وتعود الذكريات



الوحدة
همس الموج
الأحد 1 / 10 / 2006
سهيل خليل

في مقدمة « الأوبريت » التي كتبها الشاعر حسين حمزة وعنوانها « أرض المطر » يقول حسين : « من هون نحنا يا بشر , من كوخ من عرزال , من صوت بيجيب البكي عالبال , من أم سهرانه عمرضانين ,من ريح بتخزق ورق تشرين .. » تذكرت هذه الأبيات بعد أن

أخبروني من القرية أن زيتوناتي ( احترقت , وكلها أربع عشرة شجرة زيتون , عمرها أكثر من خمسين عاماً , والصوت اللي بيجيب البكي عالبال هو صوت أغصان أشجار الزيتون , لأن مؤونة البيت من الزيت والزيتون طارت , وعليّ أن أكتفي بزيت المازولا .. بينما زيت « الخريج » هو المفضل لدي , ولكن ماذا أفعل .. ?‏

سأجلس حزيناً أحك جبهتي .. وماذا يفيد الحك ..?‏

أنا آسف لأنني أحدثكم عن مصيبة صغيرة أصابتني , وسأعود للحديث عن الشاعر حسين حمزة , فلقد عشنا معاً أكثر من عشرين عاماً , وكان مطعم « القنديل » ملاذنا ليلاً نهاراً , وزبائن المطعم كانوا من نجوم دمشق الأدبية والفنية , شعراء وقصاصون ورسامون وممثلون , كنا أسرة حقيقية يديرها المحامي الفنان نجاة قصاب حسن , وكنت أسهر أحياناً مع حسين في مرسم الفنان الراحل فاتح المدرس , وفي تلك الأيام لم يكن حسين يرسم , وبعد سنوات قليلة صدقوني صار رساماً , صار رساماً لأنه شاعر , وليس غريباً على شاعر أن يصير رساماً , ويمكن للرسام أن يصير شاعراً , أذكر الآن حسين حمزة وطارق حريب وزهير بغدادي وآخرين كُثر , ولا تتسع المساحة لذكر الجميع , وتمر الأيام وتفرقنا كل في مكان , أجلس الآن وأجتر الذكريات , وأتحسس ما بقي من جسدي , وأحس فعلاً أنني أقترب من النهاية التي لا يحبها أحد , واستعرض في الذاكرة أسماء أصدقاء العمر الجميل الذين رحلوا , ولا أصدق أنهم رحلوا , أذكر أصواتهم وضحكاتهم , بالأمس كنت معهم , وهم اليوم كل في حفرة عظام نخرة , منذ أيام التقيت امرأة احببتها ذات صيف , توقفت وتطلعت إليّ وقالت : ألست فلاناً ..?‏

نعم أنا فلان , فمن أنت ? قالت أنا فلانة !‏

ولم أصدق أنني أحببت هذه العجوز يوماً , قالت : زوجت أولادي ومات زوجي وأنا أعيش اليوم مع ابنتي أعتني بأحفادي , وأرى أن الحياة معقولة ويمكن لنا أن نعيشها .. !!‏

قلت في سري : والله الحياة ليست معقولة وأعيشها على مضض .. ودعتها ومضيت , وتطلعت إلى الخلف كانت لا تزال واقفة تفرك جبهتها وتمسد شعرها الشائب , وأحسست أن قلبي صار محاصراً بقطع من زجاج وأنا أتعثر بخطواتي , كنت متعباً وحزيناً و اتجهت إلى البيت , كانت أم الأولاد تتابع التلفزيون , وكان الأولاد مع أصدقائهم يجلسون على الشرفة يمرحون ويضحكون , كانوا يضحكون لأنهم لا يزالون شباباً , عادت صورة وجه حبيبتي التي احببتها ذات صيف , عادت لترتسم في فضاء الذاكرة عادت وجهاً مليئاً بالتجاعيد , وعيوناً غائرة , ورأساً اشتعل بالشيب كمداً , يكسو قلبي الآن حزن بحجم الكون , يتغلغل هذا الحزن في نهر القلب ويسد المجرى , وأسأل من يزيح هذا الحزن , من يبدلني أيامي أياماً مختلفات , في زمن لم يخلق في زمان آت , أناديك يا أمي لأني حزين , وفي ساعات حزني كنت دقائق الفرح البيضاء , كنت الأغنية التي تعيد النبض إلى قلبي , أناديك يا أمي .. فهل تسمعين النداء ..?‏

http://wehda.alwehda.gov.sy/_kuttab_...20061001101115