غنيسات فلسطينية بقلم / توفيق أبو شومر
منذ مدة وأنا أتابع الأرقام (الغينسية) الفلسطينية ( نسبة لكتاب غينس في الأرقام القياسية) وهي إحدى البدع الغريبة والعجيبة التي تحدث عندنا، في وطننا المنهوب والمحتل والمنكوب في أبنائه ، وفي محتليه، وفي ظروفه الشاذة.
فهو يشكو من الفقر والإغلاق والمطاردة وضيق ذات اليد ، وهو في الوقت نفسه يُصر على أن يدخل في موسوعة غينس للأرقام القياسية ، ليس في عدد سجنائه ،وليس في عدد الحواجز والسجون، ولا في النساء اللاتي وضعن مواليدهن على الحواجز ، ولا في عدد البيوت التي دُمرت في يوم واحد، ولا في الطلاب الذين يدرسون فوق أنقاض بيوتهم !
ولم يدخل أرقام غينس في عدد العاطلين عن العمل ، أو عدد الخريجين الباحثين عن وظائف ، ولم يدخل الموسوعة، في عدد الشباب المهاجرين منه، ولم تسجِّل له الموسوعة القياسية عدد أيام الحصار ، وحتى أنه لم يُسجل كأول أمة في التاريخ تعتاش على أنفاق تحفرها تحت الأرض، ولم ندخل التاريخ، أو يسجل لنا التاريخ براءات اختراعات الحصار ، كصنع مواقد تعمل على الوقود الرديء أو على النار ، أو على استقطار الغازات والكحول من النفايات!
وحتى أننا أغفلنا الميزة النادرة لنا ، وهي حكومتان بوزارتين مختلفتين لوطن بلا بوطن ، وبلد بلا حدود، ودولة نصفها محتل ، والآخر أيضا محاصر ومحتل
وإنما دخلنا موسوعة غينس من أوسع أبوابها، فقد سجلنا أروع الإنجازات بعد أن أعددنا أكبر (صواني الكنافة النابلسية) ثم فُتِحتْ شهيتنا بعد على الموسوعة الأكلية ، فتفوقنا في أكبر صحون الحمص في العالم ، وها نحن نستعد لصنع أكبر رغيف مسخن لنحتكره باسمنا لنصبح من أكبر منتجي أطباق الطعام ، ونحن في الوقت نفسه نشتكي الفقر والعوز والحصار والجوع!
وما أزال أذكر في بداية الألفية أننا تعرضنا لإغلاق وحصار طويل، فتوقفت المرتبات، وقد قرأت خبرا في صحيفة فلسطينية ترصد تجارة المصوغات الذهبية ، فقد رصدت يومها طنا من المصوغات الذهبية خلال شهور كمصوغات للعرائس في ثنايا وطننا الذهبي الغالي !
علّق أحد الساخرين على استغرابي السابق قائلا:
إنه التحدي يا صديق فنحن نتحدى الجوع بالإسراف في إعداد الطعام ، وسوف نتحدى الحصار بصنع أكبر وأطول كوفية في العالم أيضا، ثم نتدرج لنصنع أكبر عقال وأضخم جلابية، وأغلى عباءة من الذهب الخالص .
وأضاف: إن الوطن مليء بما يمكننا أن نفعله ، فما دمنا عاجزين عن الإبداع في فنون الاختراعات، وتكنولوجيا العصر، فليس أمامنا سوى التفوق فيما نملكه ونستطيعه ، وأنا أقترح أن تكون المسابقات التالية والتي لا يمكن لأحد أن يتفوق فيها غيرنا مثل:
مسابقة قياسية في استهلاك الفلفل الحار بأنواعه، والفسيخ بأنواعه، وإعداد أسمن رغيف، يصل طوله من معبر رفح إلى معبر بيت حانون.
أليست الأسرة التي سمعتُ عنها في مخيمات غزة تقتات على أكياس حليب البودرة طوال أسبوع، هي الجديرة بأن تدخل الأرقام القياسية، فالأسرة تلك مكونة من ستة أفراد، تصنع من الحليب كل المشتقات، لأنها لا تملك غيره، وتقتات على هذه المشتقات معظم أيام الأسبوع!
ولماذا لم يتقدم أصحاب مزارع الزيتون ممن اقتلعت أشجارهم ، أو رؤساء البلديات التي تُقتلع فيها الأشجار، ليسجلوا عدد الأشجار التي تقتلع يوميا في كتاب غينس الشهير كأندر حالة عالمية، يقوم فيها محتلون بسلخ جلد الطبيعة وطبقة الخضرة التي يسعى العالم كله لزيادة رقعتها؟
أم أن هذا لا يدخل في نطاق سلطات كتاب غينس للأرقام القياسية، فالأرقام السابقة هي مواضيع سياسية متنازع عليها!
فالمسموح فقط للفلسطينيين هو أن يسجلوا إبداعاتهم في مجال واحد فقط وهو التبذير والإسراف في وطن يشكو للعالم من الجوع والفقر؟!!!