في الكتابة الإبداعية
تثير الكتابة الإبداعية اليوم مزيداً من الأسئلة المعقّدة التي لاتدخل إلى قلب القارئ العادي على أطراف الأصابع ، بل تهرب منه كعادتها مثل كل الكتابات ذات البعد الحداثوي أياً كانت تسميتها، خاصة تلك التي تنفر من فكرة الجماهيرية !! و تتبنى فكرة القول بانتهائها مع نهاية القراءة الأولى كما يؤكد البعض.
ربما كانت أكثر الآراء الصادمة تتمحور في القول إن أكثر الظواهر الأدبية انتشاراً اليوم هي لا تستحق القراءة ! وإن قرأتها مرة قد لاتعود اليها أبداً..حيث يرى عديد من أصحاب هذا الرأي أن الأدب ما هو إلا متعة مرفهة لا علاقة لها باللحظة الراهنة وما نعيشه من قضايا سياسية ومادية. وينتقدون سحب عالم الكتابة الإبداعية إلى أرض الواقع وتورّطها في مناقشة قضاياه.و يبررون ذلك بالقول إن مفهوم الدور الاجتماعي للأدب قد ولّى زمنه، وإن الكتابة الجمالية المعنية بالتقنيات والأسلوب هو ما يشغل بال المبدع أكثر من انشغاله بالثوري والاجتماعي والأيديولوجي!ويرى آخرون من هؤلاء إن وجود مايسمّى كتاباً جماهيريين يعني تماماً أشبه بالبحث عن تأمين اجتماعي للكتاب. فالجماهيرية، من وجهة نظرهم، والكتابة الجديدة يصعب لقاؤهما لسبب أن الجمهور الجديد غير مدرب على القراءة الحديثة ولا علاقة له بالجماليات! إنما له علاقة باللحظة التي يعيشها ويضيف هؤلاء بالقول إن جزءاً من جمال الكتابة الإبداعية في أنها مختلقة بالكامل، وأنها مفارقة للواقع بقضاياه ومشكلاته. وبالتالي فهي غير معنية بتغيير الكون!! إنما مايعنيها " أي الكتابة الإبداعية " تلك الأشياء الصغيرة التي تفترض الكتابة الأخرى أنه لا مشكلة فيها.. التفاصيل الصغيرة التي تتكرر كل يوم، والتي يقوم بها البعض كتحصيل حاصل. هذه الأشياء التي لو تم تأملها سيجدها كثيرون " بحسب رأيهم "الأكثر صدقية، لا تلك الكتابة التي تدعي أدواراً كبرى وتتبنى قضايا التغيير!.
ويرى بعض ممن يتبنون هذه الآراء أن التعالي على القارئ بمستوى الكتابة الإبداعية هي مشكلة القارئ ذاته وليست مشكلة الكاتب، لأنها تظهر تدنّي المستوى الثقافي للقارئ!. فهؤلاء يقولون إنهم لاينزعجون حين يرون قارئاً متأففا من نتاجاتهم، وبالمقابل من العبث أن يطلب منهم أحد أن يرتقوا بمستوى القراء، وبحسب رأيهم أنه غالباً لا يكون هناك قارئ محترف دون أصحاب المهنة والمشغولين بجمالياتها، أما القارئ العادي فيكفيه كاتب غير محترف !!
من جهة ثانية يرى كتاب آخرون أنهم ضد أن يقوم الكاتب بتسويق نفسه، فهذا جارح لكرامة الكاتب ويستهلك جهداً من الكاتب كان من الأفضل أن يبذله في كتابة منجز إبداعي لا توزيعه.. وعلى هذا فهم يرون أن هناك أشياء كلاسيكية لا يجب أن تتغير، فالنجاح التجاري لا تجلبه حفلات التوقيع، فهناك أعمال نجاحها حقيقي وغير مختلق رغم كونها غير جيدة فقد باعت ملايين النسخ. بينما من يتعاملون مع الكتاب كسلعة، لا يمكن أن تتخطى طموحاتهم أن يصل الكتاب إلى طبعة ثانية. وهم أيضاً يعتقدون أن الترجمات والسفر والجوائز كلها أمور مبنية على العلاقات وطريقة الكاتب البذيئة في تسويق نفسه. وفضلوا التركيز في الكتابة لأنها وحدها تحقق لهم المتعة.
وفيما يبدو فإن أغلب مناصري هذه الآراء هم من محترفي أو مدعي الكتابة الأسلوبية الحديثة الذين ابتعدوا عن القارئ بأشواط وشكلوا فجوة بينهم وبين القارئ يصعب ردمها. وهي من وجهة نظر العديد من القراء المحترفين أيضاً فإن بعض هذه الآراء لاتعدو كونها تصفية حسابات بين كاتب نص لايجد القدرة على اختراق أسوار الإبداع للوصول إلى القارئ الذي يعد أحد أهم العناصر الإبداعية وثالوثها المقدس، وبين قارئ لايجد ضالّته في منجز إبداعي يشبع رغباته وحاجاته، لا جمالياً ولا واقعياً.


عبد الكريم العبيدي

http://www.albaath.news.sy/user/?id=1174&a=104875