السلام عليكم

--------------------------------------------------------------------------------

حكايات الأمثال ::

عالم له وقعه الساحر،

وخيال يلامس الواقع الانساني عبر العصور المتلاحقة.

عالم من الامثال والحكم تحكي لنا تجارب قائليها.

معبرة عن ذوق رفيع وامتداد حضاري.



اكثر من الصديق فانك على العدو قادر



أول من قال هذا المثل هو أبجَرُ بن جابر العجلي.
وكان من خبره أنّ ابنه حجاراً كان نصرانياً، فرغب في الاسلام، فأتى أباه أبجر
فقال له: يا ابت انّي ارى قوماً دخلوا في هذا الدين ليس لهم مثل قدمي، ولا مثل آبائي فَشَرُفوا.
فقال: يا بُنَيَّ اذا أزمعت على هذا فلا تعجل حتى أقدم معك على عمر، فاوصيه بك.
وإن كنتَ لابدَّ فاعلاً، فخذ منى ما أقول لك: ايّاك وأن تكون لك همّةٌ دون الغاية القصوى وايّاك والسآمة.
فأنّك إن سئمت قد فتك الرجالُ خلف أعقابها.

واذا دخلت مصراً، فأكثر من الصديق، فأنّك على العدو قادر.

واذا حضرت باب السلطان، فلا تَنازعَنَّ بوّابَهُ على بابه, فأنَّ ايسَر ما يلقاك منه أنْ يعلَقَك اسماً يَسُبُّك به الناس.
واذا وصلت الى اميرك، فَبَوِّي لنفسك منزلاً يجملُ بك.
وايّاك أنْ تجلسَ مجلساً يقصرُ بك.
وإنْ أنتَ جالست اميرك، فلا تجالسه بخلاف هواه, فانك إن فعلت ذلك لم آمنْ عليك وإنْ لم تعجل عقوبتك أنْ ينفر قلبه عنك، فلا يزال منك منقبضاً.
وإيّاك والخُطَبَ، فإنها مشوا كثير العثار.
وإيّاك حلواً، فَتُزدَرَد، ولا مُرّاً فتُلفظُ.
واعلم أنّ أمثل القوم تقيةً الصابرُ عند نزول الحقائق الذّابُّ عن الحرب.
__________________

--------------------------------------------------------------------------------

أَتْبِعِ الفرسَ لِجامَها


ذكر المُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ رحمه الله أنَّ ضِرارَ بن عمرو الضبي أغار على كلب بن وبرة فسبى يومئذ سلمى بنت وائل امة عمرو بن ثعلبة.
فأدركه عمرو بن ثعلبة، وكان صديقاً له،
فقال له: أُنشدُكَ الاخاء والمودة، ألا رددت علىَّ أهلي.
فجعل ضرارٌ يردُّ عليه شيئا فشيئا، حتى بقيت سلمى، وكانت قد أعجبت ضراراً، فأبى أنْ يرُدَّها.
فقال له عمرو: يا ضرار! أتْبِعِ الفَرسَ لِجامَها.
فأرسلها مثلا.
وقيل: إنَّ ضرار بن عمرو المذكور آنفاً قاد قبيلة الى الشام، فأغار على قبيلة كلب بن وبرة، فأصاب فيهم وغنم وسبى الذراري.
فكان في السبي الرائعة، وهي قينة لعمرو بن ثعلبة وبنت لها تدعى سلمى بنت عطية بن وائل.
فسار ضرار بالغنائم والسبي الى نَجْد.
وقدم عمرو بن ثعلبة على قومه من سفر كان فيه، فأخبر خبر الغارة، فطلب بني ضبَّة, فلحقهم قبل أنْ يصلوا الى نَجْد،
فقال لضرار: رُدَّ علىَّ أهلي ومالي.
فاستجاب له.
ثم قال له: رُدَّ عليَّ قيناتي.
فرَدَّ عليه الرائعة، وحبس ابنتها سلمى.
فقال له عمرو: يا ابا قبيصة أَتْبِعِ الفرسَ لِجامَها.
فمضت مثلا.


لقد كُنْتُ وما يُقادُ بِيَ البعيرُ


أوَلُّ مَنْ قالَهُ سَعْدُ بنُ زيدِ مناة مِن تميمٍ، وهو الفِزْرُ،
على ما ذكَرَه محمدُ بنُ حبيب.
يُضْرَبُ لِمَنْ ضَعُفَ بَعد قُوَّة.
ومِنْ خَبَرِهِ أنَّه كبِرَ حتَّى كان لا يُطيقُ رُكُوبَ البَعيرِ،
ولا يملِكُ رأسَهُ، إلّا أنْ يُقادَ بِهِ،
فقالَ ذلك لابنهِ صَعْصَعةَ وهو يقودُ بهِ، فذهبتْ مثلاً.


تشمرت مع الجاري


يقال: تشمرت السفينة، اذا انحدرت مع الماء، وشمرتها انا اذا ارسلتها.
يضرب لما يستهان به وينسى.
اول من قاله كعب بن زهير بن ابي سلمى الشاعر ومن خبره ان كعبا واباه ركبا البحر في سفر، فانشد الاب ابنه قصيدته التي مطلعها:
أمِن اُمّ اوفى دفنة لم تكلَّمِ
وقال لابنه: دونك فاحفظها.
فقال: نعم
وامسيا، فلما اصبحا قال له: يا كعب ما فعلت العقيلة؟
يعني القصيدة.
قال: يا ابت انَّها تشمَّرت مع الجاري.
يعني نسيتها، فمرت مع الماء.
فاعادها عليه، وقال: ان شمرتها يا كعب شمَّرت بك على اثرها.
الجابة هي اسم المصدر من الاجابة، مثل الطاعة، والطاقة من الاطاقة.
وهذا المثل يضرب لمن يجيب على غير فهم.
واول من قاله سهيل بن عمرو.
واصله انّه كان لسهيل هذا ابن مضعوف من زوجه صفية بنت ابي جهل فسأله الاخنس بن شريف يوماً: أين أمّك؟ اي: اين تؤُمُ؟ والأمُّ هو القصد.
فظنه يقول له: اين أُمُّك؟
فقال له: ذهبت لتشتري دقيقاً.
فقال ابوه سهيل: اساء سمعاً فأساء جابةً.
فأرسلها مثلا.
فلما انصرف الى زوجه صفية أخبرها بما قال ابنها،
فقالت له: انت تبغضه.
فقال لها:

أشبَهَ امرؤ بعضَ بَزِّه.

