منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1

    كتاب " زهور كرام":"الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية"

    الأدب الرقمي... أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيميةنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    مفلح العدوان



    الأدب الرقمي... أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية

    د. زهور كرام في تجربة نقدية جريئة تناقش نظرية الأدب في ظل التحول الرقمي وتقرأ تجربة محمد سناجلة بعين نقدية جديدة.

    بقلم: مفلح العدوان



    تشهد الساحة العربية حراكا ثقافيا نوعيا في الآونة الأـخيرة تتجه بوصلته نحو محاكاة تجارب جديدة في الكتابة الحديثة، في محاولة لملامسة تجريب مهم على الصعيد العربي والعالمي في ما يسمى بالكتابة الرقمية، والإبداع الرقمي، والثقافة الرقمية، حيث أن الأدوات الجديدة اتصاليا ومعرفيا طرحت نفسها بقوة لقيادة موجة من التغيير في بنية الذهنية الكتابية، والمنجز الإبداعي، والزخم الثقافي.

    لكن هذه الموجة على أهميتها ما زالت تدور في إطار التنظير لها، ولا يوجد إلا تجارب محدودة تجاوزت العناوين العامة، لتدخل في خضم التوثيق، والنقد، والإبداع الفعلي والملموس في هذا الإطار، ومن هذا المنطلق تأتي هذه القراءة في التجربة الإبداعية والنقدية الجديدة والجريئة للباحثة والناقدة المغربية الدكتورة زهور كرام، حيث صدر مؤخرا عن دار الرؤيا للنشر في القاهرة كتابها التنظيري الجديد \'الأدب الرقمي/أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية\'، ليجيب على بعض أسئلة وجوانب غائمة في الأدب الرقمي، وليضيف لبنة في مدماك معمار الكتابة في هذا الاتجاه.

    يقول الناقد المغربي الدكتور سعيد يقطين في تقديمه للكتاب \'يدور الكتاب حول قطبين كبيرين. يطرح أولهما قضايا وإشكالات الإبداع الرقمي في الكتابات والأدبيات الأجنبية بقصد الوقوف على المنجزات النظرية لدى النقاد والباحثين وحتى المبدعين، في فرنسا وأمريكا وغيرهما ممن اهتم بخصوصيات هذا الإبداع الجديد، وما يطرحه من أسئلة عميقة وجديدة عن طبيعة هذا الإبداع وتقنياتها، وأنواعه ومقتضيات تلقيه والتفاعل معه.

    وشفعت زهور كَرام النظر بالعمل، فانصبت، في القسم الثاني، على تحليل بعض أعمال محمد سناجلة الكاتب الرقمي الأردني الذي يعتبر رائدا في هذا المجال بإقدامه على خوض غمار التجربة الرقمية مبكرا مقدما بذلك نماذج طليعية ومتميزة\'.

    وكما هو الحال دائما تبدأ زهور كرام كتابها بالأسئلة حول ماهية الأدب الرقمي، وهل الأدب الرقمي استمرار أم انقطاع في نظرية الأدب؟ والأدب بين رهان التخييل وسلطة التكنولوجيا؟ ثم تتعمق أكثر في الأسئلة لتصل إلى من هو المؤلف الرقمي، ولماذا هو مؤلف؟ ثم تنتقل إلى متلقي هذا النوع الجديد من الأدب، إلى القاريء الرقمي نفسه حتى تصل إلى سؤال الناقد الرقمي وإشكالية التلقي والتعامل مع هذا الأدب الجديد الذي يطل علينا متسلحا بآخر ما وصلت إليه التكنولوجيا.

    ثم تفتح بابا آخر حول سؤال تجنيس هذا النوع من الأدب وهو سؤال كبير ما زال يلقى نقاشا كبيرا في الساحات الثقافية العالمية.

    وتشير كرام إلى أن كل ممارسة إنتاجية جديدة للفكر والثقافة والإبداع، تثير تساؤلات حول شرعيتها، ومدى قدرتها/فعاليتها على خلق مساحة أوسع لتفجير طاقات التفكير والخلق. وهي تساؤلات يحصنها مبدأ فلسفي، يعتبر كل انتقال حضاري، هو بمثابة انتقال في أسئلة الواقع. ثم في وسائل التفكير في الواقع. وتؤكد أن انتقال الحضارات من مستوى تواصلي إلى آخر، أكثر استثمارا لتطور الفكر البشري- الذي فيما هو يطور أدوات تفكيره، فيما هو يسعى إلى حياة أكثر انفتاحا على الخلق والإبداع وتجديد الرؤية- يولد أشكاله التعبيرية التي تعبر عن حالة الوعي بهذا الانتقال. والأدب الرقمي التجلي الثقافي الأهم للعصر الرقمي الذي بدأت البشرية العيش فيه.

    ثم تتساءل زهور كرام حول مكانة العقل العربي في هذا العصر الرقمي ومدى قدرة الثقافة العربية والكتاب والمثقفين العرب بل والنظام الرسمي العربي في العموم على الدخول إلى هذا العصر، وترى أننا ما زلنا في عتبة الدخول لهذا العصر وأن اغلب ممارساتنا جاءت في الباب التنظيري وليس التطبيقي إذا ما استثنينا تجربة محمد سناجلة التي تعد اختراقا متميزا لحالة التررد والشك والجمود التي استقبلت بها الثقافة العربية في العموم تحديات الثورة الرقمية، وتتساءل في هذا السياق:

    هل قدرنا في المشهد العربي أننا مع كل تحول فكري صناعي معرفي _إيديولوجي معلوماتي تقني عالمي، أن نظل نعيش الحداثة تنظيرا وسعيا إلى الفهم؟.

    هل قدرنا أن نظل نعيش تبعات التحولات الحياتية والمفهومية التي تعرفها البلدان التي تبادر إلى الانخراط في التحول الحضاري، بإيجابية مؤسساتها ومجتمعاتها ورهاناتها؟.

    وتشير إلى هروب النقاد والباحثين من الأسئلة التي تطاردهم مع ولادة الأدب الرقمي وخشيتهم من تناول هذا المنتج بالبحث والتحليل مؤكدة \'إن تناول هذا الإنتاج الأدبي الرقمي العربي بالتحليل والمساءلة، يعد واجبا حضاريا بامتياز، من منطلق كون قراءة العمل الأدبي هي عبارة عن لحظة التفكير بأدوات المرحلة\'.

    وتؤكد سعيها من خلال هذا الكتاب \'إلى وضع بعض المفاهيم الخاصة بالأدب الرقمي في سياقها النقدي والأدبي، والعمل على الوقوف عند الأسئلة الجديدة التي يحملها هذا الأدب على مستوى النص والنقد وأدبية النص الأدبي نظريا، وعبر تحليل السرد التخييلي الرقمي من خلال نموذجي المبدع الأردني محمد سناجلة: شات وصقيع. وعبرهما سنقف عند اشتغال مفاهيم الأدب الرقمي\'.

    وترى زهور كرام ان \'عملية التأليف الأدبي الرقمي تعرف انتشارا مهما في التجربتين الأمريكية، والأوروبية بفعل إيجابية الشروط التقنية والمعلوماتية للمجتمعات الأمريكية والأوروبية، والتي تسمح بالانخراط الموضوعي إنتاجا وإبداعا في الثقافة الرقمية\'، في حين أن \'التجربة العربية ما تزال تعرف بطءا من حيث إنتاج الإبداع الرقمي، وذلك لأسباب بنيوية ذات علاقة بموقع التكنولوجيا في الحياة العامة والعلمية في المجتمعات العربية. غير أنه إنتاج وإن كان ضئيلا، فإنه يعبر عن تحد حضاري تقني وإبداعي كبير، يفرض شرط احترامه وتقدير ريادته في الزمن العربي الحالي، ولهذا، فإنه إنتاج يحرر النقد العربي أيضا من أسئلته المعتادة\'.

    ثم تنطلق زهور كرام في كتابها لتناقش في قسمه الأول التجربة الأدبية الرقمية الغربية في أميركا وأوروبا معرجة على أهم الأسماء التي انشغلت بأسئلة الأدب الرقمي تنظيرا وإبداعا.



    الأدب الرقمي استمرار أم انقطاع في نظرية الأدب؟



    تطرح زهور كرام سؤالا نقديا هاما انشغل في الإجابة عنه عدد كبير من منظري الأدب الرقمي ونقاده في أميركا واوروبا، وهو هل يعتبر الأدب الرقمي استمرارا أم انقطاعا في نظرية الأدب، وترى كرام أن الأدب الرقمي هو تطور حدث ويحدث على النظرية الأدبية ولا يشكل انقطاعا عنها وتستشهد في هذا المقام بمقولات أحد اوائل المنظرين للأدب الرقمي وهو جورج لانداو GEORGE LANDOW \' على الأخص في سعيه إلى إيجاد عناصر مشتركة، بين نظرية الأدب من خلال مجموعة من المنظرين للنص الأدبي( بارت، فوكو، باختين دريدا..)[1]، وبين مفهوم النص المترابط، معتبرا أن الكثير من طروحات رولان بارت حول مفهوم النص باعتباره نظاما، ومفهوم القارئ باعتباره منتجا للنص، وليس مستهلكا، إضافة إلى مفهوم اللامركزية التي اقترحها دريدا Derrida، وتعدد الأصوات باعتبارها تعدد ا لأنماط الوعي، وليس تعددا لخصائص الوعي، كما اقترحها ميخائيل باختين Mikhaïl Bakhtine, إنها مجموعة تصورات وطروحات وأفكار يعتبرها لاندوو/ LANDOW من أساسيات مفهوم النص المترابط. وهو طرح نقدي يجعل نظرية النص المترابط لا تخرج عن تاريخ نظرية الأدب، التي لم تقم إلا من خلال التعايش مع نظريات مختلف الحقب الأدبية والنقدية.

    وبعد أن تنتهي زهور كرام من مناقشة الأسس النظرية والنقدية وأهم الإبداعات الغربية في مجال الأدب الرقمي تنطلق في القسم الثاني من الكتاب لمناقشة التجربة الابداعية العربية ممثلة في تجربة الأديب الأردني محمد سناجلة عبر نموذجيه الأدبيين \'شات\' و\'صقيع\'.

