.. فكان لزاما على رجال العهد النيابي انصاف هؤلاء الجزارين الوطنيين الفقراء من تحكم هذا الرجل الغريب ايضا والغاء هذه الاتفاقية المجحفة التي اقر صاحبها انه فاز بها لقاء المخصصات المعروفة، وترك الناس احرارا يبيعون اشياءهم كيفما شاؤوا.
(..) اما قضية الاحتكار الذي منح لاصحاب (شركة النقل والتنزيل) الاربعة في احوال مريبة فلها قصة يطول شرحها ولكنا نلخصها فيما يأتي (عن رسالة نصف عام للمؤلف):
كانت مهمة النقل والتنزيل للبضائع الواردة بالبواخر عملا مشاعا يحترفه كثير من اصحاب السفن الشراعية المسترزقين، فلما تم التوقيع على امتياز شركة زيت الكويت المحدودة اشير على سمو الأمير ان يمنح مهمة النقل والتنزيل الى شركة قوية منظمة ذات رأس مال كبير يكون في امكانها بالاضافة الى نقل وتنزيل البضائع التجارية التعهد الى شركة الزيت بنقل وتنزيل كافة معدات الشركة ايا كان حجمها وثقلها بسفن ووسائط مأمونة وافية بالمرام، فعرض سموه حقوق هذا الاحتكار (النقل والتنزيل) على الكويتيين جميعا ليؤلفوا شركة واحدة يساهمون فيها كل حسب رغبته وعرضت اسهم هذه الشركة للبيع على الكويتيين وحدهم فاكتتبوا بجميع اسهمها البالغ قيمتها مائة الف ربية (سبعة آلاف دينار ونصف)، بل زاد اقبالهم على الاكتتاب بما يزيد على الضعفين، وانتدبوا عنهم بعض كبار الاغنياء المساهيم لمفاوضة سموه على وضع شروط الاحتكار وتعيين رسم الحكومة. بيد ان بعض الانانيين من الذين اوكل اليهم التفاوض مع السلطة على شروط الامتياز لما تبينوا سهولة تكاليف هذه الشركة وعظم الارباح المتوخاة منها اتفقوا مع طباخي الصفقات الاحتكارية المعلومين وانهوا سرا اتفاقهم مع الملا صالح النافذ الأول المعروف ليسهل لهم شروط الامتياز ويضمن لهم وحدهم امكانية الفوز فيه، ثم انذروا بقية المساهمين بفسخ ارتباطهم وارجعوا عليهم اوراق الاكتتاب بالاسهم قائلين انهم يتركون من شاء كيف شاء ليتقدم ويأخذ الامتياز.
فكانت لعبة سافرة تبرأ منها من المساهمة فيها كل من الشيخ يوسف بن عيسى والحاج محمد ثنيان الغانم وغيرهم وكانوا من اكبر المنتدبين ترفعا منهم عن القبول بمخادعة الناس، ولقد احتمل الكويتيون هذه الضربة البليغة على مضض وبقيت مدى الايام تحز في نفوسهم، ولكن كل من عرف حالة الكويت والكويتيين ذلك الوقت ادرك انهم سكتوا مضطرين ورضخوا للأمر الواقع مغلوبين على أمرهم.
ولقد فاز الابطال الاربعة وهم خالد الزيد الخالد، عبدالرحمن محمد البحر، عبدالمحسن الناصر الخرافي، (الأسم الرابع غير موجود في النسخة الأصلية)، بالتواطؤ مع الملا صالح الملا على اهون وايسر سبيل. فلما جاء دور العهد النيابي وتنفس الكويتيون الصعداء كان لزاما على المتصدرين ارجاع الحقوق لاصحابها. ففي يوم 1 شوال عام 1357هـ رفعت عريضة موقعة من اعيان الكويتيين وكافة طبقاتهم مطالبة بحل (شركة التنزيل والنقل) القائمة، وبعد يومين تناقش أعضاء المجلس التشريعي مناقشة طويلة ارتأى على اثرها بعض المعتدلين اتخاذ حل وسط للتفاهم مع اصحاب الشركة الاربعة بصورة ودية لتخصيص قسم محدود من اسهم الشركة يبقى لهم والباقي يرصد للمشاريع الخيرية. ولقد اظهر ثلاثة منهم استعدادهم لقبول العرض، اما الرابع فقد ابى التنازل عن شئ واستطاع اقناع زملائه بفادة الاصرار على رفض اي تسوية كانت. ولما ابدى سمو الأمير رغبته في التوسط وكان الامل معقودا على قبول وجهة نظر سموه في التوسط حدث ان الحاج عبدالرحمن البحر وكان اكثر اصحاب الشركة ميلا للاتفاق بعث بعد ذلك بكتاب الى احد أعضاء المجلس يبلغه فيه عدوله عن فكرة الاتفاق ورفضه كل موافقة لتعديل عدد الاسهم على اي اساس كان، فاسقط في ايدي المعتدلين ولم يبق بعد هذا الكتاب مجال لهم باقناع زملائهم الآخرين بالانتظار، فاصدروا بالاجماع هذه المرة قرارا يقضي بالغاء امتياز شركة النقل وتأميمها لمصلحة دائرتي الصحة والمعارف محتجين بالظروف والاساليب المريبة التي أُخذ فيها الامتياز، فأكبر عموم الكويتيين هذا العمل النافع والعزم الاصيل من اهله.
اما اصحاب الشركة المنحلة فقد اعيد اليهم جميع اثمان ممتلكاتها ومنشئاتها التي كانت جميعا من صافي الارباح، وصدر قرار المجلس بحرق اوراق الاتفاقية لقطع دابر كل اخذ ورد في هذا الأمر.)

ثم أصبح للكويت مالية مستقلة .. أو أكبر انقلاب في تأريخ الكويت .. كما يقول العدساني رحمه الله :
(لم تكن هنالك قبل قيام المجلس التشريعي مالية مستقلة للدولة تنفق على وجوه الاصلاح والخدمات العامة، بيد انه عندما تأسس المجلس التشريعي فاز اعضاؤه من سمو الحاكم بتلك الصلاحية التي تنص المادة الثانية فيها على تخويل المجلس التشريعي حق الاشراف على تنظيم الميزانية العامة وصرفها وفقا لاغراض البلد ومنافعه.
منذ ذلك الحين حدث اكبر انقلاب في تاريخ الكويت، اذ اصبحت للامة مالية مستقلة عن مالية الحاكم تستعمل لمعالجة شئون الاصلاح وتجديد دواوين الحكومة وفقا لما يتطلبه المنهاج المطلوب من التقدم والرقي.
)

