بقلم جان بيير باجار Jean- Pierre Bajard
(Strasbourg – France )
ترجمة الدكتور حسيب الياس حديد
كلية الاداب – جامعة الموصل-العراق
عندما يقوم المؤلف بكتابة مقالة في مجلة متخصصة مثل الفرنسية في العالم فأنه سوف يضع نفسه مكان المترجم ويضطلع بدور مهم في خضم الترجمة وصياغة الأهداف التي لا يمكن بلوغها إلا عن طريق التدريس ومن ثم تقع عليه مهمة تحديد سياسة مضاعفة الاتصالات والتواصل باللغة الفرنسية مع العالم قاطبة من اجل مد الجسور وبلوغ التبادل الثقافي والعلمي والحضاري والتقني . إذن السؤال الذي يطرح نفسه هو الآتي : لماذا نقوم بتدريس الترجمة إذا لم يكن هدفها الحقيقي تطوير التبادل متعدد الاتجاهات والتوصل إلى المعرفة والتواصل مع الآخرين ؟
وفي الحقيقة ، تعمل الحاجات والضرورات في مجال الاقتصاد ونقل التكنولوجيا والتطور العلمي والنتاج الأدبي والفني الغزير على اغناء المترجم بدرجة معتبرة وتفتح أمامه أفاقاً رحبة تتجاوز في مداها المجال الأدبي ، وتجعل هذه التطورات من المترجم ناشراً بامتياز للمعرفة والمعلومات التي تغني الفكر الإنساني . ولابد ان نشير إلى ان لغتنا لها مكانتها الرئيسية في عالم الغد ولابد من ان تؤدي دورها في نقل العلوم والمعرفة .
سياسة التعليم والتدريب
طالما ان الترجمة نشاط مهني يترتب علينا من ان نكون على مقربة من كل من له علاقة بلغتنا . ويبدو لنا جلياً أكثر فأكثر ان اللغة الفرنسية تشهد تطوراً كبيراً أو على اقل تقدير تثير الاهتمام المتزايد في الأوساط المهنية . وعندما قمنا بجولات في العالم استطعنا ان نؤكد ان اللغة الفرنسية لا تتمتع بالمكانة المرموقة لها على مستوى التعليم الثانوي آلا أنها بدأت تأخذ مكانتها بصورة تدريجية ولكن في الوقت نفسه للغة الفرنسية مكانتها المميزة في مجال التدريب والمدارس والمؤسسات التجارية والعلاقات الدولية ولابد من ان نأخذ بنظر الاعتبار هذا الاهتمام في هذه المجالات والعمل على تكييف سريع لكي تلبي الحاجات الداعية إلى استعمالها وذلك باتجاهين يتمثل الأول بتدريس اللغة الفرنسية في حين يتمثل الثاني في الحلقات الدراسية والدورات التدريبية التي يتم منحها للطلبة وللمتدربين القادمين إلى فرنسا . وتسمح لتا تجربتنا بأن نعيد إلى الأذهان ان المدارس الخاصة بالترجمة هي ليست مدارس للغات ، وعلى المتدربين ان يتمتعوا بمستوى يتناسب ومستوى تدريس الترجمة ليستندوا على خبرة سابقة ومعرفة لغوية دون ان يصابوا بالإخفاق . ومن المعروف ان المدارس المتخصصة بالترجمة تستقبل المتدربين وتقيم لها دورات تدريبية مكثفة خلال مدة ستة أشهر ليصبحوا " مترجمين وتراجمة " . أمامستوى اللغة الفرنسية التي يتم تدريسها فهو المستوى المتوسط وذلك لأن لديهم خبرة سابقة في مجال اللغة هذا من جهة ومن جهة أخرى يمتلكون ثروة مفرداتية لا بأس بها ، ولكن في الحالات التي تتضمن برامج معينة لتدريس الترجمة ضمن إطار الاتفاقيات المبرمة بين فرنسا ودول عديدة في العالم ، يطلب القائمون على هذه البرامج من المهنيين في هذا المجال تقديم خبراتهم ويتم العمل بآرائهم . وفي هذه المناسبة لابد من ان نحيّ تجربتنا الناجحة مع العراق حيث قمنا باختيار المرشحين بصورة مشتركة وباتفاق الدولتين المعنيتين وتم تحديد الأهداف المرجوة من الدورة التدريبية وتم وضع برامج بصيغة اتفاقية ثنائية وقد تكللت هذه التجربة بنجاح تام بلغت نسبته (100%) .
ما هو برنامج التدريب على الترجمة ؟
ينبغي أولاً وقبل كل شيء ان نفهم ماذا يقصد بمصطلح الترجمة . فهل ان الترجمة موجهة باتجاه تجاري أو علمي أو أدبي ؟ هل ان الطالب سيصبح سكرتيراً في إدارة معينة ؟ أو انه مترجم في منظمة دولية أو مترجم علمي ...الخ . ومن دون الحديث عن الشعر وعن اللغة الانعكاسية (metalangage) أو ما يعرف بتعقيد اللغة أي لغة ما تتخذ من لغة أخرى موضوعاً للدرس وتقرر قواعدها ، إذ لا يتعلق الأمر بالترجمة الحرفية أي ترجمة كلمة بكلمة (وإنما ترجمة كلمة من أجل كلمة) . ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحديد هدف مدرس الترجمة فقط في الترجمة العامة وإنما يترتب عليه الإشارة إلى المعارف الضرورية لفهم المعنى الذي تتضمنه الرسائل اللغوية وإعادة تصويب النص وتصحيحه والتعبير عنه بطريقة دقيقة وتامة المعنى . وبناءً على ما تقدم يجب ترجمة اللغة ولكن بالمعنى الذي أكد عليه ندا (Nida) عندما تحدث عن التكافؤ الشكلي والتكافؤ الديناميكي الحيوي .
وفي البحوث المتخصصة في الترجمة الحرفية والأدبية وجد مدرس الترجمة نفسه أمام قلة معرفة الطالب وعدم إحاطته علماً بالكثير في المعلومات . فالترجمة تعني فيما تعنيه المعرفة وتقديم المعرفة ، فهي ليست عملية تبديل كلمات واستبدالها بأخرى ، كما على الترجمة ان تأخذ بنظر الاعتبار الصيغ المختلفة للدال منها الصيغ القواعدية والنحوية والاصطلاحية ، وسيواجه الطالب وبسرعة الحقائق الموجودة بين اللغتين وهي كثيرة جداً الا انه سرعان ما يكتشف بنفسه مسألتين مهمتين أولهما افتقاره للثقافة العامة وهي سمة مميزة للمترجم المبتدئ والثانية عدم معرفته بالموضوع الذي هو بصدد ترجمته . وفي هذا المجال يتطلب من المترجم ان يطور معرفته ، إذ ان إحاطته علماً بمختلف المعارف والعلوم سوف تسهّل عليه عملية الترجمة من جهة وتعمل على اكمال فهمه للموضوع وأخيراً تسهل طريقة دراسته للغة والثقافة على حد سواء من جهة أخرى . وبناء على ذلك يكمن هدف التدريب في المرور الملزم من الناحية اللغوية إلى فهم المعرفة للوصول إلى التعبير اللغوي الذي يضمن المعنى الجوهري للنص وهنا نجد ان مهمة المدرس هي ان يشد من أزر الطالب من أجل ان يقيم الاختيار الدقيق وان يهتدي إلى أفضل السبل للترجمة وهناك مكائد كثيرة أمام المدرس في مجال الترجمة إذ انه يواجه مشكلات عديدة تتمثل بالتحليل والنص وأصوله وأهدافه ، وبغية إكمال هذه المتطلبات الغنية الضرورية في عملية الترجمة لابد من التأكيد على أهمية صعوبات الترجمة وبصورة خاصة تعذر الترجمة في بعض المجالات وخاصة فيما يتعلق بالظواهر الحضارية التي يختص بها مجتمع دون آخر وكذلك الحلول التي بترتب عليه التوصل إليها وفي بعض الأحيان يكون مجبراً على اللجوء إلى حلول تتمثل بالقرض اللغوي والنسخ والترقنة (Translodage) (أي ترجمة إلى قانون مختلف) أو حسب رأي فيني وداريلينت النقل والتعديل والتكافؤ وكل الطرق التي يجب تقديمها وإنتاجها من أجل بلوغ هدف الترجمة .
ومن ناحية أخرى نود ان نؤكد أيضاً على صعوبة معينة تتمثل في ان تعلم الترجمة يختلف عن تعلم اللغة . كما ان الترجمة من اللغة الأجنبية إلى اللغة الأم أكثر سهولة من العكس . وتساعد وفرة المفردات في اللغة الأم والتي يتحلى بها المترجم في دقة الترجمة وإعطاء التضمين الدقيق والمعنى المطلوب . وتضمن الترجمة في اللغة الأجنبية إلى اللغة الأم إعطاء المعنى العميق والدقيق والسياقي للنص وضمانة قدرات المترجم فضلاً عن التحقق في المعرفة اللغوية في حين ان ثمة صعوبات تكتنف الترجمة من اللغة الأم إلى اللغة الأجنبية (Theme) منها عدم وفرة المفردات بدرجة تكفي المترجم من ان يعبّر عن النص بالدقة التي يعبّر عن النص بلغته الأم . فضلاً عن ان معرفته في مجال اللغة الأجنبية من جميع النواحي اللغوية والقواعدية والنحوية والصرفية والمعجمية وكذلك الثقافية ربما محدودة أو انها لا تؤهله بأن يعبر عن النص كما يجب . وفي سترازبورغ يوجد معهد المترجمين والتراجمة وقد حدد المعهد الاهداف الاساسية والمبدئية الاتية : تدريب خاص في اللغات الأجنبية والترجمة / التأويل والبحث والتعليم لأهداف مهنية بحثه ، وكما هو معروف ان مدينة سترازبورغ الفرنسية هي مقر المجلس الأوربي والبرلمان الأوربي تمتلك من القدرات ما يؤكد دورها على الصعيد العالمي .