العراق أرض العرب

المؤرخ حسون حسن الشيخ علي

(الحلقة الأولى)
ترى بعض النظريات والمعروف أركيولوجيا أي علم الآثار والفنون القديمة أن العالم القديم مرّ بأربعة مراحل جليدية في المليوني عام الأخيرة كل مرحلة كانت تعقبها مرحلة دفء حيثأن البحار والمحيطات تتجمد بسبب تجمد نصف الكرة الشمالي فتنحسر مياه المحيطات والبحار بحدود 100إلى 120م نتيجة لتجمد المياه ثم تعود إلى حالتها السابقة بعد ذوبان الجليد خلال 200 عام تقريبا وآخر مرحلة جليدية إنتهت قبل 20 ألف عام ومع ذوبان الكتل الجليدية أخذت المياه تغمر البحار والمناطق المنخفضة المتصلة بهذه البحار ومنها بطبيعة الحال منطقة الخليج العربي الذي لا يتجاوز عمقه 100 متر. وهذا يعني أن الخليج العربي كان عبارة عن سهل أخضر خصب تكثر فيه الأشجار وخلال 200ألف عام الأخيرة ونتجة لإمتداد المحيطات والبحار بعد انجمادها غمرت المياه أرض الخليج عبر ثلاثة مراحل.. وهذا ما أثبتته سفينة الأبحاث الألمانية التي قامت في سبعينات القرن الماضي بإجراء سلسلة من البحوث في أعماق الخليج العربي وتوصلت الى أن المياه إرتفعت في أرض الخليج ثلاث مرات متتالية أولها قبل 20 ألف عام عند مضيق هرمز ثم في عمان قبل 15 ألف عام ثم في قطر والبحرين قبل 6 الآف عام. وهذا أدى إلى نزوح الناس إلى جنوب العراق ونقلوا معهم ذكرياتهم التي حملت داخلها قصص مفعمة بالخيال والوجدان عن جنتهم وفردوسهم المفقود وعن الطوفان الذي أغرق أرضهم وعن الحكماء السبعة الذين أسسوا المدن وهذا التراث الفلكلوري الملحمي الأسطوري كان لا بد له أن يندمج ويتداخل مع التراث والمعارف التي كانت سائدة في منطقة الدلتا وبين سكانها الذين عرفوا أنانا وتموز .. والذي أنتج بالنهاية ما بات يعرف بالتراث السومري أو الحضارة السومرية فيجنوب العراق .. ومع تقادم الزمن والتداخل الإجتماعي والثقافي ذابت الفوارق بين العنصرين متحولين إلى شعب واحد أو عرق واحد وافترض الباحث والآثاري يوري زارين Juris Zarins الذي وضع نظريته عام 1983م أن جنة عدن التي وصفت في سفر التكوين من التوراة حيث تقول الرواية في الأصحاح الثاني- سفر التكوين التوراتي7: وجبل الرب الإله أدم ترابا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حية.
8:2 غرس الرب الإله جنة في عدن شرقا ووضع هناك آدم الذي جبله.
9:2 أنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر.
10:2 وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رؤوس.
11:2 إسم الواحد فيشون وهو المحيط بجميع أرض الحويلة حيث الذهب.
12:2 وذهب تلك الأرض جيد هناك المقل وحجر الجزع.
13:2وإسم النهر الثاني جيحون وهو المحيطب جميع أرض كوش.
14.2 وإسم النهر الثالث حداقل وهو الجاري شرقي آشور والنهر الرابع الفرات.