فأرسلها مثلاً ايضا.
والبَزُّ هو ضربٌ من الثياب.

إنَّ الجَبانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوقِهِ


الحتف: الهلاك، ولا يُبْنى مِنه فِعلٌ.
وخَصَّ هذه الجهة، لأنَّ التحرُّزَ مِمَّا يَنْزِلُ منَ السَّماءِ غيرُ مُمكِن.
يشير الى إنَّ الحتفَ الى الجَبانِ أسرَعُ مِنهُ الى الشُّجاع، لأنَّهُ يأتيهِ مِنْ حيثُ لا مَدْفَعَ له.
يُضرَبُ في قِلَّةِ نَفْعِ الحَذَرِ مِنَ القَدر.
أوَّلُ مَنْ قالَهُ عمرو بن أُمامة على ما قالَ ابنُ الكلبيّ.
وَمِنْ خَبَرِهِ أنَّ المُنذِرَ بنَ امرِئِ القَيْسِ تَرَوَّجَ هِنَد بِنتَ اكِلِ المُرار، فولدتْ له أولاداً منهم عَمْرو بنُ هندٍ المَلِكُ.
ثُمَّ تَزَوَّجَ أُختَها أُمامةَ، فَوَلَدَتْ له ابناً سَمّاهُ عَمْراً.
فلمّا ماتَ المُنذِرُ مَلَكَ بعدَهُ ابنُهُ عَمْرو بنُ هِندٍ، وقَسَمَ لِبَنِي أُمِّهِ مَمْلكَتَهُ، ولم يُعْطِ ابنَ أُمامةَ شيئاًَ.
فقصد ملِكاً مِنْ مُلوك حمير، لِيأخُذَ له بِحَقِّهِ، فأرسَلَ معه مُراداً، فلمّا كانوا بِبَعض الطريقِ تآمَروا وقالوا: مالنا نذهبُ ونُلقي أنْفُسَنا للهلكة.
وكان مُقَدَّم مرادٍ هُبيرة بن عبدِ يَغُوثَ المَكشُوحُ.
وَنَزلوا بِوادٍ يُقالُ له قَضِيب من أرضِ قَيْس عيلان في تِهامةَ، فثارَ المَكشُوحُ ومَنْ مَعَهُ بِعَمْرو بنِ أمامَةَ وهو لا يَشْعُرُ،
فقالت له زَوجُهُ: يا عَمْرو أُتِيتَ أُتِيتَ، سالَ قَضيبٌ بماءٍ أو حَديدٍ.
فَذَهبتْ مثلاً.
وكان عَمرُوٌ في تلك الليلةَ قد أعرْسَ بجاريةٍ مِنْ مُرادٍ،
فقالَ لها: غَيري نَفِّرِي.
أي: أنَّكَ قُلْتَ ما قُلْتِ لِتُنَفِّرِيني بِهِ.
فقالَ قَيْسٌ: يا أبا عَمْرٍو، ما بَعْدَ هذا عليكَ مِنْ لَوْم.
وَلَهِيَ عنه.



--------------------------------------------------------------------------------

إنَّ العَصا مِنَ العُصَيَّةِ


إنَّ العَصا مِنَ العُصَيَّة.

يضرب في تشبيه
أول مَنْ قاله الأفعى الجُرْهَميّ.

