"الأونروا" تحطم الأرقام القياسية
د. فايز أبو شمالة
أعترف أمام الجميع أننا لم نشبع الخبز في طفولتنا إلا في مراكز التغذية التابعة للأمم المتحدة، ونحن مدينون للأونروا بالملبس، والمسكن، والمأكل، والتعليم، والصحة كل تلك السنوات الأولى للجوء، وضياع فلسطين، حيث أسهمت الأونرا بدورها الإنساني الذي لا يتنكر له إلا جاحد، وقد حافظت الأونروا كل تلك السنوات على المسافة الفاصلة بين دورها الإنساني، وتطلعها السياسي، فقدمت الخدمات دون أن تتدخل في حياة اللاجئين السياسية، والثقافية، والتعليمية، والتنظيمية، والحياتية من قريب أو بعيد.
وأعترف أمام الجميع أن الأونروا في هذه الأيام تقدم خدمات جليلة للاجئين بشكل عام، وللاجئي قطاع غزة الذين يعانون الحصار بشكل خاص، وتعمل على تطوير، وارتقاء حياتهم في شتى المجالات، وتقدم لهم الخدمات التي هم في حاجة ماسة لها، بشكل أفضل بكثير مما كان عليه قبل سنوات، عندما كان سوق العمل في الدول العربية، وإسرائيل مفتوحاً أمام الفلسطينيين للاعتماد على أنفسهم، والاستغناء عن قسم كبير من خدمات الأونروا.
رغم ما سبق من أفضال تقدمها الأونروا للاجئين الفلسطينيين، إلا أن ذلك لا يعني تنزيل مسئوليها والقائمين عليها منزل صدق عند مليكٍ مقتدر، وذلك لأنهم بشر، لهم طموحاتهم، وأطماعهم، وأهدافهم التي يسعون لتحقيقها، فالأنروا لا تقدم الطعام صدقة جارية، وطلباً للمغفرة من رب العالمين، ولا تقدم المساعدات والهبات لسواد عيون الفلسطينيين! وإنما لأهداف سياسية بعيدة المدى، وهذا ما بدا واضحاً من سلوك مديرها الحالي في غزة السيد "جون جنج" الذي تخطى الدور الإنساني، وانتقل إلى العمل السياسي، حتى صار الجهة الرسمية التي تستقبل الوفود الأجنبية الزائرة لقطاع غزة، وكأنه صاحب البيت.
وقد تجاوزت الأونروا دورها الإنساني وهي تشرف على دخول مواد البناء من حديد وإسمنت إلى قطاع غزة، في خطوة يمكن وصفها بالتناغم مع إسرائيل التي تزعم أن مواد البناء التي لا تمر من بوابة "الأونروا" تصل لأيدٍ إرهابية.
وقد تخطت الأونروا دورها الإنساني، وصار لها مهمات سياسية، وهي تنفق مبلغ نصف مليون دولار من الأموال المخصصة للمحاصرين؛ من أرامل، وأيتام، وفقراء، لتنفقها على احتفالات شكلية في مطار غزة، تسجل في موسوعة "جينز" للأرقام، بشكل يوحي للعالم أن قطاع غزة لا يعيش حصاراً ضارياً، وإنما يرقص طرباً، وفرحاً، وهو راضٍ بحياة اللجوء في قطاع غزة، ولا طموح سياسي، ولا تطلعات قومية أو وطنية لديهم.
لقد تجاوزت الأونروا دورها الإنساني عندما صار الاستخذاء ثقافة، وله منظرون، وهذا ما يدفعنا للقول: يجب أن يظل دور الأونورا في أماكن عملها دوراً إنسانياً، وألا يصير مديرها في غزة ـ الذي احترمه شخصياً ـ المندوب السامي للأمم المتحدة.