وهذا موقع مشرف لأعضاء في المجلس .. لا يتقاضون مرتبات :
(بدأوا اول ما بدأوا بحرمان انفسهم من تعيين اي راتب لقاء قيامهم باعمال النيابة رأفة منهم بحال الميزانية الضعيفة باستثناء ثلاثة أعضاء منهم كانوا يتقاضون رواتب شهرية لا بصفتهم النيابية وانما لقيامهم بمهام اضافية انيطت بهم خارج نطاق اعمال المجلس.)
ثم التفت المجلسيون إلى السلاح،مما لفت نظر القتصلية البريطانية... ومنتفعين آخرين من أصحاب السرقات .. ( المتعددة اتخذ من هذا الطلب المشروع وسيلة للتشويش حول نوايا المجلسيين ومقاصدهم، مما كان صداه حتى في آذان القنصلية البريطانية في الكويت، فاجتمع القنصل اثر ذلك بسعادة رئيس المجلس وبلغه ان أمر السلاح يهم الحكومة الانكليزية وانها لا ترتاح ان يبقى خارج قبضة حاكم الكويت الفعلية ما لم يوافق المقيم البريطاني في الخليج على ذلك.. ولهذا فانه يود من رئيس المجلس ان يطمئنه في ذلك باعادة السلاح الى مقره الاصلي، فرد عليه رئيس المجلس بمباحثة الأعضاء غدا واقناعهم بالأمر. وقد بعث القنصل ديكوري بعد ذلك رسالة الى سمو أمير الكويت هذه ترجمتها الرسمية (حرصنا على نقل هذه الترجمة الرسمية كما وردت بحروفها رغم الاخطاء اللغوية وغيرها):
(بخصوص العلائق الخارجية فمن المؤكد لم يجر اي تغيير ولا عندي شك ان سموكم قد رتبتم على ان لا يجري شئ يمس بالعلائق المذكورة من قبل اي احد في "المملكة" الا بموافقة سموكم التامة وان سموكم توافقون ان جميع علائق سموكم الخارجية تكون بواسطة صاحب الجلالة ولكني سأكون مسرورا بأن تؤكدون لي ان الامتيازات والضمانات الاجنبية لا تعتبر بدون موافقة سموكم من قبل اي احد في المملكة ولا يوافق عليها نهائيا ويمضيها الا سموكم وان العلائق مع اصحاب الامتيازات والضمانات الاجنبية تبقى وستكون باقية كما في الماضي مع سموكم وبموجب المقاولات. ولا شك انه لم يجر تغييرا في امور الدفاع ولا شك من ان المواد الدفاعية وسلاحكم معا سموكم قد استحصلتوه بواسطة حكومة صاحب الجلالة ومع ما قد ستحصلونه منها في المستقبل يبقى تحت قبضتكم او بقبضة احد منتخب من قبلكم وليس بقبضة اي احد لاي سبب ما لم يوافق عليه فخامة رئيس الخليج "اهـ").
)

تسمية الكويت بـ"المملكة"لافتة للنظر .. وعلى كل حال .. استمر صراع المجلسيين مع الملا صالح فخاطبوا الأمير .. ("اننا نطالب اولا باقصاء الملا صالح من وظيفته (سكرتارية حاكم الكويت) وهي الوظيفة التي يتحصن فيها الملا ويستغلها على الدوام لعرقلة اعمال الاصلاح واثارة الاوهام والشكوك واحداث القلاقل والفتن وبلبلة الخواطر متخذا من هذا المنصب درعا يقيه القصاص والمحاسبة، وبعد ان يتنحى الملا عن منصبه نتفاهم واياكم في أمر السلاح ولن نختلف معكم في شئ". )
ليس من حقي – رغم أنني أستطيع أن أعد نفسي كويتا .. من باب الحب والإعجاب بالكويت وأهله – أن أتحدث عن الصراع الحالي في الكويت،ومع ذلك فإن اسم الملا صالح،يذكرني باسم شخص شديد الارتباط بأمير الكويت .. وقد تكرر ذكره على لسان النائب مسلم البراك في خطابه الأخير الشهير .. وعلى كل حال يخبرنا العدساني – ر حمه الله – عن ردة فعل الأمير على طلب المجلسيين ..( استاء الأمير من هذا الطلب المفاجئ واعاد الرئيس ليعاود المجلسيين رأيهم في هذا الأمر قائلا انه يعدهم بانه سيوقف الملا عند حده ويكفه عن كل ما من شأنه تكدير المجلسيين او الاثارة ضدهم، ولكن المجلسيين قالوا انه لا فائدة من ذلك وانهم لا يحسبون للملا في شخصه اي حساب بيد انه ما دام هذا الرجل الدساس قابعا في القصر ملتصقا بسمو الأمير ومتصلا بمجرى الحوادث الرسمية فهو لا ينسى ابدا حقده على رجال المجلس وسيعمل جهده سرا لاثارة صدر الأمير عليهم في كل فرصة مناسبة كلما رغب هؤلاء بأمر او هموا بمسعى مفيد. واذا فان في اقصائه راحة للبلاد والعباد.
رجع الرئيس يحمل النهائي الى سمو الأمير فما فك معضلة ولا حل مشكلا.
تعصب الأمير ببقاء الملا لانه كان المستشار الوحيد في كافة الشئون، والرجل قد خدم في هذه الوظيفة ما يقارب من ربع قرن كامل فتولد في ذهن سموه استحالة ادارة الشئون العامة من غير الرجوع الى رأي الملا واستشارته، خاصة وان الملا قد احاط اعماله واساليبه من الطلاسم والرموز في مكاتباته واساليبه مما لا يتكهنها المتكهنون. اضف الى هذا ان الملا عندما ادرك قوة اصرار المجلسيين على فصله اسرع الى الأمير وطرح نفسه على قدميه باكيا ومستغيثا بسموه ان يقدر له تلك السنين الطويلة في خدمة آبائه واجداده، فاستدر بذلك عطف الأمير ووعد بالدفاع عنه.
)

