أطوار بهجت عادت بتوقيت بريطاني!!


بقلم: أمير سعيد
15/4/1427



ما في جعبة أطوار وأسرارها، بل و"خبطاتها" الصحفية لم يزل مؤثراً في دورة الأحداث العراقية؛ فثمة أشخاص تمنحهم الكاريزما الشخصية تأثيراً كبيراً لحياتهم, وتلاحقهم بعد مماتهم .. ربما رسائلها وتقاريرها المصورة قد اختفت لكن رسائل قتلها غيلة السياسية لم تنته أو تغادر بؤرة العدسة السياسية اللاقطة.. كانت تقاريرها ـ للأمانة ـ متميزة, لكن حادثة اغتيالها ـ برغم التشكيك فيها ـ كانت الأكثر تميزاً وفجاعة من بين أترابها من حملة الميكروفونات والأقلام والكاميرات, وتحمل الكثير من الدلائل, فحين حضرت في حياتها كانت تنطق بلسان إعلامي متزن ومحترف, وحين غيبها الموت حضرت على موعد كان فيه العراق على شفير المرحلة الأعنف من الاحتراب الداخلي لتكون عنواناً لمرحلة بدأها تفجير المرقدين وقتل أطوار سواء بسواء, وحيث تعود حاضرة الآن مع استعراض شريط إعدامها البشع , تطل في مشهد رعيب يكاد يخطف الأبصار لهوله لتكون جزءاً من حرب تكسير العظام المتنفذة بالأوراق العراقية في منطقة تستشرف إرهاصات غد مجهول.
كان المشهد مريعاً ورعيباً ـ لمن رأوه ـ لهذه الإعلامية البارعة التي لم يرقب فيها القتلة إلاًّ ولا ذمة ولا نخوة ولا احتراماً لخصوصية إنسانية ولا ستراً لمسلمة..

لم تكن أطوار لفرط بساطتها تدرك حجم الطاحونة العراقية التي وضعت قدمها على حافتها, لكننا الآن بتنا مدركين حجمها وسطوة أحجارها الثقيلة.. أطوار غابت منذ شهور عن الشاشة بيد أنها لم تغب عن المعادلة, فعادت من خلال خبر لصحيفة صنداي تايمز البريطانية يتحدث عن طريقة الاغتيال الخسيسة لأطوار بهجت, لاحظت فيه أن أطوار ذبحت بطريقة بشعة وأن مشهد الإعدام قد تم تصويره بواسطة كاميرا فيديو لجهاز هاتف نقال وتم لاحقاً تداوله بواسطة تقنية البلوتوث, مؤكدة على أن الهاتف النقال قد عثر عليه مصدرها في جيب عنصر مقتول من عناصر فيلق بدر الذراع العسكري لـ"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" في العراق, وما إن بث الخبر حتى انتشر على الفور مقطع الفيديو الخاص بالعملية الإجرامية الدنيئة على مواقع الانترنت ومنتدياته الحوارية.. كان المشهد مريعاً ورعيباً ـ لمن رأوه ـ لهذه الإعلامية البارعة التي لم يرقب فيها القتلة إلاًّ ولا ذمة ولا نخوة ولا احتراماً لخصوصية إنسانية ولا ستراً لمسلمة.. وهذا مشهد يمكن تفسيره بعد, إذ سيكون من اللائق أن نبدأ القصة من طرف بعيد, وفي زمن قريب, لنصل إلى طرف قريب في زمن بعيد ـ إلى حد ما ـ يوافق زمن غياب جسد أطوار في تراب الوطن الذي أحبته ـ مثلما قالت في حوار صحفي مع صحيفة خليجية سابقاً ـ..

قبل أسبوعين تحديداً, كانت الأنباء تعلن عن تعيين توني سنو المعلق ومقدم البرامج في الإذاعة والتلفزيون التابعين لمجموعة فوكس نيوز الإعلامية ناطقاً رسمياً جديداً للبيت الأبيض, بعد أن أمضى سبعة أعوام في تقديم برنامج على تليفزيون فوكس يشمل إجراء مقابلات مع كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية وفي الخارج, وبعد خمسة عشر عاماً قضاها في صياغة خطابات جورج بوش الأب.
جاء سنو إلى ثاني أصعب منصب بعد الرئيس من قلب الشبكة اليمينية المحافظة التي تعد
ذراع البيت الأبيض وتعد امتداده الإعلامي داخل أمريكا وخارجها, تلك الشبكة التي يديرها (إمبراطور الإعلام الشهير) روبرت مردوخ, والذي يدير إمبراطورية واسعة من شبكات التلفزة والصحافة من بينها على الجانب الشرقي من الأطلسي صحيفة صنداي تايمز البريطانية التي تمثل يمين الوسط والقريبة بحكم صداقة مالكها لـ(رئيس الوزراء البريطاني) توني بلير.. هذا الأخير بدوره تلقى ضربة موجعة لجهوده في محاولة تعويم سياسته المساندة للولايات المتحدة في التواجد على الأراضي العراقية ظهرت جلية في النكبة التي تعرضت له قواته في مدينة البصرة قبل يومين اثنين فقط من بث الشريط المتلفز عندما أسقطت طائرة حوامة تناثرت أشلاء طاقمها في سماء البصرة وتفحمت جثث أربعة سقطت في وسط المدينة على نحو لم يكن بمقدورها التخفيف الإعلامي من وقع ارتطامها قبل أن يشعل غاضبون النار في دبابتين بريطانيتين ومدرعة أخرى ما شكل فضيحة عسكرية من النوع الثقيل لبريطانيا تزامن مع تلك الواقعة للولايات المتحدة في كونار الأفغانية.. تحدث شهود عيان أن عناصر من جيش المهدي كانت تهتف إثر إسقاط الطائرة, وقبل يوم واحد من بث الشريط كذلك دعت جماعة محلية بالبصرة إلى انسحاب البريطانيين من البصرة..
البصرة التي تضم أغلبية شيعية وتنتشر فيها عناصر إيرانية وخبراء استخباريين وفقاً لمصادر عديدة ومتنوعة أضحت منذ الأيام الأولى للاحتلال ترمومتراً بالغ الحساسية لعلاقة بريطانيا وإيران

