عامل النظافة...بقلم آرا سوفاليان
في كل مرة ابحث في ذاكرتي عن شيء ضائع فلا أصل اليه فأنساه، ليأتي غيري ويذكرني به وبالطبع فإن الهدف نبيل وللسابق الفضل في تسليط الضوء على أمر قد يضيع مني فلا أفطن اليه.
كتب الفنان طوني الخوري على لوحة جميلة العبارة الآتية: "سنصبح بشراً عندما نحترم عامل النظافة كما نحترم الطبيب"
فأدركت ما ضاع من ذاكرتي فكتبت تحت هذه اللوحة تعليق مختصر وألهمتني هذه اللوحة ان أكتب ما يلي:
بل أكثر بكثير لأن عامل النظافة يمنع عنا المرض وبالمجان والطبيب يأتي بعد أن نمرض ويُمرض جيوبنا...وهناك من يتصور أننا فئران تجربة فيجرب ويجرب ويجرب فيكون الطبل والزمر في بعلبك والدبكة في زحلة وشتورة، فنقبل بقضاء الله وقدره ونتعايش مع المرض وننسى وهذا أرحم وأفضل بكثير من الدخول الى عشرة صيدليات والحصول على نفس الجواب "هذا الدواء غير موجود" ليكون الدواء موجود ولكن خط الطبيب غير قابل للقراءة والصيدلي لا يريد الاتصال بالطبيب لكي لا يضع الثاني نقطة على الأول ولكي لا يضيع الأول وقته ويخسر مكالمة...وتبقى في هذه المعمعة حتى يضع الله في طريقك صيدلي ابن حلال ينبئك بالحقيقة ويطلب منك العودة واستبدال الوصفة بأخرى تكتبها الممرضة بدلاً من الطبيب وهذا أفضل بكثير...وقد حدث ذلك معي عندما ارسلت وصفة مستعجلة وتحوي ادوية أجنبية الى لبنان مع سائق تكسي وكان جواب الصيدلي اللبناني: آسف قل لصاحب هذه الوصفة أنني لا أجيد الهيروغليفية.
وعامل النظافة في بلاد الغرب يعامل كالطبيب وقد خرج أحد متعهدي ترحيل القمامة في نيويورك على شاشة التلفزيون وأدلى بالتصريح الآتي: أحبائي سكان نيويورك الأكارم لا تنسوا انني استطيع اغراق مدينتكم بالزبالة إذا طلبت من عمالي الاضراب لمدة ثلاثة أيام فقط.
اما عندنا فتتم معاملة عامل النظافة بطريقة لا انسانية ويتم احتقاره على كل الصعد فعلى صعيد الجهة التي تشغّله تقول له انت معفى من تقديم شهادة لا حكم عليه عند التعيين، وبهذا تذكره بأنه مواطن من الدرجة الثانية وعليه القبول بالشروط التي تفرض عليه وأهمها الراتب المتدني واجباره على استعمال المكنسة اليدوية لتكنيس بضعة كيلومترات في اليوم الواحد تحت طائلة العقوبة والقصاص في حين تمت وفي كل دول العالم مكننة هذا العمل الشاق، مما يجبره على الدعاء لأصحاب السيارات ليتصدقوا عليه، ومنهم من يصعد الى البنايات يحمل اكياس الزبالة من امام ابواب البيوت لقاء دريهمات ويجلب اولاده لمساعدته.
ويتم الاستهتار بانسانية عامل النظافة عندنا الذي يجبر على ابعاد عربته ليفسح مجال للسيارات حتى تقف وهناك من الأندال من يهجم بسيارته على عربة عامل النظافة ويده على الزمور فيترك عامل النظافة عمله ويأتي ليبعد عربته ويضعها في نصف الشارع معرضاً نفسه للخطر ليمنح مكان العربة لشخص أرعن ومسيء وبدون أخلاق وغير متحضر...وهذه رأيتها بعيني كثيراً...بالفعل... "سنصبح بشراً عندما نحترم عامل النظافة كما نحترم الطبيب"
آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
دمشق 08 10 2012
arasouvalian@gmail.com