منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 21 إلى 29 من 29
  1. #21

    رد: «نانوبيديا» واسب .. واندال .. ويرْد

    كارتل.. كارنيفال.. كليشيه
    بقلم :محمد الخولي



    كارتل: «كارتيس» عند قدماء الإغريق كلمة كانوا يقصدون بها ورقة البردي ـ النبات الذي اتخذه المصريون القدماء رمزا من رموز حضارتهم.. كيف لا وقد سجلوا على أديمه صفحات من إبداعاتهم وأفكارهم وتواريخ تطورهم..


    لاسيما وأن البردي كان من النباتات التي تنمو طافية على سطح النيل.. النهر الذي كان ولا يزال وريد الحياة في مصر وشريانها على نحو ما عبر يوما أمير الشعراء شوقي في رائعته التي تتغنى بها أم كلثوم.


    من كلمة «كارتيس» اليونانية اشتقت لغات وحضارات الغرب كلمات ما برحت تعيش معنا في الزمن المعاصر.. ولعل أقربها وأشهرها كلمة مثل «كارد» وهي بداهة الوريقة أو هي البطاقة ـ الكارت كما تقول العاميات المتواترة.. ومنها أيضا كلمة «شارت» وهي من ذوات القربى ولو بنسب بعيدة من كلمة «خارطة» العربية..


    بل أن منها كلمة موقرة الاحترام هي شارتر وقد وجدوا لها شيئا من القرابة في لغتنا العربية مع كلمات من مادة الشرط أو المشارطة التي استخدمها العلامة المصري رفاعة الطهطاوي في رحلته الباكرة المشهودة إلى فرنسا في الفترة (1826 ـ 1830).


    وكان يقصد بها، وتابعته على ذلك المعاجم العربية المحدثة، معاني التعاهد الذي ينشأ مكتوبا، أو غير مكتوب بين الحاكم والمحكوم.. للأول حق الطاعة شريطة أن ينال الطرف الثاني حق العدل والسوية والإنصاف إنه «العقد» الاجتماعي عند الفرنسي ان جاك روسو (1712ـ 1778) وهو اللائحة أو الدستور بالمصطلحات العثمانية ومن بعدها مصطلحات القانون الدستوري في عالمنا العربي.


    «شارتر» أيضا هي الميثاق في أدبيات السياسة العربية منذ أيام عبد الناصر في فاتح الستينات.. وربما استعاروا هذه التسمية من أشهر وثيقة تحمل هذا الاسم (شارتر) على الصعيد العالمي وهي «ميثاق الأمم المتحدة» الموقع في 26/6/1945 في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية إلى أن أصبح نافذا منذ يوم 24/10/1945 وحتى كتابة هذه السطور..


    ولا يخفى على متابعتك كيف يحبس أهل العالم أنفسهم ـ وفي مقدمتهم جمهرة المراقبين والمحللين السياسيين حين يصدر قرار لمجلس الأمن الدولي وقد أحال إلى الفصل السابع من «الميثاق» في ديباجته (الحيثيات) فضلا عن منطوقة (النص) ـ وتلك مصطلحات الأمم المتحدة.


    والطريف أن شارتا ـ كارتا اليونانية ومن بعدها اللاتينية بدأت أصلا بالإشارة إلى ورقة البردي المستخدمة لغرض الكتابة عليها. ولكن ضرورات التسهيل أفضت إلى المزج بين الكتابة (البردي) وبين المضمون (المادة المكتوبة ذاتها).. وعندما قاموا بتصغير الكلمة من كارت إلى كارتيللو اكتسبت الكلمة المشتقة المصغرة معنى التحدي وأصبحت الكارتيللو هي رسالة.


    إعلان التصدي أو التحدي.. وبهذا المعنى استخدمها الفرنسيون وتبعهم في ذلك الإنجليز الذين اصطلحوا على كلمة «كارتل» لتعني الاستقواء والتحدي أيضا.. وفي القرن 16 أصبحت الكلمة مرادفة للاتفاق الذي تُجمع عليه الدول المتحاربة وبالذات فيما يتعلق بمعاملة أسراها.


    ولكن الألمان استعاروا نفس الكلمة ـ كارتل ـ مع انتدابها إلى دور تؤديه في مضمار الاقتصاد وتعني بذلك ائتلافا.. تجمعيا.. تحالفا بين أطراف ومصالح صناعية واقتصادية تتآزر فيما بينها لكي تصدر قرارات السيادة لصالحها ولكي تنجح في الهيمنة على أسواق التبادل التجاري الخارجي..


    ومن ثم فقد اشتد ساعد هذه التحالفات ـ الكارتلات تمهيدا لتحويل الاقتصاد الألماني إلى خدمة المجهود العسكري خلال الحرب العالمية الأولى عام 1914 وبعدها سيطر مصطلح «كارتل» ليسود معناه الحالي الذي يصدق على الاحتكارات الكبرى الداخلية ـ المحلية والخارجية العالمية في مجال صناعة ما أو نشاط ما. وتضم هذه الكارتلات.


    ـ كما هو معروف ـ أفرادا يتمتعون بنفوذ هائل على شاكلة ملوك الصلب أو بارونات النفط أو محتكري صناعات الدواء أو الكيماويات.. كما تضم مؤسسات عاتية تتحكم في البورصات والمبادلات بل وفي مقاليد النظم والدول والحكومات.. وتصدق عليها مسميات من قبيل الشركات عبر الوطنية أو المؤسسات المتعدية الجنسية.


    كارنيفال: في مراحل التحول إلى العقائد الكبرى والرسالات السامية.. يشتجر الخلاف بالضرورة بين المبادئ الجديدة المطلوب ترسيخها في نفوس البشر، وبين الموروثات القديمة التي درج الناس عليها جيلا من بعد جيل:


    هكذا كان على الإسلام الحنيف أن يتصدى لشعار «قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون» (الشعراء ـ آية 74) وهو أيضا شعار «قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا» (لقمان ـ آية 21).


    بنفس المعيار عمدت عقيدة التوحيد الجديدة إلى إقرار ومواصلة موروثات رأت فيها سموّا ونبلا وارتقاء بمستوى الإنسان فكان أن أقرت أنماطا من شعائر الحج إلى بيت الله الحرام.


    بنفس المعيار أيضا حاولت العقيدة المسيحية أن تقود مسيرة التطور تدرجا وئيدا من وثنية روما القديمة العاتية إلى الإيمان بالله وبرسالة عيسى عليه السلام بكل ما جاءت به رسالته من مبادئ وقيم ومثل عليا.


    وقد عمد الآباء المؤسسون إلى أن يلتقوا في منتصف الطريق مع الموروث القديم. وتم هذا اللقاء على أرضية المهرجانات الحافلة التي كانت تقام قبل بداية الصوم الكبير عند أبناء العقيدة الفتيّة، وحملت هذه الاحتفالات اسم الكارنيفال وكانت بدايتها يوم 6 يناير من كل عام. وفيها يحتفل الناس تمهيداً لمعايشتهم المعاناة والشظف وحالة الاصطبار التي يتوقعونها خلال أيام الصوم.


    والطريف أن الكلمة جاءت مشتقة من ألفاظ لاتينية قديمة منها ما يشير إلى اللحم (كارني) ومنها ما يفيد بمعنى الوداع او الامتناع وكأنها تفيد معاني وداعا للحوم أو الملذات وأهلا بالزهد والصوم والمعاناة ضراعة وتقربا.


    هذه المعاني نقلها الفرنسيون حين عبروا الأطلسي واستعمروا مناطق شاسعة في العالم الجديد وخاصة الولايات الجنوبية من أميركا.. ولا يزال التأثير الفرنسي ملموسا في تلك الولايات التي احتفظت بالكثير من طابع الثقافة والمسميات والرموز الفرنسية، ومنها مثلا لويزيانا بجنوب الولايات المتحدة التي يشير اسمها إلى ملك فرنسا البوربوني لويس (لويز).


    وقد دأبت على أن تحيي كل عام كرنفالها الشهير باسم «ماردي جرا» ومعناه حرفيا يوم الثلاثاء الدسم.. السمين الذي يشير بداهة إلى حكاية اللحم ومشتقاته.. دع عنك مهرجاناته الصاخبة التي يحتفل بها البشر.. لهوا وعبثا في الساحات والأسواق.


    كليشيه: هو القالب المعدني أو الخشبي الذي كان يستخدمه فنيو الطباعة في صنع النسخ اللازمة من المواد التي يتولون طباعتها.. والكلمة فرنسية الأصل وقد اشتقوها من معنى التقليد أو المحاكاة أو التكرار المنقول عن أصل المادة.. والطريف أن هذا الاشتقاق لا يرجع إلى جذر لغوي أو سيمانتيكي يتصل بمعاني الكلمات أو دلالات الألفاظ ولا هو يعود من ناحية أخرى إلى أصول يونانية أو لاتينية أو سواها.


    الكليشيه ببساطة لها أصل صوتي، إذ كان الطباعون في أزمنة انقضت يسمعون جْرسه وإيقاعه عند احتكاك ـ اصطكاك المعادن خلال عملية صّب السبائك في قوالبها المخصوصة من أجل تشكيل الحروف والرسومات وما إليها.


    »كليشيه» ارتبطت بعد ذلك عند ناطقي الإنجليزية بمعنى الصورة النمطية أو المفاهيم المقولبة وأحيانا المعاني الثابتة المنطبعة وكلها تعبر عنها كلمة ستريوتايب والأقرب دلالة عليها هو كلمة النمط.. الجامد حيث أن كلمة ستريو في أصلها اليوناني تعني الجامد.. الذي لا يسهل تطويعه ولا تغييره..


    وبعدها تحَّول الاستخدام في علوم الإتصال وفي دنيا الميديا الإعلامية المعاصرة إلى حيث ينصرف المعنى إلى الأفكار الثابتة والى الطروحات المكرورة التي تجمع بين عنصر الإملال وعنصر اللاتجديد واللاابتكار وتكاد توصل البشر لا إلى مجرد السأم من فرط الرتابة، ولكن إلى الإصابة أحيانا بآفة الفكرة الثابتة التي ربما تسيطر على أفهام الأفراد بل والجماعات فإذا بها تتحول إلى ما يكاد يشبه الوسواس الذي يعاد إنتاجه مرات ومرات.


    وفي معرض إصدار الأحكام وتشكيل الاتجاهات واتخاذ المواقف على صعيد العلاقات بين الجماعات والفئات وأيضا بين الأمم والدول والشعوب تتخذ هذه الصورة النمطية.. هذه الكليشيهات النسخية.. هذه القوالب الجامدة.. ذات الأفكار الثابتة طابعا يجعلها تنطوي على التبسيط المفرط في أحكام الفرد والجماعة..


    ولذلك استغلها دهاقنة الإعلام والسياسة في زماننا.. وكان من بينهم بالذات يهود وصهاينة.. في هذا الصدد يحكي الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني في كتابه عن «الأدب الصهيوني» كيف عمد اليهود الصهاينة إلى الترويج لتلك الصور النمطية الجامدة والمقولبة لتشويه الطابع القومي لأمم شتى.


    . وكلها صور وقوالب تسيء إلى الأفراد والجماعات ـ فبينما يصور اليهود أنفسهم في قالب ـ كليشيه يفيد بأنهم مضطهدون.. مبدعون.. ماهرون.. إذا بهم يصورون في كتاباتهم.. كيف أن الإيطاليين خائبون.. والفرنسيين خائرون والإنجليز منافقون.. والأتراك مرتشون والعرب متخلفون والأميركان ساذجون أو.. هكذا يلوي الصهاينة أعناق المعاني والدلالات.. قاتلهم الله أنى يؤفكون.

  2. #22

    رد: «نانوبيديا» واسب .. واندال .. ويرْد

    "نانوبيديا" الحلقة الرابعة
    «التايكون» هو رجل الأعمال الواسع الثراء والنفوذ وأنشطته عابرة للحدود
    بقلم :محمد الخولي



    تايكون: في عقود ماضية من الزمن كانوا يكتفون بلقب «تاجر» ليصفوا به من يتعاطى مهنة البيع أو الشراء. وعندما تنمو ثروة التاجر كانوا يضيفون إليه صفة «الكبير».


    ولكن مع انتقال المجتمع البشري من مرحلة الاقتصاد التجاري إلى مرحلة الاقتصاد الصناعي. وبفضل الانقلاب أو الثورة الصناعية التي بدأت في غرب أوروبا مع بدايات القرن التاسع عشر وبالذات مع اكتشاف طاقة البخار ومن بعدها طاقة الكهرباء في أواخر القرن المذكور.. تطورت الأمور ومعها كان لابد أن تتغير المسميات..


    فإذا بالتاجر الكبير يتحول إلى رأسمالي بمعنى صاحب ثروة يعمد إلى توظيفها في نشاط صناعي بالذات ويستخدم من أجل ذلك جموعاً من العمال الذين يقدمون له ناتج كدحهم مقابل أن يقدم لهم أدوات الإنتاج وقدراً معقولاً من الأجور.


    . هنالك زادت أرباح الرأسماليين ومنهم جموع انحرفت بنشاطها إلى حيث شجعت ومولت حركة الاستغلال الرأسمالي للشعوب التي حملت من يومها اسم الاستعمار ولكن منهم أيضاً من هدته فطرته السليمة إلى توظيف إمكاناته من أجل تطوير أدوات الإنتاج وترقية وسائله وصولاً إلى التكنولوجيا الأفضل وإلى أساليب التصنيع الأكفأ من حيث حجم الإنتاج ومستوى جودته (خط التجميع داخل مصانع إنتاج سيارات فورد مثلاً).


    ومنهم كذلك من بادر إلى تشجيع العلم وتعزيز روح الابتكار مما أضاف إلى انجازات البشرية عديداً من الفتوحات والمخترعات. وعندما جاء القرن العشرون نبغت من صفوف الرأسمالية فئات أو شرائح ممن حققوا ثراء طائلاً ومن ثم اكتسبوا مكانة اجتماعية ونفوذاً سياسياً عميق التأثير. ولم يعد بالإمكان مجرد وصفهم بأنهم مجرد أثرياء ولا حتى مليونيرات..


    بل اصطنعت لهم معاجم اللغات في الغرب لفظة «تايكون» وهي مرادفة أو تكاد ترادف أوصافاً من قبيل الحيتان أو الهوامير المتضخمة أو الفعاليات - السوبر اقتصادية أو أهل الحل والعقد المالي وما إلى ذلك.


    نشاط عبر الحدود


    التايكون إذاً هو رجل الأعمال الواسع الثراء والنفوذ وربما اتسعت نطاقات أنشطته لتشمل أنشطة تتم عبر حدود الدول وتتعدد من أجلها الجنسيات وتعبر المحيطات والقارات. ومن هذه القيادات المالية والاقتصادية من يفوق نفوذه ما يملكه حتى رؤساء الدول بجلالة قدرهم وهم بالتالي يصدق عليهم عبارات من قبيل أنهم اليد المختفية خلف العروش أو هم صانعو القوى الحاكمة ولكن من وراء ستار.


    في كل حال «تايكون» دخلت إلى لغات الغرب - من اللغة اليابانية التي تعرف الكلمة بأنها تصدق على «الأمير المبجل» وقد استعارتها اليابانية بدورها من اللغة الصينية. وأرادت بها اليابانية أن تخلعها بالذات على كبير قادة الجيش الياباني واسمه ولقبه عندهم هو «شوجن».


    وأول من صادف مصطلح «شوجن» كان الأميرال الأميركي «ماثيو بيري» الذي ينسب إليه أنه أول من فتح أبواب اليابان أمام اتصالها مع الغرب وكان ذلك عام 1854. وقد لاقاه قائدهم الشوجن وتفاوض معه باسم إمبراطور البلاد. وعاد بيري إلى أميركا ليعلن أنه تفاوض مع الشوجن أو التايكون بمعنى أوسع القيادات نفوذاً في اليابان..


    وذاعت الكلمة لتدل على النفوذ لدرجة أن استخدمها موظفو البيت الأبيض لوصف رئيسهم الذي خاض الحرب الأهلية - إبراهام لنكولن.. ولكنها تحولت لكي تصدق على عمالقة الصناعة وبارونات رؤوس الأموال ومنهم بالذات ج مورجان مؤسس المجموعة المالية الشهيرة في أميركا والعالم، وكانوا يصفونه بأنه أوسع أهل بلاده نفوذاً وبدرجة تفوق رئيس الجمهورية ذاته.


    تايفون: وهي كما ترى قريبة من سابقتها وربما نتصور سبب وشيجة القرابة هذه إلى أن الكلمتين مشتقان من أصول لغوية من أقصى الشرق الآسيوي. وقد يتبادر إلى الذهن أن تايفون هي الكلمة التي راجت في لهجة مقاطعة كانتون الصينية لتدل على الرياح الصرصر العاتية التي تجتاح بحار الصين وشرقي المحيط الهندي إلى حيث يلتقي مع المحيط الهادئ..


    لكن الحقيقة أن تايفون التي يعرفها الناس باسم موجة الأعاصير الاستوائية كلمة تفرقت أصولها بين قبائل وعوائل لغات مختلفة ما بين اليونانية إلى العربية إلى الهندية ومن ثم إلى الصينية.


    في الأساطير اليونانية (الميثولويا) تتردد صورة الكائن الوحشي الرهيب توفيوس الذي يعيش بمئة رأس ويسيطر على العواصف والأعاصير بوصفه أبا الرياح. هذا الكائن الخرافي اشتبك في حرب ضروس مع عميد آلة اليونان الأقدمين - زيوس الذي ألحق به الهزيمة وأخضعه للسيطرة..


    وكان في ذلك تمهيد لكي يتربع زيوس على عرش أرباب الإغريق بفضل سيطرته على هبوب الرياح واتقاء شرورها.. بيد أن توفيوس كان قد أنجب ابنه توفون الذي كانوا يصورنه على شكل دوامة عاصفة ما لبثت أن ولدت أبناء وأحفاداً كان على رأسهم - كما تضيف الأساطير - هيدرا ذات الألف ذراع وسفنكس الذي عرفه المصريون باسم «أبوالهول».


    كل هذه الأساطير والخرافات عرفها العرب، وفي إطار نهضتهم الحضارية منذ العصور العباسية نقلوا كل معارف الإغريق في العصور الوسطى إلى أوروبا. ونقلوا معها ألفاظاً ومسميات وأوصافاً من لغتهم العربية البليغة والجميلة.


    وكان طبيعياً أن يترجموا مصطلح تيفون اليوناني على أساس كلمة «طوفان» العربية التي ما لبثت أن عبرت القفار والبحار إلى الهند مع الفاتحين المسلمين في القرن الحادي عشر للميلاد. وقد شهد عام 1588 أول سياق استخدمت فيه كلمة «طوفان» العربية لتدل على عاصفة عاتية أو إعصار عنيف يجتاح أراضي الهند.


    وبعدها تأثرت الكلمة ذات الأصل العربي بنظيرة لها من لغة الكانتونيز الصينية وهي تايفونج ومعناها بدورها الرياح الشديدة. وفي عام 1699 بدأ الناس.. ينطقون الكلمة، ولكن مع محاولة استعادة مذاقها اليوناني الأصلي بكل مصادره الإغريقية..


    العربية. الهندية إلى أن استقرت بلورة كلمة «تايفون» بمعنى الإعصار الآسيوي وآن لها أن تهجع في موضعها الثابت حتى الآن في قواميس اللغة وتم ذلك تحديداً في عام 1819 حين قرأها الأدباء والنقاد في واحدة من ألمع وأجمل روائع الشعر الانجليزي تلك التي أبدعها الشاعر الرومانسي بيرسي شيللي (1792- 1882) بعنوان «بروميثوس طليقا» (ولها ترجمة بليغة وجميلة بدورها من إبداع المفكر المصري الراحل الدكتور لويس عوض).


    ترامب: هو الصعلوك عند العرب.. وهو الكلوشار عند الفرنسيين.. وهو الفاجابوند عند الناطقين بالإنجليزية الفصيحة.. والحق أن الكلمة بدأت في العصور الوسطى لتصدق على من كانوا يصنفونهم وقتها بأنهم «رجال الطريق المحترمون» صحيح أنهم يفتقرون إلى الأسرة والبيت ويعوزهم السكينة والاستقرار.. حيث اتخذوا من الطريق والخلاء سكناً ومستقراً..


    إلا أنهم كانوا يتحلون بقدر محترم من الشمائل والصفات وكانوا في ذلك أقرب إلى فئة الصعاليك الذين يؤرخ لهم أدب العربية منذ عصور الجاهلية إلى صدر الإسلام إلى الدولة الأموية. منهم شعراء مبدعون، ومنهم متمردون على أحوال مجتمعاتهم..


    ومنهم مغامرون ومقاتلون وربما كان أشهرهم عروة بن الورد (توفي نحو سنة 594 للميلاد) وكان من غطفان ويصفه المؤرخون (الزركلي مثلاً في قاموس الأعلام) بأنه كان من شعراء الجاهلية وفرسانها وأجوادها، وبلغ من شهامته أن كان يجمع من حوله من هذه الفئة من المتمردين والمبدعين ويقوم على أمرهم ومن ثم جاء لقبه «عروة الصعاليك» وبلغ من كرمه أن قال فيه الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان:


    «من قال ان حاتم (الطائي) هو أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد». عند الغرب ذاعت لفظة «ترامب» دلالة على الصعلكة والتمرد الاجتماعي والتماس التحرر من القيود ولكن فاقتها لفظة فاجابوند التي دخلت الانجليزية من اللاتينية ولكن عن طريق اللغة الفرنسية حيث اشتقوها من الفعل اللاتيني فاجاري بمعنى التجوال وعدم الاستقرار والسير على غير هدى في شعاب الأرض وبين فجاجها..


    بيد أن سوء الحظ ما لبث أن واجه الكلمة ومعانيها عندما انتقلت إلى أميركا حيث مجتمعات المستوطنين وحيث جاء المهاجرون ينشدون الاستقرار وبناء مجتمعات جديدة.


    هكذا بدأت كلمة «ترامب» تفارق معاني التمرد أو الرفض أو رومانسية التجول والقلق الذي يساور نفوس الشعراء أو فئات الشباب أو المبدعين.. خالطتها معاني التشرد والصعلكة بمعنى قلة القيمة وعدم الاحترام.


    وبدأت تقترن بكلمة «بَمْ» التي مازالت تومئ إلى معاني التشرد وربما الغباء وسوء السمعة وفقدان الثقة والاعتبار كما يقال في متون القوانين الحديثة. وهكذا عادت كلمة «ترامب» إلى أصلها الأول مشتقة من فعل يطأ على الأرض أو يدوس على الثرى.. حافياً في معظم الأحيان.. متشرداً في كل الأحيان.. مسافراً بلا متاع ولا قيمة ولا مكان يقصده على وجه التحديد.

  3. #23

    رد: «نانوبيديا» واسب .. واندال .. ويرْد

    نانوبيديا» -الحلقة -الثالث عشر
    ستيغما.. سمبوزيوم.. ساركازم
    بقلم :محمد الخولي



    ستيغما: كلما وردت الكلمة في متن الكتابات أو طرقت الأسماع فهي تستدعي ذكرى ترتبط بمعاناة الإنسان على يد أخيه الإنسان.. هي عهود الاسترقاق منذ أيام الإغريق والرومان حيث كان السراة يتخذون العبيد والإماء ويستغلون ناتج عملهم وفائض كدحهم إلى حد كان يصل بالبشر المستعبدين إلى حال من اليأس الذي كان يسلم بدوره إلى قرار يتخذه العبد البائس إما بالانتحار أو بالفرار.


    في الحالة الأولى يذهب الإنسان وتدفن معه آلامه وجراحاته.. وفي الحالة الثانية كان النظام الاجتماعي الظالم المنحاز.. يشمّر عن ساعد البحث عن العبد الهارب الذي مازالت لغات شتى تحتفظ له بمصطلح الآبق من فعل أبق في العربية ومعناها فرار العبد وقد تفرع عنه أو معه فعل تأبق بمعنى استتر واختفى إذا كان الفعل لازما.


    وفعل تأبقّ الأمر أي أخفاه أو أنكره إن كان الفعل متعديا.. وإن كان التعدي في الزمن القديم الغابر يطال الفرد البشري التعيس الذي أوقعته مقاديره في براثن بشر آخرين. والحاصل أن كان اليونان واللاتين ينظرون إلى العبيد الهاربين نظرتهم إلى المجرم الفار..


    يلاحقونهم ويطاردونهم فإن عثروا عليهم يبادر السادة إلى إبرة من الصلْب اللاهب أو سيخ من الحديد المحمي ويكوون بها جلد العبد الهارب (أو المجرم المدان) فإذا بالبشرة المهيضة المتشققة تحمل علامة الكي بارزة باقية كأنها صحيفة سوابق لا تنمحي بنودها..


    بل تظل تلاحق باللعنة الاجتماعية هذا الإنسان الذي يشير إليه الآخرون على أنه يحمل «ستيجما» أي وصمة العار التي استمدوها من لغة اليونان التي تضم كلمة ستيزن بمعنى الوشم (تاتو) التي تطورت أموره من مستوى وصمة العار إلى مستوى علامات كانت تشغف برسمها على أديم الجسد جموع الشعوب البدائية سواء لمنع الحسد أو لطرد الأرواح الشريرة (حسب معتقداتها) أو لمجرد توصيف وتصنيف أبناء القبائل وذرية الفصائل والسلالات، إلى أن دار الزمن دورة كاملة .


    وربما أكثر من دورة، فإذا بالوشم الذي كان دليلا على البدائية أو على الخشونة وقد أصبح في بلاد ترفع شعارات التقدم (أميركا مثلا) موضة محدثة تتسابق إليها جموع الشباب والشابات.. ويقيمون لها دكاكين هي عيادات الوشّامين الذين يستخدمون كاويات كهربائية.. خفيفة لكي ينقشوا على الأجساد، وفي مواضع شتى.. رسائل ورسومات وعلامات وإشارات..


    منها ما يعبر عن جموح العشاق ومنها ما يؤكد شكيمة الفتوة وعزيمة الشباب.. ومنها أيضا ما يربط بين أفراد عصابات الشر والخبث والإجرام. في القرون الوسطى كانت الستيغما علامة يتعرف بها الناس على افراد ولدوا وفي أجسادهم علامات في أجزاء مختلفة.


    . وفيما يفهم الطب أن هذه علامات خلقية (بكسر الخاء وتسكين اللام) فإن الفكر الغيبي القروسطي كان يفسر هذه العلامات على أنها إشارات مبروكة تعود إلى ما سبق وعاناه رواد العقيدة المسيحية في بداياتها من آلام وجروح.


    لكن الانجليز حرصوا على مفارقة هذه التفسيرات الغيْبية.. بدأوا يستخدمون كلمة ستيغما في القرن 16 وقد عادوا بها إلى الاستعمال الأول: علامة يمهرون بها أفراد مجتمعهم ممن يحق عليهم وصمة الرفض ولعنة الإجرام.. ومن هذه الإيحاءات السلبية كانوا يصفون سوقية اللهجات العامية وابتذال اللغة على ألسنة الدهماء بأنها.. مجرد.


    . ستيغما بمعنى أنها تدعو إلى الخجل وتفوح بالإسفاف.. بيد أن الكلمة ما لبثت أن حظيت بقدر من الاحترام على يد علماء النبات (بوتانست) منذ القرن 19 حين أطلقوها على أعضاء التأنيث في تركيب النبتة أو بتلات الزهرة التي تتلقى حبوب اللقاح وتؤدي عملية تكاثر النبات.. وبعدها بادر علماء الطب النفسي والعقلي إلى استخدام نفس الكلمة للدلالة على المرض العقلي المزمن.. ويلاحظ في لغتنا العربية أنها تستخدم لفظة وصم ضمن سياق سلبي حيث الموصوم هو المعيب وحيث الوصمة ترتبط بالعار.


    . ولكن لغتنا تتلطف في رفق وذكاء حين تستخدم ابنة عمها وهي (وسم) التي تعني أساسا الكيّ ولكن اللغة تتباعد عن هذا المعنى المؤلم لكي تتوسع في استخدام مشتقات الوسم فإذا بنا نطالع الوجه الوسيم والمواسمة بمعنى المنافسة في إظهار المحاسن.. حتى لتكاد اللغة تطلق على مسابقات ملكات الجمال عبارة.. المواسمة ليس إلا.


