الرماديون..!!انسجاماً مع «تقدم» العرب إلى عصرهم الجاهلي الجديد، وعودتهم الميمونة إلى حمى قبائلهم وطوائفهم، يعود إلى الواجهة علم الأصول والأنساب، باعتباره ابناً شرعياً لهذه المرحلة، والعلم الأهم في عصر إثبات التفوق على مبدأ «كان أبي» وليس «إنما الفتى»، ولعل أحد أهم الأسئلة التي تواجهه، ويحار فيها «فقهاؤه» وعلماؤه، هو السؤال حول أصول إحدى أكبر القبائل «عدداً» في بلاد العرب هذه الأيام، وهي قبيلة الرماديين، التي لا تني تكبر وتتوسع، ليس بالنسب الطبيعي كما يفترض، بل بالضم والإلحاق والتبني، لكل من يجد في هذه القبيلة و«مبادئها» وحجمها الكبير، خير موئل، وأأمن منزل، وأسلم رقبة.
ومثل كل القبائل التي فشا فيها الاختلاط، وانتشر في جنباتها الغرباء، فقد حاولت أن تجد «شجرتها» الخاصة، وبالطبع لا بد من أن تكون ذات جذر عريق يجمع الشرف والسؤدد معاً، فادعت أن نهاية نسبها يصل إلى قبيلة الحكمة، وأن «الممارسة»، لا الوثائق المكتوبة، تثبت لها ذلك، وأصبح كل «رمادي» منها يدعي أنه حكيم بالأصل والنسب، ويرفع هذه «المعلومة» في وجه كل من يسأله أو يسائله.
ولكن هذا الأمر لم يثبت عند أهل العلم من المفسرين والراسخين في علم الأجناس والأقوام، حيث مال أكثرهم، في اجتماعهم الدوري الأخير، للقول بأن «الرمادي» هو غير الحكيم، ولا يمت له بصلة، فالحكيم، بالتعريف، هو من لا ينطق بقول أو رأي إلا بعد تبصر ودراية، لذلك يكون لكلامه حد السيف، فهو عاقل بالضرورة، أما الرمادي فلا رأي له ولا دراية، وهو لا ينطق، إذا نطق، بقول أو رأي مفهوم، إلا بعد أن تميل الكفة إلى طرف، ويتيقن من استتباب الأمور لصالحه، فحينها تنفلت عقدة لسانه بالدجل والمراءاة، فهو انتهازي بالولادة والطبيعة.
بهذا المعنى، فإن الحكيم هو من يدور مع الحق كيفما دار، أما الرمادي فهو يوزع ابتساماته على الطرفين ثم ينحاز إلى المنتصر والقوي ولو بالباطل، فيدور معه حيثما يدور.
ومع ذلك لم يبخس العلماء الرماديين حقهم، فاعترفوا في مطالعتهم، بأنهم طائفة عريقة ذات جذور ممتدة في عمق التاريخ، وفي هذا المجال يقول النسابون: إن نسب الرماديين ينتهي إلى رماد بن هباء، وهو رجل من بني يعرب بن قحطان وعدنان معاً، وتلك ميزة لم تتوفر لأحد قبله، وفي رواية أخرى، أن رماداً ليس اسمه، بل هو لقب أطلق على رجل شهد في تاريخ سحيق، مشكلة بين رجلين، وحين انتصر أحدهما مال إليه، ووقف بجانبه شاتماً الآخر، مقذعاً فيه، ولكن الكفة عادت لتميل لصالح الطرف الآخر، فتطاير كالرماد إلى الجانب الآخر، ليشتم ويقذع في صاحبه القديم، فاستحق اسمه الجديد، واستحق أن يؤسس ويترأس هذه الطائفة التي تناسل أفرادها وتكاثروا ليصبحوا من أكبر القبائل عدداً وأضعفها قوة، وأقلها قيمة ومقداراً، حتى لينطبق عليهم قول الرسول الكريم: "الناس كالإبل ترى المئة لا ترى فيها راحلة".
ومن صلب رماد هذا خرج الكثير من «الأعلام»، منهم وربما أهمهم صاحب المثل الشهير «مين ما أخد أمي بقلوا عمي»، وأمثاله كثيرون، وهم موجودون في كل مكان، وكل زمان، وبعضهم يحتل مناصب مهمة في مكان عمله، لا يؤثر فيه تغير العهود، ولا تبدل المدراء والرؤساء، ويعيش ويموت على دين واحد: «مات الملك عاش الملك».
ولأن الحق أجدر بأن يتبع، فعلينا الاعتراف أن بعض هؤلاء ذرب اللسان فصيحاً كاتباً، لكن على ميل إلى الحداثة بجانبها السريالي، تقرأ له في مسألة ما فلا تعرف أين يقف، ولا يمكن لك مهما استخدمت من أدوات «دريدا» في التفكيك، أن تمسك عليه ممسكاً أو تضبطه في موقف واضح من قضية ما، وقد حذر منهم الرسول الكريم عندما قال: «أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان»، وهو لا يفيد ولا ينفع، ولكنه يسبب ضرراً كبيراً، ففي أوقات الراحة والدعة، يقاتل كي يحتل أرفع المناصب وأعلاها، ساحقاً كل من يجده في طريقه، وعندما تدور الرحى، ويلتقي الجمعان وتبرز «أم قشعم»، بطلتها البهية، فإنك لا تراه، ولا تسمع منه، فتكون قد خسرت مرتين الأولى حين استبعدت من استبعدت لأجله، والثانية حين وضعته على تلك الكرسي، فيبدو مكانه شاغراً، يمكن لفيلق من الأعداء أن يمر منه، ويدخل عن طريقه.وأكثر من ذلك إذا رأى الكفة تميل لعدوك، أعانه عليك، وكان له سنداً وعوناً، ولسان حاله يقول: «نريد تحرير فرنسا بآخر جندي بريطاني».
وبالرغم من تكاتفهم الظاهري الموضوعي، وتجمعهم مع بعضهم البعض، في الزوايا والغرف المغلقة، على مبدأ «المرء مع من أحب»، إلا أنهم لا يرعون لبعضهم خلة ولا زماماً، لا لسبب سوى ثباتهم الراسخ على مبادئهم، وخاصة مبدأ الطعن بالظهر، لذلك فإن الواحد منهم إذا لم يجد من يستغيبه، وتلك حالة نادرة، فإنه لا يجرؤ على إدارة ظهره للمرآة خوفاً من أن يستغيب نفسه.
والحال، فإنها طائفة تكبر عندنا اليوم، وتنمو بين ظهرانينا على رأس السطح كما يقال، وتتزايد وتتوالد وفق متوالية هندسية، أين منها توالد الأرانب والجراء، وتفتح أمامها كل الأبواب، لكنها «كغثاء السيل»، وإلا من يفسر لنا خلو معظم «المفاصل والمناصب» من «الفاعلين» رغم وجود رجال ونساء على سدة كراسي المسؤولية في مؤسسات الدولة الكثيرة..!!.


أحمد حسن

http://www.albaath.news.sy/user/?id=1378&a=121878