منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    بعض نقاط حول رواية النبطي /يوسف زيدان

    السلام عليكم
    حقيقة اعتبر ان الصورة اكتملت بقراءة الرواية الثانية ليوسف زيدان /النبطي بعد قراءة عزازيل واظنهما متكاملتين زمنا واحداثا لكن الرؤية كانت من زاوية مختلفة , صحيح ان البطل هو من كان يحكي ورغم ان البطل في عزازيل رجل وهنا امراة فهي تعطينا هكذا صورة مكتملة تاريخيا واجتماعيا,حيث نرى صوت المؤلف يعلو بسرده التاريخي ,في تأصيل مالا نعرفه عن التاريخ , وفي إظهار الغائب منه, وما أدهشني فعلا الكم الكبير من التعقيبات عن الرواية الذي وجدته عبر الشابكة فمما لاشك فيه ان المؤلف يملك ادواته الروائية بامتياز وكاميرا ثاقبة النظر شفافة بآن.
    والتساؤلات التي تطرحها في زمن ظهور خاتم النبيين والصورة العامة للشخوص فيها, كانت لافتة وجديرة بالتوقف لرؤية حيادية واقعية ومنصفة,بعين أصحابها وقتئذ,فاللغة الآسرة التي تثير فيك البحث عن مصدر كلمات لم تعد مستعملة في زمننا هذا وربما تخص الزمن الذي قيلت فيه.
    والأغرب صوت الأنا الي شملت معظم التعقيبات عن الرواية ومتى غابت الأنا عن البشر؟لاأجدها ميزة بقدر مأنها هوية إنسانية بامتياز.
    ومااخشاه هو ان ياتي تعقيبي تكرارا وهذا مالاأريده حقيقة.
    وما لفت نظري ناهيك عن اللغة الآسرة وبعض ألفاظ لفتت نظري لأبحث عن أصلها وهل هي صحيحة فعلا وعربية أصيلة.
    مثل البرابي ,تقلقَ...
    ونكاد نلمس تلك الروح الروائية في النص من خلال مواقع عديدة قوية كما في الصفحات:204-189-208-150 وغيرها كثير.
    وهذه مقدرة ليست على السرد فقط بل على الحفاظ على روح الشد والجذب للقارئ.
    الشاعر المذكور وهو صريع العواتك! هل هو شخصية حقيقية؟ فلم لم نجد له ذكرا واضحا في المراجع. ام هو قصور في الأدوات التي بين يدي؟
    كان الرابط التي حصلت عليه مدهشا بحق
    http://www.google.com/search?source=ig&hl=en&rlz=&q=%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D 8%B9+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%A7%D8%AA%D9%83&bt nG=Google+Search
    يدفعك لمطالعة ما ذكر وكتب حول هذا الموضوع. وبصراحة أكثر ربما لم نجد رواية مخلصة للتاريخ بإنصاف مثلها.
    فكاميرته المكبرة والتي تعرف متى تركز ومتى تعطي لقطة سريعة ومتى تتوقف عن الدوران ومتى تعطينا صورة بانورامية ميزة تخصه وحده فإن كانت الروائية ذكرى محمد نادر تملك الرؤية الشبكية للمشهد فغنه يملك اللقطة البانورامية لكانك ترى المكان بكامل تفاصيلة دون حذف ولارتوش...
    ولاأدري إن كانت تلك المعلومة تهم القارئ:
    فعندما تغتال الغبار حقيقة تاريخية تجعلها ثابتة أكثر لان هناك من يهمه ان ينبشها.1
    لفت نظري الفطرة الإيقاعية لغناء الحادي في الصحراء وبالطبع لم تكن موزونة كفاية فهل نقلت بإخلاص وكان النص منقولا فعلا؟2
    وقد حاولت فتح باب للنقاش حولها تجدونه عبرالرابط
    http://www.omferas.com/vb/showthread.php?29767-ترنيمة
    ربما احتاج النص لبعض هوامش لامور ذكرت غارقة في عمق التاريخ كما في الصفحة 201 عندما تساءلت البطلة ذاتها مارية عن الشهور العربية! والفروق بين تأريخهم والشعوب المجاورة ربما كان اجتهادا يتيما منقبل الكاتب , ويبقى الامر منوطا بسؤاله شخصيا.
    رغم ان عنوان الرواية هو النبطي وربما اختفاؤه من لعب دور هام في حياة البطلة مارية جعل السؤال على شفاهنا لم كان العنوان هكذا؟ هل لان النبطيين اختفوا فعلا؟
    نجد انه ترك قنبلة غريبة في آخر النص كما في روايته الأخرى التي تظهر مدى سلعية المراة وهبوط إمكانية بوحها بما تريد وتبغي. هل هذا يكفي كرسالة دارت حولها الرواية؟ وفكرة الأنا التي هي محور معظم الروايات تقريبا فهي نزعات الإنسان دوما.
    اظن ان المسكة التأريخية كانت اهم كل تلك الأمور جميعا...
    و الأجمل أنه ترك بصيص امل نتوق إليه في الروايات ونبحث عنه حتى لاتظلم النهايات.
    ****************
    1-انظر صفحة 41 و صفحة 103 كمثال.
    2-انظر صفحة 161
    ريمه الخاني 14-3-2011
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2

    رد: بعض نقاط حول رواية النبطي /يوسف زيدان

    مختارات من الدراسة النقدية لرواية /النبطي/يوسف زيدان:
    مهدي نصير (عمّان ( الاردن ) نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي الجمعة, 21-يناير-2011</SPAN> 01:01 مساءا

