--------------------------------------------------------------------------------
دمعركة كربلاء 680 م
لم تقع معركة بين فئتين من المسلمين أعظم من كربلاء. كانت الشرارة في معركة الجمل(656) بين جيش الإمام علي من جهة، وجيش عائشة وطلحة والزبير من جهة أخرى. وانتهت بنصر لجيش الإمام علي، ومقتل عشرة آلاف من جيش البصرة (ثلث الجيش)(1) وخمسة آلاف من جيش الإمام علي بن أبي طالب (ربع الجيش). ومن ثم في معركة صفين؛ بين جيش معاوية بن أبي سفيان، وجيش الإمام علي. يقول المسعودي: قتل بصفين سبعون ألفاً، ومن أهل الشام وحدهم خمسة وأربعون ألفاً(2). بالرغم من أن عدد القتلى في كربلاء لم يكن كبيراً، لكن بسبب اشتراك حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم، وآل البيت، وقتله ومن معه بصورة بشعة، أشبه بمذبحة في وضح النهار، وتعاطف الناس مع الحسين بن علي بعد استشهاده، فكانت معركة حاسمة ومؤثرة على مسار التاريخ وانعطافاته المتتالية.أسباب المعركة: 1. اعتبار أن الإمام علي وورثته أحق بالخلافة من بني أميَّة، لأن لهم ميزة روحية خاصة، ومعرفة عميقة للمعنى المكنون للقرآن الكريم(3).2. اعتبر الحسين بن علي بن أبي طالب أن الخروج على الحاكم الجائر والمبتعد عن الدين الإسلامي فرض وأمرٌ مقدس. قال الحسين: أيها الناس؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير ما عليه بفعل ولا بقول، كان حقاً على الله أن يدخله مُدخله، ألا وإن هؤلاء لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله...(4)3. لم يكن الحسين قد وافق على تنازل أخيه الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان .4. بعد وفاة معاوية لم يبايع الحسين يزيد بن معاوية بالخلافة.5. لم يحترم معاوية الاتفاق بينه وبين الحسن في احترام آل البيت، وعدم نقل الخلافة بالوراثة :هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين، على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسول الله وسيرة الخلفاء الصالحين، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين، وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم ____________1) ثورات فجرت صمت التاريخ الإسلامي, ص 19.2) مروج الذهب, ج 2 , ص 349. 3) تاريخ الشعوب العربية, ص 42.4) تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي,ص 514. وعراقهم وحجازهم ويمنهم... وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه(5)6. كاتب أهل الكوفة وفيهم شيعة علي وأنصار الحسين ليبايعونه. (6) كتبوا إليه بعد أن اجتمعوا في بيت سليمان بن صُرد: بسم الله الرحمن الرحيم. سلام عليك؛ فإننا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد، الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها، وغصبها فيأها، وتأمر عليها بغير رضا منها، ثم قتل خيارها، واستبقى شرارها. وإنه ليس علينا إمام، فأقبل؛ لعل الله يجمعنا بك على الحق، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة، لسنا نجتمع معه في جمعة ولا عيد، ولو بلغنا إقبالك إلينا؛ أخرجناه حتى نـُـلحقه بالشام إن شاء الله تعالى. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته(7).7. أرسل الحسين بن علي ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب لتقصي الأمور هناك، فتأكد أن القوم يريدون الحسين بن علي، وقد بايعه أكثر من 18000 ألف من أهل الكوفة(8).8. قام ابن زياد بقتل مسلم بن عقيل من خلال مولى يقال له معقل، ومعه ثلاثة آلاف درهم كي يدلوه على مسلم بن عقيل، وكان في دار هانئ بن حميد بن عروة المرادي، ولما علم عقيل بأمر الخطة نادى بشعاره يا منصور أمت، فاجتمع إليه أربعة آلاف من أهل الكوفة، فحاصر عبيد الله بن زياد، لكن أمراء القوم أشاروا إلى قومهم الذين مع مسلم بالانصراف؛ فانصرفوا حتى بقي وحيداً، فطوقوه في بيته، كانوا ثمانين فارساً، فحاربهم وهزمهم من سلبوا سيفه واسلموا لابن زياد. وأمر ابن زياد بمسلم بن عقيل، فاصعد أعلى القصر وهو يكبر ويهلل ويسبح، ثم ضرب عنقه على يد رجل يدعى بكير بن حمران، ثم ألقى رأسه إلى أسفل القصر وكذلك جسده، ثم ضربت عنق هانئ بن عروة، فقال في ذلك شاعر :فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري إلى هانئ في السوق وابن عقيلأصابهما أمــــر الإمـــام فـــــــأصبحا أحاديث مـــن يخشى بـكــل سبيل إلى بطل قـــــد هشم الســـيف وجههُ وآخـــر يهوي فـــــــي طمار قتيلترى جسدا ً قــــــد غير المـوت لونه ونضحَ دم قـــد سال كـــــل مسيلفــــإن أنتم لـــــم تــــثأروا بــــأخيكم فكونوا بغياً أرضــيــــتُ بقليل(9)_____________5) بين فكي التاريخ, ص 31.6) الدولة العربية الإسلامية, ص 230.7) أيام العرب في الإسلام, ص 401.8) حقبة من التاريخ, ص 140.9) البداية والنهاية , ج2 , ص 136. لقد تعرض مسلم بن عقيل إلى مكيدة من قبل أهل الكوفة، فقد خذلوه وخذلوا الحسين، وهذه الحادثة تشير بوضوح إلى مكر وقوة وخداع ابن زياد الذي لم يكن معه سوى خمسين رجلاً، واستطاع إخضاع أهل الكوفة، فهددهم بجيش الشام، وإغراهم بالمال. وقد حرص مسلم بن عقيل قبل إعدامه أن يرسل للحسين؛ يحذره من الغدر، ويحثه على العودة. 9. علم الحسين بنهاية مسلم، ولكنه كان قد أخذ طريقه من مكة متوجها إلى الكوفة، معتمداً على مبايعته من قبل إثني عشر ألف من أهل الكوفة (10).10. ظهر فسق يزيد، وحاد عن الدين القويم، ورأى الحسين أن الثورة حتمية ليعيد للدين ثوبه البهي والنقي(11).11. أراد الحسين ومن معه الثأر لمقتل ابن عمه مسلم بن عقيل.12. كان الحسين بن علي معتزاً بكونه حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال عنه : حُسين مني وأنا من حسين سبط من الأسباط، من أحبني فليحب حُسيناً(12). وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة(13).وقال رسول الله أيضاً: هذان ابناي فمن أحبهما فقد أحبني(14)يعني الحسن والحسين. وقد اعتمد الحسين بن علي على حصانته بكونه حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم (15).13. رفض الحسين بن علي العودة أدراجه بالرغم من قيام ابن عباس بتحذيره؛ وقد قال له ابن عباس: وأين تريد يا ابن فاطمة؟ فقال العراق وشيعتي. فقال إني لكاره لوجهك هذا؛ تخرج إلى قوم قتلوا أباك، وطعنوا أخاك، حتى تتركهم سخطة وملالة لهم؟ أذكرك الله إن تغرر بنفسك (16). أما ابن الزبير فقد شجعه على المضي أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها (17).أما الشاعر الفرزدق قال له: قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية(18) وكذلك نهاه ابن عمر شيخ الصحابة(19)._____________10) تاريخ الدولة الأموية, ص 46. 11) المقدمة, ص 170.12) الحسين بن علي, ص 6.13) صفوة الصفوة , ص 291.14) ن.م, ص 292.15) تاريخ الشعوب الإسلامية, ص 128.16) البداية والنهاية, ج7, ص 140.17) أيام العرب في الإسلام, ص 413.18) حقبة من التاريخ, ص 144.19) العواصم من القواصم, ص 340.المعركةنزل الحسين ومن معه من أصحابه وأهل بيته في كربلاء. فلما أحيط بجيش الأمويين قال: ما اسم هذا الموضع؟ قالوا: كربلاء. قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ هي كرب وبلاء(20). أرسل إليه عبيد الله بن زياد بن أبيه - وكان عامل يزيد على العراق- رسالة جاء فيها : أما بعد يا حسين، فقد بلغني نزولك كربلاء، وقد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسّد الوثير، ولا أشبع من الخمير، أو ألحقك اللطيف الخبير، أو تنزل على حكمي وحكم يزيد والسلام(21).كان ابن زياد يخطب بالناس يحثهم على قتال الحسين : هذا ابن يزيد يكرم العباد، ويبقيهم بالأموال، وقد زادكم في أرزاقكم مائة، وأمرني أن أوفرها عليكم، وأخرجكم إلى حرب عدوه الحسين، فاسمعوه وأطيعوه.وصية الحسين بن علي لما أيقن أن القوم قاتلوه قال: قد نزل من الأمر ما ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، وانشمرت، حتى لم يبق منها إلا كصبابة الإناء الاخسيس، عيش كالمرعى والوبيل.. ألا ترون الحق لا يُعمل به، والباطل لا يتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله، وإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا جُرماً (22).منعوا عن الحسين الماء، وناوشوه بالسهام والنبال، وقتلوا أحد أطفاله وهو بين يديه (23). في صباح يوم الجمعة اشتد القتال بين الطرفين غير المتكافئين، فسقط أصحابه في الدفاع عنه الواحد تلو الآخر، وبقي الحسين وحيداً، لا يقدمون عليه (24) حتى نادى سمر بن ذي الجوشن: ويحكم تنتظرون بالرجل؟ فاقتلوه ثكلتكم أمهاتكم! فحملت الرجال من كل جانب على الحسين، وضربه زرعة بن شريك التميمي ضربة على كتفه اليسرى، وضربة على عاتقه، ثم جاء إليه سنان بن أبي عمر، وابن انس النخعي فطعنه بالرمح فوقع، ثم نزل فذبحه وحز رأسه، وقيل إن الذي قتله شمر بن ذي الجوشن (25). قتل الحسين بعد أن قاتل ببسالة. وجدنا بالحسين حين قتل ثلاثة وثلاثين طعنة وأربعة وثلاثين ضربة(26) الغريب أن الذي قتله توجه إلى عبيد الله بن زياد قائلاً (27):_____________20) بين فكي التاريخ, ص 39.21) ن.م, ص 40. 22) وصايا ونصائح الصالحين على فراش الموت, ص 35.23) الحسين بن علي, ص 44.24) حقبة من التاريخ, ص 147.25) البداية والنهاية, ص 160.26) ن.م, ص 161.27) أيام العرب في الإسلام, ص 417.أوفـز ركابي فَضة ً وذهبا فـقد قتلتُ الملك المحجـباقتلتُ خير الناس أما وأبا وخيرهم إذ ينسبون نسباوعن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بنصف النهار أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم يلتقطه. قلت: يا رسول الله؛ ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه لم أزل أتتبعه منذ اليوم(28). وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم والحسين معي، فبكى الحسين فتركته، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فدنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال جبريل : أتحبه يا محمد؟ فقال : نعم قال: إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، فأراه إياها فإذا الأرض يقال لها كربلاء(29).حملوا رأسه إلى يزيد بن معاوية في الشام فحزنت عليه حزناً عميقاً (30). وهنالك من يتهمه بالفرح وأنه أنشد (31):ليت أشياخي ببدر ٍ شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسلفـــأهــلوا واستهلوا فرحاً ثـــم قــــالوا بغيب ٍ لا تـُــشل بعد أن قتل الحسين، حُمل رأسه إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة، فلما وصل الرأس إلى عبيد الله جعل ينكث به – أي يضربه- ومعه قضيب يدخله في فم الحسين ويقول: إن كان لحسن الثغر. وكان أنس ابن مالك جالساً فقام وقال: والله لأسوأنك، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه 32). وفي روايات أخرى: أن يزيداً هو الذي قام بهذا العمل(33).نتائج معركة كربلاء1. مذبحة أبيد بها آل البيت ومعهم حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم الحسين.2. مأساة كربلاء الدموية هزت ضمائر المسلمين (34).3. انطلاق عدة ثورات ضد الأمويين: التوابون، والمختار، وابن الزبير.. مزقت جميعها مُـلك بني أميّة (35).4. أظهر الأمويون وأهل الشام تمسكهم بالمُلك، لأنهم أحسوا بالمكانة العالية التي كسبوها طيلة عشرين عاماً من خلال خلافة معاوية(36)، ولو كلفهم الأمر ____________28) تحفة التاريخ, ص 149.29) ن.م, ص 148.30) تاريخ الشعوب الإسلامية, ص 128. 31) تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي,ص 516.32) حقبة من التاريخ, ص 117.33) تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي, ص 516. 34) تجديد الدولة الأموية, ص 5.35) تاريخ الدولة الأموية , ص 46.36) الدولة الأموية المفترى عليها ,ص 283.قتال الحسين والقضاء على أسرته.5. زيادة الكراهية للأمويين.6. انتشار حركة التشيع بين الأعاجم الذين كانوا يرون بأن نسل الإمام علي أحق بالخلافة (37).7. كثرت الثورات؛ وخاصة في خراسان، وبين الموالي الإيرانيين بسبب الشعور بالتشيع (38). أبعاد معركة كربلاء:1. تحوّل قبر الحسين في كربلاء (جنوب العراق) إلى مكان مقدس يؤمه مئات الآلاف من الزوار الشيعة حتى يومنا هذا. ويوم موته في عاشوراء عبارة عن يوم حزن وندم(39).2. التعاطف العالمي مع شخص الحسين، يقول المؤرخ الانجليزي جيبون: إن مأساة الحسين المروعة؛ وبالرغم من تقادم عهدها، وتباين موطنها، لا بد أن تثير العطف والحنان في نفس أقل القراء إحساساً، وأقساهم قلباً(40).3. مقتل الحسين بهذه الصورة الوحشية المنزوعة من أسس الإنسانية؛ اعتبر أحد أهم أسباب سقوط الدولة الأموية؛ والتي لم تعمر بعد هذه المعركة طويلاً.4. بسالة الحسين الذي رفس الملك والاستسلام، وواجه آلاف المقاتلين الحاقدين بصدره، لم يرضَ بالذل أو الاستسلام، وليس كما يحاول البعض تصويره؛ بأنه كان يراقب أتباعه يموتون (41).5. إن أعداء الحسين قد ماتوا واندثروا، أما هو فلا يزال يعيش حياً في قلوب الملايين من عشاق الحق والمبدأ(42).6. يعتبر البعض انتصار يزيد على الحسين؛ تكملة لانتصار معاوية على علي(43).7. مذبحة كربلاء لم تكن ثورة عادية، فقد فرقت المسلمين، وقصمت رايتهم.8. مأساة الحسين لعنة وصفحة سوداء لاحقت الأمويين حتى اجتثتهم بعد ______________37) تاريخ العرب السياسي, ص 134.38) تاريخ الشعوب العربية , ص 42.39) פרקים בתולדות הערבים , עמ' 132.40) تاريخ العرب والتمدن الإسلامي.41) الدولة الأموية المفترى عليها, ص 319.42) الحسين بن علي , ص 47.43) خلافة بني أمية, ص 105.معركة الزاب، ومقتل آخر خلفائهم مروان الثاني الملقب (بالحمار) لشدة صبره عام 749 م (44).9. لقد غدر أهل العراق بالحسين، كما غدروا بوالده وأخيه، لقد ظن بهم خيراً فخذلوه(45).10. اختلف العلماء والمؤرخون حول من يتحمل وزر قتله: يزيد بن معاوية، أم ابن زياد، أم الجنود في المعركة؟؟؟11. لا يزال النقاش مشتعلاً بين عشاق التاريخ وكتابه، كما كان قديماً بين المؤرخين والعلماء، حول خروج الحسين، وحقه في الخلافة. يقول الذهبي: اغتر الحسين وسار في أهل بيته فقتل. والموسوي يقول: الإمام الحسين الذي ثار ضد الذين نصحوه في مدينة الرسول، ومنعوه من السير إلى العراق. ويقول ابن تيمية: إن قتل الحسين من أعظم الذنوب، وإن فاعل ذلك، والراضي به، والمعين عليه.. مستحق لعقاب الله الذي يستحقه أمثاله. لكن قتله ليس بأعظم من قتل من هم أفضل منه من النبيين والسابقين الأولين.. ومن قُتل في حرب مسيلمة الكذاب، وكشهداء أُحد الذين قتلوا في بئر معونة، وكقتل عثمان وعلي. وكتب ابن خلدون: فقد تبين لك غلط الحسين، إلا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه، أما الحكم الشرعي؛ فلم يغلط فيه، لأنه منوط بظنه، وكان ظنه القدرة على ذلك. ويقول السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء: لعن الله قاتله، وابن زياد ومعه يزيد.12. بالغ الشيعة في نشر الروايات بعد مقتل الحسين كما يذكر ابن كثير: ذكروا في مقتله أشياء كثيرة، أنها وقعت مع كسوف الشمس يومئذ.. وتغير آفاق السماء، ولم ينقلب حجر إلا وتحته دم... وإن اللحم صار مثل العلقم(46).13. كان الحسين فدائياً حقيقياً لا يهاب الموت، أراد أن يحرك الأمة الإسلامية الساكتة عن انحسار الحق في ركن مهمل. أراد أن يصحح مسيرة التاريخ وأن يقومه، ويعيد للإسلام بردته. وضع روحه على راحته؛ فإما حياة كريمة وعزة نفس، أو موت الشهداء.14. معركة كربلاء كانت معركة انهزم بها المنتصر. لعنة المذبحة، وقتل الأطفال، والتمثيل بجثة الحسين... وصمة عار لا يزال بني أمية يجرونها معهم عبر كل يوم من التاريخ. وإن كان أهل العراق لم ينصروا الحسين في المعركة؛ فالتاريخ نصره وأنصفه وخلده .___________44) بين فكي التاريخ, ص 47.45) الدولة الأموية, ص 440.46) البداية والنهاية , ص 226.15. معركة كربلاء شطرت المسلمين: سنة وشيعة. وكلمة شيعة معناها (الأتباع والأنصار). فشيعة الرجل أنصاره ومؤيدوه. هذه اللفظة تحولت إلى اصطلاح أطلق على الفرقة الإسلامية التي تشيعت للإمام علي بن أبي طالب. لما وقف الأمويون يطالبون علي بدم عثمان؛ اجتمعت شيعته، ووقفوا للدفاع وخوض المعارك في سبيل الخلافة وتأمينها للإمام علي (47) قالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة، وينصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله، يجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيب، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوبا عن الكبائر والصغائر، والقول بالتبري والتولي قولاً وفعلاً وعقداً.. إلا في حالة التقية (48). بعد كربلاء صار خط التشيع واضحاً، فكانت مذبحة كربلاء تغذي حركات التشيع في أرجاء الدولة الإسلامية. 16. انتشار الخطبة الحسينية: وهي نوع من أنواع الخطابة الدينية عند الشيعة، في نهايتها يذكر مقتل الحسين وأهل بيته، أو إحدى المصائب ونوائب الدهر المرتبطة بالحسين، وقد تتضمن قصيدة شعر في الحسين، أو في الإمام علي والرسول صلى الله عليه وسلم. وقد شهدت الخطب الحسينية تطوراً مع الزمن(49)، لكنها ما زالت أحد أعمدة الأدب الشيعي.17. يزيد بن معاوية: اختلف العلماء والمؤرخون حوله، منهم من قال إنه كان فاسقاً، ومنهم من يمتدحه. قال ابن حزم في جمهرة الإنساب في يزيد: كان قبيح الآثار في الإسلام، قتل أهل المدينة وأفاضل الناس، وبقية الصحابة رضي الله تعالى عنهم يوم الحرة، وقتل الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه(50). ومنهم من قام بوضع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بغير مكانه، فلا يصح في ثورة الحسين: إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع؛ فاضربوه بالسيف كائناً من كان(51). وقال ابن خلدون في مقدمته -في الفصل الثلاثين- في ولاية العهد: وأما الحسين؛ فإنه لما ظهر فسق يزيد عند الكافة من أهل عصره، بعث شيعة أهل عصره -بعث شيعة أهل البيت بالكوفة- للحسين أن يأتيهم، فيقوموا بأمره، فرأى الحسين أن الخروج على يزيد متعين من أجل فسقه(52).
****************
المصدر : كتاب معارك فاصلة في التاريخ الاسلامي , للكاتب سهيل ابراهيم عيساوياصدار خاص 2008 , ط 1