وذلك أنَّ نزاراً لمّا حضرته الوفاة جمع بنيه مُضَرَ واياداً وربيعة وأنمارا،
فقال لهم: يا بَنِيَّ هذه القبة الحمراء- وكانت مِن أدَم- لِمُضَر.
وهذا الفرس الأدهم والخباء الأسود لربيعة.
وهذه الخادِم- وكانت شمطاءَ- لإياد.
وهذه البَدَرةُ والمجلس لأنمارٍ يجلسُ فيه.
فإنْ أشكَلَ عليكم كيف تقتسمون، فائتوا الأفعى الجرهمي، ومنزله بنجران.
فتشاجروا في ميراثه، فتوجهوا الى الأفعى الجرهمي.
فبيناهم في مسيرهم إليه إذ رأى مُضَر أثر كلأً قد رُعِيَ،
فقال: إنَّ البعيرَ الذي رَعى هذا لَأعوَر.
قال ربيعة: إنّه لَأزوَر.
قال إياد: إنّه لَأبتَر.
قال أنمار: إنّه لَشَرود.
فساروا قليلاً، فإذا هم برجل ينشد جملة، فسألهم عنه.
فقال مضر: أ هُوَ أعور؟
قال: نعم.
قال ربيعة: أ هو أزوَر.
قال: نعم.
قال إياد: أ هو أبتَر؟
قال: نعم.
قال أنمار: أ هو شَرود؟
قال: نعم، وهذه واللهِ صفة بعيري، فَدلّوني عليه.
قالوا: واللهِ ما رأيناه.
قال: هذا واللهِ الكذب.
وتعلق بهم،
وقال: كيف أُصدقكم وأنتم تصفون بعيري بصفته؟
فساروا حتى قدموا نجران، فلمّا نزلوا نادى صاحب البعير:
هؤلاء أخذوا جملي، ووصفوا لي صفته،
ثُمّ قالوا: لم نره.
فاختصموا الى الأفعى- وهو حكم العرب- فقال: كيف وصفتموه ولم تروه؟
قال مُضر: رأيته رعى جانباً، وترك جانباً، فعلمت أنَّه أعوَر.
وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والاخرى فاسِدَته، فعلمت أنّه أزوَر، لإنّه افسده بشدة وطئة لِازوارِه.
وقال إياد: عرفت أنَّه أبتَر، باجتماع بَعره، ولو كان ذيّالاً لَمَصع به.
وقال أنمار: عرفت أنَّه شَرود، لأنّه كان يرعى المكان المُلتفَّ نبته، ثُمَّ يَجوزه الى مكان أرَقَّ منه وأخبث نبتاً.
فقال الأفعى للرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه.
ثم سألهم: مَنْ أنتم؟
فأخبروه، فرحَّبَ بهم.
ثُمَّ أخبروه بما جاء بهم،
فقال: أتحتاجون إليَّ وأنتم كما أرى؟
ثُمَّ أنزلهم، فذبح لهم شاة، وأتاهم بخمر.
وجلس لهم حيث لا يُرى وهو يسمع كلامهم.
فقال ربيعة: لم أرَ كاليوم لحماً أطيب منه لولا أنَّ شاتَهُ غُذِيت بلبن كلبه.
فقال مضر: لم أرَ كاليوم خمراً أطيب منه لولا أنَّ حُبْلَتها نبتت على قَبر.
فقال إياد: لم أر كاليوم رجلاً أسرى منه لولا أنَّه ليس لأبيه الذي يُدعى له.
فقال أنمار: لم أرَ كاليوم كلاماً أنفعَ في حاجتنا مِن كلامنا.
وكان كلامهم بأذنه،
فقال: ما هؤلاء إلّا شياطين.
ثُمَّ دعا القهرمان، فقال: ما هذه الخمر؟ وما أمرها؟
قال: هي مِن حبلةٍ غرستها على قبر أبيك لم يكن عندنا شراب أطيب من شرابها.
وقال للراعي: ما أمر هذه الشاة؟
قال: هي عَناقٌ أرضعتها بلبن كلبة، وذلك أنَّ أُمَّها كانت قد ماتت، ولم يكن في الغنم شاة ولدت غيرها.
ثُمَّ أتى الأفعى إلى أُمِّه، فسألها عن أبيه.
فأخبرته أنّها كانت تحت ملك كثير المال، وكان لا يولد له.
قالت: فخفتُ أنْ يموت ولا ولد له، فيذهب الملك، فامكنت من نفسي ابن عم له كان نازلاً عليه.
فخرج الأفعى إليهم، فقصوا عليه قصتهم، وأخبروه بما أوصى به أبوهم.
فقال: ما أشبه القبة الحمراء من مال، فهو لِمُضر.
فذهب بالدنانير والإبل الحمر، فَسُمِيَّ مُضَرَ الحمراء لذلك.
وقال: وأمّا صاحب الفرس الأدهم والخِباء الأسود، فله كل شيء أسود.
فصارت لربيعة الخيل الأدهم، فقيل: ربيعةُ الفرس.
وقال: وما أشبه الخادم الشمطاء، فهو لإياد، فصار له الماشية البُلقُ مِن الحَبلَّق والنقد، فُسمِّيَ إياد الشمطاء.
وقضى لأنمار بالدراهم وبما فَضَل، فُسمِّيَ أنمار الفضل.
فصدروا مِن عنده على ذلك.
فقال الأفعى: إنَّ العَصا مِنَ العُصَيَّة، وإن خُشَيناً مِنْ أخشن، ومساعدة الخاطِلُ تَعدُّ مِنَ الباطل.
فأرسلهُنَّ مثلاً.
وخُشَين وأخشن جبلان: أحدهما أصغر مِنَ الآخر.
والخاطل: الجاهل، والخطل في الكلام اضطرابه.
والعُصَيَّة: تصغيرُ تعظيمِ مثل أنا عُذيقها المُرَجَّب وجُذَيلُها المُحكَّك والمراد أنَّهم يشبهون أباهم في جودة الرأي.

وقيل: إنَّ العَصا اسمُ فَرسٍ، والعُصَيَّة اسم أُمِّه.

يراد أنَّه يحكي الأمَّ في كَرم العرق وشرف العِتق.
__________________

إنَّ البَيْعَ مُرْتَخَصٌ وغَالٍ


قالوا: أوَّلُ مَنْ قالَهُ أُحَيْحَةُ بنُ الجُلاح الأوْسِيُّ سيِّدُ يَثْرِب.
وخَبَرُهُ أنَّ قَيْسَ بنَ زُهيرٍ العَبْسِيَّ أتى أُحَيْحَةَ- وكان صديقاً له- لمَّا وقَعَ الشَّرُّ بينَهُ وبينَ عامِر، وخَرجَ الى المدينةِ، لِيتَجَهَّزَ لِقِتالِهِم حيثُ قَتَلَ خالِدُ بنُ جعفر زُهيرَ بن جَذيمَة، فقالَ قيسٌ لأحيحة: يا أبا عَمْرٍو نُبِّئْتُ أنَّ عِنَدكَ دِرْعاً فَبِعْنيِها أو هَبْها لي.
فقال: يا أخا بني عَبَسٍ، ليسَ مثلي يبيعُ السِّلاحَ ولا يفضل عنه.
ولولا أنِّي أكْرَهُ أنْ أسْتَلْئِمَ إلى بني عامِرٍ لَوَهَبْتُها لكَ، ولَحَمَلْتُكَ على سوابِقِ خَيْلي.
ولكِنِ اشْتَرِها بابْنِ لَبُونٍ فإنَّ البيعَ مُرْتَخَصٌ وغالٍ.
فأرْسَلَها مثلاً.
فقال له قيس: وما تْكرَهُ مِنْ استِلامك إلى بني عامِر؟
قالَ: كيفَ لا أكْرَهُ ذلكَ وخالِدُ بنُ جعفرٍ يقول:
إذا ما أرَدْتَ العِزَّ في دار يَثْرِبٍ
فَنادِ بصَوْتٍ يا أُحيحةُ تُمْنَعِ
رأينا أبا عَمْرٍو أُحيحةَ جارُهُ
يَبِيتُ قَرِيرَ العَيْنِ غيرَ مُرَوَّعِ
ومَنْ يأتِهِ مِنْ خائِفٍ يَنْسَ خَوْفَهُ
ومَنْ يأتِهِ مِنْ جائعِ البَطْنِ يَشْبَعِ
فضائلُ كانَتْ لِلْجُلاحِ قَديمة
وأكْرِمْ بفخرٍ مَنْ خِصالِكَ أرْبَعِ
.
.


اسعَ بجَدِّكَ لا بكدِّكَ


اولُ من قال: اسعَ بجَدِّك لا بكدِّك هو حاتم بن عميرة الهمداني.

وهو يضرب لمن حظي بشيء دون سعي فيه، أو لمن أخفق في طلب شيء اجتهد فيه كثيراً.
وقصته أنَّ قائله حاتم بن عميرة الهمداني بعث ابنيه الحس وعاجنة في تجارة لوجهين مختلفين.
فلقي الحسلَ قومٌ من بني أسد اخذوا ماله وأسروه، ولم تنفعه مهارته في العيافة وزجر الطير شيئا.
وسار اخوه عاجنة الذي ليس له من معرفة الحسل وفطنته شيء، فوقع على مال غزير قبل أنْ يبلغ موضع متجره، فأخذه ورجع الى اهله، فتباشروا به، وانتظروا أخاه الحسل كثيراً غير أنَّه لم يعد اليهم.
وإذ أبطأ عليهم قلقوا وبعث أبوه اخاً له آخر من أبيه يدعى شاكراً، فجَدَّ في البحث عنه، حتى أخبرَ بمكانه، فاشتراه بأربعين بازلا، وهو ما أكمل الثامنة من الابل.
فلما رجع به خاسراً وهو العارف النبيه
قال له أبوه ساعةَ رآه: إسعَ بجَدِّك لا بكدِّك.
فذهبت كلمته مثلا.
وهذا المثل من أمثال القصص يشبه مثلاً من أمثال الحكم قاله الامام علي رضى الله عنه

هو: إذا أقبلت الدنيا على احد اعارَتْهُ محاسنَ غيره وإذا ادبرت عنه سلبتْهُ محاسنَ نفسه.
.



إيّاكِ أعْني واسمَعي يا جارة


يضرب في التعريض بشيء والمراد غيره.
أوَّلُ مَنْ قاله نهشل بن مالك الفزاري.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: ويُروى عن بعض العلماء أنَّ المثل لشهل بن مالك الفزاري قاله لأُخت حارثة بن لَأْمٍ الطائي.
وقال أبو عبيد البكري: إنّما هو نهشل بن مالك.
وقيل: لِسهلِ بن مالك.
وليس في العرب شهل بالشين، الّا شهل بن شيبان، وهو الفند الزمانيّ.
وكان مِنْ خبر نهشل بن مالك هذا أنّه خرج يريد النعمان بن المنذر، فمرَّ ببعض أحياء طيِّء، فسأل عن سيد الحي،
فقيل له: حارثة بن لَأْم.
فَأمَّ رَحْلَه، فلم يصبه شاهدا.
فقالت له أُخته: انزل في الرَّحب والسعة، حتى يلحق حارثة.
فنزل فأكرمت مثواه، وأحسنت قراه.
ورآها خارجة مِنْ خباء إلى خباء، فرأى جمالاً بهره وكمالاً فتنه.
وكانت عقيلة قومها، وسيدة نسائها.
فجعل لا يدري كيف يُعلمها بما في نفسه، ولا بما يوافقها مِنْ ذلك.
فجلس بفناء الخباء يوماً، وجعل ينشد:


يا أُختَ خيرِ البدوِ والحضارة
كيف تَرَيْنَ في فتى فزارة
أصبح يهوى طفلةً مِعطارة
إيّاكِ أعني واسمَعي يا جارة

فعرفت أنّه يعنيها،
فقالت: ما هذا بِقولِ ذي عقلٍ أريب، ولاذي رأيٍ مُصيب، ولا أنفٍ نجيب.
فأرسلها مثلاً أيضاً.
قال سعيد: فاني اردت تجربتك.
ثم كشف له عن الكبش، وأخبره بما لقي مِنْ إخوانه وثقاته، وماردُّوا عليه.
فقال خُزَيم: سَبَقَ السّيفُ العَدْلَ.

فذهبت مثلاً.
.


أصبرُ مِنْ ذي ضاغِطٍ مُعَرَّك عن مضر


هذا المثل صدر بيت مِنَ الشعر، فهو مِنَ الأمثال الشعرية، ويضرب في تحمُّل الفوادح.
وأول مَنْ قاله سعيد بن أبان بن عيينة بن حصن الفزاري.
وحكايته أنَّ كلباً أوقعت ببني فزارة يوم العاه قبل اجتماع الناس على عبد الملك بن مروان، وقتلوا منهم نيفاً وخمسين رجلاً.
فبلغ ذلك عبد العزيز بن مروان، فأظهر الشماته، وكانت أُمُّه كلبية وهي ليلى بنت الأصبغ بن زبان.
فقال لأخيه بشر- وأُمُّه قطبة بنت بشر بن عامر بن مالك بن جعفر الفزارية أما علمت ما فعل أخوالي بأخوالك؟
قال بشر: وما فعلوا؟
فأخبره الخبر.
فقال: أخوالك أضيقُ أستاهاً مِنْ ذلك.
فجاء وفد فزارة الى عبد الملك يخبرونه بما صنع بهم، وأنَّ الحارث بن بجدلٍ الكلبي أتاهم بعهد مِنْ عبد الملك أنَّه مصدق، فسمعوا له وأطاعوا، فاغترهم فقتل منهم نيفاً وخمسين رجلا.
فأعطاهم عبد الملك نصف الحمالات، وضمن لهم النصف الباقي في العام المقبل فخرجوا، ودسَّ إليهم بشر بن مروان مالاً، فاشتروا السلاح والكراع.
ثُمَّ اغتروا كلباً ببنات قَيْن، فتعدّوا عليهم في القتل.
فخرج بشر حتى أتى عبد الملك وعنده عبد العزيز بن مروان، فقال له: أما بلغك ما فعل أخوالي بأخوالك؟
فأخبره الخبر.
فغضب عبد الملك لإخفارهم ذِمَّته وأخذِهم ماله، وكتب الى الحجاج يأمره إذا فرغ مِنْ أمر ابن الزيبر أنْ يوقع ببني فزارة.
فلمّا فرغ الحجاج مِنْ أمر ابن الزبير نزل ببني فزارة، فأتاه حَلحَلة بن قيس بن أشيم وسعيد بن أبان بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، وكانا رئيسي القوم، فأخبراه أنَّهما صاحبا الأمر، ولاذنب لغيرهما.
فأوثقهما وبعث بهما الى عبد الملك.
فلمّا أُدخلا عليه قال: الحمد لله الذي أقاد منكما.
قال حلحلة: أما والله ما أقاد منِّي. ولقد نفضت وتري، وشفيت صدري وبردت وحري.
قال عبد الملك: مَنْ كان له عند هذين وتر يطلبه، فليقم إليهما.
فقام إليهما سفيان بن سويد الكلبي- وكان أبوه فيمن قتل يوم بنات قَيْن- فقال: يا حلحلة هل حسست لي سُوَيدا؟
قال: عهدي به يوم بنات قَيْن وقد انقطع خُرؤه في بطنه.
قال: أما واللهِ لأقتلنَّك.
قال: كذبتَ واللهِ. ما أنت تقتلني، وإنّما يقتلني ابنُ الزرقاء.
والزرقاء
فقال بشر: صبراً حَلحَل.
فقال حلحلة: إي والله.
أصبَرُ مِنْ عَودٍ بجنبه الجلب قد أثَّر البطان فيه والحقَب ثمّ التفت الى ابن سُوَيد، فقال: يا ابن استِها أجِد الضربة. فقد وقعتْ منّي بأبيك ضربةٌ أسلحَتَه.
فضرب ابنُ سُوَيد عنقه.
ثمّ قيل لسعيد بن أبان نحو ما قيل لِحَلحَلة، فردَّ مثلَ جوابه، فقام إليه رجل مِنْ بني عليم، ليقتله.
فقال له بِشر: صبراً يا سعيد.
فقال:
أصبرُ مِنْ ذي ضاغِطٍ مُعَرَّك
ألقى بَوانِيَ زَوْرِهِ للمَبْرَك
فذهب قوله مثلاً.
فضُربت عنقه، وأُلحق بصاحبه.
ويُروى مِنْ ذي ضاغط عركرك.
والمُعرَّك والعركرك هو البعير الغليظ القوي.
والضاغط هو الورم في إبط البعير شبه الكيس يضغطه.
ويقال: فلان جيِّد البَواني، إذا كان جيّدِ القوائمِ والأكتاف.
.
.
.


أفتَجمعين خِلابةً وصُدودا

الخِلابة: الخِداع.
والصُّدود: يضرب في الجمع بين شرين.

أول مَنْ قاله جرير بن عطية بن الخَطَفى.
ومِن خبره أنّ الحجاج أراد قتل جرير
فمشت إليه مُضر،
فقالوا: أصلَحَ الله الأميرُ لسانَ مُضر وشاعرها. هبه لنا.
فوهبه لهم.
وكانت هند بنت أسماء بن خارجة
مِمَّن طلب فيه، فقالت للحجاج: إئذن
لي، فاسمع من قوله.
قال: نعم.

فأمر بمجلس له جلس فيه هو وهند، ثم بعث إلى جرير، فدخل وهو لا يعلم بمكان الحجاج،

فقالت له هند: يا ابن الخَطَفى. انشدني قولك في التشبيب.

قال: والله ما شببت بإمرأة قط، وما خلق الله شيئاً أبغضَ إليَّ مِن النساء.
ولكنِّي أقول في المديح ما بلغت، فان شئت اسمعتُكِ.

قالت: يا عدو نفسه فأين قولك:

يجري السِّواكُ على أغَرَّ كأنَّه ..... بَرَدَ تَحدَّر مِن متون غَمامِ

طرقتكَ صائدةُ القلوبِ وليس ذا ...... وقتَ الزيارة فارجعي بسلام

لو كنتِ صادقةَ الذي حدَّثتِنا ....... لَوصلتِ ذاك فكان غيرُ رِمامِ

قال جرير: لا واللهِ ما قلت هذا، ولكنِّي أقول:

لقد جَرَّدَ الحجّاج بالحقِّ سيفَهُ ....... ألا فاستقيموا لا يميلَنَّ مائلُ

ولا يستوي داعي الضلالةِ والهُدى .... ولا حُجَّةُ الخَصَمينِ حقٌّ وباطِلُ

فقالت هند: دع ذا عنك، فأين قولك:

خليلَيَّ لا تستشعرا النومَ إنَّني .... أُعيذُكُما باللهِ أنْ تجدا وَجدي

ظَمِئتُ إلى بَرْدِ الشرابِ وغَرَّني ..... جَدا مُزْنةٍ يُرجى جداها وما تُجِدي

قال جرير: بل أنا الذي أقول:

ومَنْ يأمنَ الحَجّاجَ أمّا عِقابُهُ ........ فَمَرٌّ وأمّا عَقْدُهُ فَوَثيقُ

لَخِفْتُكَ حتى أنزلَتنْي مخافَتي ....... وقد كان مِنْ دوني عَمايَةُ نِيقُ

يُسِرُّ لكَ البَغضاءُ كُلُّ مُنافِقٍ ........ كما كُلُّ ذي دينٍ عليكَ شفيقُ

قالت: دع ذا عنك ولكنْ هات قولك:

يا عاذِلَيَّ دعا الملامَةَ واقصِرا ..... طال الهوى وأطَلتُما التَفنيدا

إنِّي وجدتُكِ لو أردتِ زيادةً ........... في الحب منِّي ما وجدتِ مزيدا

أخَلِبْتِنا وصَدَدْت أُمَّ مُحَمَّدٍ ............ أفَتَجْمَعينَ خِلابةً وصُدُودا

لا يستطيع أخو الصَّبابةِ أنْ يُرى ..... حَجَراً أصَمَّ وأنْ يكونَ حَديدا
.
.

--------------------------------------------------------------------------------

آكُلُ لَحْمي ولا أدعهُ لِآكل


هذا المثل يضرب لمن ينتصر لذي صلة به وإن كان كارهاً له.

أوَّلُ مَنْ قاله العيار بن عبد الله الضبِّي، ثم أحد بني السيد بن مالك بن بكر بن سعد بنِ ضبَّة.
وكان من حديثه فيما ذكر المفضل أنّ العيّار وفد هو وحبيش بن دلف وضرار بن عمرو الضبيان على النعمان، فأكرمهم وأجرى عليهم نزُلا.
وكان العيار رجلاً بطّالاً يقول الشعر ويُضحك الملوك، وكان قد قال:
لا أذبح النازيَ الشَّبوب ولا أسلخ يوم المقامة العُنُقا.
وكان منزلهما واحداً، وكان النعمان باديا، فأرسل اليهم بِجُزُر فيهن تَيْسٌ، فأكلوهنَّ غير التيسِ، فقال ضرار للعيار- وهو أحدثهم سناً-: إنّه ليس عندنا مَنْ يسلخ هذا التيس، فلو ذبحته وسلخته، وكفيتنا ذلك.
قال العيار: ما أُبالي أنْ أفعل ذلك.
فذبحه وسلخه.
فانطلق ضرار الى النعمان، فقال له: أبيتَ اللعن، هل لك في العيار يسلخ تيساً؟
قال النعمان: أبعدَ ما قال؟
قال: نعم.
فأرسل اليه النعمان، فوجده الرسول يسلخ تيساً، فأتى به النعمان،
فقال له: أين قولك:
لا أذبح النازي الشَّبوب ولا أسلخ يوم المُقامةِ العُنُقا.
فخجل العيار وضحك النعمان منه ساعة.
وعرف العيار أنّ ضراراً دهاه.
واعتاد النعمان أنْ يجلس في الهاجرة في ظل سُرادقه، ويؤتى بطعامه.
وكان كسا ضراراً حُلّة مِنْ حُلله وهو شيخ اعرج بادن كثير اللحم.
فتربَّص العيار حتى كانت الساعة التي يجلس فيها النعمان في ظل سُرادقه، ويؤتى بطعامه، فعمد الى حُلّة ضرار تلك، فلبسها، وخرج يعارج، فلما صار بحيال النعمان كشف عن عورته فَخَرِئ.
فقال النعمان إذا رآه: مالضرار قاتله الله لايهابني عند طعامي؟
وغضب عليه وهَمَّ به،
فقال ضرار: أبيتَ اللعن. ما فعلت هذا، ولكنه العيار فعله لما ذكرت لك مِنْ سَلخهِ التيس.
فصدقه النعمان، وأنكر العيارُ، فوقع بنيهما كلام حتى تشاتما عند النعمان، ثم افترقا.
وبعد مدة اختصم ابو مرحب اليربوعي وضرار بن عمرو، وتناول اليربوعي ضراراً عند النعمان والعيار شاهد، فشتم اليربوعي وزجره،
فقال له النعمان: أتفعل هذا بأبي مرحب في ضرار وقد سمعتك تقول له شرّاً من قول ابي مَرحب؟
فقال العيار: أبيت اللعنَ وأسعدكَ إلاهُك آكُلُ لَحمي ولا أدعهُ لِآكل.
فأرسلها مثلاً.

فقال النعمان: لا يملك مولىً لمولىً نصرا.
فأرسلها مثلاً أيضاً.

وتقديره: لا يملك مولىً تَرْكَ نصرٍ لمولاه أو ادخاره له.
أي أنّه يغضب له، فلا يملك نفسه في ترك نصرته.




إنَّ أخاك مَنْ آساكَ


يقال: آسيَتُ فلاناً بمالي أو غيره، إذا جعلته أسوة لك.
وواسيت: لغة ضعيفة فيه بَنَوها على يواسي.
ومعنى المثل هو أنَّ أخاك حقيقة هو مَنْ قدَّمك وآثرك على نفسه.
وهذا المثل يضرب في مراعاة الإخوان.
وأول مَنْ قاله خزيم بن نوفل الهمداني.
وخبره أنَّ النعمان بن ثواب العبدي ثُمَّ الشنِّي كان له ثلاثة أبناءهم: سعد، وسعيد، وساعدة.
وكان أبوهم ذا شرف وحكمة، وكان يوصيهم ويحملهم على أدبه.

أمّا ابنه سعد، فكان شجاعاً بطلاً من شياطين العرب لا يقام لسبيله ولم تفته طلبته قطّ، ولم يفر عن قرن.

