المال العربي

بلغ حجمه المخزّن لدى الغرب ما يقارب العشرين ألف مليار دولار، فما هي مصادره، وفلسفة تراكمه، ونظم استثماره، وأماكن خزنه، وعلاقته بالناتج القومي، وتمركزه ضمن مساحات عقل الشخصية العربية، وتمتعه بنظرية الأنا، وخوفه من أن يتحرك على مساحات جغرافيته القطرية العربية أو العربية العربية، أي أن يبني عليها، حيث نراه يجتهد في الانتقال والاستقرار في الخزائن المالية الأوربية، أو الأمريكية، أو التي تمتلك في جنوب شرق آسيا. نتدارس حاله، نسأل بها عن الخوف الكبير وأسبابه التي تدعوه للهروب ممّن يحتاجه إلى من لا يحتاجه، هل هو الغد المجهول، حيث لا مستقبل لوجود حامله، أم مساءلة السلطات والشعب الموظف والعامل ضمن حدود مستويات خطوط الفقر: أعلى أو أدنى بقليل للمتمتعين به أو المالكين له، أو متابعة الشعوب لسلطاتها واقتصادييها، -وبشكل خاص- للمسؤولين ورجال الأعمال، بمعنى أدق، المال العربي مسؤول عن إنشاء الغيرة الحاقدة، والحسد القاتل، والنقمة التي تهيئ لثورات كثورات عمال باريس في القرن الثامن عشر (كومونة باريس)، هي مسألة علاقة لم يستطع المال العربي إنجاز لغة التعادل فيها، وأقصد أن المال له حقّ التراكم لدى الفرد المالك له، شريطة تحقيق رضائية العاملين على طريقة جنْيه، وأعني هنا اقتناع الكثرة بحق الندرة من خلال تفكير الندرة المالكة له بالكثرة العاملة به، حيث تتولّد قناعات بحقوق الطرفين، والتي يظهر من نتاجها منتجٌ نوعي أولاً جيد وجذاب، مولداً شعور الجمال والاعتزاز بالمنتج الذي حقق الرضى ليس للطرفين فقط؛ إنما للمستهلك الذي هما منه مع الآخرين داخلياً وخارجياً، منه نجد أن الشعور الوطني ينمو معززاً الانتماء ومقوياً للولاء، صورته ربطُ المجتمع بالمال الاقتصادي الوطني المحبِّ والمحبّب بالحبِّ، لماذا العربي أياً كانت صورة حضوره ومهما كانت صفته في درجات المواطنة والمسؤولية، ما إن يجتمع المال بين يديه حتى يبحث عن بنك غربي أو شرقي يأتمنه عليه، من باب إيمانه بعدم الإيمان بمصداقية حضور ماله بموطنه أو ببلاده، ما معنى وجود أزمة ثقة؟ وتطور المجهول ضمن الذهنية العربية، مَن غرس وزرع تلك الأفكار كي يغادر رأس المال المنتج أصلاً، أو المسحوب، أو المنهوب من جغرافية هوية مواطنه، ليذهب ويستوطن أماكن أخرى، وهل تعني له تلك الأماكن أماناً فائضاً أو استقراراً دائماً، وهل يؤمّن له الإقامة المؤقتة أو الجنسية الدائمة، ماذا تعني له الهجرة والحنين؟، ففي الماضي القريب كان آباؤنا وأجدادنا الذين هاجروا إلى الغرب قد شكلوا حضوراً إنسانياً ألقاً، وبالتالي قاموا بتحويل مدّخراتهم إلى أهليهم في موطنهم الأم، وما نراه اليوم، هو العكس حيث يتم التحويل إلى الاغتراب .
لِمَ يخاف العربي -على اختلاف مواقعه ومذاهبه ومشاربه- عندما يشغِّل أمواله في موطنه ولا يحمل الأوربي أو الأمريكي أو الروسي أو الياباني أو حتى الصيني الخوف ذاته، ماذا يعني جمع المواطنين لثرواتهم الوطنية وتأمينها في الخارج، وما هو الفرق بين عمليات الاستثمار الوهمي في الموطن والاستثمار الفعلي خارجه؟ قد يستغرب الكثيرون هذه الأسئلة الموضوعية والمنطقية؛ لكن الظروف تفرض ذاتها على الواقع ضمن الأسئلة، أيّ أمان للعربي حصراً يعتقد أنه موجود في الغرب، بعد أن ترفع الحصانة عنه في موطنه، وجملة المال المتكدّس في تلك الاستثمارات الغربية، وبنودها حينما ترفع الشعوب حصانتها عنه، ألا يعلم أن الغرب ينتظر نهبه؟.
ماذا يجري؟، لماذا لا يستثمر العرب أموالهم في أوطانهم، ماذا يهابون، وممَّ يخافون، ولماذا يهربون أمام أول مساءلة أو حادثة؟، صحيح أن سويسرا كانت مربض رأس أموال قادة وتجار الدول المتقاتلة والمتصارعة، أيام الحربين العظميين تم إيداعها بكونها خارجة عن نطاق الحروب، بكونها مساحة بنكية آمنة، حملت الأمان للجميع؛ لكن اليوم وبعد ظهور عصبة الأمم المتحدة واختراع مجلس الأمن الدولي المقبوض عليه من الدول الخمس، والتي تُخضع العالم بأسره (للفيتو) إن لم يتوافق معها، وتضعه مباشرة تحت البند السابع وقراراته الملزمة إن لم يستجب لها، ماذا يحصل؟.
لقد أكثرتُ في حواريتي هذه من كلمات: ماذا- ولماذا- ومن أجل ماذا- أودّ القول: إنها حقيقة وجدانية، ترغب في الحصول على جواب واحد حول سؤال كبير وصغير في آن: كيف يتجمّع رأس المال العربي في أيادي أفراد، ولماذا يحوّله إلى الغرب، ولماذا لا يستثمره في بلاده أو موطنه، من ماذا يخاف؟ فالقضية الكبرى والصغرى والتي تهم الإنسان البسيط وقضايا معيشته، هي قضية عيشه بأمان.
ما حدث في تونس ومصر وليبيا، والذي يجري في اليمن وبعض دول الخليج ليست ثورات من أجل رغيف خبز؛ إنما هي قضايا الكرامة الوطنية، وعدم تفاعل المال العربي مع شعبه، والمقارنة مع أوروبا وأمريكا وأزماتها الاقتصادية والمالية الكبرى، نجد أن حدوث هذه الثورات والانتفاضات قد حقق فائضاً مالياً هائلاً للغرب، من خلال هروب مجمل رأس المال العربي في زمن الدولة العربية الحديثة، وانكشافه ليس فقط للشعوب العربية؛ وإنما لشعوب العالم الثالث أجمع، فالغرب وأمريكا وعالم الشمال بمجموعه وجمعه يعيش على المال العربي ونفطه، واستهلاك المنتج المقدّم منهم لشعبنا، فمتى سيخدم المال العربي أبناءه ويبني أوطانه؟!.
د.نبيل طعمة
الأزمنة / نقلة للمنتدى تيسير مخول .
يستحق المشاركة والتعليق على ما ورد في هذه المقالة ... أرجو من الجميع المشاركة .

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
الدكتور نبيل طعمة

</B></I>