ثم تحاور المجلسيون مع القنصل البريطاني .. (وبعد حوار طويل في هذا تبين ان القنصل لا يعنيه بقاء او عدم بقاء الملا صالح في وظيفته وانما الذي يهمه مسألة السلاح. فاستفهم من أعضاء المجلس عن رغائبهم من تشكيل القوة المسلحة بينما ان أمر الدفاع عن الكويت منوط بالحكومة البريطانية، ولذلك فانه يهمه الوقوف على قصد المجلسيين من تأسيس هذه القوة وما هو عدد اعضائها وكيفية تدريبهم؟ فوضح له الأعضاء ان الأمر لا يخرج عن تأسيس دائرة لحفظ الامن الداخلي في المدينة وخارج المدينة بين البادية، وليس كما اشاعوا عن تأسيس قوة للدفاع الخارجي عن الكويت، الأمر الذي لم يفكروا فيه خاصة وان ميزانية الامارة لا يمكن ان تتحمله. فاطمأن القنصل من هذا الجواب واتفق على ان يكون الشيخ عبدالله السالم الصباح ولي العهد ورئيس مجلس الأمة التشريعي هو المشرف الرئيسي على حرز السلاح، وعهد الى صالح عثمان الراشد احد اصدقاء المجلس ان يكون الرئيس المباشر لقوة البادية. وخرج الجميع بهذه النتيجة الحسنة وان لم يكن قد بت نهائيا في أمر الملا. وقد خرج الأمير من الاجتماع دون ان يتفوه بموافقته على فصل الملا، فذهب اليه بعد ذلك الحاج محمد الثنيان الغانم بصفته احد وجهاء الكويت البارزين ليحاوله في قبول وجهة نظر المجلسيين، غير ان الأمير اقنعه بالرجوع اليهم لاقناعهم بالابقاء على الملا صالح في وظيفته الحالية فان لم يقتنعوا فان سموه يتنازل عن الحكم!
بهت المجلسيون لهذه المفاجئة الخطيرة يدلي بها الأمير من اجل الملا، ولكنهم ما لبثوا ان تمالكوا روعهم، فتكلم مشعان الخضير قائلا: "لقد جعل الأمير حفظه الله عموم الكويتيين في كفة والملا صالح المتلبس الدجال في كفة اخرى فرجحت لديه كفة الملا على الجميع. لماذا كل هذه الحمية من اجل الملا وحده؟ الا انه قضى عمره في خداعكم آل الصباح وتلاعبه في شئونكم وشئون رعاياكم حتى اهلك الحرث والنسل؟!".
وقال سليمان العدساني: "ابدا نحن لا يمكننا قبول تنازل أميرنا عن الحكم ولن نقر لنا حاكم سواه، اما قضية الملا فلا سبيل الى اعادة النظر فيها".
وقال ثالث: "من المؤسف ان يعرض الأمير بمنصبه السامي من اجل شخص كالملا بعد ان تكشفت للملأ سرقاته المالية المتعددة وفضائحه التي لا نظير لها، اننا نعز سمو الأمير ونكرمه عن مثل ذلك ولا نقبل ان نسمع منه مثل هذا الرأي".
فرجع محمد الثنيان بعد ان سمع هذه الثورة العاتية من أعضاء المجلس الى قصر الأمير ينقلها اليه. وامسى مساء ذلك اليوم وقد توترت اعصاب الكويتيين جميعا. وقد ضاقوا ذرعا لعدم البت في قضية الملا مما جعل بعض الشباب يفكر بوضع حد لها من ذات نفسه..
غير ان الحاج محمد الثنيان جاء ليلا وهدأ اعصاب الجميع اذ بلغهم انه فهم من سمو الأمير ان الملا صالح رفع اليه الآن استقالته.
).

إلى أي مدى يعيد التأريخ نفسه؟!!! خطر لي هذا السؤال .. وأنا أقرأ قول النائب مشعان الخضير أن الأمير وضع الملا صالح في كفة وكافة الكويتيين في كفة .. إنها نفس العبارة التي نطق بها التائب مسلم البراك .. سنة 2012م!!!!!
إلى اللقاء مع ومضات أخر.

ومضات من مذكرات خالد العدساني(4)
حل مجلس الأمة 1939 و 2012

وهذه حلقة أخرى .. أو ومضة أخرى من مذكرات خالد العدساني .. وهنا حديث عن تدخلات القنصل البريطاني،وبعض الدسائس التي كانت تحاك ضد المجلسيين .. (وذات يوم التقى بي السكرتير الشرقي للقنصل البريطاني وحدثني قائلا: "ان القنصل عاتب بعض الشئ على أعضاء المجلس لانهم يبتون في بعض الامور التي قد تتصل بالشئون الخارجية دون الرجوع الى اخذ رأيه او تبليغه على الاقل، من ذلك انه بلغه انهم قرروا جلب مفوض شرطة عراقي لتدريب أفراد الشرطة في الكويت كما انهم كاتبوا وزير المعارف العراقي لقبول بعثة من تلاميذ المدارس الكويتية في مدارس العراق وعلى نفقة الحكومة العراقية، بينما امثال هذه الامور تدخل في الشئون الخارجية التي لا يمكن معالجتها بغير توسط الحكومة البريطانية، ولكن حيث ان هذه القضايا عادية وانها من اجل العلم فان القنصل غير مهتم جديا بها، ولهذا فقد أمرني ان اخاطبك انت بها شفاها لانه لا يرغب ان يجعل منها قضية رسمية".
فقلت للكاتب: "ان شاء القنصل فاني ارفع لأعضاء المجلس هذا الأمر وابلغكم بالجواب".
قال الكاتب: "لا حاجة لذلك فان القنصل لم يقصد سوى التنبيه وانه يقول انه كان يتمنى على أعضاء المجلس ولو من باب المجاملة ان يحيطوه مقدما بامثال هذه الامور كيلا يتأأأتى سوء فهم في غير محله".
فأجبته قائلا: "ان الذي اعلمه ان أعضاء المجلس لم يقرروا او يفكروا بجلب مفوض شرطة من العراق لتدريب أفراد الشرطة الكويتيين وقد يكون هذا الزعم دسيسة دست على سعادة القنصل لاثارة شكوكه وارتيابه لتعكير صفو التفاهم بين الجانبين. كما ان أعضاء المجلس لم يكونوا يتصورون ان الاتصال بوزارة المعارف في العراق أو مشيخة الازهر بمصر يسبب جزع القنصل او يمس بمهمته اذ قد سبق لرجال معارف الكويت في عهد قريب مضى ان خاطبوا وزارة الاوقاف العراقية لقبول بعثة من تلاميذ في كلية الامام الاعظم في بغداد وكنت انا احد أفراد تلك البعثة، وقد تبودلت عدة رسائل مع وزارة الاوقاف العراقية كون ان يسبب ذلك جزع القنصل البريطاني الموجود او اعتراضه، هذا
بالاضافة الى ان أعضاء المجلس ليسوا مطلعين على الاتفاقيات والمكاتبات القائمة بين أمراء الكويت والحكومة الانكليزية حتى يتسنى لهم التمييز بما يسئ وما لا يسئ الى حقوق الانكليز لانهم حرموا من ذلك من قبل سمو الأمير بحجة معارضة سعادة القنصل نفسه وانهم يكونون ممتنين لو وضحت لهم حقيقة تلك الاتفاقيات كيلا يحدث منهم بحسن نية ما لا يرغبون في حدوثه..".
وذهب الكاتب مقتنعا من قولي ليقنع القنصل فيه بينما وافق أعضاء المجلس على جميع اجوبتي ولكنهم قرروا تكليف العضوين عبدالله حمد الصقر وسليمان خالد العدساني بزيارة القنصل اسبوعيا او كل اسبوعين مرة واحدة من باب المجاملة ولتوضيح حسن نوايا المجلسيين.
وحدث ذات مرة ان القنصل نبه ذينك العضوين في احدى الزيارات الخاصة انه لا يحسن بالمجلس ان يكاتب مباشرة شركة نفط الكويت (وهي شركة انكليزية أمريكية وصاحبة اكبر امتياز للنفط في الكويت) وطلب حصر التخاطب معها بسمو الأمير نفسه.. فاستغرب المجلس هذا الرأي تجاه شركة تجارية محضة حكمها كحكم الشركات الاجنبية الاخرى الموجودة في الكويت، بينما ليس من المتبع ان يمارس الحاكم شخصيا حتى الامور العادية التي تتكرر مرارا، اما في الامور الجوهرية فاقروا انه لا يمكن التصرف بها دون معرفة الأمير وقالوا ان الرأي الذي اشار اليه القنصل يعطي الشركة صفة حكومة اجنبية داخل اراضي الكويت لا يجوز التخاطب معها الا بواسطة الرأس الاعلى في البلاد وهو بحكم التقاليد لا يمكن مباشرة اي عمل الا بواسطة المسؤولين.
وبقيت هذه المسألة بغير حل الى ان وصل المقيم البريطاني الى الكويت واجتمع مع فريق من أعضاء المجلس واتفق واياهم ان يستمر عبدالله الملا صالح ممثل سمو حاكم الكويت لدى شركة نفط الكويت على التكاتب معها ويرسل للمجلس صورا من تلك الرسائل المتبادلة ومتى رأى المجلس وجهة نظر معينة أوعز الى المذكور ان يكتب بها الى الشركة كما يرون، وانتهى الأمر بسلام.
() اما أعضاء المجلس فقد كانت خطتهم ترمي الى التفاهم التام مع الأمير واكتساب وده ما امكنهم ذلك لانه لا خطر بعد التفاهم واياه على المصالح الجوهرية الكويتية، اما القنصل فكانوا يظنون انه لن يعترض سبيلهم في الاصلاح ما داموا بعيدين عن التفكير بالاحتكاك بالمصالح البريطانية لا سيما التعرض لامتياز شركة النفط. غير ان الواقع خطأ تقديرهم. فالقنصل بالاضافة الى الشكوك التي زرعها المغرضون والحاقدون في نفسه فانه يسيئه ان يغفله المجلسيون من حسابهم وعدم مراجعتهم له حتى في الشئون الاصلاحية المحلية، واذا فمن حقه ان يغضب لعدم مراجعة المجلسيين له بمكاتبتهم وزارة معارف العراق ثم مشيخة الازهر بشأن قبول التلامذة الكويتيين وهو من حقه ان يغضب لجلب المجلسيين مهندسا معماريا من العراق لاستشارته في وضع تصميم للمستشفى الأميري المنوى اشادته في شرقي مدينة الكويت وبعض البنايات الحكومية المستجدة دون الرجوع الى اخذ رأيه مقدما كما ان من حقه ان يغضب لاتخاذ المجلس بعض القرارات الشديدة لتوقيف تيارات الهجرة الايرانية الماحقة قبل ان يسألوه رأيه فيها، كل ذلك وغيره في نظره مما يمس من قريب او بعيد في الشئون الخارجية التي من اختصاص حكومته التمرس فيها.).

وهذه ومضة أخرى ,,, وحوار مع شاب متحمس :
(وقد جاءني ذات يوم احد الشباب المتحمسين وسألني وهو يرتجف غضب: "ما بالكم وكل هذا التردد والتخوف في مواجهة الأمير وقد بدى منه ما بدى في التمنع والتلكأ في توقيع القوانين؟"، قلت: "ان أعضاء المجلس يا صاحبى بين أمرين، اما التفاهم مع الأمير ومداراته في الشئون التي لا تمس جوهر الاصلاح فيسلموا على بلادهم وكيانهم من تدخل الانكليز الذين لا سبيل لهم اليه ما دام الراعي والرعية على وفاق، او التفاهم التام مع الانكليز ولو ضيعوا في ذلك استقلالكم وكيانكم، وعندها يسلمون على انفسهم وكراسيهم الى ابد الآبدين، وقد اختار المجلسيون التفاهم مع أميرهم فان وفقوا في ذلك وفقنا جميعا الى ما فيه سعادة الكويت واهلها اما اذا فشلوا فقد برئوا ضمائرهم وأدوا الامانة التي في اعناقهم وحسبكم منهم ذلك".
ذلك هو المنهج الذي اختاره أعضاء مجلس الأمة في بداية أمرهم وقد عملوا كل جهد من جانبهم للتفاهم مع الأمير على تقدم شئون بلادهم والسير بها حثيثا في مضمار الاصلاح والرقي ولكن سموه جاملهم في بداية الأمر مسايرة للظروف ولكنه كان يكن في نفسه ما يكن ولا سيما
وقد كان يصور اليه ان قيام المجلس وهيمنته على شئون الادارات مساً لكرامته ومزاحمة لسلطانه ناهيك بالشئون المالية التي كانت فيما مضى ملكا لفرد واحد يتصرف بها كيفما يشاء. هذا بالاضافة الى ان سمو الأمير كان في نفسه ما فيها من اثر كامن ضد مواقف بعض أعضاء المجلس ممن كانوا أعضاء في مجالس البلديات ومجالس المعارف السابقة التي فصلنا شرحها فيما مضى.
كل ذلك كان يعتلج في نفس سموه طوال ايام المجلس ويثيره ويستفزه فيه رجال السوء الذين تخربت اعمالهم المريبة في العهد النيابي النزيه. حتى اذا واتت الفرصة وبدأ القنصل يتبرم من المجلسيين ويتقرب من سموه برز تدريجيا الاثر القديم الكامن فبدأ يتلكأ اولا في الموافقة على مقترحات المجلسيين وينتقد تصرفاتهم ثم جعل يتعنت معهم في الامور ويمتنع عن التوقيع على القوانين العادية دونما سبب ولا تعليل ففشلت سياسة المجلسيين التي استهدفوها لصالح الكويت وسعادة ابنائه. وان مسؤولية ذلك لتقع اولا وبالذات على اولئك الذين كانوا لا يعرفون من حقوق الوطن الا التشبت بتحقيق نوازعهم واغراضهم الخاصة مما لم تخف خافيتهم على الكويتيين.
وبينما كانت الامور تجري على هذا المنوال شجرت فتنة بين شاب (هو منصور موسى المزيدي) من مناصري المجلس وشاب آخر احسائيا جعفريا اشتهر بدسائسه الكثيرة ضد المجلسيين لانه كان شريكا لعبدالله في بعض المصالح المادية العديدة فاتخذ هذا الشاب الجعفري من المشاجرة الشخصية التي وقعت بينه وبين الشاب السني وسيلة لتحريض بني مذهبه ضد المجلسيين وجعل يتباكى على عادته المعروفة عند الجعفرية من الايرانيين والاحسائيين المستوطنين قديما في الكويت مدعيا ان اعتداء وقع عليه بسبب مذهبه، وقد صادف هذا التحريض الباطل هوى في نفوس الايرانيين الذين طغت عليهم نفحة القومية العربية في عهد المجلس وحمسهم المهيجون فتوافدوا الى الحسينية كيما يجمعوا أمرهم على رأي ويطالبوا بحقوقهم المهضومة حسب زعمهم. اما الاحسائيون وهم الجماعة الذين ينتمي اليهم الشاب الجعفري فقد تبينوا حقيقة المشاجرة التي حصلت ولم يجدوا فيها وجهاً للتعصب المذهبي المزعوم كما انهم كانوا يعلمون حقيقة الشاب المذكور وصلاته بعبدالله الملا صالح فتبرأوا من تلك الحركة الانتهازية التي اريد لهم التورط فيها لا سيما وقد كانوا يدركون مكانتهم المحمودة عند باقي اخوانهم الكويتيين اذ كانوا من العرب الاقحاح.
اما الايرانيين فركبوا شيطان العنصرية وعلت اصواتهم بالهتافات والتصفيق داخل الحسينية لخطبائهم الذين كانوا يحرضونهم على المظاهرات والاضراب، واخيراً حرر احد علمائهم المعروف كتابا الى المجلس التشريعي يتضمن مطالبة هؤلاء بتخصيص بعض المقاعد لهم في مجلسي البلدية والمجلس التشريعي كما طالبوا مساواتهم بالوظائف الحكومية جميعها، وكانت هذه اول بادرة من بوادر الحذر التي يخشاها الكويتيون من استفحال أمر الهجرة الايرانية الى الكويت، وقد عرف من نية هؤلاء انهم يبيتون القيام بمظاهرة كبيرة واضراب شامل ما لم ينالوا كافة مطالبهم.
لكن المجلسيون غضبوا لهذا الاستغلال الشائن بدافع النعرة العنصرية وتناسي هؤلاء عاطفة الاخوة الاسلامية وحقوق البلاد التي آوتهم فآمنتهم من خوف واطعمتهم بعد جوع وادركوا ان التساهل مع هؤلاء واكثرهم من الحمالين والغوغاء قد يؤدي الى نشوب (..) {
الفراغ من الأصل}عنصرية تكون لها نتائجها البعيدة في تاريخ الكويت لذلك اجمعوا أمرهم الى اهمال الكتاب المذكور واصدروا أمرهم الى بعض رجال القوة بالطوفان في الشوارع بالسيارات المسلحة لارهاب من تحدثهم انفسهم بالقيام بالمظاهرات والاعمال العدائية بينما ذهب فريق من أعضاء المجلس الى العالم الديني الذي تطوع بعرض تلك المطالب يناقشونه في رأيه وأمر تلك المطالب التي عرضها اذ كان يدرك ان الايرانيين القدماء في الكويت قد دعوا كسائر الكويتيين الى الانتخابات والتصويت فيها فلم يعترض احد منهم في شئ لا قبل الانتخابات ولا بعدها، فماله اليوم يخرج من صفته الدينية للولوج في مثل هذه الامور التي قد تجر الى تفرقة وبلايا ليس من صفة اهل الدين التورط فيها؟
غير ان العالم المذكور وقد ادرك لهجة الجد اعتذر متنصلا من الحركة وقال انه انما طلب اليه ان يعبر بكتابه عن رغبة المجتمعين المحتشدين في الحسينية فقط وليس له من رأي خاص في هذا الأمر. اما المهيجون فقد انكمشوا في اماكنهم لما شاهدوه من حزم سريع واعتذر بعضهم بينما زعم آخرون انهم انما زج بهم في هذه الحركة بايعازات خارجية معروفة.
).

ونختم هذه الومضة .. بمحاولة القنصل البريطاني يتجاوز مجلس اللأمة فيما يتعلق باالبترول أو الزيت،ويكون أمره مع الأمير مباشرة !!!
(فلما جاء المقيم البريطاني عقيب هذه الحوادث الى الكويت طلب ان يجتمع بلجنة تمثل المجلس بحضور سمو الأمير وسعادة رئيس مجلس الأمة فأنتدب المجلس كل من سليمانالعدساني ومشاري الحسن والسيد علي السيد سليمان واجتمع الجميع بقصر الأمير الساحلي (قصر السيف) يوم 15 اكتوبر 1938 الموافق 21 شعبان 1357 وحضر الاجتماع الكابتن دكوري قنصل بريطانيا في الكويت وكان يتولى مهمة الترجمة بين المقيم البريطاني وباقي المجتمعين. وقد جرت عدة محادثات عامة كان اهمها البحث في أمر شركة الزيت إذ طلب المقيم ان يكون اتصال الشركة مع سمو الأمير مباشرة ولا صلة للمجلس بها، ولكن المجلسيين تشبتوا في حجتهم محاولين اقناع المقيم بصورة منطقية شذوذ هذه الخطة عن الاصول السليمة. ولما حاول المقيم اقناعهم ان يجربوا هذا الأمر لمدة شهرين فقط حتى اذا وجدت صعوبة يرجع الى رأيهم، غير انهم رجوا منه ان تكون التجربة الأولى على الوجه المستقيم الذي يرونه هم فاذا حدث ما يستوجب التغيير كان للجانب الاقوى وهم الانكليز ان يعدلوا في الخطة.. وسكت المقيم عند هذه النقطة وفهم ان سكوته كان سكوت الاقتناع.).
إلى اللقاء في ومضات أخر.



ومضات من مذكرات خالد العدساني(5)
حل مجلس الأمة 1939 و 2012

وهذه حلقة أخرى .. أو ومضة أخرى من مذكرات خالد العدساني .. ونبدأ بالهجمة الإيرانية أو هجرة الإيرانيين إلى الكويت: (ثم جاء الكلام عن الايرانيين المقيمين في الكويت وما هو تقدير عددهم والتدابير المتخذة من جانب المجلس معهم، فتكلم أعضاء المجلس قائلين: "ان هذه الهجرة التي استفحل أمرها ليس لها ما يماثلها في بلدان العالم بالنسبة الى كثرتها وانطلاقها من غير شروط"، فقال المقيم ان لا يعنيه الآن اتخاذ المجلس بعض التدابير لتسفير المهاجرين الجدد الى خارج الكويت ولكنه ينصحهم ان يتم ذلك بصورة تدريجية وهادئة كيلا يؤدي هذا الأمر الى تذمر الحكومة ذات الشأن فيضطر هو الى التدخل. فافهمه أعضاء المجلس ان التدابير التي اتخذت حديثا ليست الا لتوقيف الهجرة الغير مشروعة اما تسفير المهاجرين فلم يتقرر شئ منه حتى الآن.).
وهذه ومضة من رسالة .. وفيها إشارة إلى تجنب الإنجليز تسمية مجلس الأمة باسمه :
(مركز الكويت 20 اكتوبر 1938
الى حضرة حميد الشيم صاحب السمو السر أحمد الجابر الصباح المحترم
كي. سي. آي. اس. آي. حاكم الكويت
بعد التحية والاحترام
كما تعلمون سموكم في 15 اكتوبر 1938 قد عقد اجتماع بين سموكم والشيخ عبدالله السالم ولجنة من المجلس (كان الانكليز يتحاشون تسمية المجلس بمجلس الأمة التشريعي) وانا والكابتن دكوري وقد ذلك الاجتماع قد ابلغت اللجنة شفاهيا عن رسالة من حكومة صاحب الجلالة التي ارفق بطيه نسخة منها للاحتفاظ بها في دائرة سموكم.
).

وهذه رسالة من الشيخ أحمد الجابر الصباح :
(6/1092
6 رمضان 1357
29 اكتوبر 1938
حضرة صاحب الفخامة السر ترنجارد فاول المقيم البريطاني في الخليج
بعد التحية
بالاشارة الى رسالتكم المؤرخة 20 اكتوبر 1938 والمرفق معها صورة من خطاب فخامتكم الشفوي الى مجلس الأمة التشريعي التي بعثتها اليكم بتاريخ 11 اكتوبر 1938، يهمني ان اوضح لكم ما يأتي:-
1) بعد ارادتي التي اصدرتها بتاريخ 11 جمادي الأولى في شكل قانون في صلاحية مجلس الأمة التشريعي والتي جاء في المادة الأولى منها (الأمة مصدر السلطات ممثلة في هيئة نوابها المنتخبين) اصبح بديهيا ان البلاد جعلت تسير حسب القانون وفق نمط ديمقراطي ولكي تكون جميع الاوامر والاحكام والاتفاقات الناطقة باسم "حكومة الكويت" شرعية ومعتبرة لا بد من موافقة المجلس المذكور عليها في جلسة قانونية.
(..) أ) ان المجلس معتمد جد الاعتماد على ان يبقى الشيخ أحمد الجابر الصباح هو رئيس البلاد الاعلى ولكي يسهل الاتصال بين حكومة صاحب الجلالة البريطانية وحكومة الكويت بدون مساس في الصلاحيات الممنوحة لمجلس الأمة التشريعي حسب ارادة سموه الصادرة بتاريخ احدى عشر من جمادي الأولى 1357 قد انتخب بعد محادثات سابقة مع الكابتن ديكوري عضوين من اعضائه لكي يكونا واسطة نقل ذلك الاتصال بين سموه والمجلس.
ب) ان المجلس مقتنع حتى الآن انه ليس في النية اجراء اي تعديل جديد لا من قبل حكومة صاحب الجلالة البريطانية ولا من قبل حكومة الكويت على العلاقات والاتفاقات الكائنة بين الحكومتين حسبما رسمته المعاهدات والاتفاقات السابقة المبرمة من قبل حاكم الكويت الحالي وحكامها السابقين.
ج) ان المجلس مقتنع باهمية وفائدة الصداقة والمؤازرة الانكليزية التي ستبقى دائما هدف المجلس التشريعي في كافة الشئون السياسية.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
حاكم الكويت

أحمد الجابـــر الصباح
)

نختم هذه الحلقة او الومضة ببعض من الهموم الخليجية في ذلك الوقت :
(عرض "مشروع" اتفاقيات مع الملك عبدالعزيز السعود

والكويت على المجلس
تكررت المحاولات لعقد اتفاق بين نجد والكويت لاعادة (السابلة) (السابلة تطلق على قوافل التجارة التي كانت تجري على ظهور الجمال بين نجد والكويت وكان لها شأن كبير في ازدهار التجارة لدى الكويتيين) بينهما كما كان عليه الشأن قبل ان يمنع "بن السعود" رعاياه عن مسابلة الكويت عام 1340 هـ. ولذلك لاسباب وشروط كان يشترطها الملك بن السعود في حينه، وقد ارسل الملك مندوبه حمزة غوث الى أمير الكويت ثم انتدب سمو الأمير ولي عهده الشيخ عبدالله السالم الصباح الى الرياض ثم بعد ذلك قدم وفد من المملكة السعودية الى مدينة الكويت من اجل التفاهم على رفع ذلك المنع، ولكن جميع هذه المحاولات اخفقت لتصلب كل من الطرفين على وجهة نظره اذ كان السعوديون يطلبون السماح لمرور بضائعهم عبر الاراضي الكويتية حسب نظام الترانزيت المعمول به عالميا. بينما يرى الكويتيون في هذا قضاء على اهم عوامل تجارتهم التي تستمد حياتها من مشتروات السعوديين في اراضي الكويت.
ويقول أمير الكويت انه طلب الى الانكليز بعد ذلك ليفاوضوا الملك عبدالعزيز السعود علهم يصلوا معه الى اتفاق نظرا لصداقته معهم وقد تركت هذه القضية الجوهرية بين يدي الانكليز قرابة خمسة عشر عاما كانوا خلالها يبشرون الكويتيين بالوصول مع بن السعود الى اتفاق لاعادة المسابلة بين نجد والكويت واخيرا ارسل المقيم البريطاني لما كان في الكويت الى مكتب سمو الأمير صورة لثلاث اتفاقيات طلب عرضها جميعا على مجلس الأمة واخد رأيه فيها، الأولى اتفاقية الصداقة وحسن الجوار بين نجد والكويت، والثانية اتفاقية (المسابلة)، والثالثة اتفاقية تسليم المجرمين.
وقد تدارس أعضاء المجلس كل من هذه الاتفاقيات على حدة وبعد ايام ابلغوا سمو الأمير انهم قد درسوا الاتفاقيات الثلاث فاستحسنوها جميعا على وجه التقريب غير انهم لاحظوا انها جميعا كانت مصدرة بهذا النص:
"حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة المملكة المتحدة بريطانيا العظمى وشمالي ايرلندا عاملين باسمهم وبالنيابة عن شيخ الكويت"
ومذيلة هكذا:
"عن حكومة المملكة العربية السعودية ............... "
"عن حكومة المملكة المتحدة .............."
فليس لحكومة الكويت او أميرها الا اسما جاء عرضا بحكم الظروف في محتويات الاتفاقيات وانهم يرغبون في جعل التصدير والتذييل باسم أمير حكومة الكويت ولا بأس ان يكون معتمد الحكومة البريطانية في جدة وكيلا عن حكومة الكويت او أميرها وواسطة للاتصال بشأن هذه الاتفاقيات بين الطرفين، وقد عارض الشيخ يوسف بن عيسى احد أعضاء المجلس كافة الأعضاء في ايراد تلك الملاحظة محتجا بأنه يجوز شرعا للوكيل تسجيل العقد وتوقيعه باسمه بدلا من الاصيل وقد فعل الانكليز في رأيه ما هو من حقهم لما وكلهم الأمير بمفاوضة بن السعود نيابة عنه وانه لا حذر مطلقا من ذلك لانه يجوز (شرعا) عزل الوكيل عن الوكالة وقتما شاء الاصيل..
فلما قيل له:
"ان العقود السياسية غير العقود الشرعية وان هذه في عرف السياسة تعتبر سابقة يتمسك بها القوي ويحتج بها عند كتابة اي اتفاقيات اخرى -وقد تكون دون علم الاصيل- وانه لا طاقة للضعيف على عزل القوي لا سيما وقد سبقت له الدالة"، لم يأبه الشيخ يوسف لذلك واصر على رأيه قائلا: "انتم تجهلون اصول العقود فتخلقون من تصوراتكم اوهاما لا ضل لها من الحقيقة".
قالوا:
"وما الذي يحرجك انت ان ترانا شديدي الحرص والحذر على صيانة حقوقنا وتلافي ما يمكن تلافيه من اخطار محتملة للامة امورنا في الامور السياسية، انه اذا كان الأمر مثلما تذكر من امكانية انهاء وكالة الانكليز فلماذا لا ننهيها منذ الآن وقد انتهى دورهم الموكل لهم في المفاوضات التي تدور منذ خمسة عشر لا نعلم ولا يعلم احد سبب تمديدها كل هذه المدة الطويلة، ولماذا تجادلنا في كتابة صيغة سليمة تصاغ وتوقع باسم ملك السعودية وأمير الكويت؟".
ثم دفعوا الى مكتب الأمير صورا جديدة اجروا عليها بعض التعديلات لتسلم الى المقيم البريطاني الذي اخذها دون ان يعلم احد بعد ذلك ماذا كان تعليقه عليها.(..)
فاذا اضفنا الى كل ذلك ان قادة الرأي في الامارات العربية المجاورة كدبي والبحرين بل وحتى بعض من في امارات الهند بدأوا يفتحون عيونهم على ما يجري في الكويت وتستهويهم حركتها الوطنية النشيطة فبدأوا يلمون شعثهم ويرصون صفوفهم للمطالبة بانشاء مجالس نيابية اسوة لما جرى في الكويت وغيرها في امارات الهند ادركنا ان ممثلي الانكليز وقد هالتهم هذه العدوى الوطنية السريعة التي اخذت تمتد خارج الكويت بدأوا يغيرون افكارهم ويبدلون خططهم نحو رجال الكويت الوطنيين وينظرون اليهم نظرة الحذر والتربص، وبالتالي اخذوا يتوددون -مع وسائل وهدايا الحاشية- الى الأمير بل ويثيرون في نفسه عوامل الاستفزاز والتحدي.
وقد صارح القنصل ذات يوم رجال المجلس الذين يزورونه الى ان يحسن بهم جعل السلاح المنقول الى قصر نايف تحت اشراف وحوزة رجل مختار يعينه سمو الأمير، فكانت هذه اول بادرة من بوادر ايقاظ الفتنة والتحول لهدم المجلس من جانب الانكليز.
وفي جلسة ثانية عندما كان في زيارته سليمان العدساني وعبدالله الصقر يتحدثان اليه في موضوع قانون غرفة التجارة وكيف ان سمو الأمير يؤجل توقيع القانون يوما بعد آخر دون ابداء اية ملاحظة مما يعرقل حركة الاصلاح ويشل اعمالهم، رد عليهما قائلا: "
الحل الوحيد في نظري ان تبادروا الى طلب مستشار انكليزي يوازن بينكم وبين الأمير"، فاستغرب العضوان من هذا الرأي المفاجئ وقال سليمان العدساني: "هذه مسألة لم نفوض في الكلام فيها ولا يفوت سعادة القنصل ان الكويتيين جميعا مسلمون متعصبون ويرون اي كويتي يتقدم بطلب جلب رجل ليس من ديانتهم ليكون مستشارا لهم في امورهم انما يعتبر خارجا عن الدين وليس منهم".
وقال عبدالله الصقر: "انكم يا سعادة القنصل تمثلون هنا المستشار المطلوب فان كافة الشئون الجوهرية نتشاور مع سعادتكم فيها".
وقد اراد هذان العضوان من هذا الكلام التخلص بلطف من موضوع المستشار الذي تبين ان القنصل كان يبيته منذ حين، غير ان القنصل وقد ادرك حقيقة ذلك رد عليهما قائلا: "يظهر انكما لا ترغبان بالمستشار هذه مسألة تعود لكم انتم أعضاء المجلس وانا اقترحت جلب المستشار بصورة شخصية لهذا ارجو عدم تسرب شئ من هذا الحديث حتى الى زملائكم لانه مجرد اقتراح شخصي من عندي".
)

إلى اللقاء في ومضات اخر.

ومضات من مذكرات خالد العدساني(6)
حل مجلس الأمة 1939 و 2012

وهذه حلقة أخرى .. أو ومضة أخرى من مذكرات خالد العدساني .. صراع حول قانون الغرف التجارية:
(وقد رفع المجلس مشروع القانون المذكور الى سمو الأمير لتوقيعه تبعا للاصول النيابية غير ان الأمير بتحريض من الناقمين تلكأ عن توقيعه بحجة درسه ولما لم يكن هنالك ما يستحق الدرس في قانون تأسيس الغرفة التجارية اذ كان الأمر فيه مقتصرا فقط على قيام غرفة التجارة وتحديد صلاحية اعضائها، دل ذلك على وجود رغبة مبيتة لعرقلة القوانين وقد تجلى هذا الأمر جليا عندما طاف بعد ذلك التاجر عبدالمحسن الناصر الخرافي احد الناقمين المعارضين للمجلس بسبب حل شركة النقل والتنزيل التي كان هو احد اصحابها الاربعة على التجار وبيده عريضة يستمضيها منهم مرفوعة الى سمو الأمير يتوسلون فيها عدم قبول التوقيع على اي قانون يصدره المجلس ما لم يسن (الدستور).
وبديهي ان هؤلاء المعارضين لم يتجاسروا على تحدي اعمال المجلس بهذه الصورة العلنية لو لم يكن لهم من هوى القادرين سند او نصير.. ورغم ان كافة التجار البارزين رفضوا التوقيع على تلك العريضة الا ان بعض اركان المجلس استصوبوا مقابلة الأمير والتحدث معه لاقناع سموه بتوقيف هذه الحركة وشلها في البداية فذهبوا اليه في مكتبه الرسمي ولما حادثوه في ذلك اقسم كعادته المألوفة.. انه يجهل اي من تلك العريضة وارسل في الحال كاتبه الخاص الى عبدالمحسن الخرافي يأمره بالتوقف في بالتوقف في أمر العريضة، ولما سألوه بشأن التوقيع على قانون تشكيل الغرفة قال انه لم يتفرغ بعد على درس القانون وانه سيجيبهم الى ذلك السبت المقبل المصادف 25 شوال عام 1357.
غير انه حدث يوم الجمعة السابق لذلك اليوم ان عاد الى المدينة صالح العثمان الراشد عضو المجلس التشريعي والمشرف على قوة البادية من احدى جولاته في البادية وهو يتأبط كعادته الدائمة مسدسه بحكم الوظيفة التي يشغلها فذهب الى زيارة صديقه عبدالمحسن الخرافي في مقره التجاري بالسوق وكان كل منهما صديق للآخر وينتميان في الاساس الى قرية الزلفي من قرى نجد وبينهما صِلاة وثقى فلما لم يجده في مقره ووجد هناك كل من خالد الزيد ويوسف العدساني وهما من الناقمين كما اسلفنا سألهما عن عبدالمحسن وأين هو فرد عليه خالد الزيد بلهجة استفزازية قائلا: "ماذا تريد منه؟"، قال صالح: "اريده في شئ"، فرد خالد بحدة: "ماذا تريد منه؟" فلما رأى صالح هذا التمنع العناد ركبته طبيعته المداعبة التي كثيرا ما ألفوها منه وقال: "اريد اقبض عليه".
).