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




    رواية يوسف زيدان الجديدة النبطي والتي مؤخرا عن دار الشروق وتقع في 381 صفحة هي قراءة واستكمال أو مواصلة لما بدأه في رواية عزازيل حيث يواصل يوسف زيدان حفرياته العميقة في أديان هذه المنطقة وآلهتها وصراعاتها وصراعاتهم وانكساراتهم وموتهم وانتصاراتهم ..الخ .
    غطَّت عزازيل صراعات الكنيسة وآبائها ومدارسها ومذاهبها وطوائفها وحروبها وفتنها وذلك في القرنين الرابع والخامس الميلاديين ويواصل في النبطي حفرياته لتغطي القرن السابع الميلادي وهي الفترة الأكثر خصباً والأكثر تأثيراً في تشكيل الوعي الجمعي الأعلى للأمة العربية .
    تنتهي رواية عزازيل بخروج هيبا هائماً على وجهه قلقاً غير مُحدَّد الاتجاه وتبدأ رواية النبطي من التاريخ والصراعات التي ما زالت آثارها باقية في صعيد مصر وفي الكنيسة المسيحية بكافة طوائفها .
    تبدأ الرواية من قرية صعيدية قبطية صغيرة كَفر النملة رحلتها المُضنية في البحث عن الأسئلة التاريخية والدينية والحضارية الكبيرة والتي ما زالت تُغذي حتى الآن حركة المجتمعات العربية وتقلباتها وانكساراتها وهزائمها وأشواقها ..الخ .
    رواية النبطي رواية على لسان القبطية ماريَّة أو ماويَّة كما أسمتها أم زوجها النبطية
    في حيواتها الثلاث، حيث قسَّم يوسف زيدان روايته إلى ثلاثة أقسام هي :
    الحياة الأولى: وتسرد بها ماريَّة حياتها وحياة أهلها في الصعيد في الفترة الانتقالية بين حكم الفرس لمصر وخروجهم ودخول الروم إليها، حيث يصف يوسف زيدان هذه الفترة ببراعة روائية وإنسانية عالية (في هذه الحياة تبرز الصراعات المسيحية بطوائفها ومذاهبها المختلفة، حيث تكون ماريَّة في هذه الحياة على مذهب اليعاقبة).
    الحياة الثانية: وتسرد بها ماريَّة رحلة زواجها من صعيد مصر عبر سيناء وأيلة ووادي عربة للوصول إلى مضارب زوجها النبطي سلامة في البتراء، في هذا الجزء تبدأ الأخبار تتوارد عن النبي القرشي وديانته الجديدة ومعاركه وانتصاراته، حيث تلتقي القافلة في الطريق بقافلة لـحاطب بن أبي بلتعة القرشي والذي كان يحمل معه جاريتين هدية من حاكم مصر إلى النبي وهما ماريَّة القبطية وأختها سيرين، في هذه الحياة تبدأ العلاقة بين ماريَّة المسيحية وبين ديانة الأنباط (الربَّة اللات وإيل وذو الشَّرى) .
    الحياة الثالثة: وتسرد ماريَّة بها حياتها في البتراء (مركز الأنباط) حيث تصف حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم ومساكنهم ونساءهم ورجالهم وآلهتهم وقلقهم وتوزُّع ولاءتهم
    (حيث نجد عائلة زوج ماريَّة النبطي موزَّعة في ديانتها فأخوه الأكبر تديَّن باليهودية وزوجها سلامة بالمسيحية وأخوهم الصغير النبي النبطي يبحث عن ديانة إيل وأمهم أمُّ البنين تطوف كلَّ صباح حول تمثال الربَّة اللات) هذا التشتُّت العميق داخل الأسرة كناية عميقة عن أن العرب ما زالوا مشتَّتين في أناهم الجمعي الأعلى (إلههم الأعلى).
    يبرز في هذا الجزء شخصية النبيُّ النبطي كشخصية محورية في الرواية كرمز للتيه والضياع.
    وأعتقد أن الحياة الرابعة مُضمرة في الرواية في الفصل الأخير من الرواية الخروج حيث أن هذا الفصل مفتوح على الحياة الرابعة، المُبهمة والغامضة والمستمرَّة حتى
    الآن.
    وهنا لا بد من الإشارة إلى مجموعة ملاحظات ربَّما تُضيء النص وتمنحنا مفاتيح لقراءته :
    أولاً :الرواية قراءة لتاريخ الرسالة المحمدية من زاوية نظر أُخرى غير الزاوية التي قُرئ بها هذا التاريخ، حيث نقرأ رؤية أخرى (قراءة الآخر) لأحداث نعرفها بقراءتنا التقليدية، مثلاً:
    1- إخراج اليهود من الجزيرة العربية وقتل سادتهم وسبي نسائهم، ووجهت بغضبٍ شديد من الهودي الأخ الأكبر لسلامة النبطي ـ ص263
    2ـ هدم كعبة اللات بالطائف وقتل كاهنتها الكبرى من قبل المسلمين والذي قرأناه انتصاراً للحق على الباطل تقرأه الرواية من خلال شخصية أم البنين والتي مثَّلت في الرواية شخصية إنسانية مُتحضِّرة وطيبة وذات أخلاق وسماحة عاليتين والجميع يحبونها ويجلّونها ويحترمونها حيث عندما يصلها خبر هدم اللات في الطائف تقوم بأكثر مشاهد الرواية تأثيراً وعُمقاً فتبكي بُكاءً شديداً وتقوم بحركات عصبية وانفعالية وتسقط ميِّتة عند صنم اللات التي كانت تطوف حولها كل يوم صباحاً قبل أن تبدأ العناية بشؤون أسرتها الكبيرة .
    3ـ عندما أحضروا بعض آيات القرآن الكريم للنبي النبطي وقرأها وأُعجب بها علَّق: يأتي بهذا ويُسيلُ الدماء ـ ص309
    وفي الرواية أمثلة كثيرة على هذه القراءة المختلفة لأحداث التاريخ .
    ثانياً: الحوارات التي دارت بين ماريَّة والنبي النبطي حوارات إنسانية عميقة وواعية ومُدركة لحركة التاريخ والنُّبوة والوحي والآلهة وأبرزت شخصية النبي النبطي بصورة عالية وكشخصية إنسانية ذات رؤية، والرواية بشكل عام تُضفي على شخصيته هالة عالية من الاحترام والحُب وربَّما بقراءة مقارنة مع رواية عزازيل، فالنبي النبطي يمثِّل الموازي الدرامي والمحوري لشخصية هيبا.
    وربَّما تُعطينا هذه القراءة المقارنة مفتاحاً لفهم ما أرادت الرواية أن تقوله عن هذا النبي النبطي الذي قال عندما طلبه بنو تغلب ليكون نبياً لهم أن نبوَّته لم تكتمل بعد.
    ثالثاً: البعد الآخر والرمزي والأكبر في سردية الرواية هو أن خروج الأنباط للشَّتات كان بقرار من عمرو بن العاص ليكونوا جواسيس له قبل توجهه لفتح مصر، حيث تصف الرواية مشهد مضارب الأنباط الخربة والفارغة إلا من الرِّمال والصحراء والموت حيث هجرها الناس جميعاً إلا ذلك النبي النبطي بثوبه الأبيض تُلوِّحُ له من بعيد ماريَّة وتُراودها نفسها بالهروب من القافلة والعودة إليه لأنه حُبُّها الحقيقي (وهذا يُعطينا مفتاحاً آخر لفهم ما أرادت الرواية أن تقوله حول هذا النبي الذي هجره قومه جميعاً وتركوه للرمل والصحراء وضِباعها ووحشتها وأفاعيها ... صورة شعرية عميقة وفي غاية المأساوية، أبدع يوسف زيدان في رسمها كنهاية لهذه الرواية .
    رابعاً: وظَّف يوسف زيدان معرفته التاريخية بعمق وذكاء عاليين حيث ربط الأحداث في سرد ماريَّة مع الأخبار التي تَرِد من التجار القادمين إليهم والقوافل المارة بهم، والذي أعطى صورة بانورامية للقلق الحضاري والتاريخي الذي كانت تجيشُ به الصحراء العربية وما زالت .
    خامساً : هناك إشارة إلى نسطور الذي أقام بالبتراء في الجزء الأخير من حياته بعد نفيه ومحاكمته واتهامه بالهرطقة وهذا يُعيدنا إلى القراءة التكاملية بين عزازيل والنبطي.
    سادساً: هناك ملاحظة ذات دلالة توجِّهنا إلى اتجاه حركة النص وماذا يريد أن يقول من خلال الحوار الذي دار بين سلامة زوج ماريَّة وأخيه النبي النبطي الذي انتقد هذا التديُّن الجديد لأخويه سلامة ومالك (صريع العواتك) وإسلامهم حتى يجنيان مكاسب مالية جديدة من خلال تجارة السلاح والخيول والعبيد .
    سابعاً: هناك ملاحظة جغرافية متعلقة بمسار رحلة ماريَّة من صعيد مصر إلى البتراء، حيث تُشير الرواية إلى طريقين، طريق وادي رم وطريق وادي عربة، وتشير الرواية الى أن القافلة التي فيها ماريَّة سلكت طريق وادي عربة وتقول الرواية ص225 و 226 على لسان ماريَّة: فاعتليتُ البغلة وخرجنا باتجاه الشرق ثُمَّ عرجنا شَمالاً ..الخ وأظن أن هذا الوصف غير دقيق جغرافياً حيث أن المتجه من العقبة إلى البتراء عن طريق وادي عربة يتجه شَمالاً أولاً ولمسافة طويلة ويمر بوادي الأُحيمر والذي يحمل في جغرافية وادي عربة ذات الاسم الوارد في الرواية ثُم ينحرف عند وادي النملة باتجاه الشرق ليصل إلى البتراء، وهذا الطريق موجود كطريق معبَّد يربط طريق وادي عربة بالبتراء حتى الآن.
    ثامناً: هناك طرح عميق لفكرة النبوَّة ومعانيها في الحوار بين ماريَّة والنبي النبطي ص227 و 228: ماريَّة: سمعتُ من عميرو أنك ستكون نبياً؟ فما معنى النبوَّة؟
    - لها معان كثيرة، أشهرها الإخبار عن الإله
    - وكيف يكون ذلك؟
    - تشعر بالكلام في القلب، فينطق به اللسان
    - وما الذي تشعر به في قلبك؟
    برقةٍ وأدب ابتسم النبطي فأشرقت من بين شفتيه شمسٌ .. الخ
    هذه الرواية ذات اللغة العالية والباذخة والشعرية في مقاطع كثيرة جداً منها تفتح أبواب التساؤلات الكبرى وإعادة القراءة لتاريخٍ موغلٍ في السلطة والذاكرة وبحاجة إلى الحفر عميقاً لرؤيته من زوايا مختلفة وتاريخية لا عقائدية ومنفتحة على الآخر لا منغلقة .
    النبطي هي رواية النبي النبطي الذي حلم وكان يحاول أن يكوِّن حلماً ويحاول أن يكون نبياً لكنه لم يكتمل النبطي هذا النبي المهجور والملقى على رمال الصحراء حيث هجره أهله وهاجروا وراء الغنائم والجاسوسية وتجارة الرقيق والخيول والنساء في غلافٍ من رِقاعٍ جلدية طافت الأرض العربية فتاهت وتاهوا وتشتَّتوا وأكلتهم الرِّقاع والصحراء .
    إن أهم ما تطرحه هذه الرواية هو النبش والحفر في مكوِّنات الأنا الأعلى الجمعي لهذه الأُمة، المتعدِّد والمُتشظّي والذي تتناوبه عشرات الأناوات العليا الصغيرة عشرات الآلهة بعضها قُتل وبعضها اغتيل وبعضها يُمارس السلطة غصباً وبعضها هاجر وبعضها هُجِّر وبعضها اعتزل الحياة وبعضها تيبَّس ومات وما زالت زبانيته وكهنته تمارس السلطة باسمه .
    تطرح الرواية هذا الاشتباك بين الأنوات العليا (الآلهة) والذي لم يتم حسمه تاريخياً
    وحضارياً بل قُمعَ هذا الاشتباك بقوة السيف لذلك ما زال الدَّم يجري من هذا القمع حتى الآن .
    النبي النبطي، هيبا، هيباتيا، شخصيات أثيرة وعميقة وإنسانية تُمثل الخير والجمال والإنسان الطيِّب الواعي المُدرك لعمق التناقضات وغير القابل لتسطيح التاريخ وهي شخصيات قُهرت أمام جبروت الشر والفساد وهي شخصيات محورية في روايتي يوسف زيدان عزازيل و النبطي.
    العبارة الأخيرة في رواية النبطي عبارة ذات دلالة حيث تقول ماريَّة وهي ترافق القافلة المهاجرة من ارض الأنباط الى الشَّتات: هل أغافلهم، وهم أصلاً غافلون، فأعود إليه، لأبقى معه، ومعاً نموتُ، ثُمَّ نولدُ من جديدٍ .. هُدهُدين ـ ص381 .
    -------
    شاعر من الاردن
    http://www.baladnews.com/article.php?cat=10&article=9377
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3