وأمّا سعيد، فكان يشبه أباه في شرفه و سؤدده.

وأمّا ساعدة، فكان صاحب شراب ونَدامى وإخوان.

فلمّا رأى الشيخ حال بنيه دعا سعداً الذي هو صاحب حرب، فقال له: يا بُنَّي إنّ الصارم ينبو، والجواد يكبو، والأثر يعفو.
فإذا شهدتَ حرباً، فرأيت نارها تستعر، وبطلها يخطر، وبحرها يزخر، وضعيفها ينصر، وجبانها يجسر، فاقلل المكث والانتظار، فإنَّ الفرار غير عار إذا لم تكن طالب ثار، فإنّما يُنصرون هم.
وإيّاك أنْ تكون صيد رماحها، ونطيح نَطّاحها.

وقال لإبنه سعيد- وكان جواداً سيداً-: يا بُنَيَّ لا يبخل الجواد، فابذل الطارف والتلاد، وأقلِل التلاح، تُذكر عند السماح.
وابلُ إخوانك، فإنَّ وفيهم قليل.
واصنع المعروف عند مُحتمله.

وقال لإبنه ساعدة- وهو صاحب شراب-: يا بُنَّيَ إنَّ كثرة الشراب تفسد القلب، وتقلل الكسب، وتجدُّ اللعب.
فأبصِر نديمك، واحمِ حريمك، وأعِنْ غريمك.
واعلم أنَّ الظمأ القامح خير مِنَ الرِّيِّ الفاضح.
وعليك بالقصد فإنَّ فيه بلاغا.

ثُمَّ إنَّ أباهم النعمان بن ثواب توفي، فقال ابنه سعيد- وكان جواداً سيداً-: لآخذن بوصية أبي، ولأبلونَّ إخواني وثُقاتي في نفسي.
فعمد الى كبش فذبحه، ثُمّ وضعه في ناحية خِبائه، وغشاه ثوباً، ثُمَّ دعا بعض ثُقاته،
فقال: يا فلان إنَّ أخاك مَنْ وفى لك بعهده، وحاطك بِرِفده ونصرك بودِّه.
فقال ثقته: صدقتَ، فهل حدث أمر؟
قال: نعم، إنِّي قتلتُ فلاناً، وهو الذي تراه في ناحية الخباء، ولابُدّ مِنَ التعاون عليه حتى يوارى.
فما عندك؟
قال: يالها سوأة وقعت فيها.
قال: فإنَّني أُريد أنْ تُعينني عليه حتى أُغَيِّبه.
قال: لست لك في هذا بصاحب.
فتركه وخرج.
فبعث الى آخر مِنْ ثُقاته، فأخبره وسأله معونته، فردَّ عليه مثل ردِّ الأول، حتى بعث الى عدد منهم، كُلٌّ منهم أجاب جواب الأول.
ثُمَّ بعث الى رجل مِنْ إخوانه يقال له: خزيم بن نوفل، فلمّا أتاه قال له:
يا خزيم مالي عندك؟
قال: ما يسرُّك. وماذاك؟
قال: إنِّي قتلت فلاناً، وهو الذي تراه مُسجّى.
قال: أيسرُ خَطْبٍ. فتريد ماذا؟
قال: أريد أنْ تُعينني حتى أُغَيِّبَه.
قال: هانَ ما فَزعتَ فيه الى أخيك.
وكان معهما غلام لسعيد،
فقال خزيم: هل اطَّلع على هذا الأمر أحدٌ غير غلامك هذا؟
قال: لا.
قال: أُنظر ما تقول.
قال: ما قُلتُ إلّا حقّاً.
فأهوى خزيم الى غلام سعيد بالسيف فقتله،
وقال: ليسَ عبدٌ لكِ بأخٍ.
فأرسلها مثلاً.
وارتاع سعيد وفزع لقتل غلامه، فقال: ويحك ما صنعت؟
وجعل يلوم خزيما.
فقال خزيم: إنَّ أخاك مَنْ آساكَ.





إنَّ أخي كان مَلِكي


فقال: أوّلُ مَنْ قاله أبو حنش التَّغلَبي.

قال أبو عمرو: إنَّ أباحنش التغلبي لمّا أدرك شرحبيل عَمَّ امرِئ القيس،

وكان شرحبيل قتل أخا أبي حنش قال: يا أبا حنش اللَبَن اللَبَنَ.

أي: خُذْ منِّي الدِّيةَ.

فقال له أبو حنش: هَرَقْتَ لَبناً كثيراً.

أي: قَتلتَ أخي.

فقال شرحبيل: أمَلِكاً بِسُوقة؟

أي: أتقتلُ مَلِكاً بدلَ سوقةٍ؟

فقال أبو حنش: إنَّ أخي كان مَلِكي.





إن الشقيَّ وافِدُ البراجِم


البراجم جمع البُرجُمة، وهي مفصل الإصبع الذي بين الأشجع والراجبة،
وهو رأس السُّلامية مِنْ ظهر الكف إذا قبض القابض كفه نشز وارتفع.

والبُرجمة الإصبع الوسطى مِنْ كلِّ طائر.
والبراجم أحياء مِنْ بني تميم من ذلك.

وذلك أنَّ اباهم قبض أصابعه،
وقال: كونوا كبراجم يدي هذه،
أي: لا تفرقوا وذلك أعزُّ لكم.
قال أبو عبيدة: خمسة مِنْ أولاد حنظلة بن مالك بن عمرو بن تميم يقال لهم البراجم.
قال ابن الأعرابي: البراجم في بني تميم: عمرو، وقيس، وغالب, وكلفة، وظليم.
وهم بنو حنظلة بن زيد مناة تحالفوا على أنْ يكونوا كبراجم الأصابع في الاجتماع.
وهذا المثل يضرب في ما يجتلبه الإنسان على نفسه من البلاء.
وأوَّلٌ مَنْ قاله ملك الحيرة عمرو بن هند.
وكان مِنْ خبره أنْ سويد بن ربيعة التميمي قتل سعداً أخا الملك وهرب.
فحلف عمرو لَيُحرقنَّ بأخيه سعد مئة مِنْ تميم، فقتل تسعة وتسعين مِنْ بني دارِمٍ، وأحرقهم، وكان نازلاً في ديار بني تميم.
فمر رجل مِنْ البراجم، وراح رائحة حريقهم، فحسبه قُتار الشواء، فحال اليه.
فلمّا رآه عمرو قال له: مِمَّنْ أنت؟
قال: مِنَ البراجم.
فقال: فما جاء بك إلينا؟
قال: سطع اله الدخان وكنت قد طويت منذ أيام، فظننته طعاماً.
فقال عمرو: إنَّ الشقيَّ وافدٌ البَراجم.

فذهبت مثلاً.
وأمر به فأُلقي في النار، فَبَرَّتْ به يمينه.
ولُقِّبَ بالمحرق.

وكان الحارث بن عمرو ملك الشام مِنْ آل جَفْنة يُدعى بالمُحَرِّق أيضاً، وهو أوّلُ مَنْ حَرَّقَ العربَ في ديارهم.
وهكذا كان امرؤ القيس بن عمرو بن عدي اللخمي يُدعى.
وقال بعضهم: ما بلغنا أنَّه أصاب مِنْ بني تميم غيره، وإنّما أحرقَ النساء والصبيان.
وهذا يُردُّ على أبي عبيد القاسم بن سلام في أمثاله وأبي عبيد البكري في شرحه تلك الأمثال الموسوم بفصل المقال
قولهما: إنَّ تمام المئة كان امرأة هي الحمراء بنت ضمرة بن جابر.
.
.




إنَّ العاشِيةَ تَهيجُ الآبِيةَ
معناه أنَّ الإبلَ التي لا تشتهي العشاء إذا رأت الإبل التي تتعشى اشتهت فأكلت معها.

وهو يضرب فيمن ينشط بنشاط صاحبه.

أوّلُ مَنْ قاله يزيد بن رُويم الشيبانيّ.

روى أبوبكر بن الأنباري

قال: حدثني أبي، حدثنا أبوبكر العبدي وأحمد بن عبيد

قالا: حدثنا ابنُ الأعرابي عن المُفضَّل

قال: خرج السُّلَيكُ يريد أنْ يغير في أُناسٍ مِنْ أصحابه،

فمرَّ على بني شيبان في ربيع والناس مُخصِبون في عشية فيها ضباب ومطر،

فإذا هو ببيتٍ قد انفرد مِنَ البيوت عظيم، وقد أمسى،

فقال لأصحابه: كونوا بمكانِ كذا حتى آتي هذا البيت، فلعلِّي أُصيب لكم خيراً أو آتيكم بطعام.

فانطلق إليه وقد أمسى، فإذا البيت بيت يزيد بن رُويم الشيباني،

وهو جد حوشب بن يزيد بن الحارث بن رُويم.

وإذا الشيخ وامرأته بفناء البيت، فاحتال السليك حتى دخل البيت مِنْ مؤخَّرِه،

فلم يلبث أنْ راح ابن الشيخ بإبلِه،

فلما رآه الشيخ غضب وقال: هَلّا كنتَ عشَّيتها ساعةً مِنَ الليل.

قال ابنه: أبت العشاء.

فقال الشيخ: إنَّ العاشِيةَ تَهيجُ الآبِية.

فأرسلها مثلاً.

ثُمَّ نفض الشيخ ثوبه في وجوهها، فرجعت الى مرتعها،

وتبعها الشيخ، حتى مالت لأدنى روضة فرتعت فيها.

وقعد الشيخ عندها يتعشّى، وقد خنس وجهه في ثوبه مِنَ البرد.

وتبعه السليك، فلمّا رآه مغتراً ضربه بالسيف مِنْ ورائه، فأطَنَّ رأسه وأطرد الإبلَ.

وقد بقي أصحاب السليك سيِّئةً ظنونهم، فإذا به يطرد الإبل، فأطردوها معه، وقال السليك في ذلك:


وعاشية رُحٍّ بِطانٍ ذَعَرتُها ..... بِثوبِ قَتيلٍ وَسْطَها يَتَسيَّفُ

كأنَّ عليه لونَ بُردٍ مُحَبَّرٍ ....... إذا ما أتاه صارخٌ مُتَلَهِّفُ

فبات له أهلٌ خلاءٌ فناؤهُم ........ ومَرَّت لهم طَيرٌ فلم يتعيَّفوا

وباتوا يظنون الظُّنونَ وصُحبتي ..... إذا ما عَلَوا نشزاً أهَلُّوا وأوجَفُوا

وما نِلتُها حتى تَصعْلَكَت حِقْبةً ......... وكِدتُ لأسبابِ المَنِيَّةِ أعرِفُ

وحتى رأيتُ الجوعَ بالصيفِ ضَرَّني ...... إذا قُمتُ غشاني ظِلالٌ فأُسدِفُ


الرحُّ: الواسعة الأخفاف.
ويتسيف: يضرب بالسيف، وكذلك يتسوط: تضرب بالسوط، وتتعصى: تضرب بالعصا.
لون بُردٍ مُحبَّر: مِنَ الدَّمِ.
والمتلهف: الذي يتلهف عليه لمّا وقع به مِنَ القتل.
وأهلُّوا: رفعوا أصواتهم.
وأوجفوا: استحثوا إبلهم. ووجف البعير وأوجف: أسرع.
ولأسباب المنية أعرف، أي: أصبر.
وما يكاد يجوع في الصيف لكثرة اللبن.
وأسدف: يظلم بصري مِنْ شدة الجوع.