تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها
بورتـريه بياتـريتـشا تشيـنشـي

للفنان الايطالي غـويـدو رينـي، 1662




نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي






يقال إن هذه اللوحة هي أكثر اللوحات حزنا في تاريخ الرسم. وهي تصوّر الفتاة الايطالية بياتريتشا تشينشي التي كانت طرفا في قضية مأساوية حدثت في ايطاليا في نهاية القرن السادس عشر.
كانت بياتريتشا تنتمي إلى عائلة ارستقراطية مشهورة. كان والدها الكونت فرانشيسكو تشينشي احد نبلاء روما من أصحاب الحظوة والنفوذ. وقد عرف الرجل بعدوانيته ومزاجه العنيف وتهتّكه الأخلاقي.

ونالت عائلته القسط الأكبر من تسلّطه وسوء خلقه. كان يسيء معاملة زوجته وأبنائه. بل لقد وصل به الحال إلى انتهاك براءة بياتريتشا ابنته الصغرى من زواج سابق. وقد سجن مرارا، لكنْ لأنه نبيل فقد كان يخلى سبيله المرّة تلو الأخرى بسبب نفوذه وعلاقاته الواسعة.
زوجته الثانية، واسمها لوكريتسيا، كانت تعرف الطبيعة المتوحّشة للرجل. وكانت تشفق على الفتاة كثيرا وتعاملها كابنتها بعد موت والدتها. لكن هذا لم يؤدّ إلا إلى اشتداد غضب الزوج عليهما ومعاملتهما بقسوة اكبر.
وفي احد الأيّام قرر الكونت إبعاد زوجته وولديه وابنته إلى قلعة قديمة ومنعزلة كانت تملكها العائلة في ريف روما. وبعد انتقال الأربعة إلى القلعة وضعت بياتريتشا في غرفة مظلمة وحيل بينها وبين الاتصال بأحد. وأثناء مكوث فرانشيسكو في القلعة قرّرت الزوجة والابن الأكبر التخلّص منه فقاما بمساعدة بعض الخدم الذين كان يسيء معاملتهم بربطه ثم ضربه بمطرقة حتى الموت. وبعد ذلك ألقوا بجثّته من أعلى القلعة كي يبدو الأمر وكأنه حادث عرضي. وقد قُبض على الأربعة بعد ذلك وحُكم عليهم جميعا بالموت وبمصادرة جميع ممتلكاتهم. ولم يستثن حكم الإعدام حتى بياتريتشا التي كانت مسجونة في غرفتها ولم تكن على علم بما حدث.
وفي المائتي سنة الأخيرة كانت القصّة المأساوية لـ بياتريتشا تشينشي موضوعا لسلسلة من الأعمال الأدبية والفنية والموسيقية والسينمائية. كما استلهمها كل من البرتو مورافيا وستندال والكسندر دوما في بعض أعمالهم.
احد أبطال هذه المأساة كان البابا كليمنت الثامن الذي اشتهر بصلفه وقسوته وجشعه. وقد أمر بإخضاع الأربعة قبل قتلهم إلى شتّى أنواع التعذيب مما لم تعرف بشاعته حتى محاكم التفتيش. وأوصى خاصّة بمضاعفة تعذيب الصغيرة بياتريتشا لأنها أصرّت على براءتها ووصفت الحكم بالظالم.
كان الناس يعرفون خلفيات الجريمة وكانت مشاعرهم تغلي احتجاجا على قسوة الحكم كما اظهروا قدرا كبيرا من التعاطف مع المدانين. وقد أدّت احتجاجات الناس إلى تأجيل تنفيذ الحكم لعدّة أيّام لكن البابا رفض إظهار أيّ قدر من الرحمة تجاه الأربعة.
وسرت في بعض الأوساط همهمات ضدّ البابا والقضاة الذين كانوا عازمين على قتل العائلة بأكملها ومصادرة ممتلكاتها الضخمة.

وقد تبرّع بعض المحامين المشهورين للدفاع عن بياتريتشا وعائلتها لكنّ البابا كان هو الخصم والحكم في الوقت نفسه. ولم يسمح في البداية بأيّ دفاع، لكنه رضخ مُكْرهاً بعد تدخّل بعض العائلات النبيلة والمتنفّذة.
كان الرسّام غويدو ريني معاصرا لتلك الأحداث. وقد رأى بياتريتشا قبل يوم من إعدامها عندما ذهب إلى زنزانتها بصحبة محاميها. وعندما أبدى رغبته في رسمها تمنّعت في البداية غير أنها وافقت على طلبه في نهاية الأمر.
في اللوحة تبدو الفتاة وهي ترتدي غطاء رأس ابيض يكشف عن بعض خصلات شعرها الأحمر. الملامح بريئة تناسب عمرها الذي لم يكن يتجاوز السابعة عشرة. والهدوء المرتسم على وجهها يخفي ألمها والمعاناة التي مرّت بها والعنف الذي مورس ضدّها.
في صباح اليوم التالي كان على المحكومين أن يعبروا جسرا قديما تقع عند نهايته الساحة المخصّصة للإعدام بينما كانت أجراس الكنائس تدقّ والطبول تقرع. كان يوما حزينا في حياة أهالي روما، عدا البابا ووكلاءه.
بدأ الجلاد بقطع رأس لوكريتسيا، ثم تحوّل إلى الأخ الأكبر فضرب رأسه بالفأس ثم قطّعت أطرافه كي تعرض على الناس، إنفاذا لتعليمات البابا. بياتريتشا التي كانت تنتظر دورها كانت ترتدي ملابس بيضاء وكان وجهها شاحبا ويقال إنها كانت تبدو مثل ملاك. كانت تتوجّه بنظراتها إلى السماء وهي تتمتم: يا الله، انك تعلم أنني أموت بريئة" قبل أن يعاجلها الجلاد بضربة بالفأس ثم يلتقط رأسها ويلوّح به باتجاه الجماهير التي كانت تصرخ رعبا وهلعا.
الوحيد الذي نجا من هذه الحفلة الدموية كان الابن الأصغر برناردينو. فقد خُفّف عنه الحكم، غير انه ألزم بأن يشهد قتل أقاربه واحدا واحدا ثم اُعيد إلى السجن ليقضي فيه عدّة سنوات قبل أن ينفى إلى توسكاني التي ظلّ فيها إلى أن توفّي.
في ما بعد بيعت ممتلكات العائلة المصادرة إلى بعض أقارب البابا بينما تكفّل الكرادلة بشراء الباقي بأثمان بخسة.

مأساة الفتاة وعائلتها أسهمت في انتشار هذه اللوحة على نطاق واسع وقد استنسخت ملايين المرّات وظهرت في الكثير من الكتب والروايات. كما أثارت مخيّلة الشاعر الانجليزي شيللي الذي رآها في احد قصور روما الأثرية فاستوقفته طويلا وألهمته كتابة إحدى قصائده المشهورة.
بعد مرور سنوات على قتل بياتريتشا تحوّل قبرها إلى مزار يقصده الناس الذين أصبحوا ينظرون إليها كقدّيسة، ما دفع الرهبان إلى إزالة الشاهد وتدمير النقوش المحفورة على القبر لمحو كل اثر لصاحبته.
وبعد أشهر من المجزرة التي ارتكبت بحقّ عائلة تشينشي رسم غويدو ريني لوحةيصوّر فيها احد الملائكة وهو يصارع الشيطان ويغلبه. وقد فهم الناس مغزى اللوحة عندما استعار الفنان ملامح وجه بياتريتشا ليعطيها للملاك، بينما أعطى الشيطان ملامح وجه البابا كليمنت الثامن.
وطبقا لبعض الروايات، فإن احد الجلادَين اللذين نفّذا عملية الإعدام مات بعد ذلك بثلاثة عشر يوما تحت تأثير الكوابيس المزعجة والإحساس الشديد بالذنب. بينما تعرّض الثاني لطعنات سكّين حتى الموت على يد شخص مجهول في احد شوارع روما وذلك بعد شهر من حادثة الإعدام.
بعد سنوات رسم الفنان اكيلي ليونارديني لوحة يصوّر فيها غويدو وهو يرسم بياتريتشا في غرفتها بالسجن.

وفي ما بعد، أصبحت بياتريتشا تشينشي رمزا للمقاومة ضد انحلال الارستقراطية وطغيان رجال الدين.
وقد راجت بعد ذلك أسطورة تقول إن بياتريتشا كانت تظهر فوق الجسر كلّ سنة في الليلة التي سبقت إعدامها وهي تحمل في يدها رأسها المقطوع.


المزيد
http://www.google.com/search?client=gmail&rls=gm&q=%D8%A8%D9%88%D8%B1%D8 %AA%D9%80%D8%B1%D9%8A%D9%87%20%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D 8%AA%D9%80%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D9%80%D8%B4%D8%A7%20% D8%AA%D8%B4%D9%8A%D9%80%D9%86%D8%B4%D9%80%D9%8A