نكتة إسرائيلية حزينة

محمد المنشاوي
2011-February-18


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

تقول النكتة إن مواطنا إسرائيليا غير عادته وبدأ فى الانتظام على قراءة الصحف المصرية بدلا من نظيرتها الإسرائيلية، وعندما استفسر منه أحد أصدقائه المقربين مستغربا هذا السلوك، رد عليه قائلا: «كل ما تقع عليه عيناى فى صحفنا الإسرائيلية هو أخبار غير سارة، أما الصحف المصرية فتذكر باستمرار أننا شعب غير عادى، وأننا اليهود نحكم ونسيطر على العالم، والأهم أننا نخطط لكل مصائبهم، ونحن مسئولون عنها».

تذكرت هذه النكتة كثيرا عندما بدأ الكثير من المسئولين والصحفيين ومقدمى البرامج التليفزيونية فى مصر بإلقاء اللوم على إسرائيل وتحميلها مسئولية تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية دون دلائل واضحة، وقبل أن تنتهى التحقيقات الرسمية. ورغم مقابلة الرئيس المصرى حسنى مبارك لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بعد حادثة تفجير الكنيسة بخمسة أيام فقط، والتى أعدها البعض دليلا كافيا على عدم تورط إسرائيل فى عملية التفجير، إلا أن سيل هذه الاتهامات لم يتوقف.

وخلال الأسبوع الماضى طرحت مجلة الإيكونوميست، وهى إحدى أهم المجلات الأسبوعية فى العالم وأكثرها احتراما، تساؤلا مفاده «هل تستطيع المعجزة الاقتصادية الإسرائيلية التى تحققت فى العقدين الأخيرين أن تستمر؟»

ووصفت الإيكونوميست إسرائيل بأنها «قوة تكنولوجية كبرى» وأن سكان إسرائيل هم أول شعوب العالم فى «نسبة تأسيس الشركات التكنولوجية الجديدة Start Up»، واستشهدت المجلة بأسطورة جامعة هارفارد فى مجال إدارة الأعمال، مايكل بورتر، الذى كتب منذ عقدين من الزمان كتابا كبيرا بلغ عدد صفحاته 855 عن المزايا التنافسية للدول، ولم يكن حظ إسرائيل فيه سوى عدد صغير من الأسطر، أما الآن فهناك مكتبة كاملة بعشرات الكتب والدوريات عن المزايا التنافسية لإسرائيل وعن تفاصيل معجزتها التكنولوجية.

ولا يمكن مقارنة إسرائيل وعدد الحروب التى خاضتها (بغض النظر هنا عن مبادئ الحق والشرعية الدولية والأخلاق) مع أى دولة أخرى فى منطقتنا، ومع هذا حققت ما يراه العالم معجزة اقتصادية خلال العقدين الأخيرين، وصل معها متوسط دخل المواطن الإسرائيلى السنوى إلى أكثر من 26 ألف دولار أمريكى، فى وقت لم يتعد فيه متوسط نصيب دخل المواطن المصرى مبلغ ألفى دولار فقط، أو أقل من عشر ما يحصل عليه المواطن الإسرائيلى.

ورغم هذا كله يعبر قادة إسرائيل مرارا عن القلق على ما سيأتى به المستقبل، ويتخوفون من انتهاء «مرحلة المعجزة الإسرائيلية»، ويقلقون من عدم قدرة أى من شركات التكنولوجيا الإسرائيلية، التى يبلغ عددها حاليا ما يقرب من 3800 شركة، على تحقيق مبيعات خارجية بأكثر من مليار دولار أمريكى سنويا، باستثناء شركات ثلاث فقط. ويقلقون من عدم قدرتهم على تحقيق مبيعات تكنولوجية بمليارات الدولارات للقوى الآسيوية الصاعدة، واقتصار مبيعاتها المليارية على الدول الأوروبية والولايات المتحدة فقط. ويقلقون على عدم وجود شركات إسرائيلية عملاقة بحجم شركة جوجل أو شركة مايكروسوفت، وإن كان البعض منهم يرجع ذلك لمحدودية عدد السكان البالغ عددهم أقل من 8 ملايين شخص.

ورغم أن قطاع التكنولوجيا يعمل كقاطرة للتنمية الشاملة فى إسرائيل، كونه مصدر الجذب الأكبر والاهم للاستثمارات الأجنبية، إذ وصل عدد الشركات الإسرائيلية المسجلة فى مؤشر الصناعات التكنولوجية الأمريكى ناسداك NASDAC إلى نحو 60 شركة وهو أعلى عدد للشركات الأجنبية، غير الأمريكية، فى المؤشر بالمقارنة مع 45 شركة كندية و6 شركات يابانية و5 شركات بريطانية و3 شركات هندية، إلا أن قادة إسرائيل منشغلون فى البحث عن بدائل لتنويع أعمدة التقدم والتنمية فى إسرائيل، وهناك دراسات جادة تبحث فى ضرورة الاستثمار فى تكنولوجيا إدارة المياه، والتكنولوجيا الزراعية، وتطوير مصادر الطاقة البديلة، كمجالات يمكن تحقيق تقدم كبير فيها إضافة للقطاع التكنولوجى.

إلا أن أهم ما تتميز به إسرائيل هو نحن، «جيرانها» أو «أعداؤها»، فقد حبا الله إسرائيل بجار أو عدو غارق فى ظلمات التخلف، وللأسف امتد هذا التخلف للعديد من المنابر التى تقود الرأى العام وتساهم فى تشكل فهم أطفالنا وشبابنا للعالم الذى نحيا فيه. وبدلا من البحث الحقيقى عن أسباب تخلفنا، وتراجعنا بين الأمم، مازال الكثيرون يختارون الطريق السهل بإلقاء كل الأسباب والمبررات على القوى الخارجية.

الأمم والشعوب مثلها مثل الأفراد، إن أبت أن تنظر بصدق لنفسها لتتعرف على أمراضها، بدون تحديد مرضها بطرق علمية، يستحيل وصف العلاج، ويزداد حال الفرد والشعب تدهورا.

ما حدث فى الإسكندرية، وبغض النظر عمن قام بهذا العمل الشنيع، إنما هو دليل عما وصلنا إليه وعما وصلت إليه مشكلاتنا، وتحدياتنا. فى الوقت الذى لم يمنع انقسام المجتمع الإسرائيلى بين يهود علمانيين ويهود أرثوذكسيين متشددين، ورغم وجود أكثر من مليون مهاجر روسى ممن لا يتحدثون العبرية، ووجود أكثر من مليون عربى ممن لديهم مشاكل لا تحصى، إلا أن بوصلة التقدم تتجه بسرعة نحو المستقبل.

وأتمنى أن يأتى يوم ويتوقف المواطن الإسرائيلى الذى يتعود على قراءة صحفنا المصرية، عن عادته الجديدة، وأن يعود لقراءة الصحف الإسرائيلية، وأن تمتلئ تلك الصحف الإسرائيلية بأخبار جميلة وسعيدة. وأتمنى أن تترك الأخبار السيئة والمحبطة لصحفنا المصرية، فنحن مازلنا فى أشد الحاجة إلى مثل هذه الأنواع من الأخبار.

إلا أن ما سمعته من صديق، حاصل على شهادة الماجستير من إحدى الجامعات المصرية، من أن ما حدث لمصر يوم عيد الميلاد ما هو إلا «حسد»، أيقنت أن صاحبنا الإسرائيلى لن يقرأ غير صحفنا المصرية لسنوات طويلة.