الروائي الفرنسي جيلبير سينويه :
لدي هوية مزدوجة بجانبيها الشرقي والغربي كان مسار الروائي الفرنسي جيلبير سينويه Gilbert Sinoué غريبا ومتنوعاً. ولد في مصر في عام 1947، وبعد إتمامه للدراسة عند اليسوعيين ذهب إلى باريس ليلتحق بالمعهد العالي للموسيقى. كان في التاسعة عشرة من عمره حينذاك. وحاز شهادة الأستاذيّة من المعهد العالي للموسيقى في آلة الغيتار الكلاسيكي؛ في مصر كان يعيش في عوامة اشتراها أبوه من الملك فاروق وحوّلها إلى مركب للسائحين، هناك رأى جاك بريل يغني وتيقّن أنه سيكتب ذات يوم.
كانت بداياته في باريس صعبة، ألّف مقطوعات موسيقية وعزف في بعض الملاهي الليلية ثم اختارت إليزابيل أوبريه إحدى أغانيه، ثم اختار كلود فرانسوا وداليدا وجان ماريه وماري لافوريه وجان كلود باسكال أغاني أخرى...

ذات يوم توقف عن كل شيء- الأرجح أن ذلك كان بسبب اقترابه من الأربعين عاماً- وبدأ أولى رواياته التي أرسلها بالبريد إلى أوليفييه أوريان الذي نشرها له.
أعقب تلك الرواية نحو عشرين كتاباً من بينها: "أنا يسوع "، و "آخر الفراعنة " الذي يروي سيرة تاجر التبغ التركي من أصل ألباني الذي ولد في كافلا في مكدونيا، ووصل الى شواطئ النيل، وأصبح ضابطاً في جيش السلطان العثماني، وأرسل الى القطر المصري على رأس ثلاثمائة من المرتزقة الألبانيين، لكي يشارك في النضال ضد جيش بونابرت، وبعد كارثة «أبو قير» 1801، تولى رئاسة المجموعة المقاتلة القادمة من ألبانيا. وكتابه "فاروق وذهب مصر" يتناول قصة حياة الملك فاروق الراحل في المنفى يوما بيوم، فضلا عن الأيام الأخيرة له قبل ثورة‏1952. و"صمت الآلهة "(نال جائزة الأدب البوليسي عام 2004) ، و"يريفان"(نال جائزة بلوا للرواية التاريخية 2009)، و"أخناتون الإله الملعون"، و "ابن سينا والطريق إلى أصفهان "، و "المصرية "، و "اللوح الأزرق" (نالت جائزة المكتبيين 1996) تدور أحداثها في إسبانيا، في زمن محاكم التفتيش، وتحكي عن التسامح وحوار الأديان، كشرط أساسي لبناء الحضارة البشريّة. كما ترجمت أعمال جيلبير سينويه إلى نحو 10 لغات. وفي عام 1997 تم تقليده وسام الفارس في الفنون والأدب لمساهمته في إشعاع اللغة الفرنسية.
تحدث جيلبير سينويه في محاضرته التي احتضنها المركز الثقافي الفرنسي -على هامش الاحتفالات بالأيام الفرنكفونية- وفي حوار مع المترجم والأستاذ في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى جمال شحيد، حول مسار حياته وأفكاره ورؤاه الإبداعية يقول: بعد ذهابي من مصر إلى فرنسا بدأ حلمي بأن أكون كاتبا. وفي سن الأربعين كتبت روايتي الأولى ورُفضت من قبل دار النشر لتبدأ معه لحظة اليأس والبصيرة. رفضت 9 دور نشر كتابي الأول، ولم يكن لدي الدفاع الحقيقي عن كتاباتي. وتعلمت بتلك الفترة الكثير وألا أيأس... ونشرت روايتي الأولى، ورغم عدم نجاحها وقتها انبنت علاقة مشتركة بيني وبين دار النشر جونويل واستمرت لمدة عشر سنوات. وبتلك الفترة كتبت "الزفير" حاولت فيه جمع الديانات الثلاثة من خلال ثلاثة أشخاص سافروا إلى الأندلس بحثا عن كتاب مخطوط، وكل منهم معه خريطة للبحث عن الكتاب، وأثناء السفر احترموا وأحبوا بعضهم.
وقال سينويه إن للشرق مكانة عالية لديه، ورغم الإقامة في باريس: «غالبية كتبي تدور أحداثها في مصر.. كان جدي يحكي لي قصصا وأنا استمد أسلوبي من ذلك القص. وأظن أن الإنسان لا يمكن أن يتنصل من طفولته. وأريد أن احتفظ بالجانب الشرقي بشخصيتي وإبداعي».
واضاف أيضاً: «أنا لدي هوية مزدوجة في جانبها الشرقي والغربي، وأقبل هذين الجانبين من حياتي، ولعل الجانب العاطفي مني هو شرقي والجانب الفكري فرنسي الأصل. وهذا رائع لأنه يسمح لي أن أتخذ مسافة من الشرق ومسافة من الغرب كلما تطلعت إلى كل منهما».
إن شخصيات رواياته تاريخية «وهذا جاء من كون روايتي الأولى جاءت من قصة عبدٍ صار بابا، وهذا ما جذبني إلى هذه الشخصية. فأنا أحب الناس الذين يخرقون القدر، ولهذا اخترت شخصياتي التاريخية مثل محمد علي وكاليكس الأول وابن سينا».
وأبدى سينويه انزعاجه لمعرفته أن كتابه «الفرعون الأخير» «ترجم إلى العربية ترجمة سيئة ونشر بدون إذن منه وهذا ما أغضبه «أنا لا يهمني هنا المال بل المهم أن تترجم بشكل جيد». ولدى سؤاله عن شغفه بالأديان أجاب: "إن هذا هاجس لدي وليس شغفاً. في مصر كانت هناك جالية يهودية ومسيحية مع المسلمين، وكنت أسمع أجراس الميلاد والأذان، وهذا يذكرني بقرطبة في القرن الخامس عشر. ومع اهتمامي بتاريخ الأديان ازداد قلقي لأن فجأة تبيّن لي أن النصوص تحولت إلى ذرائع، وهنا يصبح النص سلاحاً بدلاً من أن يصبح جسراً بين الأديان.. و قلت لنفسي هناك أمران لا نختارهما في حياتنا هما جنسنا وديننا.أردت ما يجمع الناس لا ما يبددهم، هذا مصدر اهتمامي بالدين».
وعن جانب الموسيقى لديه يقول :" لا أحنّ الى الموسيقى، دائما أسمعها وأنا شغوف بالموسيقى الكلاسيكية. ولكن لا يمكن الربط بين الشغف بأمرين اثنين، أردت أن أزيل شغفا لأهتم أكثر بالشغف الثاني.. بالكتابة".

جازية سليماني

http://www.albaath.news.sy/user/?id=815&a=74159