    سمبوزيوم:


    في أسوان جنوبي مصر.. يتوقف الزوار مليا عند لافتة مرفوعة على مبنى أنيق تحفّة الخضرة ويطل على واحدة من أجمل وأوسع بقاع النيل العظيم.. اللافتة تقول للزائرين إن هذا المكان هو مقر «سمبوزيوم» فن التشكيل (النحت على وجه الخصوص).. ورغم أن كثيرين يستغربون هذا الاستخدام لكلمة أعجمية لا يستطيعون فهمها وقد يفهمها البعض .


    وإن كانوا لا يستسيغونها، ورغم إصرار المعنيين على استخدام الاسم المذكور، فمازالت الكلمة بحاجة إلى درس ومتابعة واستكشاف وتأصيل. وإذا كانت قواميسنا اليعربية الرصينة تورد تعريفا للكلمة على أنها ندوة أو منتدى فإن منها ما يمعن في التدقيق والتفصيل إذ يضيف معنى أنها وليمة أيضا..


    وهو المعنى الأساسي للكلمة الذي قد لا ينتبه إليه أفراد الانتلجنسيا اليعاربية الذين يقفون عند معنى الندوة والتجمع العلمي والمنتدى الفني الذي يجمع بين صفوف المفكرين والعلماء والمثقفين والمبدعين.. المعنى الأصلي للكلمة من أيام الفيلسوف أفلاطون مشتق من الأصل اليوناني سمبينسن ـ أي الشرب معا.. وطبعا الشرب هنا لا ينصرف إلى تناول المياه حتى ولو كانت غازية أو معدنية..


    فالناس لا يجتمعون معا لشرب المياه.. بل الأمر ينصرف منذ السيد أفلاطون وأسلافه وأخلافه أيضا إلى حفلات معاقرة الشراب وهي حفلات لا يقتصر الأمر فيها على مجرد فعل التناول أو الاحتساء بل يصاحبها الغناء والموسيقى وما إلى ذلك..


    لهذا تتندر المعاجم على أمثالنا من المثقفين وهم حريصون على شهود السمبوزيوم والمشاركة في أحداثها بالكلمة والبحث أو التعليق.. القلة القليلة من المشاركين لا تكاد تعرف أن المسألة في أصلها الإغريقي تعني الجزء الثاني من تجمعات الشخصيات في مجتمع أثينا القديم: كان الجزء الأول مخصصا لمائدة الطعام (يسمونها بانكويت) .


    وبعدها يخصص الجزء الثاني ـ كما المحنا ـ إلى الشراب واللهو.. ومع الزمن ورث الرومان هذه المعاني في المناسبات لكنهم ـ كتر الله خيرهم - أضافوا إلى الجزء الثاني لمسات طلبوا فيها من الحاضرين الإسهام بالكلمات والطرائف والحكايات والأشعار والمعلومات..


    الأمر الذي ارتقى بالمسألة من مستوى الأكل والشرب ـ المباح وغير المباح ـ إلى مستوى أكثر احتراما من خلال عرض إسهامات المفكرين ومشاركات المبدعين.. وظلت المسألة تتأرجح بين هذين المستويين وعبر قرون عدة، إلى أن حسم أمر الكلمة مع سنوات القرن 19 حيث انتهى المعنى الاجتماعي الأول عند الانجليز الذين فضلوا أن يفهموا الكلمة في معناها الثاني أي بوصفها منتدى يجتمع إليه الخاصة ومن إليهم وفق جدول أعمال محدد من حيث البنود ومنظم من حيث التوقيت والترتيب.


    ساركازم:


    نقرأها في المعاجم على أنها التهكم اللاذع أو السخرية المريرة الجارحة التي قد تصل إلى جرح الشعور.. من هنا فالكلمة تنصرف إلى جانبين: أولهما جانب السُخر بمعنى إظهار المفارقة وانقلاب الأوضاع والتدليل على خطأ أو تهافت الخصم - المقصود أو الظاهرة - الهدف، في حين ينصرف الجانب الآخر للكلمة إلى الإمعان في هذا الهجوم إلى حد التجريح..


    وعند هذا الحد يصدق اشتقاق الكلمة من فعل «ساركس» ومعناه في اليونانية ـ أعزك الله ـ اللحم البشري. ومنه صاغ اليونان أيضا فعل ساركازين ويعني حرفيا تقطيع لحم البشر كمن تناوشته الكلاب أو قطعان الذئاب..


    وبالطبع خف الأدباء والمبدعون إلى تخفيف هذا الفعل الوحشي إلى حيث أصبح معناه ينصرف إلى من يعضّ شفتيه ندما أو لوما.. وظلوا يوالون هذا التخفيف إلى حد الترقيق لينصرف الفعل إلى دنيا الأدب والفن ويصبح معناه الإسراف في الهجوم على العمل الأدبي أو المبدع الأدبي .


    وهكذا تحولوا بالفعل من معارك الذئاب التي تنهش البشر إلى معارك الأدباء والفنانين الذين يستخدمون الكلمة والرسم من أجل أن (ينهش) بعضهم بعضا بسلاح الكلمات وأنياب المعاني والرسومات وهذا قضاء أخف من قضاء في كل حال.. مع ذلك فالمعنى الإغريقي القديم لا يلبث يطل برأسه بين حين وحين.. ففي المتواتر الشعبي يقال أنهم ينتفون فروة فلان بمعنى يمسكون سيرته بسوء في غيابه بطبيعة الحال..


    وعند الانجليز والأميركان يصفون هذه النميمة بأنها حرفيا «عضّ الظهر» وأحيانا التقطيع ويصفون الملاحظة القاسية في مجالات الأدب والمجتمع بأنها حادة مثل شفرة السكين. ولن نذهب بعيدا، فالكتاب الكريم إذ يؤكد على تحريم النميمة وتبشيع الاغتياب يستنكر بشدة صورة الأخ الذي يتجاسر على أن يأكل لحم أخيه ميْتا.. وهي صورة لا تبعد كثيرا عما كان يرسمه اليونان الأقدمون.

  4. #24

    رد: «نانوبيديا» واسب .. واندال .. ويرْد

    «نانوبيديا» -الحلقة(24)
    لبرالي.. ليدي.. لوناتيك
    بقلم :محمد الخولي



    لبرالي: بدون فِصال كما يقول التعبير الدارج، الكلمة مشتقة مباشرة من المصطلح اللاتيني «ليبرا» وكان يصف الشخص، أي شخص بأنه «حر.. غير مقيد.. أو مستقل». وذلك في مقابل كلمة مضادة أو معاكسة هي «سير؟وس» وكانت من ناحيتها تنصرف إلى معنى التابع.. المسترق.. مصيره مرهون بسواه..


    وفي لغتنا الشريفة يوجد تعبير في غاية الدقة والفصاحة هو «إمّعة» وهو مصطلح منحوت كما يقول اللغويون من عبارة «أنا معك أو أنا معكم.. حيث لا استقلال في الرأي ولا إبداع في فكر أو سلوك الفرد بل هو تبعية بعقلية القطيع إن شئت التعبير.


    هكذا يعمد أمير الشعراء أحمد شوقي إلى عبارة شعرية يجريها في مسرحية «مجنون ليلى» على لسان واحد من المنافقين ينصح رفيقا له لكي يبعد عن الشر.. ويغني له.. كما يذهب إلى ذلك المثل السائر فيقول شوقي:


    إذا الفتنة أضطرمت في البلا


    د، ورمْتَ النجاة، فكنْ إمّعة!


    وتشاء ظروف التواؤم بين معاني اللغات أن ترتبط فكرة اللبرالي ـ الحر.. ومؤداها في الثقافة اللاتينية يفيد الاستقلالية.. بأفكار إيجابية أخرى منها مثلا الشهامة.. الكرم.. السخاء وربما الوفرة والحال الميسور.. وهنا تتفق اللاتينية مع ثقافة العرب التي تضفي على تركيب الكاف.. الراء.. الميم معاني نبيلة شتى. فالكريم هو عكس اللئيم عند المتنبي.


    والكريم عكس الخسيس عند الجواهرجية والكريم عكس البخيل في العلاقات الاجتماعية، والكريم هو النبيل المحتد المعروف النسب والطيب الأرومة عكس الهجين الذي لا يعرف له أصل ولا فصل، والكريم يرتبط بالكرم الذي لا يقتصر ماديا على حسن الضيافة بل يتعدى معنويا إلى كرم الأخلاق.. ويرتبط اشتقاقيا بالكرامة.. وهي الأنفة والعّزة والترفع عما يشين الفرد على مستوى التصرف والسلوك.


    وقد بلغ من أمر الثقافات الإنسانية العريقة إن كانت تميز لا بين اللبرالي الكريم من الناس وبين السيرفيسوس التابع.. الإمعة من البشر.. بل تعدى التمييز، منذ أيام الثقافة اليونانية، ليتم في مجال العلم والتربية والتعليم.. بين علوم وفنون لبرالية بمعنى علوم يشتغل بها الفلاسفة والمناطقة ومبدعو الموسيقى والفنون الجميلة الرفيعة، أهل الجباه العالية.


    كما يقول المصطلح الانجليزي وبين علوم رأوها أدنى مرتبة وأقل شأنا ومعظمها يرتبط بالنشاط الجسماني وليس الاشتغال العقلي أو الروحي.. وهي من ثم علوم الصناعات اليدوية والأعمال البدنية وما إليها.


    وعندما دخلت هذه المعاني إلى الثقافة الانجليزية كتب جون دي تري؟يسا في أواخر القرن الرابع عشر يصف أحد أبطال مجتمعه قائلا:


    ـ كان قويا في الحرب.. بقدر ما كان لبراليا في العطاء.


    من ناحيتهم، آباء الاستقلال في أميركا سحبوا كلمة لبرالي لكي تؤدي دورها في ميدان السياسة وكان في مقدمتهم الكسندر هاملتون (1755 - 4081( مطالبا «بإقرار توزيع لبرالي للسلطة التي تتمتع بها الحكومة القومية».


    وبعدها تركز استعمال كلمة «لبرالي» لتصف حالة التحرر من الأعراف العتيقة الموروثة والانعتاق من التقاليد القديمة التي تجاوزها زمن التطور: هي حالة التحرر من الدوجما أي من الأفكار الجامدة.. والطروحات النظرية بالذات التي يصل بها التحجر إلى حد أن تُخالف واقع الحياة.


    في النصف الأخير من القرن العشرين «اندلعت» الحرب الباردة بين المعسكرين الكبيرين آن ذاك: السوفييتي، الاشتراكي والغربي، الرأسمالي، الأميركي بالذات، وكانت حربا أيديولوجية بالدرجة الأولى اشتعلت بين العقيدة الاشتراكية في الشرق والعقيدة الرأسمالية في الغرب. هنالك عمد الساسة الأميركيون إلى استخدام سلبي (!) أضفوه على كلمة لبرالي لتفيد عندهم معنى التعاطف مع الفكر الاشتراكي وربما المذهب الشيوعي..


    في إيحاء خبيث أو جاهل أو كليهما معا بأن اللبرالي الأميركي يكاد يعتنق مذهب العدو في المعسكر الشرقي! ورغم ان كلمة لبرالي أصبحت مع سنوات القرن الحادي والعشرين تفيد فكرة التحرر.. الاستنارة.. الديمقراطية .


    ورفض شمولية الاستبداد ـ إلا أنها في أميركا ـ وعلى ألسنة قيادات الحزب الجمهوري الحاكم بالذات، مازالت تفيد معاني سلبية توحي بنوع من الترخص الأخلاقي، ومن تجاهل منظومات القيم الاجتماعية والسلوكية ولدرجة عمدت معها ماكينات الدعاية في الحزب الجمهوري إلى الكف عن استخدام وصف لبرالي والاستعاضة عنها باستخدام أول حروفها فقط..


    وكأنها كلمة نابية لا يجوز التلفظ بها كما في قولهم إنها «لفظة اللام» وهم يفعلون ذلك، لا لوجه الفكر أو السياسة.. ولا حتى الاخلاق بل يفعلونها نكاية، مجرد نكاية في خصومهم الديمقراطيين.


    ليدي: الكلمة عند الإنجليز تدل اجتماعيا على تكريم المرأة.. أي امرأة في أي سياق اجتماعي، وهو ما يرادف في العربية لفظة السيدة فلانة ومن قبلها استخدموا في المجتمعات العربية تعبير «الست فلانة» الذي استخدمه الشاعر أحمد شوقي في مسرحيته الخفيفة بعنوان «الست هدى» واستخدم نجيب الريحاني اسم «لعبة الست» في فيلمه الشهير. ومن عجب أن تجد في قواميس العربية أن لفظة ست تفيد معنى العيب أو الشيء الذي لا يجوز التصريح به علنا..


    وربما تقصد الإشارة هنا إلى أن المقصود هو الكناية دون الإفادة.. التلميح دون التصريح بالنسبة إلى المرأة.. في مثل كنايتهم عن نساء الأسرة في قولهم الجماعة.. الحُرمة.. البيت. وعبر أجيال سبقت في المجتمع العربي استخدموا لفظة ستِّي.. ستّنا للدلالة على الجدّة بقدر ما كان سيدي آية على الجدّ الكبير..


    وكان تعبير ستّي فلانة مرادفا أو يكاد لتعبير «محبوبتي» الجميل عند عرب السودان.. ويكاد يرادف أيضا تعبير «لالا فلانة» عند عرب المغرب وكله من باب الإجلال لجداتنا وذلك قبل أن تداهم الثقافة اليعربية الراهنة ـ والمهيضة أيضا ـ تعبيرات من قبيل «غراندما» أو «نونّا» أو «أبويلا» من أصولها سواء الفرنسية، الأميركية أو الإيطالية او الإسبانية (لاحظ أن الاسبانية في كلمة أبويلا وهي الجدة.. أو أبويلو بمعنى الجد.. مازالت تحتفظ بمقطع الأب العربي كما لا يخفى عليك).