    رد: بعض نقاط حول رواية النبطي /يوسف زيدان

    " النبطي " .. يوسف زيدان يواصل البحث في المسكوت عنه تاريخياً
    " النبطي " هي الرواية الثالثة للكاتب المصري يوسف زيدان بعد روايته «عزازيل» الفائزة بجائزة البوكر العربية في نسختها الثانية ورواية " ظل الأفعى "، صدرت طبعتها الثالثة في أقل من أسبوع عن دار الشروق في القاهرة، وفيها واصل زيدان كشفه عن المسكوت عنه في تاريخنا العربي القديم، منتقلاً من إشكالية الخلاف المذهبي المسيحي الكبير في «عزازيل»، إلى إشكالية مشاركة الجماعات الباقية من العرب البائدة الذين عروا بالأنباط لعمرو ابن العاص في فتحه مصر، وهو الأمر الذي قد يثير العديد من الخلافات حول التفاصيل التاريخية التي اعتمدها في إنجاز ملحمته الجديدة، مما قد يحيل أغلب القراءات النقدية للعمل إلى محاكمات تاريخية لا علاقة لها بالعمل كنص أدبي.

    تقوم الرواية على محاولة لجمع المصريين والأنباط الرحل عبر زواج واحد منهم بفتاة مصرية أوشكت على العنوسة، ومن ثم يصطحبها معه إلى بلاده كي تقيم بين بقايا حضارة الأنباط في المنطقة الواقعة بين الأردن وجزيرة العرب، وهناك تتعرف على عبادة هؤلاء العرب الذين اتخذوا من الجبال مساكن لهم، وعلى أساطيرهم وطرائق علاجهم وغذائهم وطقوسهم اليومية في الزواج والموت والميلاد، ومن ثم فالرواية تعتمد في أغلبها على البعد المعرفي أكثر من الصراع الفني، حتى أنها تبدو في بمنزلة زخم معرفي هائل صنع زيدان لأجله حيلة سردية تتمثل في زواج نبطي من مصرية واصطحابها إلى مضارب أهله في الصحراء.
    رواة وشخوص تاريخية


    ويمكننا من هذا المنطلق تقسيم الشخوص إلى رواة عارفين بالأخبار القديمة وهم الزوج/ سلامة وأخويه النبطي والهودي، وشخوص تاريخية بالفعل استجلبها لنصه كي يكون مبرراً فنياً لاستعمالهم الأنباط في خدمة الفتح العربي، وهم عمرو بن العاص وحاطب ابن أبي بلتعة وفروة ابن عمرو الجذامي، وأما النوع الثالث فهو الشخوص الفنية، أو التي نسجها العمل السردي بطبيعته القائمة على الشخوص والصراع والتفاصيل اليومية، وهؤلاء كثيرون كأم الفتاة وجيرانها والقس الذي في الكفر المقيمة فيه، وكذلك عمرو هو وعمه مالك وأمه أم البنين واليهود الذين رحلوا من خيبر بعد فتح النبي لها، وجاؤوا ليقيموا بجوار نسيبهم اليهودي، وغيرهم من أبناء وأحفاد أم البنين سواء الإناث أو الذكور.