البصرة التي تضم أغلبية شيعية وتنتشر فيها عناصر إيرانية وخبراء استخباريين وفقاً لمصادر عديدة ومتنوعة أضحت منذ الأيام الأولى للاحتلال ترمومتراً بالغ الحساسية لعلاقة بريطانيا وإيران, وقد وقع آخر هجوم كبير نسبياً على القوات البريطانية في البصرة بعد أيام قليلة من وقوع تفجيرات واضطرابات في إقليم الأحواز العربي في الغرب الإيراني اتهمت إيران بريطانيا بالضلوع فيها, فهل يمكن قراءة مشهد الإعدام في ضوء رد بريطاني مبطن على ما جرى في البصرة؟ ربما, لكن الأهم من ذلك أن ما انطلق بسرعة السهم وعرف طريقه إلى كبد المواقع والمنتديات كان يشي على نحو واضح بالجهة الفاعلة لأكثر من شاهد, كحرص الجناة الآثمين على إبراز أجزاء من جسد المغدورة على نحو لا يتسق أبداً مع أخلاقيات المقاومة العراقية وبما لم يشهده العراقيون حتى في مشاهد الذبح المنسوبة للقاعدة, وكتلذذ المجرمين بعملية الذبح ذاتها التي تعمدوا أن تكون بطيئة وعبر مرحلتين لإفساح المجال للتصوير!! ومنها هتافهم بالتكبير على نحو مستفز, ومنها عدم تلاوتهم لأي مبرر يساق لإعدامها..

الأهم ليس في تعيين جهة الإعدام التي حاولت الصحيفة تقديم قدم وتأخير أخرى , عبر تحليل مضطرب في البوح عن عنوانها, في الإعلان عنها للحد الذي دعاها إلى التأكيد على "سنية" مفجري المرقدين من قبل على نحو جعلها ملكية أكثر من الملك, ومحاولة توزيع هم الإعدام على جماعات شيعية وسنية سواء بسواء امتحالاً لعذر متهافت يعرّض بعمليات ذبح "سنية" سابقة برغم أن الجميع قد باتوا في العراق يعلمون أن تثقيب جسد المغدورين بـ"الدريلينج" إنما يحمل توقيعاً واحداً, يُقرأ من خلال التهديدات التي وقعها ـ للأسف ـ كتاب منتسبون لذات مهنة المغدورة أطوار, منها هذا التهديد الصحفي: "الزميل (..) والذي له باع واسع في فضح عملاء النظام من خلال كتبه القيمة المنشورة ودفاعه عن المرجعية المخلصة لأدعو بقية الكتاب إلى إعلان تعبئة عامة ضد المتعاونين مع النظام المخلوع وأذكر منهم الأسماء التالية: (..) و أطوار بهجت(..) وهي بعثية"!!
وهو تهديد صادر عن كاتب شيعي كمثيله هذا أيضاً : "ولا أعرف كيف تواصل المذيعة أطوار بهجت ، والتي كانت تعمل في القناة الفضائية الصدامية حتى ساعة سقوط النظام، (..) أقول، كيف تواصل هذه (.. )عملها في الإعلام ، وكيف تتم الموافقة على اشتغالها مراسلة (..) في بغداد ، فهل هي الأمور (سايبة ) إلى هذا الحد ؟! (..) ، هذه (الأطوار) لا تنتقي محدثيها ألا من منطقة الأعظمية الطائفية ، وجلهم من الطائفيين الحاقدين على العراق والعراقيين ، والغاضبين لضياع السلطة والثروة والجاه ، بعد ضياع صدام (..) أو من كوادر البعث المهزوم"
الأهم من ذلك أن ما انطلق بسرعة السهم وعرف طريقه إلى كبد المواقع والمنتديات كان يشي على نحو واضح بالجهة الفاعلة لأكثر من شاهد

على أية حال, فاضطراب الصحيفة البريطانية القريبة من كل من بلير وبوش في تحديد الجهة الفاعلة ثم لملمة هذا الملف سريعاً لا يحول بيننا والظن بأن بث الفيلم المريع في هذا التوقيت شديد الارتباط بالصراع الدائر بين لندن وطهران والذي تقيس البصرة درجة سخونته, والصراع المشتبك بين أكثر من جهة في العراق, والذي يدفع دوماً ضحيته بريئون كمثل المغدورة أطوار.

عن موقع المسلم