    وتقرر في بداية بحثها أن \'الأدب الرقمي في التجربة العربية يعيش - شأنه شأن كل جديد في المعرفة والفكر_ حالة من التجاذب، بين القبول والرفض. وهي حالة نقرأ من خلالها صراع الوعي الثقافي العربي الذي يعيش لحظة الانتقال من مستوى وسيطي إلى آخر\'. وتؤكد \'إن التفكير في التجربة الإبداعية الرقمية في المشهد الثقافي العربي، هو تفكير في مستوى من مستويات الحداثة في الممارسة العربية... ذلك أن عملية بناء تصور حول تجربة الممارسة الأدبية الرقمية في المشهد العربي، تتميز بالأهمية والخطورة في ذات الوقت، لأنها بمثابة شمعة وسط ظلام كثيف.

    شات رواية – مترابطة Hyper-roman



    تسعى زهور كرام من خلال قراءتها وتحليلها الخاص لتجربة محمد سناجلة عبر نموذجيه \'شات وصقيع\' إلى إجراء قراءة علمية وتحليلية قد تكون الأولى من نوعها لهذه التجربة بعيدا عن تهويل المعجبين أو قدح الرافضين الذين ترى أنهما قد غلبا على التعامل مع هذا النموذج الإبداعي في الأدب العربي.

    وهي هنا ترى \'أن رواية شات للمبدع الأردني محمد سناجلة تتحدد من خلال مجموعة من العلامات التي تعبر عن الوضع التشخيصي الأدبي للمجال النصي للرواية. ويشكل زمن التحميلTemps de téléchargement، إعلانا ماديا لدخول تجربة مختلفة لزمن القراءة. إنه زمن يذكّرنا بضرورة التخلي عن مواصفات ميثاق القراءة الذي تعودنا عليه، ويدفع بنا إلى أن نعيش تجربة من نوع خاص ومختلف ومتغير. وهو زمن بتنشيطه وتشغيله تبدأ القراءة زمنا خاصا وتجربة خاصة”.



    وتؤكد أن \'شات تدشن منذ البداية خرقا للمألوف السائد للنص، والمعتمد على الإجراء السردي اللغوي و الذي يبدأ مع حكي الحكاية لغويا. هكذا، تشتغل الخلفية المشكّلة من الصورة والمشهد واللون والحركة والموسيقى لغة مبرمجة معلوماتيا، تشخص الفضاء النصي الذي تنطلق منه حكاية شات، والذي يستمر خلفيةPlan arrière / للنص ترافق الكتابة، وذاكرة للنص من جهة\'.

    ثم تنطلق بعد ذلك لتحليل بنية السرد الروائي في شات وعلاقته بتقنية النص المترابط من جهة واستخدام مؤثرات المالتي ميديا المختلفة من صوت وصورة وحركة من جهة ثانية لتشكل جميعها لغة جديدة ومختلفة عن اللغة التي عرفها السرد العربي سابقا، فهي لغة رقمية حركية متفاعلة تعتبر الكلمة فيها جزءا من كل، وهذا معنى جديد للغة لم تعرفه الرواية العربية من قبل.

    شات والروابط بأنواعها ومظاهرها ووظائفها:

    يعتبر الرابط أهم مظهر من مظاهر الأدب الرقمي الذي لا يتحقق من غير استخدام هذه التقنية، وفي شات تعمل الروابط المتعددة التي يستخدمها سناجلة دورا محوريا بل واساسيا في البناء الروائي نفسه، وتناقش زهور كرام أنواع هذه الروابط ووظائفها المختلفة في بنية السرد ومظاهرها المتعددة حيث ترى ان شات قد \'حققت تفاعليتها Son interactivité ، بفضل الإجراء الرقمي للرابطLieu ، الذي وصل عدده إلى أكثر من خمسين رابطا. وتشير إلى ان الروابط التفاعلية التي بلغ عددها 19 رابطا قد \'اشتغلت على خلق علاقة تناصية رقمية من جهة، بين السرد التشخيصي للحالة الحدثية، وبين مجال نصي سردي آخر يدخل بكل مكوناته اللغوية المعلوماتية والمعجمية والملتيميديا في علاقة تفاعل، خدمة لتوسيع أفق التشخيص السردي للقصة، وخلق إمكانية مفتوحة على نصوص أخرى\'.

    شات وسؤال الذات بلغة الرقمي

    تحاكي \'شات\' حسب زهور كرام محنة الذات حين تعيش \'زمن العتبة\' الذي تحدده بالزمن الذي يفصل العالم الواقعي عن العالم الرقمي ثم حين تتجاوزه لتدخل الزمن الافتراضي مع ما يثيره هذا الدخول من إشكاليات مختلفة ومتعددة سواء مع الذات أو مع الآخر الذي يجري علاقات تفاعلية مع الذات الرقمية التي تجاوزت محنة العتبة لتدخل إلى محنة الوجود الرقمي نفسه.

    وترى كرام \'أن الذات في شات تأتي في ارتباطها بالتجربة والممارسة. فيما قبل تم تدجين الذات باسم المؤسسة والجماعة والقبيلة، باسم الإيديولوجية أو الخطاب السياسي، أما الذات هنا في تجربة سناجلة فهي تتعرى من كل هذا التدجين وتأتي ضمن تجربة المكاشفة.... ونلاحظ هنا اقتحام الذات للتجربة وهذا قلص المسافة بين الكاتب والموضوع، وولّد بالتالي هذا التعالق الذاتي الموضوعي بناء وشكلا في الكتابة يدفع القراءة إلى إعادة إنتاج معرفة جديدة بالنص الأدبي، فهي كتابة تدعو النقد إلى الإحساس بالذات في زمن التجربة، وليس إلى التعامل معها باعتبارها موضوعا للمعرفة\'.



    صقيع محكي ذاتي-مترابط Hyper auto récit

    في الجزء الثاني من هذا القسم التطبيقي تناقش الدكتورة زهور كرام تجربة \'صقيع\' لمحمد سناجلة التي نشرها عام 2006 بعد سنة من نشره لشات، وترى زهور كرام وجود إشكالية حقيقية في تجنيس هذا العمل الأدبي، على العكس من شات التي كانت ضمن جنس الرواية الرقمية أما في \'صقيع\' فالوضع مختلف حيث \'تأتي ومعها خرق للميثاق الروائي المألوف والمتعاقد عليه ضمن تجربة التراكم الروائي من جهة، وحسب التنظير الروائي من جهة ثانية... صقيع تـأتي مثل الحلم الذي ينفلت منه الحدث مع زمن الصحو\'.

    وترى كرام أن \'صقيع تطرح مسألة التجنيس في مستويين: أحدهما رقمي يؤشر على مبدأ التحول الذي يعرفه النص التخييلي مع اعتماد لحظة إبداعية مغايرة للمألوف.ومستوى سردي_ نقدي يعد استمرارا للنقاش السائد راهنا، حول النصوص المطبوعة ورقيا والتي تطرح بقوة تحولات بناء الجنس الروائي\'.

    وترى كرام أن \'انفتاح التجربة على تعددية التأشيرات الأجناسية هو من صميم نوعية التجربة التي إما أنها تعد تجربة أولى من نوعها، أو أنها تجربة لا تخرج عن نظام الكتابة السائدة، غير أنها تدشن خرقها لميثاق القراءة السائد\'.

    وترى كرام \'ان الجديد في هذه التجربة هو دخول تعبير التأليف الذي يعد تعبيرا أساسيا في الأدب الرقمي، إلى حد أن الحديث عن منتج النص الرقمي انتقل من الكاتبEcrivain والروائي كما في النص المطبوع إلى المؤلفAuteur\'.

    ويتعمق هذا التوجه والاشكال في تجنيس صقيع حين يضع محمد سناجلة في نهاية صقيع ثلاث صيغ. يدفع من خلالها القارئ إلى التفاعل مع صقيع على مستوى إبداء الرأي، والتعديل في النص، ثم اقتراح نهايات للنص. ولكي يحقق للنص تفاعليته المنتظرة\'.

    يشكل هذا التوجه التفاعلي نحو القارئ مكونا أساسيا ليس فقط من منظور قراءة النص، وإنما أيضا من منظور منتج النص. الشئ الذي يدفع بالتأمل في النص الرقمي ليس فقط كوضع تخييلي رقمي منته بنائيا من طرف المؤلف، ولكنه نص يعيش باستمرار حالة التكون والتشكل مع تنشيط تفاعل القارئ، وهي حالة لن تعيش الثبات نظرا لكون التفاعل يعيش بدوره حالة من التغير على صعيد القراء، بل القارئ الواحد .

    وتخلص الباحثة إلى ان:

    - قراءة/مشاهدة صقيع، تعد تجربة غير مألوفة بالنسبة للوعي النقدي. إنها تجربة في القراءة والتكوين, في معنى أن صقيع باعتباره نصا ينتمي إلى الأدب الرقمي،يعد من النصوص التي تخلق نوعا من الدربة، وتدفع نحو التعلم.

    _ يطرح نص صقيع بدوره كما جاء في شات محنة الذات مع زمنها النفسي. ولعل احتفاء النصين معا بقيمة الذات من حيث منحها الاعتبار الرمزي لتكون هي الحاكية والمحكية وإن جاءت بتمظهرات مختلفة بين النصين، فإنه يعبر عن حالة انبثاق ثقافة الذات وجعلها هي محور السؤال والحكي.

    _تقدم صقيع تجربة تقنية محبوكة رقميا، وهي تقنية وظيفية سردية. فحالة القلق التي تعيشها الذات والتي جاءت في شكل هذيان أو حلم، تدفع الذات نحو السؤال عن ذاتها وعن منطق التحولات في زمنها دون أن تلتجئ إلى مؤسسة أو سلطة للإجابة عن أزمتها، وإنما التجأت إلى ذاتها وهو الشكل الذي شخصه بلغة الشعر والأغنية النصان المترابطان.

