الفنان يعقوب أبو غزالة رحل دون تحقيق أحلامه هو من القامات المسرحية الشامخة ذات الحضور التلفزيوني الشفاف والمؤثر، وحسبه أنه كتب اسمه كواحد من بين أساتذة فن الدراما في سورية.. إنه الفنان يعقوب أبو غزالة الذي ولد في مدينة يافا في فلسطين في العام 1926 وبدأ حياته الفنية منذ العام 1940 حيث عمل في مسارح القدس وإذاعتها، وفي العام 1949، انتسب إلى الفرقة السورية للتمثيل والموسيقا في دمشق التي كانت تضم أقوى العناصر الفنية مثل حكمت محسن، أنور البابا، تيسير السعدي، وغيرهم، وقد شارك في جميع أعمال الفرقة السورية التي كانت تقدم أعمالها من خلال إذاعة دمشق.. كما كان الفنان أبو غزالة أحد مؤسسي المسرح القومي التابع لوزارة الثقافة منذ العام 1960، وشارك في أغلب المسرحيات التي قدمها المسرح القومي حيث بلغ عدد هذه المسرحيات ما يقارب خمساً وخمسين مسرحية، منها المسرحية الشهيرة "العنب الحامض" إلى جانب الفنانين عصام عبه جي ولينا باتع وهالة شوكت . وفي نطاق عمل الفنان الراحل في المسرح يُسجّل له أنه لم يعمل في المسرح التجاري، لكنه شارك وبحماس شديد في تأسيس فرقة المسرح الوطني الفلسطيني، وكانت له أعمال قليلة فيها .
من أمنيات الفنان أبو غزالة التي لم تتحقق في المسرح أمنيته بأن يلعب شخصية الملك لير في العرض المسرحي الذي قُدِّم في سبعينيات القرن الماضي حيث كانت الشخصية من نصيب الفنان عبد اللطيف فتحي حسبما ارتأى المخرج حينذاك، ويقول أبو غزالة في ذلك : "عندما قرأتُ مسرحية الملك لير كنتُ أتمنى أن أمثل شخصية الملك لير، ولكن المخرج كانت له وجهة نظر تقوم على أن ما يدور في الفصلين الأولين يتلاءم مع فيزيولوجيتي ونفسيتي، وفي الفصول الأخيرة لا يتلاءم، أي عندما يصاب الملك لير بالجنون والهيستيريا" .
أما الحلم الثاني والذي لم يتحقق لأبي غزالة فهو أن يعمل في مسرح الطفل، خاصة وأنه كان يتمنى أن يحدث ذلك في أسرع وقت ممكن .
ويقال عن أبو غزالة أنه كان دائماً في كواليس المسرح قبل بداية العرض بساعتين، يرتدي ملابسه المخصصة للعرض وينتظر أن تُفتَح الستارة، في الوقت الذي كان يأتي فيه شباب المسرح الجدد قبل العرض بدقائق.. لقد كان أبو غزالة من الرعيل الأول المؤمن إلى أبعد الحدود بضرورة التعامل الجدي والمتفاني مع الفن المسرحي، والذي لم ينظر إلى هذا الفن ولا للحظة واحدة باستسهال، والجميع يؤكد أن أدواره التي لعبها جعلته قدوة بالنسبة لشباب المسرح أمام طريقته في التمثيل، ولديه طاقة فنية لا يعرف صاحبها التعثّر أو الوقوف أبداً خارج المعايشة التامة للدور، وما كان يثير الإعجاب في شخصيته شهيته التي لا تفتر للتعامل الجدّي مع كل الأعمال التي شارك فيها وحرصه على تقديم أدوار ضمن قالب رسمه لنفسه بإتقان شديد طوال سنوات تجربته الفنية، وقد ظلّ مخلصاً لتلك الطريقة في الأداء الخارجي المعتمد على الصوت بشكل أساسي وهو الذي كان يمتلك صوتاً جهورياً، وعلى الحركة المتقنة التي يكررها في كل عرض بنفس الطريقة .
أما في التلفزيون فلم تختلف طريقة أدائه عن المسرح في كثير أو قليل وإن كان في المسرح أكثر انفتاحاً، وهذا ما جعل أحد الممثلين الجدد القادمين إلى الحياة الفنية يقف مدهوشاً ذات مرة عندما تمت إعادة تسجيل أحد المشاهد التلفزيونية أكثر من عشر مرات، وفي كل مرة كان أبو غزالة يكرر ما هو مطلوب منه بحرفية وإتقان نادرين .
ولأبو غزالة مساهمات هامة في التلفزيون وإن لم ينل فيها البطولة المطلقة، حيث جسد أدواراً أساسية ما زالت باقية في الذاكرة نذكر منها "عز الدين القسام- الجرح القديم- الولادة الجديدة- ذئب السيسبان- وداعاً زمن الصمت" حيث رحل بعد يومين من بث آخر حلقة من هذا المسلسل".. وفي تمثيلية "الولادة الجديدة" التي تتحدث عن حرب تشرين التحريرية أدى الفنان الراحل دوراً متقلباً بين النوازع الأنانية والطبيعة الإنسانية الأصيلة التي تظهر في أوقات الشدة .
وفي مسلسل "ذئب السيسبان" الذي قُدِّم في النصف الأول من الثمانينيات ضمن موجة الأعمال التلفزيونية المعاصرة الناطقة بالفصحى التي ازدهرت آنذاك قدم الفنان الراحل دوراً مشهوداً إلى جانب الفنان أديب قدورة .
يعقوب أبو غزالة بصوته الجهوري وإطلالته الواثقة سيبقى في ذاكرة الفن الدرامي في سورية كواحد من أبرز معالمه .