جميلة صيدم:
كتبها:
م.زيادصيدم
حين رن هاتفي المحمول ليأتيني بالخبر الصاعقة على نفسي.. كنت أتابع برنامجها الأخير قبل حلول شهر رمضان المبارك والذي ختم بيوم تكريم القائد أبو صبري في بلدة " بيت فوريك " قضاء نابلس التي شهدت أكبر معارك التحامية مع الصهاينة لساعات ممتدة حيث كانت المجموعة الفدائية بقيادة زوجها الذي رحل قبل أربعة عقود وما تزال ذكراه ماثلة لرمزية القائد المحب والعاشق لتراب فلسطين وسيرته العطرة في نفوس المقاتلين وأجيال الثورة والفتح المتعاقبة...
اغرورقت عيناى بدمعة لاهبة في صيف حارق لم استطع منعها.. فقد مرت بمخيلتي هذه المناضلة منذ أن تعرفت عليها لأول مرة في العام 81 في بيتها بدمشق قبل سفري بعام ونيف للدراسة وكان حينها ولديها صبرى ونسرين في المرحلة الثانوية...لحظات مرت فتذكرت صدى صوتها على هاتفي قبل شهر بينما كنت أرافق ابني يوسف في المستشفى جراء حادث اعتداء آثم تعرض له طعنا بسكين غادر كانت تسأل عن صحته وأحواله بصوتها العطوف ..وكلماتها المشجعة لي .. حتى اطمأنت على حالته تماما .. غاب صوتها ولم تغب سيرة حياتها الحافلة التي واكبت بعضا منها سواء في مخيمات اللجوء في لبنان أو في سوريا وفى قطاع غزة لاحقا حين قدمت إلى ارض الوطن بعد اتفاقية أوسلو لبناء الدولة الفلسطينية ومؤسساتها مع بقية المخلصين وعلى رأسهم الشهيد المدرسة والرمز أبو عمار...

تعرفها النسوة على امتداد مخيمات اللجوء الفلسطيني..باليد الممدودة إلى العوائل واسر الشهداء ليس كمنة وإنما كمبدأ وأحقية على مؤسسات السلطة فتنتزع لهن ما استطاعت من حقوق ..لأنها الإنسانة قبل أن ترث على كاهلها تراكمات سنين طويلة امتدت لأربعة عقود متواصلة من العطاء والعمل والنضال الوطني الحافل..فمنذ البدايات للثورة كانت تبنى الأطر النسوية في كل البلاد العربية حيث تتواجد مخيمات اللجوء فيها..وهنا في قطاع غزة خاضت انتخابات المجلس التشريعي وفازت ضمن كتلة فتح وكانت في مكتبها في الوسطى تحتك بالجماهير لتستمع إليهم عن قرب وقد أنجزت كثير من المنجزات لمشاريع صغرى للنساء خاصة بتحصيلها التمويل اللازم ...
تذكرت لحظة الانتخابات وكنت مرافقا لها في تجوالها على الدوائر الانتخابية مع بعض الإخوة المقربين .. وكم كانت سعادتي بان أكون إلى جانبها بين الناس والجماهير في محافظة الوسطى في قلب قطاع غزة.. وفى تلك الأثناء وقع صوتها بنبرة حادة على أذني تطالبني بأنه لابد وان ننقل الطعام إلى الإخوة والأخوات اللذين تعبوا في لصق الملصقات والدعايات الانتخابية فأجبتها بان هناك مكلف بهذا ولابد وانه قام بعمله.. فأصرت أن تذهب بنفسها للإطلاع.. فأيقنت باني أمام امرأة إنسانة ليست كأي إنسانة أخرى..
يا الاهى.. وتلك الحادثة في مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني في بيروت عندما علا صوتها على بعض المسئولين حين لجأت إليها احد النسوة مستغيثة لأمر لا أتذكر تفاصيله الآن إلا أن صوتها مؤنبا بحدة لذاك الرجل حتى كاد أن ينهار أمامها خجلا.. فلحقت بها المرأة تقبل وجنتيها وتدعوا لها بطول العمر والصحة والعافية فقد ردت إليها كرامتها وحقها...
وماذا عن قهوة لطالما شربناها في بيتك العامر نستذكر معا في حضور أبناء العمومة كثير من المواقف العائلية الخاصة وكانت تستشهد بوجودي على رأس تلك الأحداث فأهز برأسي مؤكدا صحة المواقف وفطنتها وقوة ذاكرتها والتي جلها كانت فيها صاحبة رأى موفق بوعيها واحترامها الذي فرضته على الجميع لأنها قوية في الحق لدرجة العناد بإصرار لا يلين.. صلبة في مواقفها كانت حين تحتم الصلابة .. عطوفة لينة حين تتطلبها المواقف.. تجامل في كل المناسبات الخاصة والوطنية سواء كانت فرح أو عزاء.. تشارك الأصدقاء والأقارب والناس أحزانهم فهي في كل بيت عزاء للشهداء تكون.. وفى كل فرح ومناسبة سعيدة حاضرة...
حينما عينت بوظيفتي في وزارة التخطيط مسئولا على مشروعات مخيمات اللاجئين ورسم الخطط وحسابات التمويل للنهوض بالحياة المعيشية ضمن الخطة الوطنية الفلسطينية ..وكان لزاما علينا أن نستقبل لجنة المجلس التشريعي الخاصة بالمخيمات لعرض تصوراتنا وللرقابة عليها واخذ التوصيات..كانت هي رئيسة اللجنة في لجنة التشريعي عن المخيمات..لأنها صدقت شعبها وأحست بعذاباته وأمنياته ولان المخيم رمز المعاناة ورمز القضية ورمز للثورة ومفرخة الثوار ...فكانت هي الإنسانة التي لابد وان تكون الحارس الأمين على أمنياتهم وتطلعاتهم...فكانت تسطر رؤيتها بمواقف مشرفة نسجلها كأولويات لمشاريعنا في ذاك الخصوص...
أم صبري لك الذكرى والحب في نفوس شعبك وأقاربك وأصدقائك ومحبيك باقية ..لان الأعمال تبقى لتخلد سيرة من لم يبخلوا في الجهد والعطاء والفداء والتضحية..وها هي إعمالك وسيرتك تخلد ذكراك لأنها الشاهد الحي ..
لك الجنة بإذن الله ولكل المخلصين والمخلصات لهذا الشعب والوطن وللثورة التي عششت في فكرك وكيانك فلم تبخلى بالصحة والعطاء حتى آخر لحظات حياتك بسيرة عطرة يشهد لها الجميع ..فكان تكريمك من قمة هرم القيادة الرئيس الأخ / أبو مازن وقيادة فتح العليا بلجنتها المركزية ومجلسها الثوري فأنت عضو المجلس الثوري وعضو المجلس المركزي المنبثق من الوطني وعضو الأمانة العامة لاتحاد المرأة الفلسطيني وعضو المجلس التشريعي السابق ...فإليك الكلمة الأخيرة: وداعا أخت الرجال..وداعا ياحبيبة المخيمات في فلسطين والشتات.
http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...204#post713204
المزيد
http://www.google.com/search?client=...8A%D8%AF%D9%85