منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 10 من 10
  1. #1

    هكذا تكون الأمهات...


    هكذا تكون الأمهات

    آثر <فروخ> أن يستقر بعد أن صحب سيّده أمير خراسان في معاركه، اشترى بيتاً وتزوج مكتفياً بالعيش على ما بقي لديه من مال الغنائم، لكن حنينه إلى غبار المعارك ورايات النصر وصليل السيوف، لا يزال يداعب شغاف قلبه·
    انتهز يوماً نداء خطيب المسجد النبوي، يحض الناس على الجهاد، أعلن عن عزيمته وودَّع زوجته التي بادرته:
    ولمن تتركنا يرحمك الله أنا وجنيني هنا؟
    لله ورسوله، لديك ما جمعته من الغنائم، أنفقي منها حتى أعود أو أرزق الشهادة·
    ***
    وضعت الزوجة مولودها، مليح الوجه وضَّاء الجبين، وسمته <ربيعة>، بدت على مخايل الطفل علامات الذكاء فقررت الأم أن تسلم طفلها للمؤدبين، حفظ الفتى كتاب الله وأحاديث رسوله وكلما رأت الأم تفوّق ابنها أغدقت على المعلمين المال لكن الحسرة تشعل القلب وهي ترى الأيام تُباعد بينها وبين زوجها الذي طالت غربته فقيل إنه أسير مرة، وشهيد أخرى فاحتسبته عند الله·
    يواصل <ربيعة> علمه، مقبلاً على حلقات العلم في مسجد مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومازال الطالب يجتهد وذكره يرتفع حتى أصبحت له حلقة يُدرِّس فيها·
    في ليلة صيف عليلة النسمات، دخل المدينة فارس يلملم بقايا عقده السادس، في عينيه تساؤل وفي نظراته بحث، يُحدِّث نفسه:
    هل بقيت داره قائمة بعد هذا الغياب؟ ماذا حلَّ بالزوجة! هل وضعت مولودها أم حدث لهم من أحداث الزمان حادث!! ثلاثون عاماً كافية لتغيير الملامح والمشاعر والمعالم·
    الوقت مازال مبكراً، بقايا المصلين من صلاة العشاء يغادرون المسجد النبوي وتزدحم بهم الطرقات، لماذا يمر الناس به ولا يلتفتون؟ هل نسيه الناس بهذه السرعة؟
    يسير الشيخ، يجتر أفكاره، سارحاً مع خيالاته حتى وجد نفسه أمام داره··· دق قلبه شوقاً ورهبة من مفاجأة اللقاء· دخل من باب بيته الموارب، يدفعه شوق عارم لملاقاة الأهل·
    عندما سمع صاحب البيت صرير الباب، أطلَّ من نافذته، هاله أن يرى غريباً يجوس في صحن الدار، ركبه الغضب وتقدم من الشيخ ممسكاً بتلابيبه·
    أتقتحم عليَّ منزلي يا عدوَّ الله؟
    علا صياحهما، واجتمع الجيران·
    ما أنا بعدو الله، هوِّن عليك إنما هذا بيتي <استدار يحدِّث الناس من حوله> هذا بيتي يا قوم، اشتريته بمالي، ألا تعرفونني!! أنا <فرّوخ>هل نسيتم فروخاً·
    ***
    استيقظت الأم، أطلت فرأت زوجها، أمعقول ما أُشاهد وأرى؟! هالتها المفاجأة، هل أنا في حلم؟
    عقدت الدهشة لسانها وما لبثت أن نادت ابنها بصوت مرتجف·
    دعه يا ربيعة، إنه أبوك يا ولدي وحذار يا عبدالرحمن أن تمسه بسوء، إن من يقف أمامك ابنك·
    أقبل الولد على أبيه والوالد على ابنه يضم أحدهما الآخر ويقبّله ونزلت <أم ربيعة> تسلم على ما احتسبته عند الله شهيداً لانقطاع أخباره·
    ***
    التمَّ شمل الأسرة، شمل الفرح الوالد والولد، ولم يشمل <أم ربيعة> إذ كيف تفسر لزوجها ضياع أمواله وكيف تبرر له ذلك؟ هل يصدقها أم تهب به الظنون بعيداً؟!
    قطع فروّخ على زوجته شرودها·
    جئتك بأربعة آلاف درهم، هات ما لديك حتى نضيف إليه هذا المبلغ ولنبحث لنا عن بستان نشتريه ونعتاش من غلته ما بقي لنا من عمر·
    لكن الزوجة تشاغلت عن سؤال زوجها ولاذت بالصمت·
    كرر <فرّوخ> طلبه·
    أين المال يا أم ربيعة! هاتيه نضمه لبعضه بعضاً·
    ردت أم ربيعة بارتباك: في مكان آمن، سآتيك به بعد أيام إن شاء الله·
    ***
    علا صوت المؤذن، نهض <فرّوخ> يتوضأ، سأل عن ابنه فأجيب سبقك إلى المسجد·
    وصل <فرّوخ> إلى المسجد، وجد الصلاة انتهت، صلى المكتوبة وسلَّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض النوافل قبل أن يغادر المسجد·
    استوقف <فرّوخ> في طريقه مجلساً للعلم في صحن المسجد لم ير له مثيلاً·
    رأى الناس يتحلّقون حول الشيخ منصتين·
    حاول أن يتعرف إلى صاحب الحلقة فلم يستطع لبعده عنه، وما لبث أن أنهى الشيخ درسه ونهض الناس يتدافعون من حوله، يوصلونه خارج المسجد، فما كان من <فرّوخ> إلا أن استوقف أحدهم يسأله:
    من الشيخ أيا الأخ؟! رد الرجل مستغرباً·
    ألا تعرف صاحب الحلقة؟ ألست من أهل المدينة يا هذا؟
    بلى من أهلها ولكني غادرتها من زمان بعيد·
    لا بأس عليك إذاً، إنه أحد سادات التابعين، فقيه المدينة ومحدِّثها، ومن تلاميذه مالك بن أنس وأبي حنيفة النعمان، و····
    لكنك لم تقل لي من يكون الشيخ·
    إنه ربيعة الرأي·
    ربيعة الرأي؟!!!
    نعم، اسمه ربيعة، وكناه علماء المدينة بربيعة الرأي لسداد رأيه·
    انسبه لي يرحمك الله فقد شوقتني···
    إنه ربيعة بن <فرّوخ> المكنى بأبي عبدالرحمن، ولد بعد أن ذهب والده للجهاد وعمدت أمه تعليمه وتربيته·
    فاضت عيون <فرّوخ> شكراً وفرحاً وتدحرجت دمعتان ساخنتان على خديه ثم انطلق مسرعاً تجاه بيته لا يلوي···
    استقبلته زوجته وبقايا الدموع مازالت عالقة في عينيه، تسأله مدهوشة:
    ما بك يا أبا عبدالرحمن، أحدث مكروه لا قدّر الله؟ خيراً؟!!
    خيراً والحمد لله، لقد شاهدت ولدنا في مقام لم أحلم أن أراه به وهذه الدموع دموع فرح والحمد لله رب العالمين·
    هنا أضاءت عيون أم ربيعة وقالت باسمة·
    أيهما أحب إليك يا أبا ربيعة: الدراهم، أما ما رأيت عليه ولدنا؟
    رد فرّوخ بلا تردد·
    ما رأيت عليه ولدنا يعدل كل أموال الدنيا·
    لقد أنفقت المال على ما رأيت فهل طابت نفسك؟
    نعم، والحمد لله على أن رزقني زوجة تحرص على العلم وتربي أولادها عليه، هكذا تكون الأمهات، وجزاك الله خيراً يا أمة الله·
    -----------------------
    مجلة الوعي الإسلامي العدد 442


























  2. #2
    مااحلاها من حكاية...
    تفوح منها رائحة التقى والورع...
    والاجتهاد الاحتساب...

    اسمح لي كاتبنا ان ننقلها بعد اذنك لقسم الحكايات...
    استمتعت بها حقا.....
    سوف تكون رافد لي عبر جولاتي
    تحية صباحية
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    لن يعوضك احد عن فقدان الام مهما كانت غير جديرة بالمحبة مثلا.....
    لكن نتلمس خطاها....
    تحية موضوع اعجبني جدا
    بارك الله بك
    حكيم

  4. #4

    رد

    الكاتبة ام فراس
    افرحني ان الموضوع حاز إعجابكم.......
    هذا من المواضيع التي التزمت بها لمجلة الوعي الاسلامي الكويتيةومرجعي هو (سير أعلام النبلاء )
    ساوافيكم بالمزيد
    تاريخنا وحضارتنا يتوهجان بالدرر.
    أ شكر مرورك.لكن........!!
    الا ترين أنها قصة قصيرة ؟

  5. #5

    رد

    الأستاذ حكيم................
    شكرا لمرورك.......................
    الأم حياة
    الا
    ترى
    معي
    معنى
    تأكيد
    رسولنا
    صلى
    الله
    عليه
    وسلم ............................
    على
    الأم
    مرات
    ثلاث ؟

  6. #6
    نص رقيق
    والف الصلاة والسلام على سيدنا محمد
    بنت الشام

  7. #7

    رد

    كل
    الشكر
    لك
    بنت
    الشام
    على
    مرورك
    العذب
    والمتأني...........
    دمت
    بوعي,,,,,,,,,,,,,,,,,

  8. #8
    وهل هناك أغلى من الام؟
    تقديري
    د.هزاع

  9. #9

    رد

    أخي هزاع............
    لا يا أخي
    الأم هي رأس المال

  10. #10
    اختلف العنوان عندي بين المواقع...
    واعتذر لك استاذنا وتعاد لقسم القصة
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. الآلهات مخلوقات حسودة
    بواسطة جريح فلسطين في المنتدى آراء ومواقف
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-22-2018, 07:00 AM
  2. هكذا تكون الأسرة الصالحة
    بواسطة رياض محمد سليم حلايقه في المنتدى فرسان العائلات العربية والتراث.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-18-2017, 08:35 AM
  3. هام لكل الأمهات كيف نعاقب الأولاد ما بين عمر 3 إلى 5 سنوات ؟
    بواسطة شذى ميداني في المنتدى فرسان الأم والطفل.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-23-2015, 03:08 PM
  4. مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-28-2013, 03:05 PM
  5. لكل الأمهات كل عام وأنتن بألف خير / حبك با أمي
    بواسطة طلعت سقيرق في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-12-2011, 09:46 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •