لبندورة أولى الضحايا
"توتا أبسولوتا": آفة جنوب أمريكية تهاجم الحقول الفلسطينية في الضفة والقطاع

Saturday, July 3, 2010
مركز وطن للاعلام/ خاص في مجلة افاق البيئة والتنمية الصادرة عن مركز العمل التنموي/ معا :

أدخلت عثة أنفاق البندورة الجنوب أمريكية "توتا أبسولوتا" المزارع علاء الدين محمد في سباق مع الزمن قبل أن يعرفها، فقد شاهد محصول البندورة الخاص به، في مرج ابن عامر، يتلاشى أمام عينيه، دون أن يستطيع فعل شيء.
يقول: "منذ بداية الموسم الحالي، لاحظت تلفاً سريعًا يصيب ثمار البندورة مع بداية نضجها، كانت مليئة بالديدان، ولجأنا إلى رش الحقل بمبيدات جديدة، قال لنا تجار المواد الزراعية إنها تقضي على الأمراض والحشرات".
يضيف:" لم نكن نعرف شيئاً عن هذه الحشرة، لكن بمرور الوقت، صرنا نسمع من عشرات المزارعين المشكلة نفسها، حتى أن أصحاب الدفيئات الزراعية في مرج بن عامر شكوا من تلف ثمارهم بشكل كبير".
وينهي محمد بقوله إنه لم يقطف من أرضه أكثر من ثلث الإنتاج المتوقع، أما الباقي فقد أتلفته هذه الحشرة التي لم نسمع عنها من قبل.
غزة واجتياح من نوع آخر
ومن الضفة إلى غزة المحاصرة، فوجئ مدحت أبو شنب من منطقة الفخاري في رفح جنوب قطاع غزة بهلاك مزروعاته وهي في نهاية دورتها الزراعية، بسبب حشرة غريبة أصابت محصول "البندورة" الذي يحتل مساحة ثلاثة دونمات من الدفيئات الزراعية خاصته، حيث اكتشف -عند اقتراب موعد قطف الثمار لأشتال البندورة- تدميراً حقيقياً في الأوراق امتد خلال فترة قصيرة للثمار.
حاول أبو شنب أن يقضى على الحشرة "توتا أبسولوتا" عبر اتصاله بالعديد من المهندسين الزراعيين، الذين أكدوا له ضرورة رش مزروعاته بالمبيدات المتعددة. ولم تنته معاناته رغم الخسائر المادية الفادحة التي تكبدها ثمناً لهذه المبيدات -أكثر من ثلاثة آلاف شيقل- والتي لم تقض على الحشرة بل زادت وباتت تهدد كامل محصوله الزراعي.
ويقول أبو شنب إن الخسائر التي مُنى بها جراء هذه الحشرة التي تشبه الفراشة بلغت نحو 18ألف شيقل، حيث استعان بجمعية التنمية الزراعية ومن ثم لجأ إلى وزارة الزراعة، وكل منهما حددّ نوع المبيدات التي لابد من استخدامها، إلا أن النتيجة كانت تدمير المحصول وتفشي هذه الحشرة .
ولام أبو شنب الجهات الرسمية والأهلية الزراعية التي تقاعست –على حد تعبيره- عن مساعدته وغيره من المزارعين في القضاء على حشرة "توتا أبسولوتا" منذ البداية، قائلاً : "إنها أخطر حشرة أتعرف إليها خلال حياتي الزراعية التي تمتد لمدة ثمانية عشر عاماً، ولا أستطيع الآن إعادة الزراعة من جديد في ظل وجود هذه الحشرة التي باتت تستقر في التربة.
حشرة فتّاكة والضحية البندورة
الحشرة "توتا أبسولوتا" لم تغز أرضي أبو شنب ومحمد الزراعية فحسب، بل أصبحت هاجساً يشغل بال معظم مزارعي الضفة و القطاع؛ إذ بمقدورها -حال عدم السيطرة السريعة عليها- القضاء على محصول البندورة وتكبيد مزارعيها خسائر فادحة، بحسب تأكيدات العديد منهم .
ما هي توتا ابسولوتا؟
"توتا أبسولوتا" حشرة من رتبة حرشفيات الأجنحة الصغيرة، تتحول إلى آفة مدمرة لمحاصيل البندورة، التي تعد العائل الأساسي لها، وتصيب الباذنجان والفلفل والبطاطا، وطولها يتراوح بين 5 إلى 7 مليمترات، ولونها رمادي فضي مع بقع سوداء على الأجنحة العلوية، وتنشط ليلاً وتختبئ نهاراً بين الأوراق. وتمتاز بقدرة تكاثرية عالية في ظل درجة حرارة مناسبة بين 25-30 درجة مئوية، وهذا يعني تعاقب 12 فوجًا منها خلال العام الواحد.
ويعود أصل الحشرة إلى أمريكا اللاتينية، حيث ظهرت هناك عام 1970م ثم انتقلت إلى أوروبا عام 1995 م، مصيبةً محصول البندورة، كما أنها تنتشر بدول المغرب العربي وكذلك مصر وفلسطين المحتلة
انتشار عالمي
من غزة يشير مدير عام إدارة الوقاية والنبات في وزارة الزراعة المهندس زياد حمادة، إلى أن انتشار هذه الحشرة لم يتوقف عند حد معين، بل انتقل إلى دول المغرب العربي عام 2003م، ليصل إلى جمهورية مصر العربية عام 2005 م، ثم ينتقل إلى فلسطين المحتلة عام 2008م، ليكتشف في غزة عام 2010م، قبل حوالي خمسة شهور من الآن".
ويضيف حمادة أنه بمجرد اكتشاف وجود الحشرة في القطاع، شكلت طواقمٌ فنية من قبل الوزارة لترصد نشاطها وانتشارها لكونها حشرة نشطة جدا، لها ما يتراوح بين 12-14جيلا سنويا حيث تضع 200-250 بيضة في كل جيل منها.
ولفت حمادة النظر إلى أن الوزارة لم تتأخر في فعل ما يلزم للسيطرة على انتشار هذه الحشرة، واتخاذ الإجراءات اللازمة بهذا الصدد، عبر لجان من المهندسين الزراعيين شكلت خصيصا لهذا الغرض، وقال: "أجرينا حصراً شاملاً للأماكن المصابة، وتحديد المشكلة والعلاج، ووضع الحلول المقترحة للسيطرة على انتشار هذه الحشرة في المستقبل القريب".
الفاو تحذر
وكانت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، أصدرت تقريراً حذرت فيه من حشرة "توتا أبسولوتا" التي بدأت تظهر بوضوح في قطاع غزة، وأصبحت تنتشر في العديد من المناطق الزراعية، مما يهدد الموسم الزراعي بكارثة حقيقية إذا ما تم تقديم العلاج بالسرعة الممكنة .
إلاّ أن المهندس حماده علّق على تقرير الفاو -الذي أكد تفشي آفة "توتا أبسولوتا" في قطاع غزة، وأنها ستدمر 90% من محصول البندورة لهذا العام- بأنه يحتوي على الكثير من المغالطات، مشيرا إلى أن المنظمة اعتذرت عنه بعد عقد اجتماعين مطولين معها، تم خلالهما إطلاع أعضائها على مدى انتشارها الحقيقي.
سموم باهظة الثمن
وبحسب يوسف الصالح، وهو تاجر مبيدات كيماوية في جنين، فإن المشكلة التي ظهرت في حقول محافظة جنين وطمون، عرفت أنها خطيرة وتنتقل بين الدفيئات بأي وسيلة.
يقول الصالح : "المشكلة تتمثل في ارتفاع أسعار هذا المبيدات، إذ يصل ثمن بعضها كـ"أيفنت" 650 شيقلاً، ولا يستطيع المزارع توفير هذا المبلغ في المواسم، وصندوق البندورة لم يعد يساوي ربع تكلفته".
وبحسب مدير عام الوقاية في وزارة الزراعة برام الله، أمجد صلاح، فإن هذه الحشرة غير جديدة، واسمها بالعربية "عثة أنفاق البندورة الجنوب أمريكية"، إذ سبق أن اكتشفت في الدول المجاورة وبعض البلدان الأوروبية.
يتابع: "اكتشفت الوزارة الآفة في بداية شهر نيسان في حقول منطقة جنين، وتبين أنها مقاومة للمبيدات الكيماوية التي استخدمها المزارعون لمعالجتها. ولحسن الحظ أن الحشرة انتشرت في نهاية الموسم، لنعمل على مكافحتها في بداية الموسم التالي".
ووفق صلاح فإن وزارة الزراعة تستعد في الفترة القادمة لطرح عطاءات لاستحضار مصائد و"فورمانات" لهذه الحشرة، ضمن مشروع ممول من منظمة "الفاو" سيمتد في مناطق الضفة وغزة.
وبحسب مدير عام الوقاية، فإن الطريقة الكيميائية وحدها لا تكفي لمعالجة العثة؛ إذ إنها تحتاج لمكافحة متكاملة وطرق أخرى بيولوجية، وندرك أن التخلص منها لا يتم إلا بعدة وسائل كإكثار عدوها الطبيعي الفعّال.
قتل ذكور الحشرة في غزة
وعودة إلى حمادة من غزة، فقد أكد توفّر عشرة أنواع من المبيدات في قطاع غزة كمبيد "أفرات"، وهي فعالة في القضاء على هذه الحشرة عبر استخدامها إما بدمج نوعين معا، أو على التوالي، حتى لا تحدث مناعة لدى الحشرة ضدها، رغم ارتفاع ثمن بعضها.
وأشار إلى أن الوزارة تحاول الآن إدخال المواد اللازمة لعمل المصائد الفرمونية المائية، حيث تكون المصيدة على هيئة إناء جاذب للحشرة وبخاصة الذكر منها، حيث تسقط في المادة الفرمونية فتموت ويتم كسر الدورة التكاثرية بينها وبين الإناث، تلك الطريقة التي يتم تجريبها الآن من قبل الإسرائيليين، أُثبتت أنها وسيلة ناجعة جدا في القضاء على هذه الحشرة وبخاصة في الدفيئات المغلقة".
وقاية لابد منها
وعن الآلية السليمة لعملية الوقاية يوضح المهندس الزراعي من منظمة الفاو بغزة، الشطلى أن عملية الوقاية من هذه الحشرة، تتم عن طريق إزالة المحصول الذي تمت إصابته وحرقه تماما، ومن ثم إجراء عملية التعقيم الحراري للتربة في الفترة الممتدة من منتصف يونيو وحتى منتصف آب، وهو ما يعرف بـ"أربعينية الصيف" لأن في هذه الفترة يعيش في التربة أحد أطوار الحشرة .
"وإضافة إلى ري التربة لقتل هذه الحشرة" يكمل الشطلى حديثه، يتم مقاومتها عن طريق مصائب هرمونية سيتم جلبها إلى القطاع في أقرب فرصة.
ودعا الشطلي المزارعين إلى إحكام إغلاق الحمامات البلاستيكية، لمنع دخول هذه الحشرة إلى المحصول، وأكد على عدم وجود علاج لهذه الحشرة، ناصحاً المزارعين بعدم استخدام المبيدات الحشرية بكثرة إلا بإرشاد مهندس زراعي مختص.
لا إحصائيات حتى اللحظة
رئيس جمعية اتحاد المزارعين في غزة المهندس تحسين سعدات أكّد عدم توافر أي من المبيدات القادرة على وقاية محصول البندورة، مشيراً إلى أن الوسيلة الوحيدة لمكافحة هذه الحشرة حتى الآن هي المكافحة الحيوية عبر بعض المبيدات أو الحشرات التي تتغذى عليها.
ودعا سعدات وزارة الزراعة إلى التواصل مع نظيراتها في البلاد التي وصلتها الحشرة سابقا، للتعرف على الوسائل التي استخدموها للتغلب عليها، ومحاولة ابتكار طرق تساهم في ذلك، داعياً إياهم إلى حجر المحاصيل في المناطق التي أصيبت بالحشرة، ومحاولة منع وصولها إلى مناطق أخرى .
تبرير
من جهته، يرى المهندس الزراعي فواز أبو بكر في شركة السبع إنترناشونال العاملة في الضفة الغربية، وهي الوكيل لمنتجات شركة"سيجينتا" السويسرية، التي تنتج مبيدات كيماوية، بأن هذه الحشرة قديمة اكتشفت أول مرة عام 1970 في أمريكا الجنوبية، لكن المزارع الفلسطيني يجهل طرق التعامل معها، وظنّها في البداية ذبابة الأنفاق التقليدية.
واستناداً لمهندس الشركة، فإن المبيدات الكيماوية تساهم في التخفيف من هذه الآفة، كحال "العناكب" و"الفراشة البيضاء" و"الدودة الخريطية".
يتابع أبو بكر: "الطرق الكيماوية غير كافية، لكننا حاولنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الموسم، ونستخدم مبيدات أقل سمية تنتجها شركة سويسرية".
يقول" اكتشفنا الحشرة في مزارع برقين في بداية آذار، وهي تصيب البندورة والفلفل والباذنجان والبطاطا، ثم انتشرت في طمون والأغوار؛ وإذا لم تعالج ستتحول إلى وباء، وتقضي على المحاصيل. وقد سيطر بعض المزارعين في منطقة دير أبو ضعيف في دفيئاتهم على"توتا ابسولوتا" وهناك مزارعون لم يسيطروا عليها بعد".
ترويج للمكافحة الكيماوية
يُعلّق أبو بكر ردًا على سؤال"آفاق البيئة والتنمية"، حول سبب خلو النشرة التعريفية بالحشرة، والتي أصدرتها شركته من أي إشارة للمكافحة المتكاملة، وأي طرق أخرى غير كيمائية: "لسنا ضد الزراعة العضوية، لكنها زراعات مكلفة وقليلة الإنتاج، وهدفنا ليس بيع المنتوجات وإنما مساعدة المزارعين في التعامل مع الآفة وإنقاذ محاصيلهم، وإذا ما استخدموا الكيماويات بطريقة آمنة ووفق المسموح به، فإنها ستكون أقل سمية".
وبحسب ما ورد في النشرة الإرشادية لشركة السبع، فإن الإستراتيجية المقترحة لمراقبة "توتا أبسولوتا" تستند لاستخدام أربعة أنواع من المبيدات: (فوليام نارجو، بواقع رشتين وبفاصل زمني 7-10 أيام)، و(بولو، بمعدل رشتين، وبفاصل أسبوع زمني)، و(تريجاد، الذي يرش أو يضاف في التربة أسبوعيًا)، و(بروكليم، الذي يستخدم أسبوعيا).
وبلغة الأرقام، فإن عدد الرشات خلال الموسم بالمبيدات الأربعة سيكون كثير التكرار، وتزيد نسب السمية في المحصول، مما يعني أن المواطن سيأكل ثماراً معالجة بعشرات المبيدات خلال وقت قصير!
حمى
يقول مدير وزارة الزراعة في جنين المهندس وجدي بشارات: "أجرينا عدة أنشطة وورش عمل، وأعددنا نشرات إرشادية، ولم نروج للمواد الكيماوية، وركزنا على المقاومة الكيميائية والمكافحة المتكاملة، واستخدام المصائد والشبك، بالإضافة للطرق المثلى في التعامل مع النباتات المصابة".
ويفيد المهندس الزراعي حكم صلاح:" اكتشفناها في وقت مبكر بحقول برقين، لكن الخطأ الشائع أن المزارعين كانوا يظنون هذه الحشرة ذبابة أنفاق، وكافحوها على هذا الأساس، ولم تعط المكافحة أية نتائج؛ وبعدئذ تفاقم الوضع، وتلفت أجزاء كبيرة من المحاصيل المحمية والمكشوفة على حد سواء.
يلخص المزارع عبد الحكيم سعيد قصة الآفة: " دمرت الحشرة حقولنا، ودخلنا في حمى مكافحتها، لكنها تغلبت علينا في النهاية، وكبدتنا خسائر كبيرة، وننتظر وزارة الزراعة".
نصائح وتطمينات
ولمزارعي غزة طمأنهم زياد حمادة بأن انتشار هذه الحشرة في القطاع لم يصل بعد إلى مرحلة الوباء، مطالبا إياهم بالابتعاد عن العشوائية في استخدام المركبات والمواد الكيميائية وبخاصة المبيدات، حتى لا تحدث مناعة لدى الحشرة جراء ذلك، مع استخدام المبيد المناسب في الوقت المناسب وبالكمية المناسبة، والالتزام بإجراء الاحتياطات التي يوصيهم بعملها المرشدون الزراعيون التابعون للوزارة.
وخاطب حمادة المزارع قائلا: "الحشرة موجودة لكن اتباع التعليمات هو الفيصل بين إصابة محصولك بها أو عدمها"، مشيرا إلى أن انتشار الحشرة في حال حدوثه سيقلل إنتاج محصول البندورة، وسيتسبب بخسائر فادحة لدى المزارع.
وتابع أن هناك (4500-5000) دونم من الدفيئات تزرع بالبندورة في القطاع سنويا، و3500-4000 دونم أخرى من الأرض المكشوفة، تزرع بنفس المحصول، مطمئنا المواطنين بأن الحشرة ليس لها تأثير بالمطلق على صحة الإنسان، وأن بإمكان المواطن التفريق بين الثمرة المصابة وغير المصابة بسهولة، موجهاً إياهم بقوله: "بإمكان المواطنين قطع الجزء المصاب من الثمرة وأكل الجزء السليم دون أن يؤثر ذلك عليهم سلباً".

المزيد
http://www.wattan.tv/hp_details.cfm?id=a4309070a6190273&c_id=3