إن أكبر، وأهم انتصار حققته الأمّة العربية في تاريخها الحديث، يوم إعلان قيام «الجمهورية العربية المتحدة»، بين مصر وسورية في 22 شباط/فبراير من العام 1958، وهو التطلّع الأكثر إشراقا على المستوى الشعبيّ، مستحضرين الفطرة، بأن القوّة في الوحدة، والوحدة هي الطريق القائد للانتصارات الكبرى.

لقد كانت مصر، منذ بداية تفتّح الوعي العربي، منارة الإشعاع، تنكّبت بجدارة مسؤولية إيقاظ الحسّ القومي العام، ولا نستطيع أن نفصل «في واقعنا المعاش» المسار السياسي عن مسألة المسارات المواكبة، وأهمها الانتماء الثقافي إلى المكان «الذي أجده أهم أسباب الصراع» مع المشروع الصهيوني، والمظلّة التي تجمعنا تحتها كأمّة عربية شركاء بلا انفصال بالتاريخ والجغرافيا والدين والمناخ والإنسانية والعادات والتقاليد، وإلى آخر ألف جامع، لو توفّر أقلّها لدى شعوب أخرى لحققوا ما عجزنا حتى الآن عن تحقيقه.
ومنذ تفتّح الوعي، كان اللقاء العضوي والمعنوي والمادي بين سورية ومصر السبب في تحقيق الانتصارات التي خلّدها التاريخ، ولعل أوضح معلم يدلّ على ذلك، الانتصار الذي تحقق في عهد صلاح الدين الأيوبي، والحروب «الصليبية»، والتلاحم المصيري إبان حرب 1956 على مصر بما سمي «العدوان الثلاثي» وليس أخيرا في حرب 1973، واستعادة الكرامة العربية.
ومنذ قيام ثورة مصر الكبرى، التي قادها الخالد الرمز جمال عبد الناصر، أصبحت الحاجة إلى تلاحم قوميّ، أكثر ضرورة لمواجهة المؤامرات التي تصاعدت وتيرتها، على مصر، وبالتالي على الأمّة العربية، امتدادا للصراع الأزلي القائم بين «الشرق الغنيّ»، «والغرب الطامع»، والمسألة الأكثر حضوراً وخطورة من خلال زرع «الكيان الصهيوني» في قلب الخريطة العربية «فلسطين» التي أضحت قضيّة، ومحور الصراع الأساس.
ومن خلال الوعي لهذه المسألة، وفهم الاستراتيجية الأصوب لتفعيل الدور المقاوم، والرؤية الوطنية السيادية لقادة مصر وسورية في ذلك الوقت، تسارعت الخطوات الجادّة التي توّجت في 22 شباط/فبراير في العام 1958 بإعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة، بإقليميها الشمالي «سورية» والجنوبي «مصر»، كان الأمل أن تكون نواة لوحدة عربية شاملة تعيد للأمة كرامتها وكبرياءها الوطني والقومي والسيادي.
ولو استعرضنا تاريخ الشعوب التي حققت حلمها بالاستقلال والحرية لوجدنا أن المثقفين هم الذين حملوا تلك المسؤولية الكبرى، وهم الذين أناروا الدروب أمام رؤى السياسي، ولا أجد غضاضة وأنا أسوق الفكرة الصهيونية مثالاً بكل ما فيها من ضلالة وسوء وكذب وادّعاء لأقول، إن من حملها وروج لها هم الأدباء «اليهود» الذين اعتنقوا فكرة الصهيونية، بل هم من ولّدها وطوّرها، وهم الذين نقلوها عبر قفزات تماهت مع الظروف العالمية، من حلم كان بعيد المنال، إلى حقيقة على الأرض.
وهنا يجدر بنا أن نقوم من عثراتنا أقوى مما كنا، وأن نعترف بخسارة جولة، يوم تكالبت القوى الرجعية والمستعمرون وأوقعوا «الانفصال» الأسود، ويبقى انتصارنا الحاسم هو الأمل المنشود، يتركّز في أن نبقى على رقعة تخصّنا في هذا العالم، في وجودنا كأمّة.. وفي استقلالية قرارنا الوطني والقومي.
لقد حان الوقت ليخرج المثقف العربي من عباءة السياسي، في القول والفعل، مواكباً لأمنيات الناس.
إن شعوب المنطقة تتطلع إلى سورية وانتصارها الوشيك، وإلى الإنجازات التي بدأت تحققها الثورة في مصر، وكلنا أمل، في أن تعود مصر إلى الاصطفاف في معسكر المقاومة في مواجهة مشروع غاصب يسعى للإلغاء والاستلاب.
تحية حب وعرفان إلى سورية، شعباً وجيشاً وحكومة، وإلى شبابنا الثوّار في مصر، وإلى الذكرى السادسة والخمسين على قيام الوحدة المجيدة، والخزي والعار للأنظمة الفاسدة الساعية إلى إهدار حقوقنا الوطنية والقومية، والنصر دائماً للشعوب، وحق الشعوب مهما طال الأمد.