منير مزيد/ الشاعر والروائي والمترجم والفيلسوف والثائر

آه يا ربة الأسرار
يا من ترقصين على جسد الخرافة
كل ما يمكنني قوله عن سحرك
أننا نسقط دوما في زورق الشمس
أحرارا.... ( منير مزيد)

منير مزيد ، يعتبره المثقفون الأوربيون بمثابة "أوفيد العرب " فالشاعران (أوفيد) و ( منير مزيد) يتشابهان كثيراً حتى في مكان منفاهما رومانيا . منير مزيد أختار الهجرة إلى رومانيا بحثا عن حريته الفكرية و ساهم كثيرا بأثراء الأدب الروماني والعالمي من خلال أعماله الإبداعية والترجمة ، كما فعل الكاتب الروماني (يوجين يونيسكو) حين هاجر إلى فرنسا .
منير مزيد ، الذي جاء إلى رومانيا كمثقف مسلم و من عائلة عربية و إسلامية محافظة و معه أرث ثقافي غني،عمل بكل جهد وإخلاص على فتح بانوراما شعرية غير معروفة لدى معظم الناس في العالم الغربي ، عالم الشعر العربي ، فقد ترجم مئات القصائد العربية إلى اللغة الإنجليزية بالإضافة إلى أعماله الشعرية و التي تزيد عن 25 ديوانا شعريا و ترجم أيضا إلى العربية قصائد من الشعر الروماني و الصيني والياباني و الصربي و الفرنسي والإيطالي .
يعتبر منير مزيد و احدا من عظماء الشعر في العالم وعرف بقصائده الكريستالية الصافية التي تعد قطعا من الكهرمان أو قصائد لازوردية و قد ترجمت إلى أكثر من عشرين لغة ونشرت في جمبع أنحاء العالم و مثقفاً حراً وواعياً يحتقر القومية الضيقة والتعصب الديني الذي يقسم العالم ، فأعماله الإبداعية مليئة بالحيوية والحب و ترشح بين احتفالية العاطفة الحسية ،
و الابتكار المتمرد الذي يثير كثيرا من التساؤلات حول العديد من القضايا الميتافيزيقية
و يحرض الوعي على اعادة التفكير في الكثير من المسائل والقضايا الجوهرية و أهم تلك القضايا أهمية دور الفن و الثقافة و التعليم و الحرية والحب في رفعة و تقدم الإنسانية مؤكدا على إن الثقافة الحرة تعد السبيل الوحيد الذي يمثل الانطلاقة السليمة للنهوض من التخلف والتدهور والانحطاط الحضاري وفارساً نبيلا يناضل لأجل الحرية والكرامة الإنسانية، منتقدا تلك الدول و خاصة الدول العربية في تجاهلها في أهمية الثقافة و مطالبا بتحريرها،
تعد أعماله الإبداعية بمثابة بصمة تاريخية في العالم الغربي تماما مثل الحضارة العربية في أسبانيا و تشكل حلقة وصل بين أوروبا و الشرق فهذا النوع من التلاقح الحضاري ألهب خيال الشعراء الغربيين الذين أطلق عليهم لقب "الشعراء المتجولون" و كذلك نجد آثار الشعر العربي والفارسي و الهندي في الشعر الأوروبي و كذلك تأثير شعراء الصوفية من تركيا وصولا إلى ولاية البنغال. ومنير مزيد يسير على خطى هؤلاء الشعراء معتبرا الشعر جسرا تلتقي عليه الحضارات و لغة إنسانية تحرك مشاعرنا وتدغدغ قلوبنا نحو رؤية تخرجنا من العالم الفاني إلى عالم الصفاء و الخلود،
أمّا الموضوعات السائدة في مجموعاته فهي ، الحب ، الإيمان الحلم و العزلة التي يواجهها الإنسان المبتعد عن الله وقد أعرب عنها في مجموعات لا حصر لها من المشاعر الفياضه والرؤى الميتافيزيقية التي تثير باستمرار قلب الإنسان والتسامي وتمجد الإنسان وقيمه الروحية و الأخلاقية بلغة شعرية و كيميائية و إيروسية وحسية تفوق الخيال تستند على الصورة الشعرية و الاختزال والتجريد وتفتح آفاقاً جديدة للغة و للخيال لتكون مدرسة مزيدية للشعر،
يستلهم منير مزيد قصائده من الديانات السماوية - الإسلامية و المسيحية و اليهودية- ومن أساطير الشرق و الغرب ليقدم لنا قصائد مزيدية معتقة بكل الثقافات و الحضارات فهو الشاعر النبي والصوفي و الحكيم و الفيلسوف لكي يأسر الكائن البشري بغض النظر عن دينه أو لون بشرته و يوصله إلى الله حرا ومعافا من كل الأحقاد، فلا سبيل أمام الإنسان في نظر الشاعر منير مزيد إلا الحب فهو الطريق إلى التفوق والتميز الذي يقوده بعد كل حاجز بين الإنسان والخالق.
هناك انصهار شديد وإن لم يكن دقيقا تماما فطاقة الكون تتحرك في الشعر ، ومنير مزيد يجيد هذا الانصهار أو الاندماج المثالي في اللغة الشعرية من خلال الإيمان بالمطلق ( الله ) والاستنارة الفكرية و اشعال حريق المشاعر في نار العشق فهو يمتلك قدرة عالية و متميزة في التعبير عن فرحة الحب وجمالياته. من تلك الرؤية يستطيع المرء أن يفهم سر عبقرية الشاعر منير مزيد و تمكنه من خطف القلوب ليصبح سيد الشعراء في العالم الشرقي الجديد. فمنير مزيد هو العاشق الأكثر اكتمالاً و توحدا مع الحب مع الله مع الشعر حتى في أحلك اللحظات بقيت تلك العلاقة قائمة و راسخة و مضيئة بالإيمان و الأمل وفي قلبه حلم كبير يسع الكون بأكمله.
منير مزيد يعتبر الآن الجسر الواصل بين الشرق والغرب. فأعماله الإبداعية تشهد على فكره المنفتح على المفاهيم الدينية والفلسفية، و تستكشف بدقة جوانب التقاليد الثقافية ، فهناك طموح كبير لدى الشاعر فهو يقترح توحيد العرب والعالم الإسلامي من خلال رؤيته الثقافية و إعادة شمس الحضارة العربية الإسلامية لتشرق من جديد . فهو يرى بأن الشعر لديه القدرة على ردم تلك الفجوة بين الجميع و بين كل الحضارات إذا توفرت النوايا الحسنة و تم تحرير الثقافة من المصالح أو الصراعات السياسية أو الايدولوجية.
منير مزيد يسعى بكل جهد إلى إحياء التراث العربي و العمل على تجديده من خلال رؤيته وثقافته الغزيرة فهو يشعر بالحزن على رؤية تدمير الطبقة المثقفة في الوطن العربي عن طريق استغلال الدعاية للنظام أو القضاء عليها كليا لمصلحة فئة مستنفعة لا ترى إلا مصالحها الذاتية على حساب الوطن والمستقبل وقد ازدادت مرارة الشاعر الذي كان يحلم بربيع عربي تحوّل إلى شتاء إسلامي و صعود قوى تستخدم الدين كغطاء لتدمير الحضارة العربية و زجها في أتون حرب أهلية وطائفية و القضاء على كل مظاهر الدولة المدنية المعاصرة.
في إيطاليا تم نشر أعمال الشاعر منير مزيد بالإيطالية والإنجليزية من قبل دار نشر كبرى إيمانا منها بأهمية أعماله الإبداعية و بأن إيطاليا بلد العراقة و الفن والثقافة و الحرية والأمة القادرة على تفهم أممية وفلسفة الثقافة الإنسانية من أجل السلام والأخاء بين الشعوب.

نحن في الغرب تعرفنا على الشاعر منير مزيد من خلال قصائده باللغة الإنجليزية وقد ساعد هذا الشاعر كثيرا في ظل تخاذل العرب و ممارستهم بالتعتيم عليه بسبب مواقفه الفكرية الحديثة والمستقلة الرائدة ونضاله من أجل الحرية، رغم أنه شاعر العرب الجديد.
منير مزيد ، يعد و احدا من أبرز المناضلين والمقاومين في العالم العربي لأجل الإنسان العربي رغم كل التعتيم الإعلامي الذي يمارس ضده ومحاولات الاقصاء حتى وصل الأمر إلى الأعتداء عليه و محاولات اغتياله إلا أنه بقي وفيا لرسالته و مؤمنا بأن هذة الفترة المظلمة في تاريخ العرب لا بد و أن تنتهي . و في الأردن عملت قوى الفساد على اجهاض مشروعه الثقافي حين وضع كل أموال غربته و خبرته خدمة لرفعة الثقافة العربية . على رغم كل ما يلاقيه هذا الشاعر النبيل من أذى من أبناء جلدته لا يزال يواصل بشجاعة نضاله من أجل العدالة و تحرير الثقافة العربية من قبضة الفاسدين و المتطرفين لأجل السلام و الرخاء والحرية ورفعة الأدب العربي .
كتب منير مزيد مقالته الشهيرة " الصوت الغائب " وفيها شخص المرض الذي يعاني منه الشرق الأوسط و في تلك المقالة قال : " هناك في الشرق الأوسط ثلاثة أصوات، اثنان قويان ، صوت النظام العربي الفاسد الذي سخر كل طاقة الوطن للبقاء في الحكم و قد أهدر كل الطاقات الإبداعية الخلاقة و أفسد كل شيء و إدراكا بأهمية دور المثقف عمل على تسيس المثقف في حين زج الأحرار منهم في السجون والمعتقلات و قام بتأسيس جيش كامل من المرتزقة من شعراء و أدباء و إعلاميين وهذا الجيش ساهم كثيرا في تدمير الطبقة المثقفة في العالم العربي لصالح قوى دخيلة على الثقافة . في ظل هذا الوضع المأساوي و غياب دور الطبقة المثقفة و انتشار الفقر والفساد وغياب الديمقراطية والمساواة للجميع، بدأت تتنامى في رحم الحضارة العربية مفاهيم التطرف و لغة العنف والكراهية و التعصب مما فتح الباب واسعا أمام قوى ظلامية طامحة للوصول إلى الحكم باستغلال تلك الأوضاع من خلال استخدام الدين كغطاء لمشروعها السياسي الظلامي وهذا هو الصوت الثاني القوي و وجد من يغذيه و يدعمه ماليا. أما الصوت الثالث فهو صوت الحرية و اقامة الدولة المدنية المعاصرة و هذا الصوت محارب و مضطهد ومتهم بالخيانة أو العمالة أو التكفير و مرتبط بأجندات غربية استعمارية. "

منير مزيد ، بالتأكيد هو شاعر الحب إلا أنه لم يغفل قضايا مهمة تمس الإنسان و خاصة ما يتعرض له الإنسان العربي من تشرد و حرمان وقلق وجودي و خوف من ضياع الهوية
و كذلك ضياع وطنه الأم فلسطين . يبدو وأن منير مزيد لم يترك شيئا إلا و تناوله في شعره حتى وصيته حين قال في احدى قصائده في كتابه الشهير " فصل من إنجيل الشعر "

أُوصي: إنْ مُتُّ
لا تدفِنوني
خَوفاً مِن أنْ يكرَهَني
قبريْ...

وفي الختام نقول : منير مزيد لا يزال يواصل بشجاعة نضاله الفكري رغم كل ما يتعرض له فهو محق في نزع المصداقية عن تلك المؤسسات الثقافية العربية والنوادي و الروابط والاتحادات والإعلام والمهرجانات الثقافية ووزارت الثقافة العربية من خلال سلوكها غير المبرر مع الشاعر الكبير فالشاعر يعتبرها فاسدة و تعمل تلك المؤسسات بفكر العصابات لمصلحة قوى معادية للفكر الحر والإبداع الإنساني من أجل ترسيخ التطرف و العنف و الكراهية وهذه المؤسسات والنوادي و الروابط تتحمل مسؤولية كل الدماء البريئة التي تزهق يوميا في عالمنا المعاصر . مؤكدا أن الشعراء الذين تم الترويج لهم من قبل تلك المؤسسات على أنهم شعراء كبار و تم منحهم جوائز ما هم إلا أفراد في تلك العصابات وعلاقتهم بالشعر جزء من سياسة مبرمجة لتسطيح العقل العربي ويعتبر حرب تلك المؤسسات عليه هي بمثابة شهادة شرف سيذكرها التاريخ والأهم بالنسبة له إن العالم كله يقرأ شعره وهذا يكفيه ولا يحتاج عصابة كي تروج له فقصائده اللازوردية قد أزهرت في كل بقاع الكون حتى في المجرات البعيدة .
فوق كل هذا ، منير مزيد شاعر عالمي كبير يستمد رؤاه من المفاهيم الفلسفية والدينية العالية وهذا يضعه بين أعظم شعراء الصوفية في العالم و أبرزهم في العالم المعاصر و من أجل كل هذا فهو يستحق عن جدارة جائزة نوبل للآداب .

الدكتورة جاردزيلا آرديا

إيطاليا