    _ نلاحظ في صقيع عملية التناوب في جعل القصة تتحقق إبداعيا ورقميا.فالحالة القلقة للذات يكسرها السردي الذي يجعل النص في النهاية يظل منفتحا أو يظل يعيش حالة الانفتاح مع جعل نهاية النص برابط نص وسيط مترابط. لتظل الصورة هي آخر شئ يبقى في ذاكرة/ تاريخ القراءة.

    _يعبر صقيع باعتباره محكيا ذاتيا مترابطا عن كونه يشكل استمرارا للحالة السردية العربية التي تعيش حالة انعتاق الذات من ضمائر الغائب والجماعة والمخاطب، لتأتي خارج كل الضمائر عارية من كل الأقنعة تواجه سؤالها وأزمتها برعب الحالة ولكنها تنتصر على الحالة حين يظهر زمن المحتمل ممكنا.

    وفي نهاية هذا الكتاب الشيق والعميق والفريد من نوعه من حيث مناقشة النظرية بتطبيقاتها في الأدب العربي تخلص الكاتبة إلى عدد من النقاط بالغة الاهمية وهي:

    _ إن الانخراط في الأدب الرقمي هو مطلب حضاري بامتياز. وليس نزوة أو موضة عابرة، والمسألة محسومة معرفيا وثقافيا وانتروبولوجيا .

    _ إن حالة التردد التي تتسم بها عملية التعامل والتواصل مع الأدب الرقمي، من قبل مجموعة من الكتاب والنقاد هي حالة تعبر عن وضعية الثقافة التكنولوجية في الممارسة العربية، وأيضا في الانشغال الذهني والفكري.

    _ إن تراكم النصوص الرقمية في التربة العربية يعد مدخلا عمليا لتفتيت حالة التردد، كما يساهم في إدخال القارئ العربي إلى هذا العالم العجيب والمدهش والغريب والجديد.

    _ تقبل النص الرقمي التخييلي مشروط بخلق مادة نصية تخييلية، تكون مؤهلة كميا وكيفيا لإثارة انتباه القارئ، وتحفيزه على التواصل مع هذا التخييل الرقمي.

    _ بناء على طريقة تأملنا في تجربة الأدب في علاقته بالتكنولوجيا، فإن الأدب الرقمي هو مفهوم عام تنضوي تحته كل التعبيرات الأدبية التي يتم إنتاجها رقميا. والمترابط مفهوم يعيّن الحالة الأجناسية لهذا الأدب، أما التفاعلي فهو إجراء رقمي عبره تتحقق رقمنة النص.لكنها تأويلات لدلالات مفاهيم قابلة للتحول وفق مستجدات تجربة النصوص.



    mefleh_aladwan@yahoo.com

    المصدر
    http://www.arab-ewriters.com/?action=showitem&&id=5662
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2

    رد: كتاب " زهور كرام":"الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية"

    دراسة وتامل/سعيدة الرغوي:
    أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية


    دراسة الغلاف


    جاء الغلاف عاكسا البعد الرقمي ، ففي أعلى الغلاف صورة للدكتورة " زهور كرام " باللونين الأسود والأبيض ، وكأنها بتوسلها اللونين تختزل باقي الألوان، إلى جانب صورة الكاتبة هناك اسم الكتاب داخل إطار مستطيل ، ثم نلحظ على الغلاف أيضا بعض الأرقام ، وهي إحالة على ما هو رقمي ، ثم بوابة البحث في الشبكة العنكبوتية Google ، كل هاته المؤثثات تضافرت للإحالة والتأشير على عنوان الرواية " الأدب الرقمي ، أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية ".
    أما ظهر الغلاف فيعرف بطبيعة هذا الكتاب ، وفحواه ، ويشير إلى أن كتاب الأدب الرقمي يدخل في إطار محاولات التحسيس بهذا التجلي الأدبي الجديد .
    يستفتح الكتاب بتقديم للناقد المغربي " الدكتور سعيد يقطين " بعنوان : " الأدب الرقمي والرهانات ".
    يشير بداية إلى تباين وتعدد الميادين والمجالات التي اهتمت بها الدكتورة " زهور كرام " ، ويلمح إلى تراوحها بين الإبداع والنقد ، ويقف عند إسهاماتها العديدة في تطوير الفكر النقدي العربي الحديث والمعاصر عبر مشاركتها في العديد من الندوات والملتقيات ، والمؤتمرات الوطنية والعربية والدولية ، كما يلمح إلى كون الدكتورة " زهور كرام " أضفت على الكتابات النسائية طابعا جديدا وخاصا ، ويستحضر إسهامها في هذا المتجلي الجديد " الأدب الرقمي " ، من خلال وقوفها عند النص المترابط وإشكالاته .
    ويشيد الناقد بعملها ، لأنه يرى في كتابها هذا إضافة جديدة ونوعية لهذا النوع من الأدب الذي يتجلى عبر شاشة الحاسوب ، ويعتبر ارتقاء إلى مرحلة جديدة من التعبير والتفكير ، ويضيف بأن الكتاب يدور حول محورين ، المحور الأول يتطرق إلى إشكالات الممارسة الإبداعية الرقمية في ظل الكتابات والأدبيات الأجنبية ، إذ تقف الكاتبة على المنجزات النظرية للنقاد والباحثين ، بل حتى المبدعين سيما في فرنسا وأمريكا ..وينتقل للإشارة إلى كون الكاتبة جعلت إلى جانب الشق النظري شقا آخر عملي ، عمدت من خلاله إلى إبراز تجربة الكاتب الرقمي " محمد سناجلة" من خلال تحليلها لبعض أعماله الروائية ، لينتهي إلى أن الكاتبة بهذا تسهم في تطوير الأدب والنقد العربي الرقمي .
    بعد التقديم للناقد المغربي " سعيد يقطين " نعانق محتوى الكتاب والذي استهلته الكاتبة بمدخل مفتوح تحت عنوان : " الثقافة الرقمية : حالة وعي يتشكل " ، ومن خلال هذا المدخل ومن منطلقات فلسفية بحثة تشير الكاتبة إلى أن أشكال التعبير لدى الإنسان قد تطورت الشيء الذي استدعى تطور مواز على مستوى الفكر والثقافة والإبداع ، كما تعتبر أن الانتقال والتحول في أشكال التعبير يخلق وعيا مغايرا مسايرا للطبيعة الجديدة .
    وبهذا الصدد تقول :" لهذا يحق لأفراد كل مرحلة تاريخية ، التعبير بواسطة الإمكانات والأدوات المتاحة ، لأن تلك الإمكانات ليست مجرد وسائط ، وإنما تعبر عن شكل تفكير مرحلة تتغير الحياة وفق تغير شروط تفكيرها ، والتفكير يتطور أيضا وفق شكل التعامل مع هذه الشروط ، إنها مسألة متداخلة ومتراكبة.
    بعبارة أخرى:
    بعد التقديم للناقد المغربي " سعيد يقطين " تستهل الكاتبة كتابها بمدخل مفتوح بعنوان الثقافة الرقمية ، حالة وعي يتشكل ، في هذا المدخل تشير الكاتبة إلى أن تطور أشكال التعبير الإنساني، وظهور ممارسات إنتاجية جديدة تثير تساؤلات حول شرعية أجرأتها ، وفي ظل التغيرات المتسارعة سوف تتغير نظرة الإنسان للعالم والأشياء والحياة.
    ولعل هذا ما تشير إليه الكاتبة بقولها : " إن انتقال الحضارات من مستوى تواصلي إلى آخر ، أكثر استثمارا لتطور الفكر البشري ، الذي فيما هو يطور أدوات تفكيره ، فيما هو يسعى إلى حياة أكثر انفتاحا على الخلق والإبداع وتجديد الرؤية يولد أشكاله التعبيرية التي تعبر عن حالة الوعي بهذا الانتقال ".
    ومن تم تخلص إلى ضرورة أن يستعين أفراد كل مرحلة تاريخية بالإمكانات والوسائط المتاحة لهم ، لكون نمط الحياة يتغير وتتغير معه شروط وأدوات التفكير ، وتعتبر كل هاته الأشياء متداخلة ، كما تقر بأن الزمن التكنولوجي قد حرر الإنسان وبدل نظرته لذاته وللعالم ، فشكل ذلك منعطفا جديدا عمق رؤية الإنسان إلى العالم ، وتعتبر أن الثورة التكنولوجية أسهمت في خلق ثقافة بمواصفات تكنولوجية تحكمها الوسائط الإلكترونية والرقمية ، الشيء الذي أسهم بدور كبير في انوجاد فضاء رحيب تجسر من خلاله الذات على التعبير بحرية دونما قيود.
    وهذا ما يستشف من خلال قولها : " ساهم ذلك في تحرير الإبداعية الفردية "، وترى أن هذا التحول أصبح سؤالا ملحا بل مستفزا لراهنية التفكير البشري.
    وتلمح إلى أن المجتمعات العربية لم ترق بعد إلى مستوى هذا التحول إذ لا زالت مستهلكة لهاته الوسائط الرقمية، ولم تسع بعد إلى إنجاح هاته الأخيرة من أجل تطوير أشكال التفكير ويعزى ذلك في نظرها إلى معيقات الفكر الحداثي ، وتقف على أسباب التخلف في الأخذ بهذه الوسائط لتفعيل التفكير العربي وتحمل جانبا من الفشل إلى السياسات الرسمية العربية التي تدفع بأدمغتها التكنولوجية للهجرة خارجا.
    وتتساءل عن قدر المشهد العربي ، وعن موقعه في ظل هذا التحول الفكري الصناعي المعلوماتي التقني.
    لتضيف أن المعرفة لم تعد تحت رحمة الدولة، لأن التكنولوجيا وأدواتها المتطورة المتلاحقة مكنت الإنسان من الانفتاح على مكتسباته المعرفية، ولم يعد منحصرا في دائرة ضيقة توسم بالمحلية والانغلاق.
    وبهذا الصدد تقول: " نظرا لكون العالم بفضل التطور السريع للتكنولوجيا أصبح منفتحا على مكتسباته المعرفية، وعلى انتصاراته" .
    وتعتبر أن المعرفة أصبحت متاحة للجميع بشتى اللغات وشتى السبل بمجرد امتلاك معرفة تكنولوجية بسيطة وثقافة تكنولوجية .
    وتتساءل هل يمكن في ظل كل هاته المعطيات الحديث عن ملامح تشكل الفرد داخل التجربة التكنولوجية العربية؟.
    كما تثير مسألة الحرية في تعامل الفرد العربي مع هذه الإمكانات التكنولوجية الجديدة التي أصبحت متوفرة بقوة، وتشير إلى أن هناك أطروحات ذهبت إلى حدود القول بضرورة منح الحرية الكاملة في التصرف، لأنها ترى في ذلك تخلص وتطليق لزمن الكبت والقمع وممارسة الضغوطات، ولأن الحرية تعتبر في نظر هؤلاء قيمة إنسانية فعالة، وتعتبر أن هذا الأمر ربما يتسم بالمعقولية والموضوعية لكون هذا الزحف التكنولوجي يعمل على تشجيع مبادرة الخلق والإبداع دونما رقيب سواء كان ذاتيا أو قادما من خارج الذات.
    وتعتبر أن حرية الفرد في التصرف في هذه الإمكانات التكنولوجية رهين بالانخراط الواعي في تجربة الزمن التكنولوجي، ودون ذلك فإن الازدواجية سوف تستمر في السياج الفكري العربي.
    وتدعو إلى ضرورة أن يواكب هذا المتغير الجديد بأسئلة ذات بعد ثقافي فلسفي وجودي .
    وتنتقل إلى الإشارة إلى تلون العقلية العملية الإبداعية بتلوينات جديدة في ظل الثورة التكنولوجية إذ اكتسحت مجالات مغايرة بتوسل الوسائط الإلكترونية ، والشبكة العنكبوتية ، مما انعكس على الأدب ونقده ، لتتغير معها المفاهيم التقليدية المتعلقة بالنص " texte " والقارئ " lecteur " ، وتخلص في نهاية المدخل المفتوح إلى ما يلي :
    * - التجربة الإبداعية الرقمية العربية مازالت متعثرة ، وتسير سيرا حثيثا بالمقارنة مع التأليف الأدبي الرقمي في التجربتين الأمريكية والأوروبية ، وترجع أسباب ذلك التخلف لمصوغات بنيوية تكمن في المساحة والموقع الذي تحتله التكنولوجيا في الحياة العامة للفرد العربي ، وكذا الحياة المعرفية العلمية ، وتختم ذلك بأن الإنتاج العربي الرقمي حتى وإن كان بسيطا وناذرا ، فإنه لا ريب سيعمل على تخليص النقد العربي من الأسئلة المعتادة .
    بعد هذا المدخل المفتوح الذي اعتبرت فيه الثقافة الرقمية حالة وعي يتشكل تنفتح على الفصل الأول من الكتاب والذي جاء معنونا ب: " الأدب والتجلي الرقمي".
    وتستهله بالوقوف عند التجلي الجديد الذي اتخذه الأدب وباقية الأشكال التعبيرية الأخرى وذلك ببروز الوسائط الإلكترونية والتقنيات التكنولوجية الحديثة ، وتنتقل إلى اعتبار الأدب الرقمي أو المترابط أو التفاعلي أدبا يشكل رؤى جديدة لاستكناه العالم، إذ أنه حالة انتقالية لمعنى الوجود، وأيضا في طريقة وسبل التفكير، وتشير إلى أنه لم يتحدد بعد بدقة المصطلح المؤشر على النص التخييلي في الأدب الرقمي، وهذا ليس حكرا على التجربة العربية ، بيد أنه لم يتخذ شكلا واضحا حتى في التجربتين الأمريكية والأوروبية إذ تتعدد المصطلحات بين: ( تفاعلي، مترابط، رقمي، إلكتروني، معلوماتي، تشعبي ...).
    وبهذا الصدد تثير جملة من التساؤلات في ظل هذا التجلي والمتغير الجديد من قبيل :
    - هل بإمكاننا الحديث عن بداية ظهور وبروز تحديد جديد للأدب ولمنتجه ومتلقيه ؟.
    - وهل نحن بصدد شكل تعبيري رقمي يتيح إمكانية التعبير عن العلاقة التي تحكم الذات والعالم ضمن رؤى جديدة لشروط الحياة والتواصل مع مستهل القرن الحادي والعشرين، ثم تنتقل للتساؤل عن الممارسة الإبداعية الرقمية في التجربة العربية ؟
    - هل استطاعت هذه الأخيرة أن تحقق سجلا وحضورا مهما يؤهلها لأن تعتمد كمتن للاشتغال النقدي؟ ثم تثير سؤالا حول إمكانية إقصاء الذاكرة أو تجاوزها في ظل توافر الإمكانات الرقمية التي تجسر أن توفر للمشتغل بالحقل الرقمي كل المستلزمات من معلومات ونصوص ومعارف، وتعتبر هذه الأسئلة أسئلة سياقية ترمي من خلالها إلى التفكير بصوت موضوعي، وهي أسئلة تتوق من خلالها إلى تشييد بناء معرفي وفلسفي وأدبي، وتعتبر الحديث عن هذه الفرضيات السياقية والرقمية شيئا ضروريا للانخراط في عملية تأمل الأدب في علاقته بالرقمي.
    تعرج بعد ذلك وبمواصفات نقدية للتساؤل عن الأدب الرقمي أهو استمرار ، أم انقطاع في نظرية الأدب في ظل بروز هذا الشكل التعبيري الرقمي الذي أفرزته التطورات التكنولوجية، وهنا تقف عند العلاقة التي تربط الأدب الرقمي كمتجلي جديد والأدب المطبوع الورقي.
    - هل يستمر هذا الشكل في ظل هذا الجديد الذي اقتحم حياتنا اقتحاما ، وتؤشر بعد ذلك على تجنيس الأدب، إذ تقر بأن تجربة الأجناس الأدبية لا تقول بموت جنس أدبي ، بيد أن السابق يمتزج مع اللاحق ، وتعتبر السابق ذاكرة للكتابة والنص والتعبير.
    وتقف بعد ذلك عند بعض المنظرين الغربيين للأدب الرقمي وخاصة الذين اهتموا بالنص المترابط من أمثال " جورج لاندوو" الذي ما فتئ البحث عن العناصر المشتركة بين الأدب الورقي والأدب الرقمي ليشير إلى بعضها ، ويعتبرها أشياء مركزية في النص المترابط hyper texte ، وإن قبلت طروحاته بآراء معارضة من قبيل آراء sophie morcotte التي ترى في كل ذلك افتعالا ، وتضيف أن " لاندوو" بمشروعه هذا يقيم حوارا بين مجموعة من النظريات ، ومن تم فهو لا يستثني نظرية النص المترابط من تاريخ نظرية الأدب بل يعتبرها امتدادا لهذه النظرية .
