الانتخابات.. وقانون «جريشام»


بقلم الأستاذ / جمال البنا ٩/ ١١/ ٢٠١١

كلنا يعرف الانتخابات، فنحن نعيشها، ونصطلى بها، وتواتينا الصحف بأنبائها ليل نهار، أما «جريشام» فقد كان وزير مالية الملكة اليزابيث الأولى فى النصف الأول من القرن السادس عشر، وكان رجلاً ذكياً قوى الملاحظة، لفت نظره ظاهرة لا تثير شيئاً فى الرجل العادى، تلك هى أنه ما إن يتوفر لفرد ما عملة جديدة وأخرى رديئة حتى يكون همه الأول التخلص من العملة الرديئة، وهو تصرف طبيعى، ولكن جريشام لاحظ أن ذلك يجعل العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق، لأن صاحب العملة الرديئة يصبح همه الأول التخلص منها فيدفع بها عند أول مشتر، ويقبلها البائع متأففاً ولكنه بدوره يسارع بالتخلص منها عند أول شار، وكل واحد تصل إليه هذه العملة يعمل للتخلص منها فتكون النتيجة هى انتشارها بين أيدى الناس، أما العملة الجيدة فهى فى المحفظة أو «تحت البلاطة».

ولاحظ جريشام أن هذا المبدأ لا يقتصر على العملات، لكنه يشمل كل شىء، وفيما نحن بصدده فإنه يمكن أن نقول إنه الذى يحكم الانتخابات بامتيـــاز، ومن الألف إلى الياء.

ذلك أن الانتخابات «مولد» أو «معرض»، أو هى سوق يأتى كل واحد بسلعته الرديئة فيتخلص منها بحيث يمكن القول «إن المرشح الردىء يغلب المرشح البرىء».

الانتخابات مجمع يخضع لكل المؤثرات الحسية التى تؤثر على الإنسان، فإن الأعلى صوتاً الذى يَعد الوعود ويضرب الأمثال يغلب الخطيب الذى يستخدم المنطق، ولا يلجأ للصوت المرتفع أو الحركات المؤثرة.

ولو دخل سقراط محفلاً انتخابياً لتركه الناس ولتجمعوا حول شكوكو.

الانتخابات أصبحت صناعة لها أصول، ولها مهارات، وتعتمد بالدرجة الأولى على الأموال، فمن لم يكن يملك بضعة ملايين فليتنح لأنه لا فرصة له فى النجاح.

الانتخابات تتطلب الاجتماعات والسرادقات، وتتطلب اليافطات والصور، وتتطلب المرور على المقاهى لإعطاء كل مقهى إكرامية، أو قد يتطلب الأمر عقد صفقات تصل إلى الألوف.

الانتخابات غرضها هو أن يكسب المرشح فهى دعوة ذاتية لا صلة لها بالموضوعية، المهم فيها هو أن ينجح المرشح بأى ثمن وبكل ثمن، ومثل هذا لا يكون لحساب القيم، أو الوطن.

بالاختصار.. إذا دخل الانتخابات مرشحان: مرشح صريح.. صادق.. لا يدعى.. وهو فى الوقت نفسه مقتصد فى الإنفاق لا يدفع باليمين والشمال، ومرشح كاذب.. منافق.. مُدع.. يُنفق على المقاهى والتكتلات ويشترى الأصوات، فمن المؤكد أن المرشح الثانى هو الذى ينجح فى الانتخابات، ففى قانون الانتخابات يطرح المرشح السيئ المرشح الجيد.

■ ■ ■

لقد كانت رغبة الشعب فى أن يحكم نفسه بنفسه ولنفسه، هى التى انتهت إلى الانتخابات، فقد ظهر أنه لا يمكن أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، حتى فى أثينا وليست هى أكثر من مدينة، فإنها عندما أرادت أن تحكم نفسها بنفسها، استبعدت أكبر كتلتين سكانيتين (النساء والرقيق) وأصبح الأمر مقصوراً على الذكور الأحرار الذين يبلغون سناً معينة، كما وضعت نظماً صارمة لتنظيم المناقشة».

على أن الأمم عندما أصبحت دولاً قومية يُعد أفرادها ملايين فإنها تعجز عن أن تحكم نفسها بنفسها، ولا يمكن أن يتولى الشعب حكم نفسه بنفسه إلا بطريق الانتخابات، وبهذا استبعد هدف البشرية فى أن تحكم نفسها بنفسها، وحلت محلها الإنابة، أى أن ينيب عدد من السكان شخصاً ينوب عنهم ويمثلهم فى الحكم، ومن هنا اكتسبت الانتخابات أهميتها باعتبارها الوسيلة لإبراز «نواب الشعب».

وتعالوا معنا لنرى النتيجة الأخيرة التى تمخضت عنها هذه المعارك التى نشبت فى كل «دائرة»، والاجتماعات التى تتوالى فيها الوعود، والأموال التى تنفق، وقيل إن من جوائزها رحلة العمرة والخراف وجائزة مالية وأجهزة يابانية (المصرى اليوم ٧/١١/٢٠١١م).

إذا كان عدد سكان مصر ٨٠ مليوناً فإذا استبعد منهم الأطفال ومعظم النساء ومعظم الشيوخ فيبقى الذين يحق لهم الانتخاب فى حدود ثلاثين مليوناً، وهؤلاء هم المفروض أن يسجلوا فى سجلات الانتخابات، ولكن الإهمال والتثاقل سواء من الأفراد أو من البيروقراطية يجعل هذا العدد فى حدود ٢٧ مليوناً، وتشير كل الدراسات إلى أن نسبة الذين يحضرون التصويت تتراوح ما بين ٣٠% و٦٠%، وهذا العدد سيقسم على عدد المرشحين لعضوية مجلس الشعب، بحيث لا ينال الحزب الذى سيتولى الحكم إلا نصف هذه الأعداد، ففى أى منطق يمكن أن يُقال إن هذه ديمقراطية، وإن الشعب يحكم نفسه عن طريق مندوبيه.

من الزاوية الإسلامية فلا جدال أن معظم ما يقومون به هو «رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» يقول الله «فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ»، بينما محور الخطابات والكتابات هو تزكية فرد لنفسه باعتباره «ابن الدائرة».. «المحسن الكبير»، يقول الرسول «طالب الولاية لا يُولىَّ»، فى حين أن العملية الانتخابية هدفها الوصول إلى المنصب وحرمان الآخــر منه، ويقول الله تعالى «أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، بينما تقول الانتخابات «إن أكرمكم عند الله أكثركم مالاً وأعلاكم صوتاً، وأكثركم فى الادعاء، وأكرمكم عند الدفع والرشا».

لا تقولوا «إنما نريد وجه الله.. وتطبيق الشريعة»، فإن ذلك له آداب أخرى ووسائل أخرى.

لا أريد أن أختم مقالى بقنبلة.

بعد هذا كله.. يمكن القول بأن هذا النظام بأسره ليس هو الأمثل.

ولست أنا الذى أقول هذا، ولكن أفلاطون وأرسطو اللذان رفضا الديمقراطية الأثينية، ولم يريا فى حكم «الأصوات» Rule by votes صورة للديمقراطية، ولكن الديمقراطية لديهما هى الحكم بالقانون Rule by law.

ولكن تلك قصة أخرى.


■ ■ ■


من «النت»:

- د. طارق حجى يلخص لنا بالإنجليزية ثلاثة عشر أثراً سيئاً سوف تتحقق عندما يسيطر الإخوان على السلطة.

- صداع الآباء والأمهات حول حضانة الأطفال هل له حل، الآباء يعرضون وجهة نظر، والأمهات يعرضن وجهة نظر.. كيف بالله يمكن الفصل فى مثل هذا الأمر «الخاص جدًا».. «العاطفى جداً».. وإذا كان القلة من الآباء والأمهات يسيئون؟ فكيف نميز هؤلاء من أولئك؟

- الدكتور أحمد مختار مرسى استشارى ورئيس قسم أمراض النساء ونائب مدير مستشفى القبارى يكتب عن «السقف» ويعنى به السقف الذى وصل إليه سقف الأجور الكبرى:

«فى مصر يا سادة أكثر من ١٠٠٠ موظف حكومى يحصل كل منهم على مليون جنيه – وربما أكثر – شهرياً أى ما يزيد على ١٢ مليار جنيه سنوياً، وهناك عدد من الموظفين يحصلون على أقل من مليون بحد أدنى ٥٠٠٠٠ جنيه شهرياً مجموع دخولهم السنوية قاربت ٤ مليارات جنيه، وبحسبة بسيطة يكون مجموع ما تحصل عليه هذه الحفنة من الموظفين ١٦ مليار جنيه سنوياً، ناهيك عن الآلاف الذين يحصلون على أقل قليلاً من ٥٠٠٠٠ جنيه شهرياً وهم خارج الحسبة باعتبار أن ما يحصلون عليه يعتبر فتاتاً بالنسبة لمبلغ الستة عشر مليار جنيه القادرة بعون الله على نزع أرضية الأجور من مكانها والصعود بها للأعلى، والقادرة على تشغيل الآلاف من خريجى الجامعات الذين يعانون الآن من نقص عدد الكراسى بالكافيهات والمقاهى بالنسبة لعددهم.

ونحن لا ندعو أبداً إلى تقييم الوظائف القيادية والعليا تقييماً لا يليق بها ولكننا ننادى وبشدة ألا يترك الحبل على الغارب، وأن نرى دائماً أمام جميع المستحقات الخاصة بهذه الوظائف كلمة (بحد أقصى.....) على أن نوفر المبالغ الباقية لرفع الحد الأدنى للوظائف العادية، وتشغيل أبنائنا من الخريجين».

- قرابة ٢٠٠٠ من العاملين بمكتبة الإسكندرية سيواصلون إضرابهم.. مثل هذه القلة الممتازة التى تعمل فى مجال الثقافة لماذا تضرب؟ إن الدكتور سراج الدين يُعنى باجتماعات إدارية.. مظهرية.. يُنفق عليها الملايين، وتطبع طباعة فاخرة كأنما تضم مآثر الأعمال، لماذا يوجد أعداد كبيرة من الموظفين يعملون بعقود مؤقتة؟ ولماذا ينحط مستوى الأجور؟ بينما الخير كثير وينهال على المكتبة من كل العالم، إن الرد على هذا التساؤل هو أن السيد الأستاذ الدكتور المدير العام لا يعلم أن للمكتبة حساباً بأحد بنوك مصر، يضم عدة ملايين كانت تغرف منها سوزان مبارك، وقد أقسم المدير العام أنه لا يعلم عن هذا الحساب شيئاً، فهل سمعت بمثل هذا المدير؟

--
موسى الفقي