والمقصود بحداقل هو نهر دجلة.. كانت تلك الجنة تقع في مكان جغرافي حقيقي على الأرض وقد غرقت تحت مياه الخليج العربي بعد حدوث سلسلة التغيرات المناخية التي ضربت الأرض منذ عصر الهولوسين حتى الألف السادس ق.م والذي على أثره إرتفع منسوب المحيطات بسبب ذوبان الثلوج... هكذا حاول زارين الموائمة بين نظرية جنة عدن التوراتية عند أهل الكتاب حيث إلتقت الأنهر الأربع كما نصت التوراة مع تفسيرات بعض النصوص السومرية القدمية التي تحدثت عن أرض الخلود أو الجنة السومرية دلمون والتي يرجح كثير من العلماء أنها جزيرة البحرين شاملة منطقة هجر وشمال الإحساء اليوم...وهناك من يرى أن سكان مكة أي القريشيون هم من أصل بابلي وذهب البعض إلى أبعد من ذلك فيرى أن البابليين الذين تسنى لهم النجاة من مذابح داريوس الفرثي بعد احتلال بابل إنتقاما من ثورتها عليه هم الذين بنوا حضارة الحجاز... وربما جاءت المقوله الدينية التي تقول بأن سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام هو كلداني من أور وهو الذي بنى بمكة بيتها المقدس وكان من نسله إبنه نبي الله إسماعيل عليه السلام أبا العرب وهذا الرأي أو الفرض التاريخي وتكرسه واقعة تاريخية بأن المؤرخين العربيرون أن أصل العرب من عربا أي بادية الشام فقالوا إنهم سموا عربا بإسم بلدهم العربات وقال إسحاق بن الفرج: عربة باحة العرب وباحة دار أبي الفصاحة إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وقالوا: وأقامت قريش بعربة فتنخت بها وانتشر سائر العرب في جزيرتها فنسبوا كلهم إلى عربة لأن أباهم إسماعيل عليه السلام نشأ وربى أولاده فيها فكثروا. وهذا قول معروف من الإمام علي فقد نقل محمد بن سيرين في اللسان قال: سمعت عبيدة قال سمعت عليّا رضي الله عنه يقول من كان سائلا عن نسبتنا فإنا نبط من كوث. ويقول أبوالمنصور لو أراد كوثى مكة لما قال نبط وكوثى العراق هي سُرّة السواد من محل النبط وإنما أراد عليا أن أبانا إبراهيم كان من نبط كوثى. ونقل عن حبر الأمة عبدالله بنعباس قال: نحن معاشر قريش حي من النبط من أهل كوثى والنبط من أهل العراق. والمراد العرببنبط العراق البابليون الأقدمون وعلى هذا يكون القرشيون بابليي الأصل فلما دخلوا بلاد العرب أدخلوا إليها لغتهم معهم وهذا يفسر الفكرة السائدة في الأساطير العربية عن العرب المستعربة أيا لعدنانيون أو المضريون أبناء إسماعيل أنهم قدموا من الشمال. وهذه نظريات ستثيتها التنقيبات والله أعلم.
وهناك رأي آخر لكنه يسير معه بخط متاوز حيث أن سيدنا إبراهيم عليه السلام حينما ترك زوجته هاجر وإبنه الرضيع إسماعيل بأرض جرداء جافة تحيط بها الجبال وهي مكة
وقيل كانت مكة في بدايتها عبارة عن بلدة صغيرة سكنها بنو آدم إلى أن دمرت أثناء الطوفان الذي ضرب الأرض في عهد النبي نوح عليه السلام وأصبحت المنطقة بعد ذلك عبارة عن واد جاف تحيط بها الجبال من كل جانب وبعد ظهور الماء فيها عندما تفجر بئر زمزم عند قدمي النبي إسماعيل عليه السلام بدأ الناس يتوافدون عليها وأول من سكنها قبيلة جرهم قبيلة يمنية قديمة من حمير وقيل من العماليق عاصرت نبي الله إسماعيل عليه السلام وتزوج منهم وولد إثنا عشر ذكرا على أكثر الروايات ثم نشر الله ولد إسماعيل بمكة وأخوالهم من جرهم ولاة البيت والحكام بمكة لا ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخؤولتهم وقرابتهم وإعظاما للحرمة أن يكون بها بغي أو قتال. فلما ضاقت مكة على ولد إسماعيل إنتشروا في البلاد فلا يناوئون قوما إلا أظهرهم الله عليهم بدينهم فوطئوهم.
أما قبيلة جرهم فقد ظلت في مكة
حتى نهاية القرن الثالث الميلادي عندما استطاعت قبيلة خزاعة بزعامة ربيعة بن الحارث أن تتولى أمر مكة المكرمة وخلفه عمرو بن لحي الخزاعي فقام بعبادة الأوثان وقيل أنه أول من غير دين النبي إبراهيم وعبد الأوثان في شبه الجزيرة العربية ثم إنتقل أمر مكة بعد ذلك من يد خزاعة إلى قريش وهي إحدى القبائل العربية التي تنتسب إلى كنانة من مضر تحت إمرة قصي بن كلاب جد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا الرأي يتطابق مع الرأي الأول أن الذي سكن مكة هم قريش وقريش أبناء إسماعيل عليه السلام.
مع تحياتي