    والكاتبة تعتبر بأن الأدب الرقمي ينهج الاتجاه نفسه الذي يعتبر النص الأدبي ذاكرة للنصوص واللغات والأصوات، وتعتبر أيضا الأدب الرقمي استمرارا للأدب الورقي لأنه يعمل على تطوير الأسئلة السابقة للدرس الأدبي، والتغير الحاصل في نظرها إنما هو تغير مرتبط ببروز لغة البرمجة المعلوماتية التي لا غنى لها عن النص الورقي، وتلمح الكاتبة إلى شرعية التعايش بين الأدب الورقي والأدب الرقمي نجد أساسها في تاريخ الحضارات والمعرفة ، وتؤكد على أن إلغاء الأدب الورقي مسألة تحتاج إلى إعادة نظر ، إذ تعتبر الكتابة الورقية أداة فعالة وركيزة أساسية لا محيد عنها للتعريف بهذا المتجلي الجديد ، وتقف هنا عند التجربة العربية ، إذ ترى أنها لم ترق بعد إلى مستوى القول بتلاشي الأدب الورقي ، أو إلى حد تغييبه ، لأن التجربة لا زالت جنينية ، فالمجتمع العربي لا زال يتعامل مع هذا المتجلي الجديد بنوع من الذهول والدهشة ، لذا ترى أنه إذا ظلت التجربة العربية تستهلك ما يرد إليها من الغرب ، فإنه لا محالة ودونما ريب ستظل في أسفل الزمن التكنولوجي ، وتدعو إلى ضرورة الانخراط الواعي من طرف الفرد العربي في هذه الأخيرة ، وتوسيع أفق التعامل مع الثقافة الرقمية الراهنية ، ثم تتساءل عن عدم الإيمان بالتعايش بين مختلف التجارب التعبيرية ، وتقر بأن النص المطبوع لا غنى عنه إذ سيبقى متواجدا إن آنيا أو مستقبلا وذلك تبرره بوجود كتاب لم يستطيعوا مسايرة هاته المستجدات لشروط مادية.
    وتنتقل بعد ذلك للحديث عن الأدب بين رهان التخييل وسلطة التكنولوجيا ، وتعتبر أن افتعال لحظة إبداعية قائمة على منطق التخييل ليس كفيلا بالخوض في مفهوم التجريب ، وتتساءل بعدئذ عن ركائز قيام مفهوم النص الرقمي ، وهل يلغي العلم والتقنية الموهبة والحس المنفرد للمبدع ، ثم تقدم تعريفا للأدب وتعتبره الخزان الرمزي لوجدان الشعوب والحضارات ، وتتساءل عن طبيعة الآليات التي يشتغل بها المؤلف الرقمي ؟.
    وتخلص إلى أن للتقنية الرقمية انعكاس على النص الأدبي ومكوناته التي تسمح له بعملية التحقق والتي وقف عندها الناقد الروسي " ميخائيل باختين " ، وحصرها في المحتوى والمادة ، ثم الشكل المولد للدلالة.
    وتشير د. " زهور كرام " إلى أن مفاهيم الأدب الرقمي لازالت مفاهيم قيد التشكل ، وتؤكد على شرعية الحديث عن تجربة الأدب المطبوع في ظل التفكير في الأدب الرقمي مادام الفكر البشري يطور أدوات تعبيره ، ومن ثم فقراءة الأدب الرقمي لا ينبغي أن تلغي ذاكرتنا النصية والنظرية.
    تنتقل بعد ذلك لكشف تجليات الأدب الرقمي و جديده ، باعتباره انفتاح على المتغير في ظل الممارسة الإبداعية ، ومن تم انتقال وتحول سياقي وبنيوي لغوي وأسلوبي في الظاهرة الأدبية ، وتتساءل عن حقيقة تشكل النص الرقمي وشرعيته الإبداعية ، وتعتبر أصالة هذا الأخير كامنة في منطق الاختلاف الذي أتى به ، ثم تعرف المؤلف الرقمي ، مواصفاته وكيفية اشتغاله ، وتقف عند التصور الذي ذهب إليه بعض منظري النص المترابط من موت المؤلف ، ومن ثم إدراج النص المترابط ضمن شرط ما بعد الحداثة والتي أعلنت نهاية اليقين ، و انكتاب النص الأدبي من خلال صبغة التعدد : ( تعدد الذوات ، الأصوات ، الأساليب...) ، وهذا ما تعتبره الكاتبة مؤشرا قويا على انشغال الأدب الرقمي على أسئلة النص من داخل نظرية الأدب ، ثم تبرز الانتقال الذي طرأ عل المصطلحات والتسميات فمن الكاتب إلى المؤلف الرقمي الذي أصبح متحررا من وهم النص التام المكتمل ، وتؤكد على هذا التحرر الذي أصبح عليه المؤلف الرقمي من خلال العودة إلى النص الرقمي أو الرواية الواقعية الرقمية " لمحمد سناجلة " صقيع ..التي تطرح بعد ذلك قضية القارئ الرقمي ، الذي يتوجب عليه امتلاك الثقافة الرقمية للتعامل مع النص لأنه مشارك بالضرورة في عملية تحقق النص ، ثم تتساءل عن إمكانية دخول القارئ الرقمي بفعل التحرر من سلطة النص الرمزية إلى التشتت في المداخل والنصوص والروابط وتنتهي بالقول أنه رغم الحرية الممنوحة للقارئ الرقمي فإن ذلك لا يخول له تعديل الروابط أو إضافة بعضها ، رغم امتلاكه لحرية إعادة تشكيل النص وترتيبه ، وتصل إلى محدودية هاته الحرية التي تظل نسبية خاضعة لمجال التأليف ونسقه ، وتؤشر على ذلك بتجربة " جون بيار بالب".في نصه الرواية – الإميل .
    و انطلاقا من هذه الأخيرة تتساءل عن مدى ارتباط فعل القراءة بالوضع النفسي والثقافي والتقني للقارئ، وهل يتحقق النص الرقمي انطلاقا من هذه المحددة السالفة الذكر؟.
    وتطرح الدكتورة في هذا الفصل إشكالية تجنيس النص ، ثم تشير إلى أنه مع الأدب الرقمي ستتمحور إشكالية الأدب في سؤال القارئ بدل سؤال النص وهذا ما يحذو بها إلى التساؤل عن مسألة التجنيس الأدبي ، وتشير إلى صعوبة تجنيسه ، وتضيف بأن المسؤول عن تجنيس نص ما هو القارئ ، وهذا يقودها إلى طرح أسئلة تسمها بالخطيرة.
    - حيث تقول هل أجناسية النص المترابط التخييلي مسألة غير ثابتة ، ذات علاقة بتحولات تفاعلية للقارئ ، وحالاته الثقافية والنفسية والمعرفية والجمالية مع النص المترابط ؟.
    - وتقر بشرعية هذه الطروحات إذ لا تتغيا من خلالها اتخاذ موقف ما ، بل تعتبر هذه التساؤلات تعبيرا عن الوعي النقدي والفلسفي ، إذ في نظرها الإيديولوجية هي تأويل الفكر والمعرفة.
    وتنتقل للحديث عن النص المترابط ، وتعتبر أن القراءة هي من يمنح للنص شرعيته ، ثم تعرج للحديث عن الرابط الذي لا غنى عنه لاستكناه عالم وأفق النص المترابط والوقوف على دلالاته فهو الذي يولد المعنى.
    وتؤكد على ضرورة معرفة الوظيفة التي يضطلع بها الرابط في النص المترابط .
    وتتساءل عن إمكانية اعتبار النص الرقمي حالة بنائية نصية في حالة تشكل مستمر ، ثم تنتقل للخوض في مسألة النص في علاقته بالأدب الرقمي ، وتغير أدوار كل من القارئ ، من قارئ مستهلك إلى قارئ فاعل في النص ، وأيضا تغير آليات اشتغال النص الذي تجاوز ما هو لغوي إلى الاستعانة بالصوت والصورة ، وبرامج المعلوميات ...) .
    لتخلص إلى أن النص الرقمي ينتعش من عدم الاكتمال.
    وتشير أيضا إلى أن مفهوم النص اللغوي قد تراجع بفعل اقتحام الدعامة التقنية ، وتدخل لغة البرمجيات المعلوماتية.
    وتحيل على كيفية إدراك النص الرقمي من خلال وضعيات :
    - وضعية النص – الشاشة
    - وضعية النص – المؤلف
    - وضعية النص – المقروء
    بعد هذا تمر للحديث عن النص المترابط التخييلي ، والذي يعتبر محور الأدب الرقمي إلى جانب الوسيط المترابط hypermédia ، ثم تقوم لعرض الأدب الرقمي في ظل التجربة العربية ، وتؤكد على أن الأدب الرقمي عربيا لازال متراوحا بين القبول والرفض ، ثم تعكس بعض التجليات العربية في الاشتغال على هذا الأدب والمتمثلة في بروز مقالات ودراسات وإنتاجات إبداعية ، بيد أنها توسم بندرتها .
    وتختتم الفصل الأول باستنتاجات مفتوحة.
    وبانتقالنا إلى الفصل الثاني للكتاب الذي جعلته الكاتبة بعنوان : " نحو تحليل أدبي رقمي للنص المترابط التخييلي العربي " ، نجد أن " د .زهور كرام" قد ارتأت له تقديما ضمنته جملة من العناوين الفرعية ، إذ تتحدث فيه عن الجنس الأدبي وانشغال النقد بالعملية الأدبية، وتاريخ بروز الجنس الروائي ، وتحيل على التحول الذي طرأ على النص الأدبي بفعل تطور الوسائط التكنولوجية ، وتؤشر على الصراع القائم بين الوعي المألوف والوعي الذي هو في طريق التشكل مع الأدب الرقمي.
    وتضيف إلى أن هذا الشكل الجديد من الأدب أسهم في ولادة ونشوء أشكالا تعبيرية جديدة تصنف ضمن الحكي المترابط التخييلي .
    بعد هذه التمهيدات حول طبيعة تشكل الأدب الرقمي تنفتح على التجربة الحية للمبدع الأردني " محمد سناجلة " والمتمثلة في رواية " شات " ، حيث تشير إلى محددات هاته الرواية والكامنة في العلامات المجسدة الوضع التشخيصي النصي للرواية ، بعدئذ تتحدث عن زمن التحميل temps de téléchargement وعن إمكانية اعتباره بمثابة عتبة انتقالية من واقع مادي إلى واقع افتراضي تخييلي ، وتتساءل عن إمكانية اعتبار زمن التحميل إشارة للانخراط في المنطقة الافتراضية والتخييلية ، بعد هذا تنتقل إلى اعتبار "شات " رواية تنتمي إلى ما قبل البدء السردي الذي ألفناه في النص المطبوع ورقيا ، وتعتبر " شات " خرقا للمألوف النصي من خلالها ارتكازها على الخلفية ، وتكشف عن الجديد في " شات" وهو حضور الصورة والمشهد إلى جانب اللغة المعجمية.
    كما تقف على كيفية بناء النص الروائي " شات " من خلال إشارتها إلى المنطق السردي الذي يحكم الرواية ، ثم الروابط الفاعلة فيها والمظاهر والوظائف السردية التي تضطلع بها هذه الأخيرة ، ثم تحيل على تعدد اللغات والأصوات داخل الرواية لتنتهي إلى كون " شات " سؤال الذات من خلال لغة رقمية.
    ثم تبرز مميزات النص المترابط " صقيع " للكاتب نفسه ، إذ تعتبره جاء بمواصفات خاصة متابينة عن " شات " ، وذلك من خلال خرقها للسياق الروائي المألوف ، ثم تخلص إلى أن صقيع تعد تجربة جديدة بالنسبة للوعي النقدي إذ ركزت على الذات ، ومن هنا تستشف الكاتبة انبثاق ثقافة جديدة تتمحور حول الذات ، إذ أصبحت هاته الأخيرة مدار السؤال و الحكي .
    وتختم الفصل بالحديث عن الأدب الرقمي الذي جاء كنتيجة للتطورات التكنولوجية ، وتعتبر الانخراط في التجربة الرقمية ضرورة حضارية ملحة ، وتردد العديد من الكتاب والنقاد العرب في الانخراط في هذه التجربة حالة تعكس الوضعية التي توجد عليها الثقافة التكنولوجية في الممارسة العربية ، وتؤكد على أن بروز نصوص رقمية عربية هو بمثابة مؤشر قوي على تفتيت حالة التردد ، واقتحامهم هذا العالم الذي تسمه بالغريب والمدهش والجديد .
    وتستنتج الكاتبة أن الغموض و اللاوضوح لا زال يلف مفاهيم هذا الأدب الرقمي / التجلي الجديد سواء في التجريبيتين العربية أوالغربية ، وتضيف بأن الأدب الرقمي مفهوم عام ، وتجزم بأن تشكل وعي حقيقي بالأدب الرقمي يستدعي الانخراط الفاعل للنقاد والمثقفين في هاته التجربة كتابة ، تأملا ، نقدا ثم تفكيرا .
    بعد الفصل الثاني الذي كان بمثابة فصل تطبيقي، تختتم الكتاب بمعجم الأدب الرقمي الذي ضمنته مصطلحات رقمية ، وتنتهي بالإشارة إلى المصادر والمراجع التي اعتمدتها في إخراج هذا الكتاب، ثم الإحالة على محتوى الكتاب.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3

    رد: كتاب " زهور كرام":"الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية"

    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #4

    رد: كتاب " زهور كرام":"الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية"

    د. زهور كرام: الأدب الرقمي حقيقة أدبية تميّز العصر التكنولوجي

    د. زهور كرام
    الأدب الرقمي حقيقة أدبية تميّز العصر التكنولوجي
    ضعف تجربة الأدب الرقمي في التجربة العربية، تعكس علاقتنا كمجتمعات عربية بالتكنولوجيا
    الناقد مطالب بامتلاك ثقافة التقنية ومعرفة التكنولوجيا

    حاورها: رامز رمضان النويصري
    أعادني كتابها، الذي وصلني حديثاً، إلى لقائنا الأول بطرابلس فترة انعقاد المؤتمر العربي الأول للثقافة الرقمية (مارس 2007)، حيث النقاش كان منصباً على حقيقة الثقافة الرقمية وإشكالياتها والمساهمة العربية، العديد من الأوراق ألقيت، والعديد من النقاشات والحوارات دارت. لكن الدكتورة “زهور كرام” الناقدة والباحثة، دعمت رؤيتها وقراءتها في المنتج الرقمي من خلال بحثٍ متخصص، نشر العام الماضي بعنوان (الأدب الرقمي- أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية)، والذي قرر ضمن المناهج الدراسية الجامعية بالمغرب. هنا نلتقي الدكتورة “زهور” في حديث عن الأدب الرقمي.
    هل يمكننا القول بحقيقة الأدب الرقمي حقيقةً؟
    إنّ التعبيرات التّعيينية (المصطلحات، التسميات، التوصيفات…) لأي ظاهرة، تعبّر عن وجود الموضوع. عندما ظهر مصطلح ”الأدب النسائي”في بداية الأمر، رفضه البعض لكونه يجزئ الأدب إلى أنثوي وذكوري، و دافع عنه البعض الآخر لكونه يمنح للمرأة اعتبارا رمزيا، في الموقفين معا كانت المقاربة لمصطلح ” أدب نسائي” تتم – في غالب الأمر- من خارج النص النسائي ، النقد الأدبي بقي بعيدا – بعض الشئ- أمام هيمنة التعاقدات المألوفة من الذاكرة حول المرأة، لكن، مصطلح الأدب النسائي عاد إلى وضعيته المعرفية الموضوعية عندما اشتغل النقد الأدبي على النص النسائي، ووقف عند المتغيرات التي يطرحها النص الأدبي الذي تنتجه المرأة، والذي يقترح دلالات مغايرة لمفاهيم متداولة. هذا المثال يشبه – إلى حد ما – النص الرقمي وعلاقته بهذا التجاذب بين الرفض والقبول حسب العلاقة مع التكنولوجيا أولا، ثم حسب إمكانية المتلقي لهذا الجديد الذي يدفعه إلى تغيير نظرته للنص الأدبي. إنها مسألة تتعلق أكثر بمدى قدرة الشعوب على التعامل مع الجديد أي غير المألوف، واعتبار المألوف وضعية إنتاجية تاريخية أي تعيش التحول والتطور والتجاوز.
    لهذا، فلا يمكن أن نتحدث عن شئ هو غير موجود. الأدب الرقمي حقيقة أدبية تميّز العصر التكنولوجي في أمريكا وأوروبا، وعربيا ما يزال يخطو باحتشام كبير وهذا له علاقة بمدى انخراطنا في حالة التطور، ومدى توفرنا على مناخ يسمح بمثل هذا الإبداع، كما يتعلق أيضا بوضعية النقد الأدبي وقدرته على متابعة تطورات حالة النص الأدبي .
    ما هو الأدب الرقمي أو النص الرقمي؟
    التفكير لا ينبني إلا على وجود موضوعه. الأدب الرقمي هو التعبير الرقمي عن تطور النص الأدبي.
    الأدب لا يعيش الثبات من حيث نظامه وبنائه، نظرا لكونه يعرف تحولات في شكله ولغته تبعا لتغير وسائطه مما يؤثر على مختلف مكوناته من جهة، ونظام ترتيب تلك المكونات من جهة ثانية. الأدب الرقمي هو محقق الآن في التجربة الغربية وهذا راجع لتطور وسائطه التي تساعد على الانخراط فيه بسرعة، أما في التجربة العربية فهو ما يزال يعرف تعثرا كبيرا في تحقيقه، لأن ثقافة الوسائط التكنولوجية التي يعتمدها الأدب الرقمي في إنجازه وتحققه ما تزال لم تتشرّبها بعد الذهنية العربية باعتبارها ثقافة الإنتاج وليس فقط ثقافة الاستهلاك.
    ضعف تجربة الأدب الرقمي في التجربة العربية تعكس علاقتنا كمجتمعات عربية بالتكنولوجيا التي أصبحت المحرك الجوهري للزمن الراهن. ولا يمكن ضمان الانخراط في هذا الزمن إلا من خلال ضمان استثمار وسائط الزمن التكنولوجي. في نظرة سريعة حول المجال الذي يتحقق فيه النص الرقمي في التجربة الغربية سنلاحظ أن الجامعة هي أرضية خصبة للتحفيز أكثر على التفاعل مع هذه التجربة. ونحن ندرك جيدا أن تطور البحث العلمي يضمن روح المغامرة والإبداع وتجديد الاكتشاف. البحث العلمي لدينا ما يزال مرتبطا بمنظومة تقليدية ولهذا فهو لا يخلق الشروط الموضوعية لتبني فكر المغامرة والإبداع. لكن، مع ذلك هناك بقع ضوء بدأت تظهر وتحفز على التعامل مع هذه الظاهرة الجديدة في الأدب كما نجد في تجربة البحث العلمي بالمغرب من خلال تكوينات علمية في الماستر وأيضا بداية اختيار الطلبة الباحثين لمواضيع أطروحاتهم الاشتغال على مواضيع مثل النص التفاعلي والأدب الرقمي إلى غير ذلك مما له علاقة بمجالات الأدب والتكنولوجيا.
    مفاهيم الأدب الرقمي ما تزال ملتبسة بعض الشيء، ليس فقط في التجربة العربية، وذلك لكونها حديثة العهد وتحتاج إلى تأملات نقدية تدعم وضوحها الذي لا يعني بالضرورة ضبط المفاهيم بشكل قاطع، ولكن على الأقل خلق مجال نقدي موضوعي لبلورة مختلف المفاهيم التي تؤطر الأدب الرقمي. وحسب طبيعة اشتغالي على الموضوع يمكن التعامل مع مفهوم الأدب الرقمي باعتباره مفهوما عاما تنضوي تحته كل التعبيرات الأدبية التي يتم إنتاجها رقميا. وبهذا، تصبح باقي المفاهيم التي تحيط بالرقمي مفاهيم تحدد الحالة النصية الرقمية، مثل الترابطي باعتباره مفهوما يعيّن الحالة الأجناسية لهذا الأدب، والتفاعلي باعتباره إجراء رقميا عبره تتحقق رقمية النص. لكنها تأويلات لدلالات مفاهيم قابلة للتحول وفق مستجدات تجربة النصوص المنجزة رقميا.
    أشرت في معرض إجابتك السابقة، إلى ضعف مستوى الأدب الرقمي المقدم.. فأين ترين المشكلة؟
    لا أعني بالضعف المستوى الفني والجمالي للتجربة العربية ، ولكن أقصد ضعف التراكم. لأن التقييم الفني والإبداعي يحتاج أولا إلى متن موضوعي يسمح بقراءة التجربة في إطار تصور عام لمخاض التجربة. صحيح نحن نمتلك رؤية نقدية ومعرفية حول المنجز الغربي في هذا المضمار، لكننا نحترم أيضا شروط تكوّن التجربة الإبداعية سياقيا أي احترام مناخ التأسيس، والذي أعني به الشروط الثقافية والعلمية العربية. لهذا اعتبر أن كل محاولة لإنجاز النص الرقمي في التجربة العربية تعد رائدة بالقياس إلى وضعية الوعي النقدي والإبداعي بهذا الأدب الجديد. وأرى أيضا أن كل الذين يحاولون ويغامرون في التجربة يؤسسون لذاكرة النص الرقمي العربي، هذه الذاكرة التي ستشكل محطة جوهرية في مسار تاريخ تشكل النص الأدبي الرقمي العربي. هذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها. أما عن مشكل ضعف تراكم التجربة عربيا، فهذا يعود إلى علاقتنا بالتكنولوجيا ، وهي علاقة ما تزال تعتمد الاستهلاك أكثر من الإنتاج، إلى جانب كون الانخراط في الأدب الرقمي إنتاجا وتفكيرا وأسئلة يحتاج إلى تفكير مرن ومغامر ، تفكير حر يتعامل مع الجديد بنوع من الاكتشاف، وليس النفور فقط بسبب الجهل. كما أن هذا الأدب يأتي في إطار تطور حالة النص الأدبي الذي يتغير بتغير الوسائط والأسئلة، والسؤال المطروح الآن هل النقد العربي يساير تطور الأدب من خلال مختلف تجلياته، أم أنه نقد يعتمد فقط مسايرة الراهن من حيث التلقي المنسجم مع المألوف، ذلك لأن الأدب الرقمي هو تجلي أدبي غير مألوف بالنسبة للتلقي، ولهذا فالتعامل معه في غياب خلق شروط معرفية نقدية واعية قد تخل بمنطق تلقيه، ومن ثمة تدفع نحو رفضه. ألا يتطلب الأمر من النقد العربي أن يناقش الأدب الرقمي في إطار تحولات نظرية الأدب، ومسايرة تطور الأدب مع تجدد وسائط تجلياته؟. أضف إلى ذلك، أن المؤسسات الثقافية العربية والتي لها سلطة تدبير الشأن الثقافي ما تزال لم تقترب بعد من هذا الأدب، وهو ابتعاد يعبر عن طبيعة هذه المؤسسات. إلى جانب أن الجامعات العربية لابد أن تدخل مجال هذا الأدب من خلال تكوينات علمية أكاديمية، وشخصيا أعتبر أن الضمانة الأساسية لتحصين الأدب الرقمي من كل انفلات معرفي هو البحث العلمي، ذلك لأن الظواهر المعرفية والقضايا الأدبية الجديدة غالبا ما يتم النفور منها، ومعاداتها لكونها غير مألوفة، ولهذا يأتي البحث العلمي لتحصينها علميا. وهذا ما نجده اليوم في الجامعات الأمريكية والأوربية وهذا الاهتمام الكبير بالنص الأدبي والتكنولوجيا، لأننا عبر الجامعة نشجع التفكير المستقبل لهذه الظاهرة الجديدة، ونكوّن جيلا جديدا يتقبل الظاهرة بحس علمي ومعرفي. أظن أن الأمر يحتاج إلى اهتمام متعدد الجوانب، النظري والتجريبي مع لقاءات كثيرة تعرّف بالأدب الرقمي، وتنظيم ورشات تكوينية في الموضوع، وانفتاح المبدعين والنقاد على ثقافة التكنولوجيا.
    وهل يمكن اعتبار ما يقدم من خلال الشبكة، أدباً رقميا؟
    طبعا ليس كل ما ينشر على الشبكة هو أدب رقمي. لأن الأدب الرقمي ليس أن ننجز نصا ورقيا مثلا ثم نحوله إلكترونيا في الشبكة لكي نقول إنه رقمي. في الشبكة نتعامل مع مختلف الوثائق والنصوص التي تم تحويلها إلكترونيا والتي يمكن طبعها على الورق. الأدب الرقمي لا يمكن إنجازه خارج المجال الإلكتروني، لأنه يتحقق بواسطة البرامج المعلوماتية، ولا يقرأ إلا من خلال شاشة الكومبيوتر وعبر تشغيل البرامج، ولذلك يصعب طبعه باعتباره نصا أي وحدة إبداعية.
    أين تقف تجربتنا الرقمية؟
    عربيا من خلال نصوص الكاتب الأردني محمد سناجلة الذي أتمنى ألا يتخلى عن الإبداع في هذا المجال، وأيضا الشاعر العراقي مشتاق معن من خلال إنتاجه قصائد رقمية، ثم تجربة الكاتب المغربي محمد شويكة في القصة الترابطية وأيضا تجارب المسرح الرقمي بالعراق على الخصوص، بالإضافة إلى محاولات أخرى متفرقة يسعى أصاحبها إلى دخول التجربة إبداعا، ثم تتجلى تجربتنا الرقمية عربيا من خلال النقد والتفكير في الثقافة الرقمية كما نجد مع الكاتب المغربي سعيد يقطين وأيضا الناقدة الإماراتية فاطمة البريكي والكتاب السيد نجم وأحمد فضل شبلول وعبير سلامة وعبد القادر حسام من مصر و العديد من الباحثين والنقاد الذين نشروا مقالات ودراسات حول الأدب الرقمي والنص التفاعلي خاصة في موقع اتحاد كتاب الانترنت العرب الذي يعد – بالفعل – واجهة لنشر الثقافة الرقمية. لا تنحصر تجارب الاهتمام بهذه الثقافة فقط في هذه الأسماء ولكن هناك الكثيرين الذين يحفزون على التعامل مع هذه الثقافة بوعي موضوعي من خلال دراساتهم. إلى جانب المؤتمرات والندوات والورشات التكوينية الخاصة بهذه الثقافة، وأذكر هنا على سبيل المثال أول مؤتمر حول الثقافة الرقمية والذي عرفته عاصمة ليبيا بطرابلس منذ سنوات، وأيضا الندوات التي انعقدت بالأردن ودول عربية أخرى. مع الإشارة إلى بداية انخراط البحث العلمي في هذه الثقافة كما نجد في الجامعة المغربية من خلال انفتاح الدراسات العليا( الماستر) على تكوينات علمية حول الموضوع، وأنا شخصيا كنت قد درّست مادة الأدب الرقمي قي ماستر الآداب المقارن بجامعة محمد الخامس بالرباط.إضافة إلى بداية اهتمام طلبتنا بهذا الموضوع واتخاذه موضوعا للبحث في أطروحاتهم الجامعية.
    ما هي أهم سمات هذا الأدب؟
    أهم مظهر يعين طبيعة هذا الأدب باعتباره حالة تطورية لمسار الأدب هو علاقته بالوسيط التكنولوجي، الذي يغيّر مادته اللغوية. فإذا كانت اللغة المعجمية هي الأساس في تجربة النص الأدبي، فإن موقعها في النص الرقمي يتغير، وتصبح اللغة المعلوماتية ذات وجود جوهري في إنجاز النص الرقمي. النص الرقمي بتحققه فهو يحقق اختلافات جوهرية في إنجاز النص الأدبي بدءا من شاشة الكومبيوتر إلى البرامج المعلوماتية إلى مكونات الإنتاج التي تؤدي إلى تغير في مفاهيم منتج النص (المؤلف) وقارئه ولغته ونظامه، وكذا الحالة الأجناسية للنص نفسه. كل شئ يتغير في نظام النص الرقمي لأن الوسائط مختلفة ، وبالتالي فإن نظام البناء يؤسس لشكل أدبي مغاير، تبعا لطبيعة اللغة الجديدة والتي تأتي بلغة المعلوميات وتنجز مساحة مفتوحة للنص، معها يتحرر القارئ من التعاقد المألوف في الكتاب الورقي( بداية ونهاية)، فالقارئ عبر تقنية الرابط يمتلك سلطة تدبير النص ، من خلال خياراته في تشغيل الروابط أو تركها، أو التعامل مع بعضها فقط.
    تنتج هذه الوضعية الجديدة للقارئ مفهوما جديدا للنص الأدبي الذي لا يوجد إلا من خلال القراءة المختارة(وليس المنتهية)، لأن في الأدب الرقمي ليس هناك قراءة منتهية. كل قراءة مفتوحة على أخرى حسب مزاج القارئ وقدرته على الترحال بين الروابط، ولهذا، فحتى مفهوم منتج النص يتغير.
    يمكن القول بأن النص الرقمي هو امتداد لتجربة التجريب في النص الأدبي الحديث خاصة السردي حيث تتلاشى الحكاية ويصبح للقارئ الدور الأهم في إعادة بناء الحكاية من جديد. الأدب الرقمي لا يخرج عن حالات تطور الأدب المكتوب ورقيا،ولهذا فوعينا به لا يجب أن يتم في إطار اقتطاعه من تاريخ الأدب الحديث، والتعامل معه على أساس أنه ظاهرة بدون ذاكرة ثقافية.
    الأدب الرقمي حالة تطورية للأدب في صيغته التكنولوجية، واستجابة لأسئلة الإنسان في هذا الزمن.
    ومن ثمة، فإن التعامل مع هذا الأدب هو تعامل مع تطور التعبير البشري.
    إذن، كيف تعرفين: الكاتب أو المؤلف الرقمي، الناقد الرقمي، القارئ الرقمي؟
    المؤلف الرقمي هو الذي يؤلف النص، مستثمرا وسائط التكنولوجيا الحديثة، ومشتغلا على تقنية النص المترابط، وموظفا مختلف أشكال الوسائط المتعددة. هو لا يعتمد فقط على الرغبة الإلهامية والمحفزة على الكتابة، ولكنه إلى جانب ذلك إنه على دراية بثقافة المعلوميات، لكونه يستعمل في إنجاز نصه اللغة المعلوماتية، وإذا لم تكن له ثقافة بالأمر فإمكانه أن يستعين بتقني أو مبرمج. وهذا شئ جديد في نظرية الأدب التي لم تكن تنظر إلى منتج الأدب في إطار تكونه العلمي. طبيعة الأدب الرقمي تتطلب هذه الخبرات أو على الأقل إدراك وظيفيتها في حال الاستعانة بشخص آخر.المؤلف هو الذي يؤلف بين مجموعة من المواد( اللغة، الصوت، الصورة، الوثائق، لغة البرامج المعلوماتية..) لينتج حالة نصية متخيلة غير خطية لا يتحقق جنسها أو نوعها إلا مع القارئ الرقمي الذي من المفروض أن يكون هو أيضا له علاقة بثقافة التكنولوجيا وإلا فإنه لن يتمكن من قراءة النص الرقمي قراءة رقمية. القارئ الرقمي يتغير وضعه في الأدب الرقمي مثل المؤلف. تصبح له حرية كبيرة ذات علاقة بمستوى تفاعله مع النص الرقمي، وبطبيعة اختياره للروابط. فالقارئ الرقمي ينتج النص الرقمي من جديد حين يختار له بداية مع رابط دون آخر، وحين ينهي قراءته للنص مع رابط دون آخر. بداية القراءة مع رابط تحدد نوعية القراءة ومن ثمة تعيّن نوعية النص.القارئ الرقمي أصبح له دورا مهما لأن قراءته لا تعني تلقي النص الذي أمامه، وإنما إعادة كتابته من خلال طبيعة تشغيله للروابط. فبداية قارئ قد تختلف مع بداية قارئ آخر مما يعني أننا لم نعد أمام نفس النص. النص الرقمي إذن مع هذا التحول في مفهومي المؤلف والقارئ يتغير منطقه ونظامه، وهذا ينعكس على شكل التلقي وعلى نظرية القراءة. القارئ الرقمي هو شريك في إنتاج النص.
    في كتابك (الأدب الرقمي) تناولت بالتحليل الرواية الرقمية كنموذج. هل الرواية هي الجنس الأدبي الوحيد القابل لأن يكون نصا رقمياً؟ وهل يمكن تحويل أي نص أدبي إلى نص رقمي؟
    اختياري لرواية سناجلة ” شات” لم يكن وراءه اختيار الجنس الأدبي (الرواية)، ولكن منطلقي كان الاشتغال على أكثر النصوص الرقمية العربية نضجا، والتي تسمح مساحتها البنائية والفنية بالتفكير في معنى النص الأدبي الرقمي. ” شات” تعد رواية رقمية عربية، تتوفر على مكونات مهمة تسمح لها بالانتماء داخل الأدب الرقمي. وبالفعل فقراءتي لها جعلتني أقف عند تحولات النص الروائي في بعده الرقمي. أما النص الثاني الذي اشتغلت عليه نقديا ” صقيع ” لسناجلة أيضا فلم أعتبره رواية لاعتبارات تخص منطقه وشكل بنائه، ولهذا فقد جنّسته ب” محكي- ذاتي مترابط/ hyper- auto-récit لأنه نص يأتي بمتغيرات بنائية وسردية وتقني- رقمية مست على الخصوص البعد التجنيسي لنص “صقيع”، أو ما يصطلح عليه ” جون ماري شيفر” بالهوية النصية.دور النقد هو الإصغاء إلى التحولات التي يعرفها منطق النص وهو يتشكّل لغويا، وهنا في وضعية النص الرقمي، وهو يتشكل رقميا.
    إذن، ليس الجنس الأدبي هو محور الاشتغال على التجربة الأدبية الرقمية، وإنما في الدرجة الأولى النص الأدبي وهو يخرج عن منطقه المألوف إلى وضعية جديدة، ثم بعد ذلك نشتغل على التجنيس إذا طرحه النص. كنت أتمنى – وأنا أشتغل على هذا الموضوع في كتابي- أن يكون أمامي مجموعة من النصوص الرقمية السردية المحقّقة عربيا، حتى أستطيع أن أكتشف التجربة العربية في أبعادها وتمظهراتها المتعددة.
    عندما نقول إن النص الرقمي لا يتحقق إلا باعتماد أرضيته الرقمية والمعلوماتية، إلى جانب اللغة المعجمية المألوفة إضافة إلى استثمار الوسائط المتعددة الحديثة ، ونؤكد على وضعية النص الرقمي في كونه لا يمكن قراءته إلا بواسطة إمكانيات إنتاجه، أي يقرأ على شاشة الحاسوب مع تنشيط الروابط وامتلاك قدرة قراءة الوسائط ، لهذا، فإمكانية تحويل نص أدبي ورقي مثلا إلى نص رقمي غير ممكنة، لأننا لا نكتب النص الإبداعي إلا مرة واحدة، إن حدث ذلك فمعنى هذا أننا غادرنا النص الأول في وضعيته الورقية وأنتجنا نصا آخر رقميا مختلفا كل الاختلاف. النص الإبداعي تجربة مخاض لغوي وحالة ذاتية، وهذه الوضعية هي التي تحدد عناصر بناء النص، وشكل البناء هو الذي يشخّص الوعي الإبداعي للنص. الروايات المكتوبة التي تم تحويلها إلى السينما لم تبق هي نفسها، رواية الكاتب الفرنسي فلوبير” مدام بوفاري” التي تحولت إلى السينما وفي عدة تجارب، مع ذلك بقيت الرواية المكتوبة هي الأكثر تبليغا لأثر اللحظة الإبداعية- حسب رؤيتي ومقارنتي بين قراءتي للرواية ومشاهدتي للفيلم- ، وهناك نصوصا أخرى عندما تم تحويلها سينمائيا جاءت أكثر بلاغة من النص المكتوب، هذا مؤشر على كون اللحظة الإبداعية لا يمكن أن تتحقق بنفس الشكل والرؤية في شكلين مختلفين، لأن اللحظة الإبداعية تتم برؤية، وعندما يختلف الوسيط تأخذ الرؤية شكلا مغايرا.
    على أي أساس يمكننا نقد النص الرقمي؟ إبداعياً أم تقنياً؟
    النقد يتطور مع تطور شكل النص الإبداعي. تاريخ النقد هو تاريخ الإصغاء إلى تحولات النص الأدبي.
    وشرعية النقد في قدرته على امتلاك قدرة تدبير القراءة من منطلق إمكانيات النص التي تتجدد بتجدد مفهوم النص الأدبي. ولهذا، فالنص الأدبي الرقمي شأنه شأن النص الأدبي في مختلف مراحله هو بناء ولغة رمزية وعناصر بنائية ومعرفة وفن وجمال وكلها عناصر يصهرها المنطق التخييلي لتشخّص رؤية ما، النقد لا يتعامل مع جانب دون آخر، لأن النص الأدبي هو وحدة منسجمة بمنطقها التخييلي. النقد الرقمي يشتغل على مختلف مكونات النص الرقمي من لغات متعددة ومختلفة( لغة معجمية، لغة البرامج المعلوماتية، الوسائط السمعية البصرية…)، والمدخل إلى إبداعية النص تبدأ من الإشتغال على عناصره التكوينية أي التي تكوّنه.
    أليس من الضروري أن يكون مثلث النص (الكاتب- القارئ- الناقد) على ذات المستوى من الثقافة الرقمية واستخدام هذه التقنية؟
    قراءة النص بشكل عام تتطلب وعيا بنوعية اللغة التي يكتب بها النص، وبماهية النص في إطار نظرية الأدب. فقارئ النص المكتوب ورقيا مثلا، لا يمكن أن يقارب نصا ويحلله، إذا لم تكن له دراية بمفهوم اللغة الإبداعية، وإذا لم تكن له خلفية ثقافية بالنظرية الأدبية ومناهجها وبمختلف الحيثيات التي تصنع تجربة النص الإبداعي، وإلا فإنه لن يكون إلا قارئا مستهلكا للمضمون أو الحكاية، و لن يستطيع أن يقترب من النص باعتباره خطابا أي يشتغل على طريقة صوغ النص إبداعيا.
    فالقراءة تختلف من قراءة انطباعية تعتمد على حس الذوق والآراء العامة، وهذا مستوى بسيط في القراءة يلتقي فيه القراء العاديون، إلى قراءة نقدية معرفية تتم بواسطة قارئ ممتلك لخلفية أدبية. ولهذا فحتى مع النص الرقمي فالقارئ الناقد مطالب بامتلاك ثقافة التقنية ومعرفة التكنولوجيا لكي يحسن التواصل مع النص، القارئ العادي الآن قد يحصل له بعض النفور من النص الرقمي، لأنه لا يمتلك ثقافة تقنية ومعرفية بالموضوع، لكن الناقد المنخرط في الدرس الأدبي فهو مسؤول على مرافقة حالات تطور النص الأدبي في الواجهة الرقمية، وهذا يتطلب منه أن يبذل جهدا كبيرا لكي يعقد التواصل معه، لأنه هو المسؤول على توصيل هذه التجربة إلى القارئ العادي، وتفسيرها وشرحها بأدوات نقدية مفهومة وقابلة للأخذ بها. غير أن الأمر لا يعني أن الناقد مطالب بأن يكون مهندسا معلوماتيا لأن في وضعية النص الورقي الناقد غير مجبر بأن تكون لغته لغة الإبداع، لأن لغة الناقد هي لغة واصفة تعتمد المناهج والأدوات وأساليب المقاربة المتعددة، بل حتى منتج النص الرقمي غير مطالب بأن يكون متخصصا في البرامج المعلوماتية، لأن بإمكانه أن يعتمد- تقنيا- على مهندسين، وهذا ما جعل النص الرقمي تجربة تتجاوز الكاتب / المفرد إلى الكاتب/ الجمع مما يجعل النص منفتحا على تعددية في القراءة.
    ألا ترين أن تدخل التقنية الرقمية يسلب النص الكثير من غوايته؟ وأنه يوجه القارئ في اتجاه واحد؟
    بالفعل، أحيانا عندما أقرأ بعض النصوص الرقمية الأجنبية مثلا، ينتابني هذا الشعور، الشعور بانفلات النص من روحه، إذ تصبح التقنية هي المهيمنة ، فتضيع المتعة. ولهذا فالنص الرقمي لكي يحقق إبداعيته ويدخل في إطار نظرية الإبداع فلابد أن يحقق أدبيته. مسألة أدبية النص الرقمي مسألة ضرورية وهي التي تمنح الشرعية الأدبية للنص الرقمي، وإلا فهو نص رقمي تقني خارج زمن الأدب. لا يمكن أن نضحي بجوهر الأدب في سبيل التقنية.ولا ينبغي أن نفقد المتعة الفنية والجمالية في الأدب بسبب التقنية، لأن الأدب يبقى في مختلف العصور مرتبطا أكثر بالوجدان، ويفعل في الإنسان من خلال أبعاده الإنسانية والجمالية والفنية.
    ما هي حظوظ التجربة العربية في هذا المجال؟
    كما قلت في جواب سابق، ما يزال الاقتراب من النص الرقمي في التجربة العربية باهتا، ما عدا تجربة الكاتب الأردني محمد سناجلة وبعض الكتاب العرب فإن التجربة لم تحقق تراكما بعد، لكي تخلق المناخ الذي من خلاله يتطور ما يسمى بالنص الأدبي الرقمي. المسألة ستتطلب وقتا ربما طويلا، مع الأسف يعبر هذا الوضع عن علاقتنا بالتكنولوجية وأيضا علاقتنا بمفهوم مسايرة التطور الذي يستوجب سرعة الانخراط حتى لا نبقى خارج الزمن. أظن أن اتحاد كتاب الانترنت العرب ساهم بشكل كبير في التحسيس بهذا الأدب وبالثقافة الرقمية بشكل عام، وحتى مبادرة الجائزة التي كان قد أطلقها حفزت الكثيرين على المغامرة في إنتاج النص الرقمي، أتمنى أن تعود هذه المبادرة من جديد، وأن يتم تفعيل هذه الثقافة الرقمية بتنظيم ورشات كتابة النص الرقمي من خلال عقد الشراكة مع مكونين عرب وأجانب أيضا ممن يمتلكون منهجية التكوين في هذا الموضوع، لأن مثل هذه الثقافة تحتاج إلى التحفيز والتكوين.
    أعتبر أن كل منشغل بثقافة هذا الأدب الرقمي في المشهد العربي فإنه يساهم – على قدر المستطاع- في خلق شروط موضوعية للانخراط في منظومة الزمن التكنولوجي.
    _________________
    * نشر بصحيفة القدس العربي
    مقالات جديدة
    المصدر
    http://www.doroob.com/archives/?p=42565
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. "فرنسا 24" و"الحرة" … أو حين تتنكر "الدبابة" في ثوب "الميديا" كتبه شامة درشول‎
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-18-2015, 10:36 AM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-31-2012, 02:13 PM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-13-2012, 08:03 AM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-09-2012, 09:43 AM
  5. "فيسبوك" أكبر أداة تجسس عالمية.. و"ياهو" و"جوجل" واجهتان لـ"cia"
    بواسطة شذى سعد في المنتدى فرسان التقني العام.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-21-2011, 07:52 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •