بسم الله الرحمن الرحيم

الكوشر ( Kosher)

هل هو مجرد منتجات من اليهود لليهود؟!


رمزٌ صغيرٌ على عددٍ كبيرٍ من المنتجات الغذائيَّة المُستورَدة من الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، والموجودة في كافَّة الأسواق العالمية... إنها (فخر الصناعة الأمريكيَّة) الممهورة بدائرة صغيرة، بالكاد ترى فيها حرف (U) أو (K) هي عبارةٌ عن علامات تصنيفيَّة للبَضائع، لكنَّ الكثيرين يجهَلُون مَعاني هذه الإشارات، فمنهم مَن يظنُّ أنها (ماركة مسجَّلة) أو رمز للشركة المنتِجة أو غير ذلك!

(كوشر) كلمة عِبريَّة الأصل معناها الحرفي يشيرُ إلى كلِّ ما هو صالح وشَرعي، وهي تُستَخدم لتدلَّ بشكلٍ عام على كلِّ ما هو مُتعلِّق بأصناف الطعام الذي يأكُله اليهود، المحلَّلة دِينيًّا والمعدَّة وفقًا لتعاليم الشريعة اليهوديَّة.

ونتيجةً لتمسُّك جزءٍ كبير من اليهود بمثْل هذه القوانين والتشريعات ظهرت شريعة (الكوشر) الغذائيَّة اليهوديَّة، والتي ظَلَّ يتمسَّك بها اليهود منذُ ثلاثة آلاف عام تقريبًا، وهي شريعةٌ تتَّسم بقَدرٍ كبيرٍ من التعقيد والاتِّساع، وتهدفُ في مُجمَلها إلى إرشاد اليهود إلى أنواع الطعام التي يحلُّ لهم تناولها دِينيًّا من تلك المحرَّمة.

قوانين صارمة:
ففيما يتعلَّق باللحوم - مثلاً - المسموح به الثدييات التي تجترُّ طعامها وما هو مشقوق الحافر منها، ويحرم أكلُ لحم الخنزير والأرنب والحصان.

ومن الطيور المباحة: الدجاج والبط والأوز، كما اتِّفِقَ على تحريم أكل البوم وأبي قردان.

أمَّا الأسماك فقد وُضع معياران لتحديد نوعيَّات السمك التي تتَّفق مع شَرائع وتعاليم (الكوشر):
(أولها): يجب أنْ يكون لدى السمك زعانف وحراشيف؛ وعلى ذلك فإنَّه محرَّمٌ تناولُ المحار والسرطان والكابوريا.
(وثانيها): يحظر على اليهود تناوُل قط السمك أو ثُعبان السمك أو الجمبري أو الأخطبوط.

ولا تعدُّ اللحوم الممتزجة بمنتجات الألبان من (الكوشر) على الإطلاق؛ إذ يحرُم بتاتًا القيامُ بطبخ اللحم والحليب معًا بأيِّ شكلٍ من الأشكال، أو تناول الأطعمة التي تشتملُ عليهما، أو الحصول منهما معًا على أيِّ منتجٍ غذائي.

وكوسيلةٍ لاتِّقاء الوقوع في هذا الأمر المحظور يمنعُ حاخامات اليهود تناوُل اللحم مع أيِّ منتجٍ من منتجات الألبان في وجبةٍ واحدة، أو إعدادهما في نفس الإناء، كما أنَّه يتعيَّن على الشخص الذي تناوَل لحمًا أنْ ينتظر لمدَّة ست ساعات بعد أكْله حتى يُمكنه تناول أيٍّ من منتجات الألبان.

ومن الشروط الأساسيَّة التي يجبُ الالتزامُ بها لجعْل الطعام مُوافقًا لشَريعة (الكوشر) أنْ يتمَّ طهوه في أوانٍ مُخصَّصة لهذا الغرَض فقط (أواني الكوشر)، فأواني الطعام التي تُستَخدم في طهي المنتجات التي تخالف شريعة (الكوشر) لا يمكن استخدامُها في طهي أطعمة (الكوشر)، ولجعْل هذه الأواني صالحةً لإعداد طعام (الكوشر) ينبغي أولاً أنْ يتمَّ إجراء عَمليَّة تنظيف شاقَّة لها، تشتملُ على تنظيفها بالماء شديد السُّخونة أو تعريضها لحرارةٍ شديدة.

من التقاليد المنزليَّة إلى المجالات الصناعيَّة:
مع بداية القَرن العشرين بدَأتْ في أمريكا بعضُ المصانع الصغيرة المملوكة لبعض اليهود في إنتاج موادَّ غذائيَّة تخضع لقوانين (الكوشر) بعد أنْ بدَأتْ أعداد أفراد الجالية اليهوديَّة في أمريكا في التَّزايُد والنموِّ بشكلٍ ملحوظ، إلا أنَّ العلامة الفارقة في تاريخ تطوُّر (الكوشر) تمثَّلت في بدء أكبر الشركات الأمريكيَّة لتعليب وإنتاج الأطعمة المخللة، وهي شركة (هينز)، بتقديم وتسويق نوعٍ محدَّدٍ من منتجاتها يخضَعُ لقَوانين (الكوشر) الصارمة، وفي محاولةٍ منها لتسهيل عمليَّة التعرُّف على هذا النوع المعيَّن من المنتجات على اليهود، قامت الشركة بوضع علامة معيَّنة عليها تبين أنها (كوشرية) قلبًا وقالبًا.

غير أنَّ أفراد (اتحاد اليهود الأرثوذكس) في أمريكا اقترحوا على الشركة وضع العلامة (OU) على مثل هذه المنتجات بدلاً من العلامة التي كانت تضَعُها الشركة بنفسها؛ بِحُكم أنَّ هذا الاتحاد أعطى لنفسه حقَّ المراقبة والتأكُّد من مُراعاة قوانين (الكوشر).

ومع ولادة هذه العلامة على يد (اتحاد اليهود الأرثوذكس) ولدت أيضًا ممارسة فرض ضَرِيبة مُعيَّنة، يتعيَّن على الشَّركات دفعُها حتى تَحظَى بِمُبارَكة ومُوافقة الحاخامات، وهي ضريبةٌ تدرُّ عشرات البلايين من الدولارات في جيوب اليهود، وهي في تَزايُدٍ يومًا بعد يومٍ.

حقائق وأرقام:

حسَب بيانات مؤسسة التسويق الأمريكية (Integrated Marketing Communications) للعام 2001:
هناك 65 ألف منتجٍ غذائي مُرخَّص (كوشر) في السوق الأمريكيَّة.
هناك تقريبًا 14 ألف منتج مُرخَّص (كوشر) تُباع في جميع (السوبر ماركت) الأمريكيَّة الكبرى.
هناك 9200 شركة تقومُ بتصنيع مُنتجات مُرخَّصة (كوشر).
ما يقرب من 2500 منتج جديد مُرخَّص (كوشر) يتمُّ إنزالها إلى الأسواق سنويًّا.

كما أنَّ (اتحاد اليهود الأرثوذكس) في الولايات المتحدة، وهو أحد الهيئات التي تملكُ ختم (الكوشر) - يقومُ بمراقبة (4500) مصنع تابعة لأكثر من 2400 شركة في 68 دولة، ويعملُ تحت إدارته 500 حاخام.

بل تُوجد تقريبًا 300 منظمة مُراقبة يهوديَّة لتقديم ختم (الكوشر) في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة وحدَها.

وبلغت قيمةُ استهلاك المنتجات المرخَّصة (كوشر) تقريبًا 150 مليار دولار هذا العام، بينما لم تكن تتعدَّى 250 مليون دولار قبل 25 سنة!

يُمثِّل استهلاك اليهود من المنتجات المرخَّصة (كوشر) نسبة (45%)، أمَّا الباقي (55%) فيستهلكها المسلمون (20% أي: تقريبًا 30 مليار دولار)، النباتيُّون والمنحدرون من حوض المتوسط (10%)، وطائفة اليوم السابع المسيحيَّة وبقيَّة الطوائف والعامَّة (25%).

هل الكوشر مسألة دينيَّة فقط؟
الكوشر هو حقًّا مسألةٌ دينيَّة فقط، ولكنَّ إعطاء الرخصة لا يتوقَّف عند هذه الحدود؛ فثمن الترخيص بأنَّ الطعام (كوشر) هو نسبةٌ مئويَّة من أرباح كلِّ بضاعة مُرخَّصة، ومع أنَّ المستهلِكين لا يُلاحظون زيادةً على سِعر هذه البَضائع بعدَ زيادة تلك النِّسبة، إلا أنَّ الحجم المذهل لمجموع البَضائع المرخَّصة والمَبِيعة في كافَّة أنحاء العالم، من اللَّبَنِ إلى رَقائق الألمنيوم المعدنيَّة، فمُزيل الرَّوائح الكريهة يبلُغ دخلُه 45 بليون دولار سنويًّا، والحال أنَّ المنظَّمات التي تُعطِي هذه التراخيص مثل (اتحاد اليهود الأرثوذكس) أو (مجلس الحاخامات اليهود) تُمثِّل الجاليات المحافظة اليهوديَّة، وهي الجاليات الأكثر تأييدًا للصِّهيَوْنيَّة في الوقت نفسه؛ ولذلك تذهبُ أموال الترخيص في مُعظَمها إلى أحبِّ الدول إلى قَلبها (إسرائيل).

وعلى موقع الإنترنت الخاص به يضع (اتحاد اليهود الأرثوذكس) مجموعةً من رسائل جاهزة بانتظار التَّوقيع عليها، منها ما هو لدعم سِياسة أمريكا ضد الإرهاب وضد العرب، وبوسع المرء عن طريق موقع الإنترنت الخاص بالاتِّحاد كتابة رسالة إلى الرئيس الأمريكي لشُكره على حملته على الإرهاب في أفغانستان، ورسالة استنكارٍ لقَرارات الأمم المتَّحدة ضد إسرائيل، وأخرى تطلب وضْع مُؤسَّسات منظمة التحرير الفلسطينيَّة على لائحة الإرهاب.

يُذكر أنَّه من بين الأغذية التي أُرسِلت للجنود اليهود في العراق، مواد تبرَّع بها (مهرجان الكوشر)، وهو المعرض التجاري الدولي لخدمات وأغذية (الكوشر) في نيويورك، التي تُعتَبر - بعد إسرائيل - أكبر مُنتِج ومُستهلِك لهذه الأغذية، ويبلُغ حجم سُوقها ثلاثة بلايين دولار، كما أفاد مكتب (جورج باتاكي) حاكم ولاية نيويورك.

وكان (باتاكي) قد صرَّح في آب عام 2002، وبمناسبة الإعلان عن نقْل هذا المعرض من (نيوجيرسي) إلى (نيويورك) صرَّح بقوله: "عندما نُركِّز على أغذية الكوشر نقومُ في الوقت نفسه بتسليط الضوء على الدولة اليهوديَّة، وهو أمرٌ حيوي في هذه الفترة التي تُعانِي فيها إسرائيل من الهجمات الانتحاريَّة الإجراميَّة، ومع اقتِرابنا من عيد رأس السَّنة وصَلاتنا من أجل السلام في الشرق الأوسط، فإنَّ على سكان نيويورك أنْ يقوموا بكلِّ ما في وسعهم لإظهار تكاتُفِهم مع إسرائيل".


رابط الموضوع: الكوشر... هل هو مجرد منتجات من اليهود لليهود؟! - ثقافة عامة وأرشيف - موقع ثقافة ومعرفة - شبكة الألوكة