الْعِلْمُ وَالْفَنُّ بَيْنَ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ
للدكتور محمد جمال صقرما أكثر مَنْ يَدَّعون علم شيء، فإذا سألتهم أن يُعَرِّفوه قالوا: علم الشيء هو معرفة حقيقة ماهِيَّتِه. فإذا ذهبت تستزيدهم زادوك حقيقة، ثم ذكروا حقيقة أخرى فزادوك من غير أن تستزيدهم، ثم ذكروا ثالثة ورابعة وخامسة...، حتى حاروا في ماهيته! ولو وقفوك على وجود علم الشيء وجودا مُتَحَرِّكًا، بين تعلم حقائق ماهيته وتعليمها- لاطْمَأَنّوا وطَمْأَنوك!إن العلم كِيان خَفِيٌّ مُطْلَقٌ، يكون ويتزايد بعَمَلَيِ التَّعَلُّمِ والتَّعْلِيِم جميعا معا، ويتناقص إذا نقصا، حتى يزول إذا زالا! مثله مثل صِهْرِيجٍ مُحْكَمٍ إلا من مدخل المياه ومخرجها، إذا انقطع الداخل انقطع الخارج، ثم جف الراسب- وإذا اتصل الداخل وانقطع الخارج احتشد الراسب حتى ينقطع الداخل أو ينفجر الصهريج نفسه!وفن الشيء كعلمه، معرفة حقيقة ماهيته، تتزايد بين يدي مُعَرِّفِه حقائق تلك الماهية، ويحار، حتى يعرفه بين تَعَلُّمِه وتَعْلِيمِه- غير أن مسلكيهما مختلفان؛ فإن العلم يجرى على تحصيل مقدمات عن الشيء، ثم ترتيبها على منهج خاص، ثم إنتاجها نتائج هادئة طبيعية واجبة التقدير- فأما الفن فيشق الغيب عن النتيجة شقا ثائرا غريبا مدهشا، بلا مقدمات ولا ترتيب ولا إنتاج!وكل شيء في هذا الوجود، فله علمه وفنه، رفيعا كان هذا الشيء ككل فضيلة أو وضيعا ككل رذيلة، وماديا كان كحركة الحيوان أو معنويا كلغة الإنسان؛ ومن ينبغي أن يُطْلَب فَنُّه وعِلْمُه بين عَمَلَيْ تَعَلُّمه وتَعْلِيمه، وإلا بقي الطالب حيران، يَتَلَفَّت فيَتَفَلَّت منه الزمان!
أ . د . محمد جمال صقر