    وللعلم أيضا فقد استخدم صاحب كتاب «الأغاني» كلمة الست تكريما للمرأة عالية المقام.. قال الأصبهاني على نحو ما يذكر باحث مدقق من مصر هو الدكتور عبدالمنعم عبدالعال (في معجم الألفاظ العامية):


    ـ قال الرشيد: لمن الشعر.. ولمن اللحن؟ قالت الجارية (المطربة) إنه لستي.. سأل الرشيد: ومن ستّك؟ قالت: إنها عُلية أخت أمير المؤمنين : أنعم وأكرم! ومن علماء التأصيل اللغوي ـ الايتومولوي ـ من يعود بكلمة «ليدي» إلى جذور استخدمت فيها في عام 1000 للميلاد بمعنى الملكة ومنهم من يرجع إلى الوراء نحوا من 3 قرون ليؤكد أنها استخدمت بمعنى سيدة خدمة الأسرة أو ببساطة ربة البيت.


    والدال في ليدي يعودون بها إلى لفظة ديري وهي منتجات الألبان. ومن ثم كانت الليدي توجد حينما توجد ماشية الأسرة ـ القديمة طبعا وحيث يتم حلب الأبقار وتجهيز منتوجاتها.


    وهناك من يختلفون في التأصيل فيربطون بين لفظة ليدي وبين جذور تعود بها إلى لفظة لاي ديج ومعناها في الانجليزية القروسطية صانعة الخبز ومنها اشتقوا «ليدي» لتفيد ست البيت المختصة دون نظيراتها بالإشراف على خبز الأسرة في فرنها أو تنّورها المخصوص وكانت تلك مكانة فريدة في إطار العائلة والمجتمع.


    وربما لا يعرف الكثيرون، من الانجليز أنفسهم أن الليدي وهي الآن لقب رسمي تمنحه الملكة من قصر بكنغهام مرادفا للقب اللورد ـ هذه الليدي ترجع في أصولها إلى جدة عليا لهم كانت في العصور الوسطى تتيه على لداتها بأنها.. خبازة شاطرة.. وتلك مهمة كانت حيوية في كل حال.


    لوناتيك: لونا هي معبودة القمر في أساطير الرومان وقد استعاروها في إطار عادة الاستعارة الثقافية بل والتراثية التي أدمنوها عن ثقافة اليونان السابقين عليهم. وكانت الاستعارة عن معبودة القمر الإغريقية واسمها سيلين (واضح أن الاسمين «لونا» و«سيلين» مازالا متداولين في أسماء بنات زماننا وإن كاد اسم «قمر» ينكمش في تسميات الفتاة العربية).


    سيلين الاغريقية استولدتها أوهام الأساطير من معبودين قديمين أنجبا، حسب الأسطورة أخا لها اسمه هيليوس وهو الاسم الذي خلعه اليونان على الشمس أخت القمر في تصورهم..


    ومن ثم جاء مقطع «هليو» دلالة على الشمس والضوء بشكل عام ومنه طبعا مدينة الشمس - هليوبوليس وهي ضاحية مصر الجديدة في شرقي القاهرة التي اختطها وشيدها الرائد البلجيكي البارون إمبان في مفتتح القرن العشرين.


    بعيدا عن الأساطير.. يعلمنا الكتاب الأكرم (في سورة ياسين ـ الآيات 38-40) «أن الشمس تجري لمستقر لها».. بين دورة الشروق ودورة الغروب.. في حين أن القمر «قدرناه منازل»..


    وأن عبقرية الخلق الكوني قضت أن «لا الشمس ينبغي لها أن تسبق القمر ولا الليل سابق النهار.. وكل في فلك يسبحون».. ومن أذكياء المفسرين من لمح عدم استخدام القرآن فعل «تسبح» للدلالة على حركة هذه الأجرام السماوية بل استخدم فعل «يسبحون» .


    وهو للعاقل، وكأن الإشارة هنا إلى أن هذه الأجرام السماوية تتحرك وفق نواميس وقواعد وآليات عاقلة.. واعية وفاهمة لما قضى به خالقها عز وجل. عرف الأقدمون دورة الشمس بين الضوء والظلام.. بين الحركة في النهار والسبات في الليل.. بل بين انتفاضة الشروق بدينامية الحياة وهدأة الغرب بسكون الليل.. ومنهم من ارتفع بالشمس إلى علياء المعبود مثل أخناتون المصري القديم.


    لكن الأقدمين عرفوا أيضا تغيرات وجه القمر ومنازله المختلفة من هلال إلى تربيع.. إلى بدر مكتمل إلى محاق يغيب في أجواز الأفلاك.. ربطوا بين تغيرات وجه القمر وبين ما يعتري الفرد البشري من تغيرات في العقل والنوازع والتصرفات..


    وحين كان هذا الفرد يصاب بعارض من ارتباك ذهني أو خلل عقلي كانوا يُرجعون ذلك إلى تغيرات وجه القمر في كبد السماء فإذا بهذا الفرد وقد خلعوا عليه صفة مَنْ صعقه ضوء القمر، والصفة هي «لوناتيك»..


    وقد اصطنعوا الصفة لتجمع بين غرابة الأطوار وبين الإصابة بمرض الجنون العقلي. ورغم أنهم ميزوا مع سنوات القرن التاسع عشر بين الحالتين.. فمازالت سلوكيات الغرابة والحماقة والرعونة والاندفاع المتسرع بغير أناة أو روية توصف بأنها لوناتيك في الانجليزية، وهي نفسها في الفرنسية، وهي ايضا لوناتيكو في الإيطالية وهي ألونادو في الإسبانية.


    أما في الألمانية فهي «موندسك» ويرادفها في الانجليزية ايضا لفظة «مونسترك» ومعناها حرفيا الشخص الذي أصابته ضربات القمر وتترجمها المعاجم العربية الثقات في زماننا (قاموس أطلس مثلا ـ عمّان، 2003) على انها:


    الشخص الممسوس، المختلط العقل وأحيانا المذهول، أو المبهور بسبب عاطفة أو شعور رومانسي (راجع مشهد قيس العاشق الخالد الذي صوره الشاعر في مسرحية مجنون ليلى وقد وضع يده في أناء النار ذاهلا من فرط العشق وشدة الانبهار.. هنالك عمدت إلى تحذيره ليلى العاقلة الراسية.. الرزينة فقالت على نحو ما أطربت أسمهان في أوبريت عبدالوهاب ـ مجنون ليلى:


    ويح قيس تحّرقت راحتاه.. وما شَعَر.

  5. #25

    رد: «نانوبيديا» واسب .. واندال .. ويرْد

    نانوبيديا» -الحلقة-(25)
    مافيا.. ماراثون.. مول
    بقلم :محمد الخولي



    مافيا: بادئ ذي بدء نرجو أن يحرص السادة الممثلون والمخرجون العرب على أن ينطقوا الكلمة على وجهها الصحيح.. لا يهمنا في سياقنا الراهن أن ننقد الدرامات المسلسلة التي «يتحفون» بها المشاهد العربي المغلوب مسكينا على أمره وخاصة في ليالي رمضان الكريم.. لن نقف عند تهافت حبكتها ولا تهافت قصتها ولا ركاكة حواراتها..


    حسبنا أن نشير عليهم بأن ينطقوا حرف الفاء في كلمة مافيا على أصله في النطق العربي أي على غرار الفاء في أسماء من قبيل فهمي.. فتحي.. فيصل.. فوزية وما اليها.. بعضهم يحاول أن يتحذلق بغير علم فإذا به ينطق مفتتح الكلمة المذكورة بالفاء المثلثة النقاط على غرار كلمة ؟يزا أو ؟يكتوريا أو بتهو؟ن. وهذا غير صحيح لا من قريب ولا من بعيد.


    مافيا كلمة إيطالية تصدق على الجماعة ـ العصابة الاجرامية التي أنشأها مؤسسوها من رواد الإجرام الأوائل على شكل هيكل هرمي أي على أساس تسلسل القيادات. وكان المكان هو صقلية فيما كان الزمان هو القرن الثالث عشر للميلاد:


    صقلية جزيرة في البحر المتوسط، تابعة لإيطاليا ويفصلها مضيق مسينا عن شبه الجزيرة الايطالية ومساحتها نحو 26 ألف كيلومتر مربع وعاصمتها باليرمو التي اشتهرت في التاريخ مع سائر حواضرها وأشهرها سيراكوزا ومسينا وأهم معالمها الطبيعية بركان إتنا الشهير الذي مازال ينشط ويقذف حممه البركانية بين حين وحين..


    أما أشهر أطوارها التاريخية فتجسدها مراحل شتى سيطرت فيها على مقاليد الجزيرة المتوسطية حضارة الفينيقيين والاغريق الى ان فتحها العرب المسلمون ليدوم وجودهم فيها 263 عاما بالتمام والكمال ـ بين القرنين التاسع والحادي عشر للميلاد.


    ولعل أروع ما خلّفته تلك الفترة من إزدهار الحضارة العربية ـ الاسلامية في صقلية وجود علاّمة الجغرافيا المسلم الشريف الإدريسي (1100 - 6611كم) الذي اتصل ببلاط روجر الثاني عاهل صقلية وصنع تحت رعايته كرة فلكية من الفضة وخارطة للعالم حفرها على اسطوانة هذا فضلا عن تصنيف موسوعته الجغرافية الكبرى التي أورد فيها وصفه للأرض وتقسيمه لأقاليمها الجغرافية والمناخية.. وأصدره بعنوانه الذي مازال ملء الأسماع والأفهام وهو: «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق».


    وبالطبع راحت أيام حضارة الفينيق والإغريق والعرب المسلمين وجاءت أيام القرون الوسطى ومن بعدها العصر الحديث التي شهدت مجرمي صقلية يفرضون على أرجائها الجبلية بكل وعورتها وخشونة سكانها ما يمكن أن يسمى حكم الإرهاب الذي روع النفوس وألقى الرعب في القلوب، فما بالك وقد فرضت قيادات العصابة على أعضائها لجم ألسنتهم لا يبوحون بأي من أسرارها في ظل ما وصفه المؤرخون بأنه قانون الصمت ـ أو ميرتا بالمصطلح المحلي..


    ورغم أن حكومة الوحدة الإيطالية عملت جاهدة على استئصال هذا التشكيل العصابي الاجرامي بعد توحيد صقلية مع شبه الجزيرة الأم في عام 1861، ورغم أن الحكم الفاشستي بزعامة موسوليني حاول وكاد ينجح في القضاء على العصابة، إلا أن المافيا عاشت واستمرت في صقلية بحكم جذورها المتأصلة في التربة الطبيعية والسياق الزمني للجزيرة الايطالية..


    وهناك من المؤرخين من يعزو هذا الفشل الحكومي وبالتالي هذه الاستمرارية للعصابة الى كود الصمت.. وميثاق كتمان السر الذي التزمت به ـ عبر عصور شتى ـ كوادر العصبة الإجرامية بل والعناصر الرسمية المتعاونة معها خوفا أو طمعا.. بل والتزم به الضحايا الذين يسقطون بين براثنها الكل ساكت..


    وكأن شيئا لم يكن.. أو كما يقال في العربية وكانت لغة معروفة ومتداولة في صقلية « ما في شيء ».. أو مافيها العبارة البسيطة التي يتصورها البعض أصلا لاشتقاق كلمة مافيا، في حين أن البعض الآخر يعود بها الى كلمة ايطالية لها نفس الإيقاع ويفيد عند أهل صقلية بالذات بمعنى التباهي بتحدي نظم الضبط والربط والخروج على القانون.


    أيا كان الاشتقاق فقد عبرت المافيا المحيط الأطلسي مع مد الهجرة الإيطالية في القرن العشرين الى أميركا حيث أعادت تشكيل عناصرها ورسّخت رموزها وقياداتها وفرضت حكم الإرهاب الإجرامي على الأسواق ودوائر التجارة ـ الصغيرة بالذات ـ وسيطرت على أعمال التهريب وكازينات القمار ودور اللهو المباح وغير المباح فكان أن أطلقت عليها دوائر الشرطة والعدالة الجنائية في أميركا مصطلح الجريمة المنظمة أو مصطلح جرائم رعاع الدهماء (موبستر).


    ثم أتى حين من الدهر في عقود القرن العشرين الأولى يشهد سيطرة 24 أسرة ايطالية الأصل ترأسها قيادات الجريمة المنظمة ـ المافيوزي (خمس منها في منطقة نيويورك الكبرى) ودخلت في مواجهات مع الشرطة تجسدت حكاياتها في سياق أدب السينما وأدب الجريمة .


    وبالذات حكايات آل كابوني ودالنجر.. الى أن استخدمت الشرطة الأميركاني أسلوب الاختراق وتجنيد العملاء من معاوني المافيا فكان أن كسرت أطواق أسرارهم منذ عقد السبعينات وبعدها اختلفت مصائر رؤساء المافيا: بعضهم اكتفى بالاعتزال وبعضهم راح ضحية اغتيالات وبعضهم (هوفا مثلا) اختفى ولم يعثر له على أثر وبعضهم مات في السجن (غوتي مثلا) ومازال أبناؤه يحاولون تبييض سيرته فيما ينتجون من حكايات وأفلام.


    ماراثون: طول عمر الإنسان على ظهر كوكبنا وهو شغوف بحكاية الاتصال ـ التواصل مع الآخرين.. ربما بدأت عملية التواصل في فجر التاريخ باكتشاف حركات اليد والشفاه وجوارح الجسد البشري.. فضلا عن أصوات الحنجرة البدائية.. ومعها كان أعظم اكتشاف بشري وهو اللغة التي ميزت الإنسان عن أخيه الحيوان.. أو أخيه النبات وسائر مخلوقات الله سبحانه.. على الأقل الى أن تكتشف أسرار ملاغاة الحيوان وغوامض مناجيات النبات.. فالكل يسبح ولكن لا تفقهون تسبيحهم كما هو معروف.


    طول عمر البشر وهم شغوفون أيضا بالعلوم، لا بمعنى الهندسة أو البيولوجيا بل بمعنى ما يطرأ على صفحة الحياة من مستجدات. ليس صدفة أن يعرف العرب التاريخ بأنه علم الأخبار.. وأن يعرف الفرنجة مادة الخبر أو النبأ بأنه نيوز وهي نيوس في اليونانية أو نوفس في اللاتينية، وكلها تشير الى معنى الطارئ أو الجديد..


    وأنت تكبس زرا صغيرا يوافيك في لمحة بآخر مستجدات الكرة الأرضية.. ومن قبلك كان الشاعر القديم ينتظر إنسانا قادما منهمكا أشعث أغبر من جوف الصحراء يوافيه بآخر أخبار القبيلة إذ هي مشتتة المضارب في بوادي التماس الماء والكلأ أو هي تخوض حربا مع قبيلة أخرى..


    ولهذا كان الشاعر يخشى الجديد ولسان حاله يكاد يردد: وما آفة الأخبار الاّ رواتها.. ناهيك عن قول طرفة بن العبد ويأتيك بالأخبار من لم يزوّد. من ناحية أخرى كان الأقدمون يحتفلون بطبيعة الحال بمن يأتيهم بالبشرى.. الخبر الإيجابي السعيد.. وكان النبأ ـ البشارة يأتي محمولا بين جوانح مبعوث يحترف العدْو ـ الركض السريع من مفازة الى أخرى ومن بادية الى ساحة ومن هضبة الى سهل شاسع مبسوط.


    كان هذا بالضبط حال أهل اليونان عام 490 للميلاد على وجه التحديد.. وكانت المناسبة هي الموقعة التي استطاع فيها أهل اليونان أن يصدوا غزوة فارسية على أقاليمهم.. ومكانها هو سهول منقطة ماراثون في أرض اليونان.. يومها حمل بشرى النصر رياضي ماهر اسمه فيدي بيدس يصفونه بأنه كان بطل الجري لمسافات طويلة.. وانطلق العدّاء يقطع ـ لا نقول ينهب ـ الطريق عبر 25 كيلو مترا من سهول ماراثون الى العاصمة أثينا.. ولحظة وصوله الى معبد الأكروبول.. استجمع آخر أنفاسه هاتفا:


    - افرحوا.. لقد انتصرنا.


    وسقط البطل ميتا.


    تبدو القصة أقرب الى تراجيديا البطل محبوكة ومؤثرة.. لكن هناك من يشكك في صحتها خاصة وأنها وردت عند مؤرخ الاغريق القديم هيرودوت وكان معروفا بأنه لا يتورع عن مزج التاريخ بالأسطورة ولا يبالي.


    في كل حال فقد عمل العالم الحديث على بعث دورات الألعاب الأولمبية القديمة. وقد شهدت أثينا أول أولمبياد من هذا القبيل في عام 1896 (عمرها الآن 110 سنوات).. وتشاء مصادفات تلك المناسبة الرائدة أن تشهد سباق ركض لمسافة 25 كيلو مترا .


    وأن يكون الفائز الاول يونانيا أيضا اسمه سبيروس لويس فكان أن سجلوا اسمه في ماراثون العصر الحديث الذي لم يعد مقصورا على سباقات جري المسافات الطويلة ولا القصيرة بل عمموا اسم ماراثون ليصدق على أي مباريات أو اجراءات أو عمليات تتسم بالسرعة او التسارع أو التسريع بالفعل أو الانجاز.. ومن هنا بتنا نسمع عن ماراثون جمع التبرعات وماراثون العروض المسرحية وما الى ذلك بسبيل.


    مول: أصلها بول مول وهو أصل غريب وبعيد عن مفهومها بالنسبة لنا في زماننا.. يرجع الأصل الى الكلمة الأولى بول وتدل في الألمانية على الكرة (باللا) وترجع الكلمة الثانية الى كلمة ماليوس اللاتينية التي كانت تدل على المطرقة ومن ثم على مضرب الكرة الخشبية التي استخدموها في لعبة كانوا يمارسونها منذ القرن 17 في فرنسا وانجلترا فوق ساحة منبسطة ومسوّرة..


    وما لبثوا أن خلعوا عليها اسم المطرقة أو المضرب فأصبحت مول بعد أن تخلوا عن اللعبة ذاتها وأحالوها الى التقاعد في دفاتر تاريخ الرياضة والملاعب.. ومع الزمن طوروا الساحة.. نفسها وزرعوا فيها أشجارا ومنعوا مرور العربات والسيارات ليجعلوها أشبه بمنتزه عام للسابلة والعابرين.. وكل ساحة مماثلة أطلقوا عليها بدورها اسم المول.


    في منتصف القرن العشرين انتدبوا الكلمة لأداء مهام جديدة وخاصة في المناطق الحضرية التي احتاجت الى ساحات مخصصة لممارسة مهمة، ومن ثم متعة، البيع والشراء من خلال محلات ودكاكين متنوعة الأغراض وأنيقة التنسيق، وبالمرة زودوا الساحات المستجدة بمرافق تتيح إمكانات الراحة وشيئا من الاستجمام للعملاء والعميلات..


    خصوصا العميلات وأطفالهن وتوابعهن من المرافقات والمعاونات.. من هنا أصبحت «مول» تدل على سوق عمومي أو مركز تجاري أو شارع ظليل تحفه الحوانيت من كل جانب.. وكان أن استوردناها مع البضائع التي نحتويها.. ولسهولة نطقها عمدنا الى تسويغها ضمن أجروميتنا الشريفة فإذا بنا نكاد ننسخ أو نلغي السويقة والسوق والاسواق التي تعارف عليها آباؤنا ليحل محلها المول.. والمولات. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

  6. #26

    رد: «نانوبيديا» واسب .. واندال .. ويرْد

    نانوبيديا» -الحلقة-(26)
    نرجس.. نيوديل.. نيكوتين
    بقلم :محمد الخولي



    نرجس: هذه الزهرة الجميلة التي يزدان بها وجه الربيع وقد تغنى الشعراء على مر العصور بأوراقها البيضاء التي يكللها تاج يميل الى الاحمرار يفوح منها عطر مميز ينتشر أريجه في أرجاء المكان..


    وفي هذا يبدع الشاعر القديم وصفا لدموع المحبوبة تنسال على خد الجميل كأنها حبات الدر الثمين، فما بالك وقد عضّت الجميلة ببنان ندم ملون بالخضاب على أسنان ناصعة البياض.. قال الشاعر في بيت مثقل بالاستعارات:


    فأمطرت لؤلؤاً من نرجس


    فَسَقَت وردا، وعضّت على العّناب بالبَرَد


    لهذه الزهرة الرائعة حكاية سجلتها أوهام المثيولويا في أساطير اليونان.. يُحكي أن زواجا - غريبا بالطبع - تم بين نهر عظيم متدفق الجريان وبين إحدى عرائس الماء الرائعات الحسن.. (الخرافة هنا تشير الى التلاحم العاطفي والفيزيائي أيضا بين عناصر الطبيعة في إطار وحدة الكون العبقري الخلْق والمعجز التكوين)..


    المهم أن كانت ثمرة هذا الزواج طفلا صبيا رائع الحسن منذ مولده وكان اسمه - تضيف الأسطورة - «نارسِيوس».. أخذته والدته الى كبير العرافين في معبد دلفي المختص بالنبوءات تسأل عما إذا كان وليدها سيحظى بحياة طويلة ممتدة على مر سنوات.. أجابها الكاهن العرّاف بعبارة مفعمة بالأسرار.. أقرب الى اللغز قائلا:


    -سوف يعيش طويلا شريطة ألا يعرف نفسه قط.


    وكانت عبارة أو نبوءة غريبة وربما متناقضة. وكيف لا تكون كذلك وتواريخ الاغريق كانت تسجل عبارة منقوشة على أبواب معبد دلفي.. وتقول كلماتها مخاطبة كل إنسان بالعبارة التي طالما رددها فيلسوفهم سقراط:


    -أعرف نفسك.


    هكذا اطمأنت الأم على طول أجل ابنها. وكان أن نشأ الفتى ساحر الجمال أخاذا يستهوي أفئدة المعجبين ويرفض التواصل مع أي فرد مستعليا بجمال تكوينه على الجميع..


    من هؤلاء المعجبين - المعجبات من أكل الحقد قلبه أو قلبها فكان الاتجاه الى ربة الثأر والانتقام وهي «نيميسيس» كي تحل غضبها على الفتى المعجباني فكان حكمها أن يعرف نارسيوس نفسه عندما يتطلع الى تقاطيع وجهه معكوسة على صفحة جدول صغير تنساب مياهه في جبل هليكون..


    وعندما نظر الفتى الى صفحة الماء.. وجد صورته منعكسة في النهر ووقع الفتى في غرام نفسه.. صار معجبا بذاته.. مغرورا بحسنه الأخاذ ولم يستطع مفارقة سطح المياه.. ظل يمعن النظر ويبدي الإعجاب ومن ثم كانت النهاية: إما أنه ظل يحدق ويتأمل حتى آخر رمق في حياته وقد انشغل عن أمور الحياة والمعاش..


    وإما أنه ظل يحدق في المياه الى أن اختل توازنه فسقط الى قاع النهر غريقا.. والمهم أن آلهة الاغريق عندما عرفوا حكايته فقد أصدروا قرارهم بتحويل الفتى نارسيوس الى زهرة يانعة تعانق الحياة في موسم الربيع اسمها في العربية النرجس.


    هذه الأسطورة تلقفها علم النفس الحديث في معرض محاولة التفسير العلمي لظاهرة أو آفة الاعجاب الشديد الى حد المَرَض بالذات والاغترار المنبهر ربما الى حد الاضطراب بالنفس.. وفي عام 1899 طرح رواد علم النفس في المانيا مصطلح النرجسي والنرجسية للدلالة على هذا الانحراف السيكولوي ثم اعتمده العالم النفساني الانجليزي ها؟لوك الليس (1859 - 9391( في دراسته الموسوعية التي أصدرها في 7 مجلدات بعنوانها الشهير:


    «دراسات في سيكولوية الجنس»


    وهكذا دخل المصطلح الى متن الانجليزية - المعجم والثقافة وكان ذلك بالضبط في عام 1905.


    نيوديل: عنوان الوصفة الاقتصادية - الاجتماعية الناجحة التي وضع أساسها الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين ديلانو روزفلت لانقاذ بلاده من مأساة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي أصابتها وحملت عنوان «الكساد الكبير» الذي أصاب اقتصاد أمريكا وامتدت آثاره الى بلاد أخرى منها أقطار عربية وكان ذلك مع أواخر العشرينات وفاتح الثلاثينات من القرن الماضي.


    كانت هذه السياسة أقرب الى عقد اجتماعي - اقتصادي جديد، ودام تنفيذها على مدار السنوات الثماني الفاصلة بين عامي 1932 و1940 ودخلت الى المصادر العربية تحت عنوان «الصفقة الجديدة» وهي صفقة معقودة بحكم الأمر الواقع بين جموع الشعب الأمريكي التي ذاقت هوان البطالة وشظف العيش نتيجة الأزمة التي ألمت بالنظام الرأسمالي وأفضى اليها احتكار مقادير الثروة في يد القلة المحظوظة من أفراد المجتمع.


    (يقال أن الأزمة حرمت الأمريكان من تذوق طعم اللحم بأنواعه ولم يجدوا أمامهم سوى الدجاج الذي ارتبط في وجدانهم بأيام الأزمة وقسوتها.. ومن ثم تبلورت نظرة التقدير الى اللحم وارتفعت أسعاره موازية لنظرة التهوين الى الدجاج الذي مازال يعد من المأكولات الشعبية في سوق الاستهلاك الأمريكية).


    سياسة الصفقة الجديدة - نيوديل قامت على اساس إسناد دور كبير.. بل مهيمن تقوم به الدولة في مجال الاقتصاد - دور أقرب الى رأسمالية الدولة التي أقدمت على إنشاء مشاريع كبرى ومرافق عملاقة..


    كفلت فرص العمل لآلاف من العاطلين (المرحلة الأولى استوعبت مليوني عامل) والمرحلة الثانية استوعبت 4 ملايين عامل).. وعندما اشتغل هؤلاء العمال عند الدولة ممثلة في هيئاتها وإداراتها الحكومية تقاضوا أجورهم.. فتحولوا الى مستهلكين يتمتعون بنوع ما من القدرة الشرائية.. ومن ثم أقبلوا على اقتناء كميات من السلع والحصول على أنواع شتى من الخدمات.


    . وهكذا استطاع منتجو هذه السلع ومقدمو هذه الخدمات أن يحصّلوا مداخيل وإيرادات أتاحت لهم دفع الضرائب المستحقة لخزانة الدولة التي تمكنت بالتالي من تمويل المشاريع الانتاجية والخَدَمية.


    وهكذا دارت من جديد عجلة الاقتصاد في أمريكا التي دخلت الحرب العالمية الثانية في أوائل الأربعينات مستندة الى قاعدة وطيدة من الإبلال من الأزمة ومن المنعة الاقتصادية فاتخذت بذلك سبيلا، لا الى قيادة النصر على المانيا النازية فحسب، بل أيضا الى قيادة الغرب على مدى سنوات نصف قرن من الحرب الباردة فكان أن انتهت - كما هو معروف - بتداعي ومن ثم زوال الخصم السوفييتي الذي تكسرت قوته على مذبح المنافسة الاقتصادية.


    نيكوتين: سعادة السفير «اك نيكوت» كان ممثلا لبلاده فرنسا لدى البرتغال. كان ذلك في خمسينات القرن الخامس عشر.. يعني من زمن بعيد بالنسبة لتاريخ السلك الدبلوماسي.. أيامها كان السفراء لا يتورعون عن الاشتغال بمهن أخرى تضاف الى نشاطهم الدبلوماسي..


    والمهم أن السفير «اك نيكوت» استقبل وفدا من رواد الكشوف الجغرافية البرتغاليين كانوا قد ارتادوا أراضي العالم الجديد غربي الأطلسي المعروف الآن باسم الأمريكتين الشمالية والجنوبية.. وبعد عودتهم الى البرتغال جلبوا معهم بذورا من نبات اكتشفوه هناك وهو مزروعات التبغ أو الطباق.


    والحق أن الرواد البرتغاليين لم يكونوا أول من اكتشف أو صادف نبات التبغ أو أوراق الطباق.. فالحاصل أن جاء يوم 10 أكتوبر من عام 1492 ليضع حدا لشكاوى طاقم البحارة الذين كان المكتشف الشهير كريستوفر كولومبوس قد جمع أشتاتهم للعمل على سفنه التي أبحرت غربا على وهْم اكتشاف الهند فإذا بها تكتشف بمصادفة تاريخية بحتة أراضي العالم الجديد من المحيط الأطلسي الى البحر الكاريبي.


    كان البحار منهكين وكاد يستبد بهم يأس الوصول الى اليابسة بعد رحلة بحرية انطوت على صنوف المعاناة.. لمحوا فجأة عودا أخضر من نبات لم يألفوه.. وكان العود طافيا على سطح الماء والى جواره يطفو عود آخر من البوص المشذب بعناية مما يؤكد أنه من فعل أيادي البشر.


    في هذه اللحظة تأكدوا أنهم على وشك النزول الى البر واكتشاف أراض جديدة. صحيح أنهم لم يجدوا الذهب الذي وعدهم به كولومبوس، وصحيح أن كريستوفر نفسه لم يكتشف أراضي الهند الحافلة كما كان يتمنى بالبهارات النادرة والتوابل الثمينة، إلا أن هذا كله لم يحل بين كريستوفر كولومبوس وبين أن يكتب في يومياته بتاريخ 6 نوفمبر 1492 سطورا يقول فيها:


    أفاد رجالي بأنهم بعد مسيرة 12 ميلا اكتشفوا قرية يسكنها نحو ألف من البشر.. اجتمع رجالها ونساؤها في ساحتها مستخدمين نبتة اسطوانية الشكل في رأسها جمر متقد وتفوح منها رائحة أعشاب عطرية وكانوا «يشربون» الدخان المنبعث منها ويطلقون عليها اسم «توباكوز». هكذا مهدت الأرض أمام البرتغاليين ليعودوا الى بلادهم حاملين بذور هذه التوباكوز التي قدموها لسفير فرنسا المحترم.


    وعندما انتهت مهمة السفير عاد الى باريس وسارع الى استزراع البذور التي أنتجت أوراق التوباكو أو التبغ وعمد بدوره الى تقديمه هدايا لنبلاء الارستقراطية الحاكمة في فرنسا (كانت تلك أيام الملك فرانسوا الثاني ومن بعده الملك هنري) هنالك ذاع صيت السفير المزارع، والمجامل أيضا .


    ومن ثم صنّف عالم النبات السويدي ليناوس نبات التبغ ضمن الفصيلة التي ينتمي إليها وخلع عليه اسم نيكوتيانا تكريما لاسم السفير الفرنسي الشاطر.


    . ومن هذا الاسم اشتق الانجليز تعبير نيكوتين للدلالة على التبغ وظل التعبير سائدا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الى أن حل محله التعبير الفرنسي تاباك المشتق بدوره من كلمة «توباكو» الاسبانية.


    وهناك من يقول بأن الكلمة عربية الأصل على نحو ما يؤكد معجم تواريخ وأسرار الكلمات (إصدار المؤسسة الأمريكية المعنية بالتراث الثقافي، طبعة 2004):


    - «توباكو» الاسبانية جاءت أصلا من اللغة العربية التي استخدمت كلمتي «تبغ» و«طباق» لوصف عدد من الأعشاب المستخدمة في الأغراض الطبية. وبعدها أمكن التمييز بين المادة الأصلية وهي «التبغ» التي يتم استخدامها لأغراض التدخين بين مادة «نيكوتين» التي باتت مقصورة على وصف المادة الزيتية الموجودة في أوراق التبغ وقد تم عزلها والتعرف معمليا عليها لاول مرة في عام 1818 للميلاد.

  7. #27

    رد: «نانوبيديا» واسب .. واندال .. ويرْد

    نانوبيديا»-الحلقة-(27)
    هبنوسس.. هامبورغر.. الهلال الأحمر
    بقلم :محمد الخولي



    هبنوسس في شكلها العربي.. تبدو كلمة غريبة وصعبة النطق والهضم في آن معاً.. لكن الكلمة قديمة ضاربة الجذور في المثولويا - الأساطير الإغريقية حيث كان هبنوسي هو المعبود المسؤول عن النوم عند قدماء اليونان.


    وعلى عادتهم نقله الرومان حرفيا ـ نقل مسطرة كما يقال ـ إلى ثقافتهم فعرفوه في اللغة اللاتينية بأنه المعبود سومنوس.. ومن ثم دخلت إلى معاجم الطب البشري والنفسي أيضا كلمة أنسومنيا التي تبدأ بحرف الامتناع بمعنى أنها تخالف الإله سومنوس وبالتالي فهي تصدق على الإصابة بالأرق والسهاد.


    ولأن القدماء كانوا قوما وثنيين فقد تعددت لديهم الآلهة لدرجة أن اتخذ أربابهم الغابرون أزواجا وذرية وأخوة وأخوات!. بهذا كانت العائلة تضم كلا من ثانتوس وهو إله الموت، وابنه نيكس وهو رب الليل إضافة إلى العم هبنوس المسيطر كما ألمحنا على نوم العباد وسبات البلاد..


    ومن ثم تقول الأسطورة فقد ظل يعيش في أرض يخيم عليها باستمرار ستور الظلام وسحب الضباب وهي بذلك أرض جديرة بآلهة النوم والوسن وأضغاث الأحلام. فوق هذه الأرض الضبابية عاش هبنوس في غياهب مغارة كان يتدفق عبرها مياه نهر جار اسمه نهر.. النسيان (طبعاً!)


    ويحفه في جلسته أبناء كثيرون في مقتبل العمر يحملون اسما مرتبطا بالنوم وهو.. (الأحلام) ، (هل هناك صلة بين أبناء هبنوس وبين كلمة بلوغ الصبي مرحلة الحُلُم؟) المهم ان كان على رأس هؤلاء الأبناء فتى نابغ نابه خلعت عليه أوهام الإغريق اسم مورفيوس.


    وعندما كانت آلهة الإغريق تنوي التدخل في شؤون البشر.. كانت تعمد إلى استدعاء الأب رمزا للنوم والابن رمزا للأحلام.. ومن اسم هذا الابن الشاطر اشتقوا مباشرة مصطلح (مورفين) الذي يرسل الكائن البشري إلى حيث يغيب العقل ويدخل الكائن في سبات الخدر العميق.


    راحت أيام المثيولويا وحلّت سنوات العصر الحديث وعاش في القرن التاسع عشر جراح اسكوتلندي اسمه يمس بريد (1795 - 1860) وكان بحاجة إلى أن يرسل مرضاه إلى حالة من التخدير بحيث لا يكابدون الألم من جراء مشرط الجرّاح. يومها كتب الدكتور بريد رسالته الضافية عن «أسس النوم العصبي».


    وكان أن استدعى اسم إله النوم القديم ليصوغ من اسمه مصطلح هبنوسس بمعنى النوم الاصطناعي أو هو التنويم بالإيحاء أو كما يسمى في لغتنا المعاصرة بالتنويم المغناطيسي الذي مازال يحمل الاسم حتى الآن وإن كان أهل القرن 19 يطلقون عليه الاسم الذي انقرض فيما بعد وهو بريدزم نسبة إلى الجراح المذكور.


    أما العقار المستخدم في التخدير فقد تم عزله مختبريا في عام 1806 على يد الكيميائي الألماني فردريك سيرتورنر (1783 - 1481) الذي فصله عن الأفيون. وعند تسمية المادة المخدرة المعزولة استدعى سيرتورنر اسم الإله - الابن مورفيوس وأطلق على هذه المادة اسم المورفين.


    هامبورغر: في منطقة أوك بروك بولاية اللينوي الأميركية يقوم مبنى شاهق يحمل رقم واحد مكدونالدز بلازا وتحيط به مساحة 80 فدانا ويعرفه الناس باسمه الشهير وهو: جامعة هامبورغر.


    هذه الجامعة تمنح درجة «الهامبورغر لوجي» (!) أو علم الساندوتش الشعبي المعروف وهي في الأساس مركز التدريب الذي يتخرج فيه مديرو وموظفو وعمال مؤسسات الطعام السريع الذي ابتدعته أميركا لتغزو به أذواق وأفواه وأمعاء العالم.. كل دورة دراسية تستغرق أسبوعين وتتنوع فيها موضوعات المقرر المدروس ما بين أساليب العمل الجماعي إلى إذكاء حوافز الدافعية لدى العاملين إلى الترويح - خذ بالك - لانتشار لغة خاصة (بمعنى مصطلحات ورموز كودية متعارف عليها) وصولا إلى نشر ثقافة متميزة - ثقافة هامبورغية إن صح التعبير.


    ما هو إذن أصل الكلمة؟ للوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن أنها ترتبط أساسا بالمقطع الأول الذي ينصرف إلى (هام) التي تصدق على أصناف اللحوم لزوم حشو الشطيرة - الخبزة أو الساندوتش. لكن الكلمة لا علاقة بينها وبين اللحم بقَرياً كان أو دجاجا ولا حتى سمكا.. الكلمة مأخوذة من مدينة هامبورغ الألمانية الشهيرة وهي أكبر موانيء ألمانيا.


    وقد أسسها شارلمان عاهل الإمبراطورية الرومانية الشرقية في أوائل القرن الثالث عشر. مع ذلك كانت المدينة هي الساحة التي عقدت على صعيدها علاقة الساندوتش باللحوم.. لأنها شهدت في الأصل ما عرفته المطاعم والمطابخ بأنه هامبورغ ستيك وهي الشريحة أو صفيفة اللحم كما يسميها المجمع اللغوي الموقر.


    وعندما هاجر الألمان في منتصف القرن التاسع عشر إلى ألمانيا كان طبيعيا أن يحملوا وسط أمتعتهم تقاليد هامبورغ في إعداد وتبهير وشواء شرائح اللحم - البقري بخاصة.


    ولم تمض سوى عقود قليلة من الزمن حتى أصبحت شرائح الشواء المنسوبة إلى المدينة الألمانية هي الصنف المفضل عند عامة الأميركيين الذين ظلوا يقرنون بين اللحم - الهام - وبين اسم المدينة الجرمانية إلى أن جاءت أجيالهم الناشئة فعمدت ـ على طريقة الأميركان - إلى اختصار المسألة من عبارة «شريحة هامبورغ» إلى كلمة واحدة هي هامبورغر.. وكان ذلك كما تقول التواريخ في عام 1908.


    وفي ثلاثينات القرن الماضي.. بدأ الناس يشعرون بوطأة الأزمة الاقتصادية (الكساد الكبير) ولذلك شهد العقد الزمني المذكور وضع اللحم من باب التوفير داخل دفتي رغيف من الخبز.. والأكيد أن أتاحت هذه الخطوة الجذرية - حتى لا نقول الثورية - تصغير قطعة اللحم من حيث الوزن أو السماكة وربما من حيث النوعية أيضا..


    هكذا طورت أميركا هذه الفكرة المستوردة من مدينة ألمانية.. بل أنها كررت نفس عملية تطوير الشطيرة المحشوة.. بالمقانق على شكل أصابع من لحم مفروم مخلوط بالخضروات وأطلقت على ذلك اسم مدينة ألمانية أخرى فكان أن شهدت خمسينات القرن الماضي بدورها شطيرة الفرانكفورتر نسبة إلى فرانكفورت، المدينة التي أنشأوها في مستهل القرون الوسطى مكان مدينة رومانية قديمة وشهدت أمجاد الإمبراطوريات الجرمانية المتعاقبة..


    بل وأتاحت ازدهار عائلات يهودية مالبثت أن تركت بصمات واضحة على المشروع الصهيوني في الشرق العربي وفي مقدمتها عائلة روتشيلد المصرفية الشهيرة ويرجع أصلها إلى فرانكفورت التي استعارت اسمها مطاعم الأكل على الواقف.. (فاست فود) في أميركا وصنعت تحت لوائه شطيرتها الرخيصة التي مازالت تباع على عربات الأكل اليدوية الرابضة على نواصي الشوارع في الساحل الشرقي للولايات المتحدة، في مانهاتن - نيويورك مثلا بعد اختصار اسمها من فرانكفورتر إلى مجرد.. فرانك..


    ومن جديد اتبع الأميركان أسلوبهم في الحذف والاختصار وفي تكليف كلمات قديمة راسخة لكي تؤدي معاني وتشير إلى دلالات مستجدة وغير مسبوقة من باب تسهيل المسائل وتخفيف الاهتمامات هكذا عمدوا إلى فصل كلمة «بيرغر» واستخدموها في أغراض شتى لتدل على شطائر أخرى - ساندوتشات بخلاف اللحم التقليدي - فأصبح هناك جبن - بيرغر ولوز ـ بيرغر هذا فضلا عن خنزير - بيرغر.. والعياذ بالله.


    الهلال الأحمر:


    في مثل هذه السنة منذ 130 عاما تعرضت أقطار عربية وإسلامية لمخاطر حافلة بالنذر.. كانت سنة 1876 منعطفا فاصلا في تاريخ مصر الخديوية كما كانت تسمى في ذلك الحين.. على امتداد عقدين من الزمن حكمها رجل طموح ومتنور اسمه الخديوي إسماعيل (1830 ـ 1895) ولكن كانت تعيبه آفة السذاجة مقترنة بالاندفاع والإسراف وأبهة المظاهر والشعارات.. وقف يوما ليقول للأجانب أن بلاده «لم تعد قطعة من افريقيا.. لقد أصبحت مصر قطعة من أوروبا».


    وهكذا كانت مصر فعلا ولكن من باب السلب والخطر الجسيم.. لقد ظل إسماعيل ينفق على مشروعاته من خلال الاستدانة من بنوك أوروبا الربوية بالطبع ومنها ما كان يتولاه مصرفيون يهود..


    وهكذا وقعت بلاده في براثن الديون.. ولذلك يعرف التاريخ سنة 1876 بأنها سنة الرقابة المالية فرنسية وانجليزية على خزانة مصر ومواردها التي خضعت لفترة طويلة لسيطرة لندن وباريس.


    وكانت هذه الهيمنة الاقتصادية مدخلا لمأساة أخرى دامت 70 عاما هي الاحتلال الانجليزي - الاستعماري لمصر بأسرها. وسنة 1876 هي ايضا عام حركات التمرد ومن ثم الاشتباكات العسكرية التي واجهتها الدولة العثمانية ضد الأقاليم التي كانت جزءا من امبراطوريتها في وسط أوروبا بعامة (بلغاريا مثلا) وفي البلقان أيضا (صربيا والجبل الأسود على وجه الخصوص).


    وتسجل حوليات التاريخ الحديث سقوط الآلاف من القتلى والجرحى بسبب هذه الحروب بين الأستانة وبين رعاياها الأوروبيين. وهنا يصدق قانون الأزمة التي تفضي إلى حلول أو انفراجات..


    فالتاريخ يسجل مثلا مآسي حرب سولفرينو (دارت بين فرنسا والنمسا عام 1859) وكيف أن هذه الكوارث دفعت مفكرا سويسريا اسمه هنري دونانت إلى نشر كتاب بالفرنسية بعنوان «ذكريات من سولفرينو» اقترح فيه تنظيم خدمات وجمعيات ومؤسسات وتشكيلات إنسانية خيرية تقوم على جهود تطوعية لنجدة ضحايا الحرب والكوارث والأزمات الإنسانية .


    وكانت تلك بداية جمعية الصليب الأحمر الدولية التي أنشأتها اتفاقية جنيف لعام 1864.. بعدها بعامين احتدم القتال ـ كما أسلفنا ـ بين تركيا ورعاياها في وسط وجنوبي أوروبا فاحتاج الأمر إلى جمعية إنسانية أخرى مسلمة هذه المرة، فبدأت جمعية عثمانية - تركية لخدمة هذه الأغراض الإنسانية وكان ذلك في عام 1876 إلى أن أصرت اسطنبول على أن تحمل الجمعية اسم الهلال الأحمر رسميا وهو ما تم في عام 1906 وبهذا انتشر الاسم معمّما لاستخدامه في جميع الأقطار الإسلامية.


    ومع نشوب حرب أخرى في طرابلس ـ ليبيا بين العثمانيين والمتطوعين العرب من جهة وبين الاستعمار الإيطالي من جهة أخرى وقد أسهبت في وقائعها مذكرات عزام باشا أول أمين للجامعة العربية وكان من شباب متطوعيها، تم في عام 1911 إنشاء الهلال الأحمر المصري كجمعية عربية - مسلمة رائدة في هذا المجال.


    وبادرت الجمعية المذكورة إلى إقامة مستشفى خاص بها في عام 1914 مع نشوب حرب أخرى هي الحرب العالمية الأولى.. ثم تمكنت من افتتاح موقعها ومباني مستشفاها الكبير الذي مازال قائما في وسط القاهرة عام 1937.

  8. #28

    رد: «نانوبيديا» واسب .. واندال .. ويرْد

    «نانوبيديا»
    لانجلي.. لاكونيزم.. لاتيني
    بقلم :محمد الخولي



    دائرة معارف مصغرة في 30 حلقة عن مصطلحات ومسميات عاشت في زماننا، من هنا نقدم سبيكة معرفية نحكي فيها عن أصول الكلمات والمصطلحات والمفاهيم التي يستخدمونها في حياتنا الراهنة.. من الانجليزية الى العربية. ومن خلال هذا الجهد الذي استغرق مراحل زمنية مطولة وعمد الى استشارة مراجع متخصصة شتى.. آثرنا أن نعرضه على شكل موسوعة عربية مصغرة نانو موسوعة رتبناها على حروف الأبجدية العربية من الألف الى الياء بحيث نخّص كل حرف منها بثلاثة مصطلحات يطالعها القارئ الكريم على امتداد أيام رمضان المعظم.


    لانجلي


    يرتبط اسم هذه المحلّة القريبة من واشنطن باسم وكالة المخابرات المركزية الأميركية التي تتخذ من الضاحية مقراً لها. والوكالة إياها باختصارها المعروف سي. آي. إيه تُعني أساساً بجمع وتصنيف وتحليل المعلومات من كل أنحاء العالم وفي مقدمتها المعلومات السرية بطبيعة الحال. وبديهي أن جمع هذه الأسرار يتطلب أساليب غاية في الدهاء والكتمان والخبث والخطورة وهو ما تعرفه أدبيات المخابرات أحياناً بأنها أساليب العباءة والخنجر بمعنى السلوك المستور الذي لا يتورع عن الطعن المباغت فوق الحزام وتحت الحزام، فيما تسمى أحياناً بأنها «العمليات السرية» أو التحت - أرضية وإن كان هناك من لا يتورع عن وصفها بغير مواربة بأنها «العمليات.. القذرة».


    في كل حال فاللغة أنصفت هذه العمليات حيث تقرن الانجليزية بين كلمة «استخبارات» وبين كلمة «ذكاء» وحيث يمكن تقصي عملية هذا التجميع للمعلومات الاستخباراتية - الذكية بالضرورة إلى مراحل بعيدة في تاريخ المجتمع البشري لدرجة ان هناك من اتخذها مهنة متخصصة تقوم على الاحتراف.. بقدر ما أن هناك من وصفها بعبارة شهيرة وهي: أن الاستخبارات هي ثاني أقدم حرفة في التاريخ (والمقصود هنا أن البغاء هو أقدم حرفة على الإطلاق).


    ومن بين مؤرخي هذه الحرفة من يستدعي دفاتر الزمن القديم ويتناول سيرة مصري قديم اسمه السيد توت عاش في الزمن الفرعوني وكان أول ضابط استخبارات في التاريخ. وهناك أيضاً من يحلل السير الشخصية لأدباء معاصرين كبار عملوا في مرحلة ما من حياتهم في سلك مخابرات بلادهم ومنهم مثلاً الروائي الانجليزي سومرست موم والشاعر الانجليزي أيضاً رديارد كبلنغ فضلاً عن الكاتب الانجليزي كذلك أيان فلمنغ الذي استطاع أن ينسج من خيوط مهنته مسلسلاً روائياً شديد الجاذبية نشره على عالم الثلث الأخير من القرن العشرين تحت عنوانه الشهير «مغامرات جيمس بوند».


    في العصر الحديث أدركت كل الدول والنظم السياسية مدى أهمية تجميع المعلومات ومن ثم أهمية إنشاء جهاز خاص أو دائرة احترافية معنية بالاستخبارات. وترصد الموسوعة الأميركية إنشاء أول وكالة مخابرات سياسية بهذا المعنى الحديث على يد الفرنسي جوزيف فوشيه في الفترة 1799 - 2081 وهو عصر الثورة الفرنسية الكبرى


    في حين أن هناك من يعد العاهل الألماني فردريك الثاني ملك بروسيا بمثابة الأب الروحي للمخابرات العسكرية الحديثة التي أمكنها أن تؤدي دوراً مهماً كان مستجداً وقتها خلال الحرب العالمية الأولى. أما خلال الحرب العالمية الثانية فقد برعت المخابرات البريطانية في أداء مهامها لصالح الحلفاء وضد عدوها النازي في ألمانيا، فضلاً عن الأدوار المميزة والمشبوهة أيضاً التي أسندت إلى شخصيات تبدو كالأطياف - الأشباح الهائمة على متن تاريخ منطقتنا العربية ومازالت حولياتنا السياسية تردد أسماءها، ما بين لورنس في الشام أو جرترود بل في العراق أو فيلبي في شبه الجزيرة العربية أو غلوب في الأردن.


    ومع انتهاء الحرب الثانية بدأت عملية توريث بمعنى تسليم قيادة الحلفاء والغرب الأوروبي بشكل عام من يد بريطانيا إلى يد النجم الصاعد وقتها وهو الولايات المتحدة.. وانطبق الشيء نفسه في دنيا الاستخبارات.. والمعلومات.. وفي عالم التجسس بشكل عام.وكالعادة بدأت المسألة على استحياء بإنشاء أول دائرة للتجسس في أميركا تحت اسم متواضع هو «مكتب الخدمات الاستراتيجية» وكان ذلك عام 1942 إلى أن صدر في عهد الرئيس ترومان قانون الأمن الوطني عام 1947 ليقضي بإنشاء وكالة المخابرات المركزية التي كلفت بأنشطة الاستخبارات بمعنى جمع المعلومات تجسساً وخفية عن الدول الأجنبية وفي مقابلها أيضاً مكافحة أنشطة التجسس التي تمارس ضد الأمن القومي للولايات المتحدة.


    ورغم أن الوكالة العتيدة كلفت أيضاً بمتابعة مهام تجسسية في الداخل بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلا أن المهمة الأخيرة تعرضت للكثير من التقييد والتقنين بمعنى الكبح والانضباط بموجب الأمر التنفيذي (الرئاسي) الصادر في أعقاب فضيحة ووتر جيت الشهيرة في منتصف السبعينات. وقد أثبتت تحقيقاتها قدراً من إساءة استعمال السلطات الموكلة لأركان الوكالة المركزية وهي التحقيقات التي أجرتها لجنة رئاسية وبرلمانية اتهمت الوكالة بأنها تورطت في أنشطة تجسس داخلية غير مشروعة.


    من جانب آخر، وفي ظل صدور قوانين متنوعة تتعلق بالأمن الداخلي والسلامة الوطنية فضلاً عن استحداث وزارة خاصة بتلك الأمور وما دأبت عليه إدارة الرئيس بوش - الثاني من ترويع مواطنيها وإدامة تخويفهم من أخطار تهددهم من الخارج وفي الداخل ولاسيما في أعقاب حادثة الحادي عشر من سبتمبر ـ فقد اختلطت الحدود الدقيقة الفاصلة، أو التي كانت فاصلة ـ بين عمليات الاستخبارات ـ التجسسية ضد العدو الخارجي وبين نظيرات لها لا تتورع عن التجسس في الداخل على عامة المواطنين.


    والمخابرات المركزية الأميركية تستند إلى تاريخ يجمع بين النجاح (بمقاييسها ومصالحها طبعاً) وبين الفشل.. لقد نجحت في تغيير نظم سياسية في نصف الكرة الشرقي (إيران ـ مصدق) أو في نصف الكرة الغربي (غواتيمالا في أميركا الوسطى أو شيلي في أميركا الجنوبية) ولكنها فشلت على نحو ذريع في النصف الغربي (في عملية خليج الخنازير ضد الرئيس الكوبي كاسترو) فضلاً عن فشلها في العراق، وخاصة فيما يتصل بالمعلومات عن حكاية أسلحة الدمار الشامل.


    لاكونيزم


    هذا التعبير يستخدمه الأميركان في أغراض الوصف.. التعريضي كما قد نسميه بغيرهم من الأمم والشعوب: إن الأميركي شخص يطل على الحياة من خلال الصور الجامدة والقوالب الانطباعية.. ستريوتايب. وفي كل صورة.. كل قالب.. تتم عملية تنميط بمعنى اختصار أو اختزال هذا الشخص.. أو ذلك الشعب أو تلك الأمة في قالب موحد يحرص الأميركاني على أن يكون مبسطاً ومريحاً للدماغ.


    في دنيا اللغة. في عالم التخاطب أو التواصل اختصر الأميركيون أبناء عمومتهم الناطقين بالانجليزية ضمن أنماط طريفة على وجه يقول: - إن الأيرلنديين ثرثارون.. في حين أن الانجليز متهكمون أما الاسكتلنديون فهم مقتضبون. وعليه فلسان الأيرلنديين منفلت، ولسان الانجليز ممرور، ولسان أهل اسكتلندا موجز في الكلام إلى حد التقتير وكأنما اتخذوا شعاراً لكلامهم من حكمة العرب المتواترة:


    ما قل ودلّ.. هذه الحكمة هي بالضبط ترجمة التعبير الانجليزي الذي تدور من حوله في هذه السطور «لاكونيزم»، الكلمة التي استوردها الأميركان عن الانجليز وقد دخلت عند أهل بريطانيا بطريق اللاتينية ولكن عن الأصل أو الجذر اليوناني «لاكونيكوس» الذي يشير إلى منطقة لاكبيدايمون التي كانت عاصمتها أسبرطة مدينة الأفعال وليس الأقوال ومركز التربية الرياضية البدنية وكانت المنافس أو فلنقل الموازي لمركز التفلسف والتحصيل الفكري والإبداع الأدبي في أثينا..


    ولما كان أهل اسبرطة قوماً يتسمون بشخصية مقاتلة ويلتزمون في سلوكهم بقدر يحسدون عليه من النظام والانضباط.. كان طبيعياً أن يكون كلامهم موجزاً وحديثهم مقتضباً ولسانهم مقتصداً ولغتهم بعيدة عن الإسهاب أو التفصيل دع عنك الحشو أو الإطناب.. هي لغة اللاكونزم.. التي دخلت إلى متن الانجليزية الحديثة في عام 1589 على نحو ما رصده اللغويون.. وكأنها - لاكونزم- تؤكد على المعنى المتواتر شعبياً: كلمة وردّ غطاها.


    لاتيني


    في الزمن القديم كانوا يعرفون إيطاليا - شبه الجزيرة والكيان باسم «لاتيوم: وكان سكان سهول لاتيوم يعيشون في إطار اتحادات بين القبائل البدائية (أقرب إلى أحلاف القبائل العربية قبل الإسلام) ومثلما تولت قريش مقاليد القيادة في مرحلة ما.. سبقت روما إلى نفس المكانة إلى أن ضمت إليها كثيراً من الأقاليم في عام 338 قبل الميلاد ومنحت مواطنيها حقوقاً متكافئة لأبناء روما،


    ومن ثم فرضت روما لغتها اللاتينية لتسود إيطاليا أولاً، ثم لتصبح اللغة العالمية «لنغوافرانكا» بعد أن دانت لحكام روما وأباطرتها مقاليد السيطرة على أقطار العالم القديم وخاصة في حوض البحر المتوسط.. هذا فضلاً عن إثراء اللغة اللاتينية، سواء بعملية نقل مسهبة وصلت إلى حد الإغارة والسطو والانتحال على التراث اليوناني الأعرق والأعمق أو بإضافات مبدعي اللغة اللاتينية أنفسهم ابتداءً من هوراس وليس انتهاءً بأو؟يد أو فرجيل،


    فما بالك باسهامات الرومان في مجال تدوين القانون وهو ما أغنى متن اللغة اللاتينية ومصطلحاتها بطبيعة الحال. وتتصدر هذا التراث القانوني اللاتيني «مقدمة جوستنيان» إمبراطور بيزنطة التي شكلت الأساس لفقه القانون المدني في أوروبا والعالم.. وقد نقلها عن الفرنسية العلامة المصري الأشهر عبدالعزيز فهمي باشا (ت1951) في ترجمة بالغة الدقة والنصاعة مزودة بهوامش وشروحات جعلتها عملاً جليلاً في الفقه القانوني العربي.


    فيما تعد لغة الهند القديمة (السنسكريتية) هي الجدة الأعلى - كما قد نقول - للغات المنتشرة حالياً في غرب أوروبا (الهندو- أوروبية كما وصفها علم اللسانيات الحديث) فإن اللاتينية تعد بمثابة الأم الحاضنة للغات تولدت عنها على مر السنين وفي مقدمتها الايطالية والفرنسية والاسبانية (لغات الرومانس) كما تسمى في إشارة إلى أن اللاتينية كانت لسان الرومان.


    ومن مادة اللغة الأم اشتقوا ألفاظاً ومصطلحات شتى منها مثلا: لاتينست المتخصص في فقه اللغة الاتينية ومنها أيضاً لاتينو - المصطلح الذي يستخدمه مرشحو الأحزاب في أميركا لزوم الغزل السياسي مع المهاجرين الوافدين من أميركا الجنوبية - اللاتينية (إشارة إلى لغتيها الاسبانية واللاتينية). ومن المعروف أن لفظ «لاتينو» بدأ يحل كل لفظة «هسبانك» الذي يحوي في طياته ظلالاً من الاستهانة بهؤلاء المهاجرين القادمين من أقطار جنوبي الولايات المتحدة وخاصة المكسيك.. برغم أنهم عماد حياة العمل اليومية في الزراعة والصناعة عند الجار الأميركاني المختال بثرائه، ساكن الشمال.

  9. #29

    رد: «نانوبيديا» واسب .. واندال .. ويرْد

    «نانوبيديا» -الحلقة-(30)
    يوتوبيا.. يخْت.. يانكي
    بقلم :محمد الخولي



    يوتوبيا: ومنها في لغتنا الطوبى والطوباوية وتشير كلتاهما إلى الجزاء الأوفى من ناحية والى الفكر القائم على أساس الخيال والتصور واستشراف المثل الأعلى من ناحية أخرى. في أمهات لغات الغرب تشير كلمة يوتوبيا إلى «المكان الطيب» وأحيانا يطلقون عليها وعلى مواقع الخير والأخلاق التي يطمح اليها الفؤاد البشري - لفظة أطلانطس وهي إشارة إلى القارة المفقودة.. أو مملكة الإغريق الغائبة أو الموقع الكوني المنتظر على وزن المهدي المنتظر.


    ولقد ربطت الثقافات المختلفة بين «يوتوبيا» وبين كل هذه الأفكار.. التصورات والتداعيات التي تهفو إلى مكان أمثل، وترنو إلى استشراف مواقع تتصف بالسمو وتعلو بالارتقاء ولكنها غير موجودة على خريطة الواقع.


    وربما فعلت ذلك لأن كلمة «يوتوبيا» في اصلها اليوناني تعني في مقطعها الأول «يو» وفي مقطعها الثاني «أوبوس».. الأول يفيد النفي والثاني يفيد المكان ومن ثم فهي ببساطة «اللامكان» ولأنها كذلك.. فقد ظلت المثابة التي يودعها المفكرون والمتفلسفون والأخلاقيون والشعراء والحالمون.. كل ما راودهم من رؤى وكل ما زارهم من أحلام وكل ما خالط نفوسهم من أمانيّ الحق وطموحات الخير وأشواق الجمال الأسمى..


    كان أول هذه الكوكبة من مفكري البشرية هو الفيلسوف اليوناني أفلاطون (ت عام 348 قبل الميلاد) وخاصة في رسالته الشهيرة بعنوان «الجمهورية» وفيها أطلق العنان لحلمه الأثير يرنو فيه إلى نظام حكم يقوم على أمره الفلاسفة ويجسد عالم المثل العليا ويبسط سلطانه بالفكر والنموذج على المدينة وهي وحدة السلطة عند اليونان..


    ومن ثم فقد كان أفلاطون هو أول من نادى بما اصطلحت البشرية على وصفه بأنه (المدينة الفاضلة). لكن الفضل في إدخال لفظة يوتوبيا لتؤدي معنى المدينة الفاضلة أو المجتمع الأمثل يرجع إلى الفيلسوف الانجليزي سير توماس مور (1478 - 1535) الذي أصدر كتابه الأشهر باللاتينية بعنوان «يوتوبيا» عام 1516 وشرح مضمونه في عنوانه الفرعي الذي يقول:


    ـ عن أرقى أحوال الجمهورية وجزيرة يوتوبيا الجديدة.


    وفي الكتاب يتخيل توماس مور دولة.. يديرها حكامها باسم العقل والحكمة حيث كان المؤلف يلمح بذلك إلى نظم الحكم المعاصرة له في أوروبا والتي كان يسودها الطغيان والنزوات واستبداد السلطة وطمع الثروات.


    هكذا شقت يوتوبيا - توماس مور طريقا أمام فلاسفة ومفكرين كثيرين لكي يصوغ كل منهم حلمه الخاص ورؤياه الأثيرة: منهم من كان يحلم بأن يحكم المدينة الفاضلة من يجمعون بين العلم والفلسفة والدين (الايطالي توماس كامبانيللا في كتابه بعنوان «لاسيتادل صولي ـ مدينة الشمس الصادر في عام 1602). ومنهم من تصور مدينته الفاضلة..


    والمفضلة أيضا وقد آلت مقاليدها إلى حكام من علماء الفيزياء والبيولوجيا والكيمياء، يعني أهل العلم التطبيقي وهم قوم عمليون يقرأون الواقع وفق معطياته الحقيقية على الأرض (فرانسيس بيكون في كتابه بعنوان «أطلانطيس الجديدة» الصادر عام 1627).


    ولأن يوتوبيا ظلت ترتبط بالحلم.. ولأن فلاسفة الإنسانية وفنانيها وشعرائها ومفكريها قوم مجبولون بحكم العقلية والتكوين على أن يحلموا، ومن ثم يُسكبون أحلامهم أفكارا ورؤى وسطورا على أديم الصفحات، فقد شهدت مراحل شتى من التاريخ المعاصر كتابات متنوعة تدور جميعا حول حلم اليوتوبيا - المدينة الفاضلة وشهد منها القرن العشرون كتاب الأديب الانجليزي ه. ج ويلز الصادر في عام 1905 بعنوان «اليوتوبيا الحديثة».


    أما على الجانب الآخر من القضية، صاغ مفكرون وروائيون يوتبيات مضادة.. فإذا كانت الفئة الأولى من أفلاطون إلى ويلز قد ترجمت رؤاها إلى «أحلام» تعكس شوق البشر إلى العالم الأفضل.. فثمة فئة أخرى ترجمت رؤاها إلى «كوابيس» تعكس خشية البشر من تحول حياتها ومجتمعاتها إلى حيث تسيطر عليها الآلة.. أو يستبد بمقاليدها الطغيان أو تصاب البشرية بفيروس التزييف وقلب الوقائع والخلط المدمر بين الحق والباطل.


    هنا نصادف نوعا من الأدب والفلسفة يصدق عليه وصف اللايوتوبيا أو اليوتوبيا - المعاكسة على نحو ما أسلفنا. هنا قرأنا ونقرأ أعمالا تسخر من الاستسلام للأحلام والأخيلة في معالجة قضايا البشر (رحلات جلفر التي أصدرها جوناثان سويفت عام 1726)، وهو ما قصد إليه أيضا صمويل بطلر في كتابه «ايروين» الصادر عام 1872..


    ومنها كذلك ما يحذر من ميكنة الحياة البشرية حين يستسلم الإنسان إلى سطوة الآلة (رواية عالم جديد شجاع التي أصدرها عام 1932 الدوس هكسلي) أو تنذر بتحول المجتمع إلى مطية للطغاة والمستبدين الذين يفرضون على البشر استبدادا شموليا باسم المذهب السياسي (العالم سنة 1984 التي أصدرها عام 1949 ور أورويل وربما كان آخرها رواية الأديبة الكندية مرجريت أتوود التي أصدرتها عام 1985 بعنوان «حكاية شُغْل يد».


    يخْت: أتى على أهل هولندا حين بل أحيان من الدهر كانوا فيها فريسة الانزعاج الشديد والقلق العميق إزاء هجمات القراصنة على السفن التي كان الهولنديون يبعثون بها إلى ما وراء البحار ـ كي تجلب لهم منتوجات أمم بعيدة ـ في جنوب شرقي آسيا بالذات وفي مقدمتها البهارات والتوابل وكانت من المواد الثمينة في القرن السادس عشر للميلاد.


    ولأن الحاجة أمّ الاختراع.. فقد هداهم تفكيرهم إلى أن المطلوب لمطاردة ومداهمة القراصنة لم يكن يتمثل في العمارات البحرية الشاهقة ولا في الأساطيل الفارهة والسفن الضخمة.. تلك هي القطع البحرية التي تصعب حركتها وتثقل حمولتها ومن ثم تصبح فريسة للصوص والمهربين العاملين في عرض البحار:


    المطلوب إذن هو سفن خفيفة.. سريعة الحركة.. أبسط ما تكون من حيث التصميم والهياكل.. وعدد البحارة والعاملين. ولم يكن من مهام تلك القطع البحرية البسيطة والخفيفة هو مقاتلة القراصنة بقدر ما تمثلت مهمتها أساسا في مطاردة القراصنة وإبعادهم قدر الإمكان عن سواحل هولندا وممتلكاتها.


    في ضوء هذا كله اصطنع الهولنديون هذا النمط الخفيف من المراكب التي تجمع بين خفة الزورق وبين هيكل السفينة.. وتوصف في اللغة الألمانية بأنها «ياختشيف» ومعناها «سفينة الصيد» التي لم تتوان انجلترا ـ وهي دولة بحرية في الأساس - عن ادخالها ضمن مجاميع سفنها وكان ذلك تحديدا في عام 1660.. وفي غمرة شعور بالانبهار إزاء واحدة من تلك السفن المبسطة التي أهدتها شركة الهند الشرقية الهولندية إلى تشارلز الثاني ملك انجلترا فقد رأى الملك الانجليزي في بساطة السفينة الجديدة ما جعله يستخدمها للنزهة والترويح.


    بعدها تناولتها أيدي مصممي وصناع السفن الانجليز وقرروا بناء عدد منها لحساب أثرياء الانجليز الذين استهواهم بالطبع تقليد مليكهم في البر وفي البحر على السواء. وبذلك دخل المصطلح الهولندي بإيقاعه الألماني الأصل إلى معجم الانجليزية إلى أن بلورته كلمة «ياخت» ومنها «يخت» المستخدمة حاليا على مستوى العالم كله.


    ورغم أن هذا العالم قرر أن يتوسع في استعمال الكلمة.. بمعنى أن سباقات اليخوت مثلا أصبحت تستوعب أنواعا شتى من السفن المتسابقة، إلا أن العالم في الغرب وفي الشرق لايزال يختص بالكلمة أيضا ذلك النوع من السفن التي يتفنن صانعوها في تجميلها وتزويدها بأحدث وسائل الراحة والرفاهية وضمان متعة التأمل وسكينة الهدوء.. ربما لكي ينسى الناس أن اليخت - الهولندي الاصل والكلمة - كان يقصد منذ 4 قرون إلى مطاردة المجرمين وإقصائهم بعيدا عن السواحل إلى حيث يواجهون غوائل البحر من جديد.


    يانكي: اسم خلعوه أساسا على المستوطنين الذين عبروا البحر لاستعمار أميركا في منطقة نيوإنجلاند على الساحل الشرقي من الولايات المتحدة المعاصرة (معجم المصطلحات التاريخية)..


    وهناك من يعود بأصلها إلى التسمية التي شاعت عند الهولنديين بوصفهم من صانعي أصناف الجبن الهولندي الشهير. وفي هذا الإطار وصفوا الهولندي بأنه - يان كاسي أو «إنسان الجبنة» تماما كما أن هناك من يصف الفرنسيين بأنهم «فروماجيست» بمعنى أنهم آكلوا الجبن.


    (معجم حكايات الكلمات) وهناك من يصرف النظر عن قصة الأجبان هذه ويتمسك بمقولة الاستهانة بالهولنديين، لاسيما وقد كان من صفوفهم من احترف قرصنة البحار وخاصة في أواخر القرن السابع عشر، الأمر الذي دفع بقادة الاستعمار - الاستيطان البريطاني في أميركا إلى إطلاق وصف ون الصغير أو ان الصغير على أي هولندي الذي كان ينطق الصفة أو الكلمة في لغته الجرمانية الأصل على أنها «يان كي» (معجم تاريخ الكلمات).


    مع ذلك فقد حارت البرية - على نحو ما يعرضه معجم وبستر الأميركي المعني بالأيتيمولويا - تأصيل الكلمات، ويكاد يكون العمدة في هذا السياق، في أصل كلمة «يانكي» التي مابرحت تصدق على وصف الشخص الأميركي وربما أدى إيقاعها الخفيف - بمعنى الاستخفاف ـ إلى أن كثيرا من مظاهرات شعوب العالم الثالث كانت تقابل مبعوثي واشنطون ومندوبيها بلافتات مكتوب عليها بالانجليزية شعار: «يانكي جوهوم» أي «أيها الأميركيون عودوا إلى دياركم».


    وهناك من عاد بالكلمة إلى لغة قبيلة الشيروكي من شعوب أميركا وسكانها الأصليين ـ الهنود الحمر كما يوصفون أحيانا. والكلمة هي «اينكي» ومعناها «العبد.. الجبان» - ولكن البحث اللغوي الحديث نفى وجود مثل هذه الكلمة في لغة الشيروكي بل هناك من أرجعها إلى لفظة فارسية الأصل هي جنجي وتشير إلى الفارس المحارب على متن جواد سريع.


    كلها نظريات متضاربة.. ومتباينة وإن كان الإجماع ينعقد على أن كلمة «يانكي» استخدمها الاحتلال البريطاني لأميركا في معرض الإشارة والاستهانة بالمستوطنين الأميركيين الخاضعين لسيطرة الاستعمار البريطاني وهو ما سجلته مراسلات جنرالات الانجليز عن أميركا.


    ومن عجب أن تلقف الأميركان نفس اللفظة وخلعوا عليها ثوبا من التحدي الوطني ضد الاحتلال الانجليزي لدرجة أصبحت «يانكي» معها مرادفة لطلب الحرية والاستقلال. وربما لا تحيط أجيال شابة من الأميركيين بكل هذه التفسيرات أو التضاربات.. لكنها تعرف بالقطع عن اليانكي وهو أهم فريق رياضي للعبة البيسبول تزاحم أخبار نجومه من لاعبين وإداريين أخبار كبار الساسة وصانعي القرار في طول الولايات المتحدة وعرضها.. حظوظ!

صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •