تراجع عن قرار
الحفلة انتهت ،،تزوج ابنها الثالث ، وترك المنزل مع زوجته ، أسوة بأخويه الكبيرين ،ولم يعد احد يشاركهما ، العيش بهذا المنزل التعيس ،لقد حلمت مرارا
ان تضع حدا للمعاناة المستمرة بلا طائل ، وقررت كثيرا ان تتخلص من هذا العبء الثقيل ، الذي جعلها ترزح تحت جليد يته ، زمنا طويلا ، سلبها اثنا ءها ، شعورها بالحياة والحرية ، تقرر ان تفعل شبئا ينهي معاناتها الرهيبة ، لكنها وفي آخر لحظة ، وفي كل مرة ، تصمم على تأجيل ما أزمعت القيام به ، ، كيف يمكنها ان تتخلص من العبء المرهق ، وهؤلاء اولادهما ، المشتركون ، يحبونهما معا ، ويريدونهما ان يكونا ، مع بعضهم البعض ، طيلة الحياة ، لقد سئمت وضعها البائس هذا ، ولم يعد بمقدورها ان تشكو لمخلوق أمرها العسير ، فلا احد في هذا الكون ، يمكنه ان يفهمها ، حتى لو افترضت انه يستطيع إنسان ما ان يدرك ما تعانيه ، من إقصاء وتهميش ، ونكران وجود ، فماذا بامكانه ان يفعل لها ، وهي قد عاشت عقودا طويلة ، على هذه الحال ، من يستطيع ان يعرف أنها ميتة ، رغم تنفسها ، وأنها أرملة ، وزوجها يعيش معها بعيدا عنها ، يتكلم ، ويحيا ، يضحك ، يدخن بشراهة ، كيف تستطيع ان تشرح للآخرين ، ما مات في داخلها ، أشياء كثيرة احترقت ، ولت ، ولم تستطع ان تحافظ عليها ، كيف يمكنها المحافظة ، على نبتة ، تحتاج دائما الى الغذاء والارتواء ، والهواء ، والشمس ، حنى الكلام لم تعد قادرة عليه ، هو لم يصغ إليها أبدا ، تقترح شيئا ، فيعمل ضد اقتراحها ، يحرص على نكرانها ، وإقصائها ، من حياته ، كما أبعدها عن قلبه
يقرأ كثيرا ، يريد ان يظهر أمام الناس انه مثقف ، كأن الثقافة قراءة وتحول الى دودة كتب ، ودفن النفس بعيدة عن الحياة واشراقاتها ، لم يبال يوما بمشاعرها ، وأحاسيسها ، لم يدعها الى نزهة ، واذا ما طلبت منه شيئا ضحك منها ، يلغيها باستمرار ، يجعلها واثقة انها شيء غير ذات نفع
يقرا بنهم ، يشعل شمعة في الليل لتضيء له أثناء القراءة ، يستولي عليه النعاس ، ويأخذه بين أحضانه ، تأتي هي على رؤوس أصابعها ، تبعد الكتاب من بين يديه ، وتطفيء الشمعة الموقدة ، وتغطيه خشية من البرد ، ثم تذهب الى سريرها في الغرفة الأخرى ، وتأخذ قسطها من النوم ، كل ليلة يتكرر العمل ، منذ عقود طويلة ، ولم يفكر يوما ان يوجه لها كلمة شكر ،أعياها الحال ، صممت كثيرا على وضع حد لمتاعبها ، وآلامها ، تقرر ان تقدم على التنفيذ ، ثم تؤجل قرارها ، إلى الوقت المناسب ، اليوم ، بعد ان فارقهم الولد الثالث ، ان لها ، التحلي ببعض الشجاعة ، وتنفيذ ما حدثت نفسها به منذ عقود ، سيبدو الأمر طبيعيا ، والجريمة بدون فاعل ،من يمكن ان يشك بها ؟؟ من تذهب ظنونه إليها ، وهل هي مستفيدة من موته ؟ ماذا أفادت من حياته ؟ لتستفد من موته ؟ حياته وموته سيان ...... قرأ كتابا كما في كل مرة ، ونسي الكتاب قرب الشمعة المشتعلة ، فاحترق الكتاب ، ووصلت النار الى النائم في السرير ، جرائد مكدسة قرب شمعة مشعولة ، يتحرك النائم ، فيندلع الحريق ،، أعقاب سكائر ، أوراق متناثرة ، سرير يمتليء بالكتب ، وسكير يقرا بنهم ، من الطبيعي جدا ان يشب الحريق ، ويفترس كل شيء في طريقه السريع
سوف يوجهون لها سؤالا : لماذا لم تأتي الى غرفته كما في كل ليلة ، وتطفيء الشمعة ، قبل الذهاب الى غرفتها ، سيكون جوابها منطقيا ، وقريبا الى التصديق ، إنها تعبت بعد تهيئة الحفلة ،، لزواج ابنها الثالث ، ولم تتذكر هذا الأمر ، الذي تقوم به كل ليلة ، ولكن لماذا تذكر هذه المسألة ؟؟ سوف تزعم أمام المحققين ، انه اعتاد على إطفاء الشمعة قبل ان يأوي إلى فراشه ، كل ليلة ومن يدري ؟؟وأولادها أيضا لا يدرون ، إنهم لا يعلمون أنهما متفارقان ، منذ أمد طويل ...
الوضع فوق طاقتها لا تستطيع الاستمرار ، وجود الأولاد يمثل دافعا قويا للحياة بقربه ، أما الآن وقد غادر الأولاد ، ثلاثتهم ،كيف يمكنها ان تعيش مع إنسان غريب عنها ، لاشيء يجمعهما ، ويوحد مشاعر هما المتباينة ، ولت العواطف المشتركة ، حدثته مرارا انه في حل من ارتباطهما ، وحقيقة الأمر انهما منفصلان ، وكان يتعلل بوجود الأولاد
الأولاد رحلوا ، وهي لايمكن ان تستمر على موتها ، لا تبادل أحدا حبا ، ولا تحظى بالاهتمام
لم تجهز طعاما للعشاء ، تعشى جميع المدعوين ، في حفلة الزواج ، ستذهب الى غرفتها ، لتنام ، وتأخذ حقها من الراحة ، قبل ان يخرج من غرفته التي كان ، لا يفارقها ، الا نادرا أوقات المساء
يفاجئها حضوره ، لعله يشعر بوحدة قاسية بعد ان ذهب الأولاد كما تشعر هي
- الا ترغبين بمشاهدة الفيلم ؟ انه جميل
- تندهش للدعوة ، لم يقترح عليها شيئا منذ الأزل ، حتى ظنت أنها لم تعد موجودة لديه
- كفاك تعبا هذا اليوم ، تعالي نشاهد الفيلم سوية
صوته نقل لها حنانا ، لم تلمسه منذ دهر ، ستؤجل ما أزمعت القيام به ، حتى رؤية الفيلم معا ، موقف واحد لا يجعلها تتردد ، فهي لايمكن ان تنسى المواقف المتكررة ، والمغلفة بالتجاهل والصدود
- ساطفيء الضوء ، وأشعل الشمعة ، ما رأيك ؟؟ لنحي الرومانسية التي وحدتنا ...
- ما بال هذا الرجل ؟؟ هل فراق الأولاد يجعله حنونا ، رأت في عينيه ومضة حب لم تجدها ، وكانت تبحث عنها دائما ، في الأيام الماضيات ،ومضة جعلتها تود لو تستطيع احتضانه كما كانت في تلك الأيام ، ستؤجل قرارها ، وتنتظر ، عله يعود
صبيحة شبر