    وجاءت الرواية على ثلاثة أجزاء، الأول رصد فيه تفاصيل حياة مارية في مصر، وذلك قبيل عودة الروم إليها، ويمكننا القول انه الزمن نفسه الذي نزلت فيه آية البشارة للمسلمين «غلبت الروم وهم من بعد غلبهم سيغلبون»، وحملت هذه المرحلة مسمى الحياة الأولى، وأما الحياة الثانية فقد اشتملت على تفاصيل ما يمكن تسميته بالرحلة المقدسة من مصر إلى مضارب الأنباط، وذلك لكثرة الأماكن المقدسة التي مروا بها، وكثرة المعلومات الواردة عن اليهودية والمسيحية ومعبود الأنباط الإله إيل.
    أما الحياة الثالثة وهي الأكثر فنية في العمل ككل فقد تضمنت حياة مارية في مضارب الأنباط، وعلاقتها بزوجها الذي لا تحبه ولا يحبها، واكتشافها أنه غير منجب وصبرها على ذلك، فضلاً عن علاقة الحب الجسدي التي نشأت بينها وبين أخته ليلي، وعلاقة الحب الروحي بينها وبين أخيه النبطي، كما أنها حاولت الإجابة عن: كيف استعمل العرب الأنباط في فتح مصر؟ فبعدما بارت تجارة الأنباط بسبب فتوحات العرب استغل الزوج سلامة معرفته بأمير الحرب عمرو ابن العاص، كما استغل زواجه من سيدة مصرية ليقنعهم أنه على معرفة بكل ما يدور بمصر، ومن ثم اقتنع عمراً بإرسالهم إلى مصر ليكونوا عيونه ويساعدوه في تجميع الناس لمعاونة جيشه في الفتح.

    إيقاع متفاوت

    في الوقت الذي بدا فيه إيقاع السرد رتيبا ومثقلا بالمعلومات التاريخية في الحياتين الأولى والثانية، فإنه في الثالثة تحول إلى تنويعات فنية متباينة لتشكيل لوحة زخمة بالتفاصيل الإنسانية، ويمكننا القول انه الجزء الأقل معرفية والأكثر فنية، بينما كان الأول بمنزلة تعريفات كثيرة على لسان الراوية، وهي فتاة لم تبلغ العشرين بعد، وحبستها أمها في بيتهم منذ العاشرة من عمرها حتى جاءها الخاطبون في الثامنة عشرة، ومن المدهش أنها تعرف كلام العرب والروم وأسماء الأشياء باللغات الثلاث في مثل هذا السن، وربما هو اضطرار فني لأن تكون مارية/الرواية حلقة الوصل بين ثقافات ثلاث قبيل ظهور اليهودي والنبطي إلى مسرح الأحداث في الحياة الثانية، وهو أمر يفوق خبرتها المعرفية في هذا السن، اما الحياة الثانية فكان أبطالها النبطي الذي رغب في النبوة ليتمكن بها من إعادة مجد الأنباط وإحياء هويتهم الدينية والثقافية، تلك الهوية التي تشتت معهم على هوامش البوادي والصحاري بعد أن جرفت السيول أجدادهم واقتلعتهم من منازلهم، مفسحة الطريق للعرب المستعربة كي يمتلكوا السيادة والرئاسة، أما اليهودي فهو الأخ الأكبر الذي بحث عن ذاته في كل الديانات حتى وجدها اليهودية، لكن اليهود لم يقبلوه لأن أمه ليست على دينهم، فتزوج بيهودية كي يضمن أن يقبلوا أبناءه، وبينما كان الزوج سلامة على المسيحية فإن زيدان حمله بغلظة قلب لا تتناسب مع الروح المسيحية في شيء، ليكون على نقيض أخويه النبطي واليهودي، ولا يتماثل حتى مع مالك صريع العواتك المفتون الدائم بالنساء، وعلى كل لم نفهم لهذا التنوع الديني والثقافي المتعايش بسلام تام في بيت واحد إلا أنه سبب فني من المؤلف لاستعراض عدة مئات من سنين التاريخ القديم في المنطقة، فضلاً عن رصد الصراع الحديث الذي بدا في الاختمار مع الهجرة النبوية إلى يثرب.

    جماليات المكان


    لعب المكان عاملاً مهماً في السرد، إلى درجة تذكرنا بأعمال الستينات والخمسينات الروائية، وبدا أن زيدان خطط هندسياً لعمله قبل الشروع فيه، فالخروج من مصر كان يتطلب المرور بالعديد من الأماكن التي تجهلها مارية والقارئ، وكان في التنوع الثقافي/الديني لدى رفاق الرحلة (النبطي، سلومة ، الهودي) ما يكفي لشرح علاقة كل مكان بفكرة الصراع الثقافي الدائر في تلك اللحظة من التاريخ، كان كل منهم يقوم بدوره كمرشد حين تظهر قلعته الروحية، فجبل إيل هو الجبل الذي نشأ عليه إله النبط، وجبل السكاكين هو الذي طلب من عليه موسى أن يرى ربه جهرة، فلما تجلى له خر الجبل خاشعاً متصدعاً على هيئة قطع صغيرة كالسكاكين، أما الكنائس والأديرة فهي مختلفة من مصرية إلى ملكانية أو رومية إلى نسطورية، ورغم أن زيدان تحاشى الدخول في عوالم «عزازيل» التي رصدت الصراع المذهبي بين الكنائس المسيحية، إلا أن الضرورة حتمت عليه الإشارة إلى بعضها، كالمكان الذي كان يتعبد فيه الأنبا نسطورس مؤسس النسطورية. وكان التجلي الأكبر لوصف المكان أو تخيله في مضارب الأنباط، حيث الجبال التي اتخذوا منها بيوتاً، وهي على هيئة طوابق محفورة بعضها فوق بعض في الصخور، أسفلها حجرات لتجميع مياه السيول، وهو بناء معماري يتوافق مع ما طرحه زيدان عن الديانة النبطية، أو نبوة النبطي القائلة بأنه لا يوجد موت ولكن حيوات متنوعة، وكأننا أمام دورات متعاقبة من التناسخ، فالروح لا تموت لأنها نفس الإله إيل، لكن الجسد هو الذي يفنى.

    شهدت الرواية عناية شديدة باللغة والحوار، وأورد فيها مؤلفها بعض الأجزاء المكتوبة على هيئة الشعر الحديث، وشهدت من الإحكام في البناء ما يجعلها واحدة من النصوص التاريخية ذات الوعي بأهمية إحكام الإطار الخارجي للنص وشغل تفاصيله الداخلية بعناية موازية، وقد بذل زيدان جهداً مهماً في جعل هذا الزخم المعرفي الكبير ينساب بنعومة تتوافق مع جماليات نص روائي، خالقاً من رحم الأسطورة وسفاسف الأخبار التاريخية عملاً يمكنه أن يعيد الاعتبار لواحدة من الأجزاء التاريخية التي سقطت من الذاكرة العربية عن عمد.


    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #4

    رد: بعض نقاط حول رواية النبطي /يوسف زيدان

    نبيّ بلا نبوءة وعاشقة عفّت وكتمت

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    فـاروق وادي
    رغم أن الشخصيّة السّاردة في رواية يوسف زيدان الثالثة "النبطي" أنثويّة، وأن خط السّرد يتتبّع مسار حياتها التعسة منذ خطوبتها حتى قرار زوجها اتخاذ زوجة أخرى عليها، إلاّ أن الكاتب اختار لروايته عنواناً مرجعيته إحدى شخصيّات الرواية الذكوريّة، وهي على أي حال شخصيّة ضئيلة الحضور على المستوى الفني وتحولات الأحداث المحوريّة في الرواية، وإن كانت تعني شيئاً للمرأة السّاردة وتحتل مكانة في مشاعرها وعواطفها التي تطويها في صدرها، دون أن تشي بها إلاّ بإيماءات متناثرة متفلِّتة، لتُفصح عنها في السطور الأخيرة للرواية.
    تتكوّن رواية زيدان الأخيرة من ثلاثة فصول، أو ثلاث حيوات، كلّ حياة منها تستقلّ في المكان والزمان، لكنها تتواصل لترسم تجربة امرأة متخيّلة، عاشت بين مصر وبلاد الأنباط خلال السنوات التي استبَقت زمن الفتوحات الإسلاميّة، وانتقال مصر من المسيحيّة إلى الإسلام.

    "الحيوة الأولى"، وفق تعبير المؤلف، سرديّة ستاتيكيّة لوقائع تستغرق في الحدث العادي وتغرق فيه، ترويها "ماريّة" (أو "ماوية"، كما يُطلق عليها لاحقاً بعد الزواج)، بادئة من ذلك اليوم الحار الذي جاء فيه إلى القرية المصريّة النائية، ثلّة من الرجال العرب الذين يعملون بالتجارة والمقيمين في الصحراء (التي تعرف الآن بجنوب الأردن)، قريباً من "أيلة" و"العقبة" ومنطقة الأنباط المحفورة في الصخر (دون أن يأتي الكاتب على ذكر البترا)، ليخطبوها لأحد أبنائهم.
    ينقضي الفصل الأوّل للرواية، والذي يستأثر على أكثر من ثلث حجمها، في أحاديث مسهبة عن الخطوبة، بتفاصيلها، واحتفالاتها، وطقوسها، من رقص وثياب والتهام الفطائر، وإعداد “مارية” ليوم الزفاف، وتهيئتها للانتقال في وقت قريب إلى حياتها الجديدة في أرض الزّوج.. الذي لم تستطع تبيّنه من بين الرجال القادمين لخطبتها.
    غير أن انتظار الصبيّة لا يطول. فها هي نُذر الصراعات بين الفرس وجيش "هرقل" أخذت تهبّ بمتغيراتها على المنطقة، فتدفع بالعريس "سلامة" (أو سلّومة) لأن يأتي وإخوته قبل الموعد المقرّر ليأخذوا العروس إلى ديارهم، قبل أن تعمّ الفوضى وتشمل البلاد. فتنهمك “مارية” في الاستعداد للسفر الذي حلّ قبل الأوان.
    سرد بطيء، متطاول في العاديّ والرتيب، ويبعث على الملل، يخترقه حدث واحد يسكن ذاكرة "ماريّة" منذ ثلاث سنوات، عندما التقت رجلاً غريباً في البريّة، ومن نظرة في عينيه، وبضع كلمات تصدر عن شفتيه، يكون الرجل قد اعتلاها وافتضها في وقت حيضها، دون أن تعرف للرجل الغريب اسماً، ومن غير أن يتكرّر اللقاء. لكن "ماريّة" تستشعر مع ذلك الغريب معنى اللذّة، وهي تقول عن تلك اللحظة السحريّة: "وأدركتُ أن ما يفعله بي، لي، لا له"!.
    تحريك رواكد السّرد البارد بحدثٍ ينهض على عنصريّ الجنس والغموض، وهما عنصران مضمونان للجذب وكسر الرتابة التي طغت على هذا الفصل، وبلغة عالية تجلّت هنا بثرائها، أسهم في توفير دفقة من الحرارة على تلك "الحيوة الأولى" الرتيبة، لـ"ماريّة" نفسها والقارئ معاً.
    غير أن هذا الحدث غير العادي، الذي اقتحم وقائع عادية، ظلّ أقرب إلى الترف السّرديّ. فهو إضافة إلى افتقاره القدرة على الإقناع، فإنه لا يترك أثراً بالغاً وممتداً في تجربة "ماريّة" وسرديتها الطويلة، إذ لا يثير مخاوف وهواجس عروس مقبلة على ليلة اختبار العذريّة والمنديل الأبيض المدموغ بدم البراءة، ولا يطرح مثل هذا السؤال لديها ولو بشكل عابر. ومع ذلك، فإن هذا الحدث يبقى هو سرّ "مارية" الذي لا تبوح به، في ما بعد، سوى لأقرب صديقة إلى نفسها، "ليلى"، شقيقة الزوج، التي تشهد لحظة الافتضاض بين العروسين، الغامضة والملتبسة، وتتواطأ مع افتقاد "ماريّة" لتلك العذرية المفترضة. ناهيك عن موقف الزوج الأكثر التباساً، وصمته غير المقنع في اللحظة التي من المفترض أن تستدعي لدى العربي الصحراويّ الذي ولد وعاش وتربّى في مضارب الأنباط القابعة في جوف الصحراء، أسئلة وهواجس كثيرة!
    ***.
    الفصل الثاني للرواية حمل عنوان "الحيوة الثانية". وإذا كان تعبير "الحيوة" (الحياة) يجوز للفصل الأوّل، وللفصل الثالث أيضاً، فإنه لا يجوز لهذا الفصل، لأن الرحلة من ديار "ماريّة" إلى ديار "سلومة" عبر صحراء سيناء، مهما تطاولت في الرمل والزمان والصفحات، تبقى أعجز من أن ترتقي لتشكِّل حياة، بمعناها الشّامل والمتكامل والممتد.
    مهما يكن، فإن هذا الفصل، الذي يتمدّد على نحو مئة صفحة، ويصف تفاصيل رحلة تستغرق وقتاً قد يصل إلى الشهر، ظلّ شاحباً ومفتقداً أيضاً لحرارة السّرد وتحولاته الدراماتيكيّة، رغم أن الرحلة، في طبيعتها، تنطوي من حيث المبدأ على مشاهداتها وحكاياتها ودهشتها المتجددة. غير أن رحلة الصحراء ضمن قافلة متباطئة المسير، اتسمت هنا بالرتابة والإيقاع السّردي البطيء. ورغم المحاولات التي بذلها الكاتب لكسر تلك الرتابة، إلاّ أنها بقيت رغم ذلك دون مستوى الوصف بـ"الحيوة الثانية". فالصحراء هي تكرار المشهد، "وكُلُّ ما يتكرَّر لا نشعر به، مهما كان شجيّا"، كما يقول الكاتب في مقامٍ آخر. فزيارة دير صحراويّ والمبيت فيه، والتقاء "ماريّة" صدفة بجاريتين مرسلتين هدية من الدوق الذي يحكم الناحية الشرقيّة من مصر، للنبي القرشيّ الجديد (محمد) الذي ظهر في يثرب، ومنهما "ماريّة القبطيّة"، التي تزوجها الرسول وأنجبت منه ولداً، لا يُحرّك رتابة الرّمل ووقته المتباطئ، ومثلها مرور عابر لشخصيّة عمرو بن العاص. كما لا يجدّدها تفريع رحلة أخرى من داخل الرحلة، تقوم بها شخصيتان في الرواية إلى أحد جبال سيناء.
    ***
    الفصل الثالث للرواية (أو "الحيوة الثالثة")، هو الفصل الأكثر إقناعاً وغنى سردياً فيها، حتّى يمكننا القول إن هذا الفصل هو الرواية، فيما الفصلان الأولان مقدمتان طويلتان علينا أن نتحمّل رتابتهما لنصل إلى هذا المستوى من حرارة السّرد وبراعته، إذ تمور هنا حياة دافقة بشخصياتها النابضة، مهما أصاب العديد منها من قصور.
    "ماريّة"، التي تسرد قصّتها وتجربة حيواتها على امتداد عقد من الزمان أو ما يزيد، تبدو ساذجة، تطرح أسئلة كثيرة، لكنّ الكاتب يستثمر سذاجتها وجهلها بكثير من الأمور ليُمرِّر من خلالها معلومات تاريخيّة ولغويّة وأنثروبولوجيّة تُعزِّز النواحي التعليمية/ التثقيفية التي يهدف إليها كاتب لم يتنازل عن كونه باحثاً أكاديمياً مشغولاً في الدّرس والتقصّي حول وقائع التاريخ والفكر والتراث. ورغم أن يوسف زيدان لا يستفيض في عرض الحقائق أو الإطناب في استعراضها، إلاّ أن الانشغال بالمعلومة وإلحاح هاجس إيصالها بشكلٍ من الأشكال، كان مقحماً في كثير من الأحيان، ولا يعدم المباشرة الأكاديميّة، ويأتي ليخدش سلاسة السّرد وانسيابيته.
    تبدو "ماريّة" مستسلمة لقدرها منذ اللحظة الأولى، يسوقها كما شاء لا كما تشاء. تخضع لزواجٍ جاءها بالمصادفة، وزوجٍ لم تختره، وتُذعن لاسم يقارب اسمها اختارته لها والدة الزوج. ورغم تجاوزها لكون أن في عينيّ الزوج حَوَلاً طفيفاً، وأن لفمه رائحة قويّة ناجمة عن إفراطه في الشّراب، وأنه تزوّج مرتين قبلها، دون أن يُنجب أولاداً، إلاّ أنها تقرّ أن عليها أن تكون وفية له، كالكلب مع صاحبه، كما عبّرت. ومع أنها لا تشعر نحو الرّجل بمشاعر الحبّ أبداً، أو الاشتياق إذا ما غاب، إلاّ أنها لا تتردّد بأن تستجيب له بترك دينها ودخول الدين الجديد الذي اختاره، الإسلام. وهو يستثمر إسلامه ليعبّر عن نيته الزواج مجدداً من امرأتين دفعة واحدة.
    إذا كانت شخصيّة الزوج "سلامة" (سلّومة) قد بدت مقنعة في تناقضاتها وحدود الدور المرسوم لها، فإن شخصيّة أخيه الأصغر "يونس"، المُكنى بـ"النبطيّ"، والذي حملت الرواية اسمه الأخير، بدت غير جديرة بالمكانة التي احتلها على غلاف الرواية، أو طرحها الكاتب ليكرِّس محوريتها المفترضة.
    "النبطيّ" أصغر إخوته. قال والده إنه سيكون ملكاً على الأنباط، وتوقعت والدته أنه سيكون نبياً. إنه يبدو كنبيّ أميّ مفترض، لكنه يبقى نبياً بلا نبوّة، فلا خبر يأتيه من السماء، ولا وحي من السماء يتنزّل عليه. وهو على أيّ حال لا يدعي النبوّة، مؤكداً أنه ليس نبياً، في زمن كثر فيه مدّعوها، وتزايد الأنبياء الذين يتقاتلون في قلب الجزيرة، ونفت فيه الرسالة المحمديّة ما بعدها. مع ذلك فإن لـ"النبطيّ" آياته وفلسفته في شؤون الحياة والميتافيزيقا: في الذكورة والأنوثة واختلاطهما في الشخص الواحد؛ ودوران الحيوات المختلفة؛ وله تصوراته ورؤاه في شؤون ما وراء الطبيعة، رغم أن كلام القرآن يحيِّره عندما يبلغه. كما أن له خصوماً يتحدثون عن أوهامه. ينتبذ جبل "إيل" وأماكن نائية، ويتوحّد في حجرته الحجريّة القائمة في جوار مضارب قومه. يسحر "ماريّة" بديع كلامه، رقّته وأدبه وتهذيبه، وتُبدي ارتياحاً لحضوره أمامها، وحضورها مجلسه، وتطرح في حضرته أسئلتها الحيويّة الملتبسة. وهي أخيراً، تتمنى أن تقضي ما تبقى لها من عُمر بقربه، تخدمه وتُعنى بكلبيه.
    ولا تفصح "ماريّة" عن طبيعة مشاعر العشق الذي تحمله لشقيق زوجها، "النبطي" هذا، إلاّ في الصفحة الأخيرة للرواية. فإذا كانت الهداهد (جمع هُدهد) هي أرواح المحبين، كما قال "النبطيّ" ذات يوم، فإن هوى "ماريّة" العائدة إلى مصر مع قوافل الأنباط الذاهبة للتبشير بقدوم جيوش الدين الجديد، الإسلام، مبقين "النبطيّ" خلفهم ليواجه موته الحتميّ في العراء وحيداً، يحركها لكي تطرح سؤال قلبها في النهاية: "هل أغافلهم، وهم أصلاً غافلون، فأعود إليه.. لأبقى معه، ومعًا نموتُ، ثم نُولدُ من جديد، هُدهُدَين". وهو سؤال يفترض ضمناً أن "النبطي" بادلها حبّاً بحبّ، وإن لم يبدُ عليه ذلك طيلة زمن الرواية وأحداثها، فيما اكتفت هي بإيماءات حول مشاعرها الغامضة تجاهه.
    الحالة الانسحابيّة التي تدمغ "النبطي"، والأقرب إلى حالة التوحُّد، تجعل من هذه الشخصيّة، رغم مزاياها على المستويين الذهني والأخلاقي، كياناً أقرب إلى الشخصيّة المُسطُّحة على المستوى الفني. فهي تبدو بلا تناقضات أو ألوان أو ظلال أو تحوُّلات أو صراعات داخليّة، أو حتّى مشاعر إنسانيّة، كما أنها ليست طرفاً في الصراعات الخارجيّة. بمعنى أنها شخصيّة مفتقرة إلى الحرارة الفنيّة، وبالتالي إلى جدارتها في موقعها المركزي المفترض في الرواية وعلى غلافها!.
    في مقابل ما تميّز به "النبطي" من برودة ووقار ينسجمان مع طبيعة الشخصيّة النمطيّة للنبي أو المتنبي أو منتظر النبوّة، ثمّة حرارة دافقة وتأجُّج لافت في شخصيّة "ليلى"، الأخت الصغرى له وللزوج، التي تعقد مع “مارية” صداقة حميمة، وتبوح لها بسرّ معاشرتها الجان الذين يسكنون الصخور المحفورة في الجبل، وتحفظ في الوقت نفسه سرّ "ماريّة" مع الرجل الغريب، وتنبني بينهما علاقة عاطفيّة وجسديّة شهوانيّة ملتبسة، تجد مبرراتها الفنيّة الكافيّة في حالة المرأتين، وتجد "ماريّة" تفسيراً مُقنعاً لها في السطور الأخيرة للرواية: "وليلى التي ابتعدتْ، لم تُرسل لي طيلة العامين تحيةً، واحدةً، كأن الذي جرى بيننا لم يكن. لعله بالفعل لم يكن. فأنا لم أكن أُفتِّش فيها، إلاّ عنه، ومسعاي لو كنتُ استطعتُ، هو التماسه عندها أو لمسه.. كان النبطيُّ مُبتغاي من المبتدأ، وحُلمي الذي لم يكتمل إلى المنتهى". ولعلّ الكاتب وجد في تزويج "ليلى" دون مقدمات، وإبعادها عن المكان، حلاًّ سهلاً وملفقاً لعجزه عن تطوير تلك الشخصيّة الباهرة، وعدم استدامة الإمساك بها إلى النهاية.
    أما شخصيّة الأم، "أمّ البنين"، والدة "سلومة" و"النبطيّ"، فقد بدت نمطيّة تمثِّل الأم القويّة ذات الحضور الكاسح بعد وفاة زوجها. ومصدر تلك القوة، في الأساس، جاء بعد قتلها ضبعاً في صباها، ثم تكرّست سطوتها في العشيرة لاحقاً نتيجة غزارة إنجابها الذكور، حيث أنجبت منهم بسبعة، فاستوت في مكانتها بين أبنائها وفي القبيلة، تضع صنم "اللات"، آلهتها المعبودة، في خيمتها، وتطوف حولها في طقسٍ يوميّ روحيّ تحرص عليه إلى النهاية.
    الأمّ التي تتعبد للّلات، وتفرض احترامها وطاعتها على الأبناء، تتمثّل كصورة مصغّرة لهيمنة الآلهة الأنثى. ورغم ما تبدو عليها من سطوة، فإنها تمارس ديمقراطيّة دينيّة سمحة، إن صحّ التعبير. فجميع أبنائها ينتمون إلى أديان وقناعات روحيّة مختلفة، لكنها لا تنفجر كقوى متصارعة إلى الحدّ التناحريّ. "سلّومة"، الزوج، ينتمي إلى المسيحيّة، ثمّ يتحوّل في وقت لاحق إلى الإسلام، و"الهوديّ"، الذي يكبره، يدين باليهوديّة، رغم عدم اعتراف اليهود باكتمال دينه، لأنه ليس من أمّ يهوديّة، و"النبطيّ" مشروع نبيّ لم يتحقّق على الأرض، رغم العمق الروحي الراسخ في شخصيته.
    ويأتي موت الأم صاعقاً، دراماتيكياً، وعميق الدلالة. ففي اللحظة التي يتناهى إليها خبر دخول نبيّ المسلمين بكّة (مكّة)، وهدمه كعبة "اللات" الكبيرة، تسقط على الأرض وقد لفظت أنفاسها الأخيرة. إنه التعبير عن نهاية آلهة قديمة والدخول في عصر آخر جديد، وهيمنة الرسالة التي جاء بها الإسلام، وتمدُّدها في الجزيرة وما حولها من بلاد.
    ولأن "النبطي" رواية تقوم على بنية تخييليّة محكومة بزمانٍ ومكان محدّدين في التاريخ والجغرافيا الواقعيّة، فإننا نجد شخصيات تاريخيّة واقعيّة تقتحم الرواية على مستويين، وإن لم تتجاوز حضورها الثانويّ في المتخيّل السرديّ. المستوى الأول، الأسماء التي تتناهى أخبارها عن بُعد، كالنبيّ القرشي، وأبي بكر وعمر بن الخطّاب وخالد بن الوليد. والمستوى الثاني، الحضور الفيزيقي لشخصياتٍ تاريخيّة أخرى واحتكاكها بالشخصيّات الروائيّة المتخيّلة، وأبرز هذه الشخصيات، عمرو بن العاص (وزوجته رائطة أو ريطة)، الذي يمرّ في الفصل الثاني بشكلٍ عابر قبل إسلامه، ويحضر في الفصل الثالث قائداً إسلامياً يتعرّف إلى "سلّومة"، ثمّ يزور مضارب الأنباط ويلتقي "ماريّة" ليسألها عن أحوال مصر، حيث يتهيّأ لفتحها. ومنها أيضاً شخصيّة "مارية" القبطيّة زوج الرسول المصريّة.
    وتعجّ الرواية بعدد آخر من الشخصيات المتخيّلة التي يعجز الكاتب عن مواكبتها وتطويرها. فـ"الهوديّ"، الذي سبقت الإشارة إليه، يبقى شخصيّة تراوح في مكانها، وصراعه الداخليّ بين يهوديته ورفضه من جانب اليهود يتسبب له بحالة أقرب إلى الكآبة النفسيّة التي تجعله منطوياً على نفسه، غير قابل للحركة والتطوُّر على المستويين الإنساني والفنيّ. ومثله ابنه "عُمير"، الذي تبدّى في الفصل الثاني شخصيّة مفعمة بالحيويّة والحضور المُحبب وينبئ بدور فاعل في الحيوة الثالثة، غير أنه ينتهي إلى أن يصبح زوجاً ليهوديّة جميلة، ثمّ يستجيب سريعاً لاعتناق الإسلام، فتبدو حيويته مجانيّة لا تفضي إلى شيء. ومثلها شخصيّة "مالك" (صريع العواتك) الذي يقيم بعيداً عن مضارب الأنباط ويأتي بزوجتيه زائراً. غير أن الرّجل المتقد، عاشق النساء، سرعان ما ينطفئ كحضور روائي لم يخل في البداية من وعود لا تتحقق على الصعيد الفنيّ. هذا ناهيك عن عدد كبير من الشخصيات التي تتحرّك في "الحيوة الأولى" كأطيافٍ تفتقر إلى النبض، ولم تُخلق إلاّ للنسيان.

    المصدر
    http://www.alrai.com/pages.php?news_id=387262
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  5. #5

    رد: بعض نقاط حول رواية النبطي /يوسف زيدان

    14/12/2010 كتاب كيف صار الأنباط عملاء لعمرو بن العاص؟! زيدان يواصل البحث في المسكوت عنه تاريخيا

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي غلاف الكتاب
    صبحي موسى
    النبطي» هي الرواية الثالثة للكاتب المصري يوسف زيدان بعد روايته «عزازيل» الفائزة بجائزة البوكر العربية في نسختها الثانية ورواية (ظل الأفعى)، صدرت طبعتها الثالثة في أقل من أسبوع عن دار الشروق في القاهرة، وفيها واصل زيدان كشفه عن المسكوت عنه في تاريخنا العربي القديم، منتقلاً من إشكالية الخلاف المذهبي المسيحي الكبير في «عزازيل»، إلى إشكالية مشاركة الجماعات الباقية من العرب البائدة الذين عروا بالأنباط لعمرو ابن العاص في فتحه مصر، وهو الأمر الذي قد يثير العديد من الخلافات حول التفاصيل التاريخية التي اعتمدها في إنجاز ملحمته الجديدة، مما قد يحيل أغلب القراءات النقدية للعمل إلى محاكمات تاريخية لا علاقة لها بالعمل كنص أدبي.

    تقوم الرواية على محاولة لجمع المصريين والأنباط الرحل عبر زواج واحد منهم بفتاة مصرية أوشكت على العنوسة، ومن ثم يصطحبها معه إلى بلاده كي تقيم بين بقايا حضارة الأنباط في المنطقة الواقعة بين الأردن وجزيرة العرب، وهناك تتعرف على عبادة هؤلاء العرب الذين اتخذوا من الجبال مساكن لهم، وعلى أساطيرهم وطرائق علاجهم وغذائهم وطقوسهم اليومية في الزواج والموت والميلاد، ومن ثم فالرواية تعتمد في أغلبها على البعد المعرفي أكثر من الصراع الفني، حتى أنها تبدو في بمنزلة زخم معرفي هائل صنع زيدان لأجله حيلة سردية تتمثل في زواج نبطي من مصرية واصطحابها إلى مضارب أهله في الصحراء.
    رواة وشخوص تاريخية
    ويمكننا من هذا المنطلق تقسيم الشخوص إلى رواة عارفين بالأخبار القديمة وهم الزوج/ سلامة وأخويه النبطي والهودي، وشخوص تاريخية بالفعل استجلبها لنصه كي يكون مبرراً فنياً لاستعمالهم الأنباط في خدمة الفتح العربي، وهم عمرو بن العاص وحاطب ابن أبي بلتعة وفروة ابن عمرو الجذامي، وأما النوع الثالث فهو الشخوص الفنية، أو التي نسجها العمل السردي بطبيعته القائمة على الشخوص والصراع والتفاصيل اليومية، وهؤلاء كثيرون كأم الفتاة وجيرانها والقس الذي في الكفر المقيمة فيه، وكذلك عمرو هو وعمه مالك وأمه أم البنين واليهود الذين رحلوا من خيبر بعد فتح النبي لها، وجاؤوا ليقيموا بجوار نسيبهم اليهودي، وغيرهم من أبناء وأحفاد أم البنين سواء الإناث أو الذكور.
    وجاءت الرواية على ثلاثة أجزاء، الأول رصد فيه تفاصيل حياة مارية في مصر، وذلك قبيل عودة الروم إليها، ويمكننا القول انه الزمن نفسه الذي نزلت فيه آية البشارة للمسلمين «غلبت الروم وهم من بعد غلبهم سيغلبون»، وحملت هذه المرحلة مسمى الحياة الأولى، وأما الحياة الثانية فقد اشتملت على تفاصيل ما يمكن تسميته بالرحلة المقدسة من مصر إلى مضارب الأنباط، وذلك لكثرة الأماكن المقدسة التي مروا بها، وكثرة المعلومات الواردة عن اليهودية والمسيحية ومعبود الأنباط الإله إيل.
    أما الحياة الثالثة وهي الأكثر فنية في العمل ككل فقد تضمنت حياة مارية في مضارب الأنباط، وعلاقتها بزوجها الذي لا تحبه ولا يحبها، واكتشافها أنه غير منجب وصبرها على ذلك، فضلاً عن علاقة الحب الجسدي التي نشأت بينها وبين أخته ليلي، وعلاقة الحب الروحي بينها وبين أخيه النبطي، كما أنها حاولت الإجابة عن: كيف استعمل العرب الأنباط في فتح مصر؟ فبعدما بارت تجارة الأنباط بسبب فتوحات العرب استغل الزوج سلامة معرفته بأمير الحرب عمرو ابن العاص، كما استغل زواجه من سيدة مصرية ليقنعهم أنه على معرفة بكل ما يدور بمصر، ومن ثم اقتنع عمراً بإرسالهم إلى مصر ليكونوا عيونه ويساعدوه في تجميع الناس لمعاونة جيشه في الفتح.
    إيقاع متفاوت
    في الوقت الذي بدا فيه إيقاع السرد رتيبا ومثقلا بالمعلومات التاريخية في الحياتين الأولى والثانية، فإنه في الثالثة تحول إلى تنويعات فنية متباينة لتشكيل لوحة زخمة بالتفاصيل الإنسانية، ويمكننا القول انه الجزء الأقل معرفية والأكثر فنية، بينما كان الأول بمنزلة تعريفات كثيرة على لسان الراوية، وهي فتاة لم تبلغ العشرين بعد، وحبستها أمها في بيتهم منذ العاشرة من عمرها حتى جاءها الخاطبون في الثامنة عشرة، ومن المدهش أنها تعرف كلام العرب والروم وأسماء الأشياء باللغات الثلاث في مثل هذا السن، وربما هو اضطرار فني لأن تكون مارية/الرواية حلقة الوصل بين ثقافات ثلاث قبيل ظهور اليهودي والنبطي إلى مسرح الأحداث في الحياة الثانية، وهو أمر يفوق خبرتها المعرفية في هذا السن، اما الحياة الثانية فكان أبطالها النبطي الذي رغب في النبوة ليتمكن بها من إعادة مجد الأنباط وإحياء هويتهم الدينية والثقافية، تلك الهوية التي تشتت معهم على هوامش البوادي والصحاري بعد أن جرفت السيول أجدادهم واقتلعتهم من منازلهم، مفسحة الطريق للعرب المستعربة كي يمتلكوا السيادة والرئاسة، أما اليهودي فهو الأخ الأكبر الذي بحث عن ذاته في كل الديانات حتى وجدها اليهودية، لكن اليهود لم يقبلوه لأن أمه ليست على دينهم، فتزوج بيهودية كي يضمن أن يقبلوا أبناءه، وبينما كان الزوج سلامة على المسيحية فإن زيدان حمله بغلظة قلب لا تتناسب مع الروح المسيحية في شيء، ليكون على نقيض أخويه النبطي واليهودي، ولا يتماثل حتى مع مالك صريع العواتك المفتون الدائم بالنساء، وعلى كل لم نفهم لهذا التنوع الديني والثقافي المتعايش بسلام تام في بيت واحد إلا أنه سبب فني من المؤلف لاستعراض عدة مئات من سنين التاريخ القديم في المنطقة، فضلاً عن رصد الصراع الحديث الذي بدا في الاختمار مع الهجرة النبوية إلى يثرب.
    جماليات المكان
    لعب المكان عاملاً مهماً في السرد، إلى درجة تذكرنا بأعمال الستينات والخمسينات الروائية، وبدا أن زيدان خطط هندسياً لعمله قبل الشروع فيه، فالخروج من مصر كان يتطلب المرور بالعديد من الأماكن التي تجهلها مارية والقارئ، وكان في التنوع الثقافي/الديني لدى رفاق الرحلة (النبطي، سلومة ، الهودي) ما يكفي لشرح علاقة كل مكان بفكرة الصراع الثقافي الدائر في تلك اللحظة من التاريخ، كان كل منهم يقوم بدوره كمرشد حين تظهر قلعته الروحية، فجبل إيل هو الجبل الذي نشأ عليه إله النبط، وجبل السكاكين هو الذي طلب من عليه موسى أن يرى ربه جهرة، فلما تجلى له خر الجبل خاشعاً متصدعاً على هيئة قطع صغيرة كالسكاكين، أما الكنائس والأديرة فهي مختلفة من مصرية إلى ملكانية أو رومية إلى نسطورية، ورغم أن زيدان تحاشى الدخول في عوالم «عزازيل» التي رصدت الصراع المذهبي بين الكنائس المسيحية، إلا أن الضرورة حتمت عليه الإشارة إلى بعضها، كالمكان الذي كان يتعبد فيه الأنبا نسطورس مؤسس النسطورية. وكان التجلي الأكبر لوصف المكان أو تخيله في مضارب الأنباط، حيث الجبال التي اتخذوا منها بيوتاً، وهي على هيئة طوابق محفورة بعضها فوق بعض في الصخور، أسفلها حجرات لتجميع مياه السيول، وهو بناء معماري يتوافق مع ما طرحه زيدان عن الديانة النبطية، أو نبوة النبطي القائلة بأنه لا يوجد موت ولكن حيوات متنوعة، وكأننا أمام دورات متعاقبة من التناسخ، فالروح لا تموت لأنها نفس الإله إيل، لكن الجسد هو الذي يفنى.
    شهدت الرواية عناية شديدة باللغة والحوار، وأورد فيها مؤلفها بعض الأجزاء المكتوبة على هيئة الشعر الحديث، وشهدت من الإحكام في البناء ما يجعلها واحدة من النصوص التاريخية ذات الوعي بأهمية إحكام الإطار الخارجي للنص وشغل تفاصيله الداخلية بعناية موازية، وقد بذل زيدان جهداً مهماً في جعل هذا الزخم المعرفي الكبير ينساب بنعومة تتوافق مع جماليات نص روائي، خالقاً من رحم الأسطورة وسفاسف الأخبار التاريخية عملاً يمكنه أن يعيد الاعتبار لواحدة من الأجزاء التاريخية التي سقطت من الذاكرة العربية عن عمد.


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي يوسف زيدان المصدر
    http://www.alqabas.com.kw/Article.as...&date=14122010
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. دوامات التدين - يوسف زيدان
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-06-2015, 12:36 AM
  2. محال - يوسف زيدان
    بواسطة راما في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-17-2013, 02:29 AM
  3. تحميل مجانا وقراءة اون لاين رواية "محال" لـ يوسف زيدان
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-23-2012, 03:58 PM
  4. تحميل رواية/النبطي/يوسف زيدان
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-14-2011, 01:21 PM
  5. حمل رواية ظل الأفعى/يوسف زيدان
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-14-2011, 01:17 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •