الحلقة الأولى

التأصيل الأيديولوجي للبناء الاقتصادي الجديد

القاعدة الأولى.. البناء الاقتصادي الجديد ذو أبعاد أيديولوجية وليس تقنية

إن أيَّ حديث عن حلولٍ لأزماتٍ اقتصادية بُنْيَوِيَّةِ الطابع مستفحِلة في مجتمعٍ ما، هو لغوٌ لا معنى له، وهدرٌ للجهد والموارد، وإمعانٌ في التضليل، وترحيلٌ للأزمات، وتكريسٌ للبُنية الطبقية في المجتمع، إذا حصر آليات الحلول المطروحة، في نطاق التقنيات الكلاسيكية التي تزخر بها أدبيات مُنَظِّري اقتصاد السوق، معتبرا إياها بمثابة تخريجاتٍ حقيقية للخروج من طوق تلك الأزمات، في حين أنها لا تعدو كونها حلولا هيكَلَية ذات طابع ترحيلي للأزمة، التي سيزداد بعدُها البُنيَوي تعقيدا واستفحالا وتأزُّما.
فمادامت هذه التقنيات ذات الطابع الهيكلي قد أوجِدت في الأصل لتمرير ما من شأنه الإبقاء على زخم الحياة إلى آخر رمق روحٍ في نظامٍ اقتصادي مُحَدَّد، هو الاقتصاد الرأسمالي الليبرالي، المُسمى اصطلاحا – بناءً على الركيزة الفلسفية الأساس له – "اقتصاد السوق"، فكم يكون أحمقا ذلك الذي يتصور أن الحلولَ الجذرية للمشكلات الاقتصادية البُنيوية الناتجة عن ذلك النهج الاقتصادي، قضيةٌ فنية، وليست قضية أيديولوجية، أولا وقبل كلِّ شيء.
تتبارى أقلام المحللين الاقتصاديين، ويتلاهثون وهم يتسابقون على تحليل المؤشرات الاقتصادية في الأردن، بين محاولٍ لإثبات أن الخطط التنموية التي وضعتها المؤسسات الرأسمالية ونَظَّرَت لأجلها، مناسبةٌ للاقتصاد الأردني, وآخر محاولٍ لإثبات أن هذه الخطط غير مناسبة لذلك. وفي غمرة التَّشَنُّجات التي تسود أولئك الذين يفتخرون بما يزعمون أنه تحرُّرٌ من إسقاطات الأيديولوجيا في المجال الاقتصادي, تغيب الأسس التأصيلية الحقيقية القادرة وحدها على تشخيصِ مرضٍ اقتصادي سيزداد تفاقما، كلما تصورنا أنه راجع ابتداء إلى خلل فني وهيكلي وإداري وخِبْرَوي، وليس إلى خلل أيديولوجي وبنيوي ومبدئي وفلسفي.
فكلُّ توصيفاتٍ اقتصادية، تتخذ طابعا تقنيا وإداريا – أي هيكليا – عندما تنصب باتجاه وضع الحلول للاختلالات في اقتصادٍ ما، يُراد الحفاظ على ركائزه الأيديولوجية دون أن تُمَس، فيما تتخذ طابعا أيديولوجياً ومبدئيا – أي بُنيويا – إذا كانت غايتها تحقيق الأهداف الاقتصادية المُعلنة والمحددة بصفتها إستراتيجيات وغايات ثابتة، ليتمَّ البحث بعد ذلك عن النموذَج الاقتصادي الذي من شأنه أن يُسَهِّلَ تحقيقَها والوصول إليها.
جميل جدا أن نستشعر الحرقة والمرارة في أقلام هؤلاء الذين تصدوا للحديث عن ظاهرة التشويه التنموي الذي نعاني منه, ففي هذه الحرقة وفي تلك المرارة دلالة على الانتماء. ولكن المؤلم حقا أن معظم إن لم يكن كل هؤلاء لم يبحثوا في العمق, ولم يحاولوا الكشف عن الأسباب الجوهرية لهذا التشوُّه الذي يعاني منه اقتصادنا وتعاني منه تنميتنا، منذ أن نلنا استقلالنا السياسي، هذا إن كنا قد نلناه أصلا!!
إن حلَّ مشكلة معينة مرهون أولا بالقدرة على تشخيصها وتشريح أبعادها وتحديد مُكوناتها العميقة والجوهرية, ذات الطبيعة الأيديولوجية. على كلِّ من يريد الإدلاء بدولهِ في مسألةِ إحداثِ تنميةٍ اقتصادية مستدامة، قائمة على حلولٍ حقيقية للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وتكون مجدية وغير مشوَّهة، أن يدركَ أنه إذا كان حريصا على الحفاظ على آليات اقتصاد السوق، وعلى عرض رؤاه التنموية وحلولَه الاقتصادية دون أن يمسَّ بها، ويتجنب من ثم اختراع الخطط أو الرؤى التي قد تخلخلُ تلك الآليات، فهو إنما يحاول تخديرنا بحلول مؤقتة، ستؤول إلى واقع مشكلاتي أكثر تفاقما وأشد عنفا، يفرض معاناةً أوسعَ وأصعب مع مرور الوقت، عبر سياسة الترحيل الأبدية التي لا تنتهي للحلول الحقيقية ذات الطابع البُنيَوي.
ولكن دعونا نتساءل: ما معنى أن يرتكز حل الأزمة الاقتصادية إلى بعد أيديولوجي بُنْيَوي، وإلا فأنه سيغدو ترقيعا مؤقتا لا تصحيحا مؤسَّسا؟!
أن يرتكز أيَّ تعاملٍ مع الأزمة الاقتصادية المستفحلة في البلاد لأجل حلِّها إلى بعد أيديولوجي بُنيَوي، يعني أن يطالَ ذلك التعامل الأسسَ الفكرية والفلسفية المرجعية للنموذج الاقتصادي السائد والمهيمن، تغييرا وتعديلا وإعادة إنتاجٍ، وألا يَكتفي بمعالجة البناء الفوقي الذي يجسِّد معاني الهيكلة لهذا النموذج.
وبعبارة أخرى تجب إعادة النظر في القواعد الأساس لهذا الاقتصاد, بدءاً من إعادة النظر في أنظمة الملكية، وأنماط تقسيم العمل، وأساليب الإنتاج، ومبادئ توزيع الإنتاج، مرورا بإعادة النظر في الموقف الأخلاقي المذهبي من الفرز الطبقي على أساس اقتصادي, ومدى الحرية الاقتصادية المسموح بها، وانتهاء بإعادة النظر في الإطار الذي يجب أن تتحرك في داخله آليات الاقتصاد الوطني على الأصعدة القطرية والقومية، بالارتكاز إلى طبيعة قضايا الوطن ومشكلاته ذات الطبيعة السياسية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية.
إن التركيز على أهمية البعد الأيديولوجي في أيِّ حلِّ مقترحٍ للخروج بالبلاد من أزمتها الاقتصادية المستفحلة، يعني أولا، تحديد الأهداف التي نتوخاها من أيِّ نموذج اقتصادي نبحث عنه، لنبحث بعد ذلك وليس قبله عن النموذج الملائم لتحقيق تلك الأهداف. النموذج لاحقٌ للهدف وليس سابقا له. وهذه المعادلة الاقتصادية تعني بكلِّ بساطة، أن النموذج الاقتصادي – أي الأيديولوجيا – أصبح قابلا للتعديل بدون حساسيةٍ خدمةً للهدف وتحقيقا للغاية, ولم يعد هناك نموذجٌ يتصف بالقداسة أو بالثبات, ما دامت كلُّ النماذج الاقتصادية مجرَّد وسائل وأدوات تُوَظَّف في خدمة الهدف ولأجل تحقيق الغاية.
إذ ما هي قيمةُ نموذجٍ اقتصادي ما، وما هي أهمية الحرص على عدم المساس بمبادئه وركائزه، إذا كان هذا الاقتصاد بتلك المبادئ والركائز لا يستطيع لا حلَّ مشكلة البطالة، ولا تخفيف حدَّة الفوارق الطبقية، ولا القضاء على كارثة الفقر، ولا إعداد اقتصاد الدولة في بُناه التحتية والفوقية ليكونَ اقتصاد حرب، إذا كان كلٌّ من "حل مشكلة البطالة"، و"تخفيف حدَّة الفوارق الطبقية"، و"القضاء على كارثة الفقر"، و"بناء اقتصاد الحرب"، هي أهداف وغايات يجب تحقيقها في دولة ما؟!
إن القداسة هي للهدف, ولما كانت النماذج وما ينبثق عنها من مبادئ وركائز ليست أهدافا في ذاتها، فلا قداسة لها, ولا أهمية لتثبيتها وعدم المساس بها. وبالتالي فكلُّ الصيغ التي يحاول طارحوها إقناعنا بنجاعتها وجدواها, إذا كانت تنطلق من قاعدة تثبيت وتقديس مبادئ هي في الأساس جوهر المعضلة الاقتصادية بمستوياتها الراهنة, لن تغدوَ أكثر من صيغٍ تخديرية مضلِّلَة عارية عن المصلحة الوطنية والقومية, وتحاول تكريس التراجع الحاصل في الاقتصاد الوطني. بل وتدافع من حيث تحاول أن تخفي أنها تدافع، عن الظلم والتفاوت الطبقي، وعن الفقر وعن البطالة، وعن البنية المصلحية القائمة على تقسيمٍ جائرٍ للعمل، فضلا عن وظيفية وتبعيَّة الدولة بأوسع معاني الوظيفية والتبعيَّة.
يجب أن نحدِّدَ الأهداف على النحو التالي: "نريد إلغاء البطالة, نريد أن نتحرَّرَ من سطوة المديونية وما تفرضه من تبعية, نريد أن نحقِّقَ اكتفاءً ذاتيا في المحاصيل الزراعية الغذائية التي تمثل الغذاء الرئيسي للشعب الأردني, نريد تثبيت حدٍّ معقول للأسعار عبر تحقيق حالةٍ من التوازن في أسعار صرف العملات بالقياس لعملتنا الوطنية, نريد أن ننهيَ حالة الفقر، ونخفف الفوارق الطبقية في المجتمع, نريد أن نتعامل اقتصاديا على قاعدة أن هناك ضغوطات تُمارسُ ضدنا لاحتواء قرارنا السياسي, وتوجيهه نحو الصب في خانة الأعداء.. نريد كذا.. نريد كذا.. إلخ".
وبعد أن نحدِّدَ الأهداف على النحو الذي ذكرناه، وبالصراحة والوضوح اللازمين، بناء على تشخيص علمي موضوعي لطبيعة مشكلاتنا المرتبطة بجوهر قضايانا على صعيد الحياة والوجود والتحرر والعدالة والهوية، نبدأ بالبحث عن المبادئ الاقتصادية التي من شأنها أن تسارعَ في تحقيق تلك الأهداف. وعلينا أن نقبل بها حتى لو نسفت مبادئ وركائز اعتُبِرَت ولمدة طويلة من المقدسات والثوابت, كالملكية الخاصة، ومركزية دور القطاع الخاص, وحرية العمل, وحرية الاستثمار والادخار، وملكية الموارد الأساسية ووساءل الإنتاج.. إلخ.
القاعدة الثانية.. "مشروعية الثروة" مصدرا واستخداما هي مفتاح العدل الاجتماعي..
إن "المشروعية" بالنسبة للثروة هي مثل الهواء بالنسبة للكائن الحي. فكما أن الكائن الحي لا يكتفي بجرعة هواء أولى واحدة ليبقى حيا طول حياته، بل هو يجب أن يتنفس الهواء باستمرار وإلا فإنه سيموت حتما، فكذلك الثروة من وجهة نظر "العدالة"، لا يكفيها أن تكون "مشروعة المصدر" كي تبقى مشروعيتها متحقِّقَة دائما، وبصرف النظر بعد ذلك عن شكل وطريقة استخدامها، بل هي يجب أن تحقِّقَ عناصر مشروعية أخرى غير مشروعية المصدر، كي تحافظَ على مشروعيتها، هي مشروعية الاستخدام.
أ – مشروعية مصدر الثروة..
نستطيع وضع الأسس الرئيسة التالية التي تجعل ثروة ما ثروةً مشروعة المصدر..
* أن لا تكون ثروة تحقَّقت عبر أيِّ نشاطٍ ينطوي على "الاستغلال الاقتصادي" بأيِّ شكلٍ من أشكاله، وبأيِّ معنى من معانيه. و"الاستغلال الاقتصادي" مفهومٌ واسع ينطوي على كلِّ أوجه النشاط الاقتصادي التي تحقِّقُ مردودَها عبر الاستثمار الجائر وغير الأخلاقي لحالة "العوز" و"الحاجة" في طرف، والقدرة والتَّمَكُّن في طرفٍ آخر. فـ "الاحتكار" استغلال، و"الغبن" في البيع استغلال، و"الفائدة على القروض غير الاستثمارية" استغلال، و"رفع أسعار السلع والخدمات الحيوية رهانا على اضطرار المستهلك لشرائها أيا كان سعرها" استغلال. وكلُّ مظاهر الاستغلال في النشاط الاقتصادي يمكن للعقل البشري أن يحدِّدَها، فهو مؤهلٌّ لذلك بحسب بُنيته المعرفية.
* أن لا تكون ثروة قد تحقَّقَت عبر أيِّ نشاطٍ غيرِ مُنتج لمنفعة حقيقية للناس تستحق الدخل والأجر والمكافأة. والمنفعة الحقيقية، توجد إما في سلعة وإما في خدمة قابلتين للاستهلاك البشري، وتحقِّقان للفرد أو للمجوعة تلبية لواحدة أو أكثر من الاحتياجات الطبيعية التي لا غنى عنها لاستمرار الحياة أو نموها أو تطورها، ولا تترتب عليهما أيُّ أضرار جانبية قد يعاني منها أفراد آخرون أو مجموعات أخرى في المجتمع. ومن النشاطات التي لا تنتجُ هذا النوع من السلع والخدمات، ولا تكون الثروة القائمة على النشاط المتعلق بها بالتالي مشروعة المصدر: "القمار بكلِّ أشكاله"، و"تجارة الدعارة والجنس والرقيق الأبيض"، و"إنتاج وتجارة المخدرات"، و"إنتاج وتجارة التبغ"، و"إنتاج وتجارة وتداول السندات والأوراق المالية"، فضلا عن "الكثير من أعمال الوساطة والسمسرة".
* أن لا تكون ثروة قد تحقَّقَت عبر أيِّ نشاطٍ ينطوي على الاستحواذ على مال الغير، فردا كان هذا الغير أو مجموعة، بالاعتداء عليه وبدون رضا مالكه ومُتَوَلي إدارته، وضمِّه إلى حيازة المعتدِي وملكيته، بصرف النظر عن كون المال المُعْتَدَى عليه، هو مالٌ مشروع أو غير مشروع المصدر، وذلك دونما فعلٍ ونشاط ينطويان على بذل جهد يُحَوِّل ذلك المال إلى قيمة مُنْتَجَة ذات منفعة حقيقية للغير، وهو ما يجعل كل ثروة قامت على أيِّ شكلٍ من أشكال السرقة والسطو والنهب والاختلاس والاعتداء بكل توصيفاتها التي يقرُّ العقل أنها كذلك، هي ثروة غير مشروعة المصدر.
* أن لا تكون ثروة قد تحقَّقَت عبر أيِّ نشاطٍ ينطوي على أيِّ معنى من معاني الغش والخداع والتضليل وممارسة الكذب أثناء فعل "تحصيل الثروة". و"الغش" يختلف عن "السرقة" رغم أنه يشبهها في جوهره من حيث كونه يمثل شكلا من أشكال الاعتداء على الثروة بغير رضا صاحبها وباستخدام وسائل وأدوات مخادعة ومضللة مما هو متوافق على أنه كذلك اصطلاحا، أو مما يقرِّرُ العقل أنه تضليل وخداع. ووجه الاختلاف بين الثروة المحصَّل عليها بالسرقة، وتلك المحصَّل عليها بالغش، هو أن المغشوش شخصٌ مخدوع لا يعرف أنه خُدِع أو أنه تمَّ غِشُّه، بينما المسروق يعرف أنه تمت سرقته وأنه تمَّ الاعتداء على ماله بغيرِ رضاه. وبناءً عليه فإن المجتمع معني بوضع كافة الآليات التي تضمن عدم وقوع الثروات تحت طائلة الغِشِّ في مصدرها كي تكونَ مشروعةَ المصدر. وأوجه وأبواب الغِشِّ كثيرة ومتنوعة. فمن الغِشِ مثلا "الغش في الميزان"، و"عدم إظهار عيوب المبيع"، و"عدم الالتزام بالمواصفات والمقاييس المتفق عليها لإنجاز العمل".. إلخ.
ب – مشروعية استخدام الثروة..
عندما تتجاوز ثروةٌ ما الاختبار الأول لمشروعياتها بنجاح، محقِّقَة لنفسها "مشروعية المصدر"، فإنها يجب ألا تركن إلى ذلك معتبرة أنها غير مطالبة بأكثر من نظافة المصدر، ليتمَّ استخدامها بعد ذلك بحرية مطلقة وبلا قيد أو شرط، بل هي مطالبة بأن تُسْتَخدم استخداما صحيحا وسليما، لتحافظ من خلال ذلك الاستخدام على المحطة الثانية من محطات مشروعياتها، ألا وهي "مشروعية الاستخدام". وهناك ثلاثة مبادئ أساسية تُعتبر المُجَسِّد الفعلي لقاعدة مشروعية الاستخدام، يجب أن تَصُبَّ الدولةُ كلَّ إمكاناتها السياسية والثقافية والتشريعية نحو تحقيقها في أرض الواقع، وهذه المبادئ هي..
* مبدأ "تقنين الاستهلاك وعدم حريته"، بالإشارة إلى ضرورة الالتزام بتأمين حدٍّ أدنى له لا ينقص عنه، يمثل الدخل الأدنى المفترض للفرد، وحدٍّ أقصى له لا يتجاوزه، يمثل الاستهلاك الأعلى له. وهو ما يفرض أن يسير المجتمع في إدارته لثرواته باتجاه سن وتشريع كلِّ ما يمكِّنه من الوصول إلى فرض حدٍّ أدنى للدخول يحقق الكرامة الإنسانية، ويلبي الحاجات الاستهلاكية للإنسان وفق معايير الزمان والمكان، وإلى فرض حدٍّ أقصى للاستهلاك تفرضه عناصر يحددها أهل الخبرة والدراية بمعايير الزمان والمكان، كي يُحال دون الثروة المجتمعية ودون هدرها وتبديدها تحت مسمى "حرية الاستهلاك" القائمة أساسا على مبدإ "قداسة حرية التملُك".
* مبدأ "الإسهام في تمويل إدارة الدولة"، التي يُفترَض أنها مجموعة من المؤسسات الحامية لحركة الثروة ولأمانها وفق قوانين الدولة وسياستها العامة، عبر ما اصطَلِحَ عليه البشر بـ "الضريبة". وبالتالي فأيُّما ثروة تتهرب من إسهامها الملزم في تمويل إدارة الدولة التي يتم إنتاجها فيها وبإمكاناتها ومواردها وتسهيلاتها ومنافعها المختلفة، هي ثروة تفتقر إلى المشروعية، ويحق للمجتمع أن يعاقبَها من ثمَّ بما يراه مناسبا وفق ظروف الزمان والمكان.
* مبدأ "ادخار الثروة وعدم كنزها"، حيث أن هناك فرقا بين "الادخار" و"الكنز" في العرف الاقتصادي، فالادخار يعني "عدم الاستهلاك"، أما الكنز فهو يعني "عدم التحريك". فـ "الثروة المُدَّخَرة" هي ثروة لم يطلها الاستهلاك البشري الفردي أو الجماعي، وإن كان من الممكن أن تكون "ثروة مستثمرة" تتحرك في سوق الإنتاج السلعي والخدمي. أما "الثورة المكنوزة" فهي ثروة فوق أنها لم تُسْتَهْلك، فهي لم تستثمر أيضا كي تنتج فرصا عمل وقيما مضافة جديدة في المجتمع. فالثروة تفقد مشرعية استخدامها إذا لجأ مالكها أو حائزها إلى كنزها والحيلولة بينها وبين أن تلبيَ حاجة المجتمع في التحرك لإنتاج فرض العمل والقيم المضافة، وذلك خلافا لما ينطوي عليه تقديس مبدأ ملكية الثروة والسيادة عليها من حقوقٍ مطلقة في الادخار والكنز، في الاستثمار أو عدمه. وبالتالي فإن حرية تصرف حائز الثروة في ثروته محصورة في حدود انعكاس ذلك على مصلحة المجتمع الاقتصادية. وليس هناك أسوأ لمصلحة مجتمع من المجتمعات من تعطيل ثروته أو أيِّ جزءٍ منها بـ "الكنز" بعد أن تمت حمايتها من التبديد والاستهلاك بـ "الادخار"، والحيلولة من ثمَ بينها وبين أن تُضَخَّ باستمرار في سوق العمل والإنتاج، لخلق السلع والخدمات وفُرَص العمل، وهي العناصر الحقيقية التي تتم من خلالها وباستمرار مكافحة البطالة ومحاربة الفقر. وهكذا فلكي تفقد ملكية الثروة معانيها الاستهلاكية المولِّدة للتفاوت الطبقي والمنتجة للبطالة والفقر، يجب أن تتحولَ إلى أداة إنتاج وتشغيل دائمين، بعد استهلاك وإنفاق الضروري منها وفق مبدأي "الحد الأدنى" و"الحد الأقصى". وكي يتحقَّقَ ذلك، تجب إعادة النظر في كلِّ مبادئ "حرية الادخار" و"حرية الاستثمار"، ليصارَ إلى إعادة إنتاجهما على قواعد "وجوب الاستثمار وإلزاميته"، و"محدودية الادخار ولا حريَّته" عبر تجريم فعل "كنز الثروة".
القاعدة الثالثة.. "الناتج القومي الإجمالي" وليس "الناتج المحلي الإجمالي" هو المعبّر الحقيقي عن ثروة الأمة..
بدايةً، دعونا نفرِّق بين مصطلحين مقياسيين مهمين في الأدبيات الاقتصادية، تعوَّد الكثيرون على استخدامهما بمعنى واحد غالبا، في حين أنهما ليسا كذلك، وهما المصطلح المقياسي المعروف بـ "الناتج القومي الإجمالي" "gnp"، والمصطلح المقياسي المعروف بـ "الناتج المحلي الإجمالي" "gdp". فالأول هو مقياسٌ يُستخدم للتعبير عن حجم الإنتاج الاقتصادي من السلع والخدمات من موارد مملوكة لسكان منطقة معينة في فترة زمنية ما، حتى وإن كان هذا الإنتاج الاقتصادي يتم خارج هذه المنطقة. أما الثاني فهو مقياسٌ يستخدم للتعبير عن حجم الناتج المحلي الإجمالي بحسب قيمة السلع والخدمات المنتجة من الموارد الموجودة محلياً، بصرف النظر عما إذا كانت مملوكة لسكان المنطقة نفسها أو لأجانب. والفرق بين المقياسين مهم. فعلى سبيل المثال، تدخل قيمة إنتاج "مصنع صيني" موجود في الأردن في حسابات "الناتج المحلي الإجمالي الأردني" "gdp"، لأن المصنع موجود محلياً على الأرض الأردنية، ولكنها تدخل في حسابات "الناتج القومي الإجمالي الصيني" "gnp"، بسبب أن مُلاك المصنع صينيون، فالمصنع الصيني موردٌ موجود محلياً في الأردن، ومملوك محلياً في الصين، وهكذا.
وقد باتت الكثير من الإحصائيات الاقتصادية تستخدم مقياس "الناتج المحلي الإجمالي" منذ التسعينيات أكثر من "الناتج القومي الإجمالي"، لأنه يُعَبِّرُ بصورةٍ أفضل عن حالة النشاط الأقتصادي في داخل بلدٍ ما، بصرف النظر عن جنسية من يقومون بذلك النشاط، مع العلم بأن "الناتج القومي الإجمالي"، يعتبر أكثر دلالة على القيمة الحقيقية لثروة أمة من الأمم، لأنه يجسِّد ما يبقى في النهاية بأيدي مواطني ذلك البلد لينفقوه، وهو الذي تقوم عليه السياسات الاقتصادية للدولة، ويرتبط به نظام تقسيم العمل، والبناء الطبقي للمجتمع، واحتساب ثروة الأمة، وآفاق الاستثمار والتنمية، ومؤشرات النمو الاقتصادي والبطالة والفقر.. إلخ. دون أن نهمل ضمن هذا المقياس ما يمكن للدولة أن تستوفيه من ضرائب ورسوم من الاستثمارات المملوكة لأجانب داخل الدولة.
وقد يكون "الناتج القومي الإجمالي" في بلدٍ ما أكثر أو أقل من "الناتح المحلي الإجمالي"، بحسب الفروق بين إيرادات ما يملكه الأجانب من استثمارات في ذلك البلد ستؤول إلى خارجه، وإيرادات ما يملكه مواطنو ذلك البلد من استثمارات خارج بلادهم ستؤول إلى داخله. فإذا كان ما يملكه الأجانب من استثمارات داخل بلد ما أكثر مما يملكه ذلك البلد من استثمارات في الخارج، فهذا يعني أن الثروة التي ستُسْتَنْزَف إلى خارج البلاد ستكون أكبر من تلك التي ستدخل إليها، فيكون "الناتج القومي الإجمالي" أقل من "الناتج المحلي الإجمالي"، والعكس بالعكس. فـ "الناتج القومي الإجمالي" الأردني على سبيل المثال أكبر من "ناتجه المحلي الإجمالي"، بسبب الحجم الهائل لتحويلات الأردنيين العاملين في الخارج، إذا ما قيست بحجم الاستثمارات المملوكة لغير الأردنيين في داخل الأردن، وما يمكنها أن تسحبه من ثروات إلى خارج البلاد.
وبناءً على ما سبق من تفريق بين هذين المقياسين الاقتصاديين فيما يتعلق بثروة أمة من الأمم، فإننا نؤكد على أن مؤشرات "الناتج القومي الإجمالي الأردني" هي التي سنقوم باستخدامها في أيِّ تحليل اقتصادي نبغي من ورائه التوصل إلى تشخيصٍ دقيق وحقيقي لثروة الشعب الأردني السنوية، والتي سوف نعيد إنتاج شكل التعاطي معها للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالدولة، بسبب سياسات النظام الوظيفي الطبقي المتغوِّل الذي يأبى التعامل مع الأزمة باعتبارها أزمة أيديولوجية بنيوية، ويصِرُّ من ثم على التعامل معها باعتبارها أزمة تقنية هيكلية، لأنه يحافظ بهذا الشكل المغلوط والمشوَّه من التعامل، على بنائه الطبقي، وعلى دوره الوظيفي، وعلى كافة المخرجات السياسية والاقتصادية والثقافية لهذا الدور ولذاك البناء.
القاعدة الرابعة.. "الموازنة العامة للدولة" تتبع "الناتج القومي الإجمالي" وليس العكس..
عندما تحرصُ حكومةٌ ما على أن تكون غنية، باعتمادها موازناتٍ لا تنسجمُ لا مع مستوى غِنى الشعب الذي تقوده، ولا مع الإمكانات الحقيقية لـ "ناتجِه القومي الإجمالي"، ولا تصمِّم موازناتِها في ضوء خططٍ تأخذ في الاعتبار ذلك المستوى وتلك الإمكانات، وتصِرُّ من ثمَّ على الحفاظ على مستوى إنفاقها، وعلى حلِّ اختلالات موازناتها المتعاقبة بسبب الظلم والاستبداد والفساد والوظيفية والطبقية المجحفة، وعلى ديمومة نمط تعاملاتها المالية الداخلية والخارجية، على حساب هذا "الناتج القومي الإجمالي"، بالنظر إليه على أنه ثروة مشاعة مستباحة، وبشكل يحمي البُنية الطبقية المجحفة السائدة، دون إعارة أيِّ اهتمام لواقع معاناة الشرائح الواسعة من الشعب الذي يُفترض أن يكون هو المستفيد الأول من ذلك الناتج، بما يخفِّف من حدِّة فقره وعوزه، باعتبار أن الناتج الإجمالي القومي هو ثروته هو، وليس ثروةَ الحكومة توزِّعُها كيف تشاء، وتحمي نمط تقسيم العمل السائد فيها دون أيِّ تغيير من شأنه أن ينعكس إيجابا على مستقبل الدولة والشعب والتنمية المستدامة عموما..
نقول.. إن حكومة من هذا النوع، هي حكومة طبقية فاسدة، لا يجوز أن تكونَ في السلطة، بل يجب أن يُحالَ مُشَكِّلوها وأعضاؤُها والمشرِّعون لها والموافقون على مشاريع موازناتها إلى القضاء، ليحاكَموا بتهمة الفساد المالي والإداري والسياسي، وسرقة واختلاس ونهب أموال الشعب، والعمل على إفقاره، دون أيِّ إبطاءٍ أو تأخير، بصرف النظر عن التفاصيل والجزئيات، لأن هذا النهج في ذاته هو أبشع حالة فساد ممكنة، وهو الذي يفرِّخ كافة مستويات الفساد الأخرى ويؤسِّس ويمهِّد لها ويجعلها ممكنة ومتاحة. إنه فساد اقتصادي أيديولوجي، يجعل من باقي مظاهر الفساد الناتجة عنه، عقيدةً تُعتَنَق، وثقافةً تسود، ودينا يُتَعَبَد به، وشعائر عبادةٍ تُمارَس، فهل يُعقَل ترك منبع الفساد ورحمه التي تُخَلِّقَه، ليتمَّ الانشغال بمولوداته المسخ فقط؟!
في العرف الاقتصادي تُعْتَبر الموازنة العامة للدولة صورةً عن واقع "الناتج القومي الإجمالي"، أو هكذا يُفترض أن تكون. وبالتالي فـ "الناتج الإجمالي الفقير"، يُفتَرَض أن ينعكسَ على شكل "حكومة فقيرة". ولا يجوز بحال أن تكون هناك حكومة غنية من ناتج إجمالي فقير، فهذه معادلة غير منطقية، ولا يمكنها أن تعني شيئا آخر غير الظلم والاستبداد والفساد. ولا نقصد بغنى الحكومة ارتفاع أو تدني مرتبات العاملين فيها، وإنما نقصد، نمط الإنفاق الحكومي بوجه عام، وطريقة إدارة مؤسسات الدولة ماليا، ومُسَبِّبات التوسع في القطاع العام توظيفا وإنفاقا، وقواعد الترشيد الاستهلاكي الحكومي.. إلخ، فضلا عن أن كلَّ ذلك يجب أن يكون ناتجا عن خطة تقوم على قراءةٍ دقيقةٍ لـ "الناتج القومي الإجمالي" أولا، تأخذ في الاعتبار أن تتمَّ صياغة الموازنة العامة بعد ذلك وليس قبله، لكي لا تتسبَّبَ أيُّ نفقات حكومية جديدة أو أيُّ توسعات في الاستخدام أو في المهمات الحكومية، في الإضرار بفئات الشعب الأوسع والأكثر عوزا وحاجة وفقرا. لأن أيَّ توسُّع في النفقات، أو عدم انتهاج سياسة الترشيد المطلوبة عند تجلِّي ضرورة الترشيد، سيكون من خلال إحداث اقتطاعات مالية من "الناتج القومي الإجمالي"، على حساب بنود الاستثمار والتشغيل والتنمية المستدامة.. إلخ، وبالتالي على حساب الشعب.
إن أيَّ حكومة تبدأ بالنظر إلى واقعها المالي، وإلى أزماتها وأزمات مؤسساتها والعاملين فيها، وتبدأ بتقييم تلك الأزمات واحتياجاتها المالية للخروج منها، وتضع رؤيتَها الخاصة التي تريدها لتحقيق ذلك الخروج، دون التفاتٍ إلى عنصرٍ هامٍّ هو "الناتج القومي الإجمالي" للدولة ولإمكاناته الحقيقية، ودون النظر إلى عنصر هامٍّ آخر هو "واقع مختلف فئات وشرائح الشعب المعيشية" – التي يُفترض أن يكون ذلك الناتج وعاءً لإعادة إنتاج واقعها ذاك أولا وقبل استخدامه لحل أزمات موازنةٍ عامةٍ، يجب أن تقفَ دائما في آخر دور المنتفعين من ذلك الناتج – لتبدأ هذه الحكومة بتنفيذ سياساتِها التي اعتمدتها للخروج من أزماتها أيا كان مردودها على ذينك العنصرين، هي في واقع الأمر حكومة تنتهج الطريق الخاطئ، وتحلُّ أزمةَ موازنة على حساب مصير شعب، لتقع في نمطٍ كارثي من ترحيل الأزمات الاقتصادية، عبر اللجوء الدائم إلى الحلول التقنية هيكلية الطابع، على حساب الحلول الأيديولوجية بُنيوية الطابع، ما سيؤثر على الدولة ككل في المستقبل.
إن ما تجب معرفته هو أن "الموازنة العامة للدولة" هي العنصر المتحرك من بين العناصر الثلاثة: "الناتج القومي الإجمالي"، و"احتياجات أوسع الشرائح المجتمعية"، و"الموازنة العامة للدولة"، لجهة ضرورة تجاوبها المطلق مع العنصرين الآخرين وتأثُّرها بهما وانتظار فتاتِهما وما يفيض عن منهما، وهي العنصر الذي يجب أن يدورَ مع إمكانات "الناتج القومي الإجمالي" كعنصر أول، ومع "احتياجات أوسع الشرائح المجتمعية" كعنصر ثانٍ، حيثما دارا. هذان العنصران هما اللذان يحدِّدان لواضعي مشروع الموازنة العامة للدولة، الخطوط الحمراء التي لا يجوز للموازنة أن تتجاوزَها، والخنادقَ المجتمعية التي لا يصح لها الخروج منها للانتقال إلى خنادق أخرى. وهما بالتالي العنصران اللذان يحدِّدان أو اللذان يفترض أن يحدِّدا نمط "تقسيم العمل"، و"قواعد الملكية"، و"السياسات الضريبية المعتمدة"، وليست احتياجات الموازنة العامة هي التي تحدِّد ذلك، إلا فيما يمثل امتدادا لأحد ذينك العنصرين، مثل ما يتعلق بمرتبات ودخول موظفي القطاع العام بصفتهم مواطنين تنطبق عليهم في نهاية المطاف كافة حُزَم الحقوق والواجبات الاقتصادية التي نتحدث عنها.
القاعدة الخامسة.. إعادة صياغة وتشكيل أنماط إنفاق "الناتج القومي الإجمالي"..
بما أن "الناتج القومي الإجمالي"، هو الثروة التي تملِكُها أمَّة من الأمم في عام واحد كي تنفقَها، وبعد أن تكون هذه الثروة قد أُنْتِجَت وفقَ قواعد "مشروعية المصدر" التي تحدثنا عنها سابقا، فلم يبق أمامنا إلا أن نعيد صياغة نمط توزيعها بالشكل الذي يمنحها "مشروعية الاستخدام"، بصرف النظر عن نمط ملكيتها الذي أدى إلى إنتاجها، وذلك كي تكتمل صورة البناء الاقتصادي الجديد المنشود. وبما أننا أشرنا إلى أن ما يمنح الثروة "مشروعية الاستخدام" هو التزامها بـ "مبدأ تقنين الاستهلاك وعدم حريته"، عبر الالتزام بحدَّيه "الأدنى" و"الأقصى"، وبـ "مبدأ الإسهام في تمويل إدارة الدولة"، عبر "نظام ضريبي متكامل"، وبـ "مبدأ ادخار الثروة وعدم كنزها"، عبر ضخ ما يقع خارج ما تمَّ استهلاكه إلى القنوات الاستثمارية المطلوبة، فهذا يعني أن الأسس التي يفترض أن تحكمَ نمط توزيع الثروة هي التالية..
* تحديد ما يمكنه أن يكون حدا أدنى للدخول بحسب ما يقرِره الخبراء والمختصوص بالقياس لمتطلبات الحياة العصرية المحقِّقَة للكرامة الإنسانية ولإمكانات "الناتج القومي الإجمالي".
* تحديد القوى العاملة وأعداد الأسر في المجتمع، واحتساب إجمالي احتياجاتها بحسب ما تمَّ تحديده في البند السابق.
* سن كافة التشريعات التي ترفع من سوية من تقل دخولهم عن الحد الأدني المقرَّر للاستهلاك ليلامسوه، واتباع كافة السياسات الاقتصادية والعمالية التي من شأنها تحقيق ذلك.
* صياغة موازنة عامة تأخذ في الاعتبار العناصر الثلاثة السابقة على صعيد المرتبات والدخول للعاملين في القطاع العام.
* سن كافة التشريعات واتباع كافة السياسات التي تضخُّ للاستثمار اقتطاعاتٍ من "الناتج القومي الإجمالي" في قطاعات إنتاجية مُحَدَّدَة ومدروسة من قبل الدولة، تُحَقِّق نموا اقتصاديا وتنميةً مستدامة، بما يتناسب مع معدلات النمو السكاني أو يزيد من جهة أولى، وبما يساعد على رفع مستويات مستهدفة لمعيشة السكان من جهة ثانية، وبما يستجيب لمتطلبات الطبيعة الجيوسياسية والدور الإقليمي للدولة من جهة ثالثة.
* ثم يتم بعد ذلك استكمال متطلبات الموازنة العامة للدولة في الجانب غير المتعلق بالمرتبات والدخول. وإنما تمَّ تأجيل استكمال بنود الموازنة العامة في هذه الجوانب إلى ما بعد استكمال احتياجات الخطط الاستثمارية، كي لا يصار إلى التساهل في صياغة بنود الموازنة المتبقية، ما قد يؤثر سلبا على ما يفترض أن يتم اقتطاعه من "الناتج القومي الإجمالي" للاستثمار التنموي.
* وبعد أن تُسْتَكْمَل عملية صياغة أنماط التوزيع الجديدة لـ "الناتج القومي الإجمالي" على البنود السابقة وفق ما ورد أعلاه، فما لا شك فيه أن ما سيتبقى من ذلك الناتج، سيبقى في أيدي مالكيه وحائزيه من أصحاب الثروة، لينفقوه بما يرونه مناسبا لرغباتهم واحتياجاتهم وبما لا يتعارض بطبيعة الحال مع قوانين الدولة، باعتباره يمثل الحد الأقصى للاستهلاك الذي سيكون واقع الدولة، وستكون طبيعة خططها الاستثمارية ومتطلبات موازنتها هي مُجْتَمِعَة ما سمح به وأجازه.
… يتبع في المقال التالي..
"قواعد البناء الاقتصادي الجديد في الأردن/التطبيقات على الحالة الأردنية