وهذه ومضة عن محاولة إبعاد أحد الأشخاص لتلتقط الكويت أنفاسها!! وصراع حول السلاح:
(الحكومة والحجج متوفرة والادلة قاطعة، او ابعاده خارج الكويت لمدة شهرين تسلم البلاد فيهما من دسائسه ومشاغباته وليكون عبرة لسواه من الهدامين.
ولقد اجمع الجميع على ترجيح الرأي الاخير اذ لم يكن ثمة عند المجلسيين قصد شخصي للانتقام من الرجل، وانما كانت رغبة الجميع على توفر الطمأنينة والهدوء للانصراف الى اعمال الاصلاح والانشاءات الكثيرة التي تفتقر اليها البلاد.
فوقع رئيس المجلس أمرا تحريريا الى مدير الشرطة بالقبض على خالد الزيد وابعاده الى قرية الجهراء مؤقتا ريثما ينقل الى مكان آخر، فذهب مدير الشرطة وعاد بعد برهة اذ لم يجد خالدا في دكانه، ولكن حضر الى المجلس (مرجان) تابع سمو الأمير يدعو سعادة رئيس المجلس الى سمو الأمير في قصره دسمان، فاوقف سعادته الجلسة ريثما يعود، ثم عاد بعد نصف ساعة وهو يقول: "ان خالد الزيد بقصر الأمير دسمان وان سموه لما بلغه قرار المجلس في ابعاد خالد الزيد رجى مني ان اطلب منكم اعادة النظر في ذلك "، ولكن المجلسيين اصروا على ابعاد خالد وقالوا: "ان هي الا مؤامرة حيكت لهدم المجلس وقد سبق لنا ان نبهنا الرئيس لينصح خالدالزيد ورفاقه بالكف عن هذه المعاكسات ولكنهم تمادوا واستفحلوا في غيهم فيجب ان يكون لكي شئ حدا".
وعاد الرئيس الى الأمير يبلغه اصرار المجلس على ابعاد خالد الزيد غير ان الأمير قال: "ان خالدا سيبقى محجوزا لديه بالقصر حتى يتفق على حل آخر..".
وعاد الرئيس الى المجلس لابلاغهم رأي الأمير فوافق أعضاء المجلس على ذلك بشرط ان لا يبرح خالد الزيد مقره في قصر الأمير دون رضاهم، وعاد الرئيس ينقل الى الأمير رأي المجلسيين هذا.
وظن ان القضية قد انتهت عند هذا الحد ولكن حدث خلال هذه المراجعات ان تآلب المعارضون المتصلون بأفراد العائلة من كل فج كل على من يقربه يحرضونهم ضد المجلسيين ويصورون لهم اعمالهم بصورة التحدي لنفوذ العائلة الحاكمة ويهيجونهم بالاقاويل والمفتريات التي يزجونها اليهم باساليب ووسائل شتى.
وجاء بعد ذلك القنصل البريطاني ليعرض على سمو الأمير مساعدته فيما يريد من قوى انكلترا بحرا او جوا.. فتكاملت الصورة واشتدت عناصر الاثارة والتشجيع وحان الاوان لتبريد الغليل من هؤلاء المجلسيين المكابرين.. وعاد الرئيس وهو يحمل الى أعضاء المجلس طلب المجتمعين في قصر دسمان بتسليم جميع السلاح الذي في قصر نايف، وادرك المجلسيون ان الامور قد بلغت غايتها وان هذا الطلب المفاجئ هو نهاية المطاف في تقليص نفوذ المجلس ثم حله بالقوة الجبرية، فأبوا قبول رد السلاح وبدأ الجانبان يستعدان كل من جانبه لتحقيق وجهة نظره.
المجلسيون في قصر نايف الذي كان فيه السلاح لحماية السلاح والآخرون في قصر دسمان يخططون للهجوم.
فأما من في قصر دسمان فقد تزعم الجمع الشيخ علي الخليفة الصباح فأرسل على كافة الاتباع والبدو الرشايدة ورجال القرى المجاورة وجلهم من البدو المتحضرين وسلحهم بما كانوا يملكونه في دسمان وغيره من السلاح وشكلوا هناك (عرضة) رقص حرب كبيرة على الطريقة البدوية المعروفة للحماس والارهاب واما من في المجلس فأرسلوا الى رئيس قوة نايف ليهيئ أمره ويكون على حذر من هجوم مباغت كما بعثوا الى انصارهم ومؤيديهم من جمهور الكويت ليوضحوا لهم حقيقة المؤامرة ويتداولوا معهم في وجوه الرأي.
فطالب الشباب اصدار الأمر بتسليحهم حالا وارسالهم الى قصر دسمان لملاقاة القوة هناك، غير ان أعضاء المجلس طلبوا من الجميع الحضور غدا الى ساحة الصفاة الواسعة التي تقع في مداخل المدينة برا ورجوا من العموم الامتناع غدا من كافة الاعمال التجارية وغيرها بمثابة احتجاج صارخ من الأمة حتى تضمن المحافظة على حقوقها، وقد حضر جمهور غفير من الكوينتيين الى الساحة المذكورة في صباح السبت الخامس والعشرين من شهر شوال 1357 هجري، فخطب فيهم نفر من الشباب وتكلم كل من السيد علي السيد سليمان ومشعان الخضير الخالد وعبدالله الحمد الصقر من أعضاء المجلس موضحين حقيقة التآمر على حقوق الأمة للعودة بها الى عهود الرجعية واستبداد رجال الحاشية وتحكمهم الكيفي، وناشدوا الجميع الكف عن كافة المعاملات حتى تضمن للامة حقوقها.
وقد تحركت تلك الجموع الغفيرة في شكل تظاهرة كبرى تضم الشباب والشيوخ والتجار والعمال والاعيان كلهم ينادون بحياة الأمة وتحقيق مطاليبها العادلة متجهين الى الساحل مخترقين السوق العام في اتجاه قصر الأمير الساحلي ثم مالوا شمالا الى دار المجلس التشريعي حيث كان هناك بعض من أعضاء المجلس يتداولون بينهم فطلب البعض توزيع السلاح عليهم في الحال ولكن من كان هناك شكروهم ورجوهم التفرق مؤقتا لانهم قالوا انهم يأملون حل القضايا بطريق المفاوضات التي كانت جارية اذ ذاك بواسطة المتوسطين، فصاح المتظاهرون طالبين الاصرار على ابعاد خالد الزيد قبل كل شئ وعدم تسليم السلاح ثم تفرقوا الا شباب (كتلة الشباب الوطني) وبعض المتحمسين من اصدقاء أعضاء المجلس فقد اصروا على البقاء حول المجلس او الذهاب الى قصر نايف فسمح لهم بالذهاب مع فريق من أعضاء المجلس الى قصر نايف حيث سلحوا جميعا هناك.
وكان فريق آخر من أعضاء المجلس مجتمعين في دار (آل الصقر) ثم جاؤوا الى المجلس


...