منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner

مشاهدة نتائج الإستطلاع:

المصوتون
0. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع
  • 0 0%
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 17
  1. #1

    نصوص مسابقة الفرسان للقصة/2009/1430

    السلام عليكم
    نظرا إلى ان معظم ماوصلنا من نصوص لم يرق لفكرة رمضان او رسولنا الكريم بوشائج قوية تهمنا جدا فقد انتقينا الأقرب والاجدر حتى لانغبن جهد المؤلف, واستبعدنا من لم تنطبق عليه الشروط على معظمها.
    نتمنى لكم كل التوفيق .
    النصوص تنشر دون إظهار هوية صاحبها إلى حين النتائج

    *****************************
    النصوص ترتيبا حسب وصولها:
    *********
    صاحِبُ الصَّيْد

    جَلَسَ شاكِرٌ أَمامَ بابِ غُرْفَتِهِ ، يَنْصِتُ إلى خَطيبِ الجَّامِعِ ، فَتَوَقَّفَ عِنْدَ بَعْضِ الأَحاديْثِ التي أَسْنَدَها الخَطيْبُ إلى الرَّسولِ الكَرِيْم (ص) ، ومِنْها ( أنَّ الرَّسولَ الكَريْم أوجبَ علينا إطعامَ الجَّارِ الذي يشمُّ رائحةَ طعامِنا ) وكذلك أَوضَحَ بِحَديْثٍ مُسْنَدٍ : أَنَّ الرَّسولَ الكَريْمَ سَألَ الصَّحابِيِّ الجَّلِيْلَ سَلْمانَ الفارِسِيّ : (ما مِقْدارَ بَرِّكَ بإخْوانِكَ يا سَلْمان ؟ فَأَجابَهُ الصَّحابِيُّ : (يارَسولَ الله : ما سأَلَنِي أَحَدُهُم إلاّ أَعْطَيْتُهُ) ، فقالَ لَهُ الرَّسولُ الكَريْمُ (ص) : ( أَتَنْتَظِرُ حتَّى تَرَى حِمْرَةَ خُدودَهُم لِتُعْطِيَهُم ؟ ما هكذا يَكوْنُ البِّرُ يا سَلْمان)
    دَخَلَ شاكِرٌ غُرفَتَهُ لِيَتفَقَّدَ أَفْخاخَ الصَّيدِ التي سَبَقٌ أَنْ قايَضَ عَليها بِبَعْضِ الطُّيورِ ، تَمَنَّى لَوْ َأنَّهُ يَمْلُكُ المَزيْدَ مِنْها ، فَعَليهِ إِطعامُ الأَكْثَرَ فَقْراً في القَرْيَةِ ، كما أنَّ عليهِ أنْ يُطْعِمَ صاحبَ القَصْرِ وأُسْرَتَهُ ، خوفاً مِنْ أَنْ يَكونوا اشْتَمُّوا رائِحَةَ طَعامِهِ .
    قالَ في نَفْسِهِ : لَيْتَني أَسْتطيعُ إِطْعامَ أَهْلَ القَريَةِ جَميْعَهُم ، فَجَميْعُهُم لَيْسَ أَحْسَنَ حالاً مِنِّي ، وَلَكِنْ قَدَّرَ اللهُ وَما شاءَ َفَعْل .
    استَيْقَظَ شاكِرٌ باكِراً ، وَبَعْدَ أَنْ تَناوَلَ طَعامَ السَّحُورِ وَصَلَّى الفَجْرَ ، خَرَجَ إلى الحَديْقَةِ لِيُنْهي أَعْمالَهُ فِيْها ، وَذلِكَ لأنَّهُ سَيَحْتاجُ إلى أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ ساعاتٍ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ لِيُعَوِّضَ قِلَّةَ عَدَدِ أَفْخاخِ الصَّيْد ، وبَعْدَ أَنْ أَنْجَزَ أَعْمالَهُ في الحديقَةِ ، خَرَجَ إلى الغابَةِ القريبَةِ مِنَ القصرِ ، وَصَلَى الأَفْخاخَ ، ثُمَّ جَلَسَ تَحْتَ جِذْعِ سِنْدِيانَةٍ ، وَرَفَعَ كَفَّيْهِ إلى السَّماءِ بَعْدَ أَنْ سَمَّى باللهِ وَأَهْدى الصَّلاةَ على رَسُولِ اللهِ وَآلِهِ وصَحْبِهِ رَاحَ يَتَضَرَّعُ إلى اللهِ قائلاً : ((اللَّهُمَّ قَدْ قُلْتَ وقَولُكَ الحَقّ : * وإذا سألَكَ عِبادِي عَنِّي فإِنِّي قَريبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعي إذا دعاني * كما قُلْتَ وقَولُكَ الحَقّ : * وقالَ رَبُّكُم ادعوني أسْتَجِبْ لَكُمْ * وها أَنَذا أَدْعُوكَ : اللَّهُمَّ أَطْعِمْنِي كَيْ أُطْعِمَ ، اللَّهُمَّ أَطْعِمْنِي كَيْ أُطْعِمَ ، اللَّهُمَّ أَطْعِمْنِي كَيْ أُطْعِمَ ))
    وبَعدَ ما يَقْرُبُ مِنْ الثَّلاثِ ساعاتٍ ، عادَ بِصَيْدٍ وَفيرٍ .
    اسْتَلْقى شاكِرٌ في أرضِ الغرفَةِ وَقَدْ أَعْياهُ التَّعَبُ ، رَاحَ يُفكِّرُ كيفَ سَيُوَزِّعُ الصَّيْد .
    تذكَّرَ ما رَوَاهُ إمامُ الجَّامِعِ لَيْلَةَ أَمْسِ مِنْ أَحاديْثٍ عَنِ الرَّسولِ الكريم ، فَلَيْسَ مِنِ البِرِّ أَنْ يُقدِّمَ صَيْدَهُ لأهلِ القريةِ وهْوَ يَنْظُرُ في عُيونِهِم وَيَرى ما يَسْتَشْعِرونَهُ مِنْ ذُلّ ، كَما تَذكَّرَ قَوْلاً جميلاً قَرأَهُ عَنْ بُوذا : ( ضَعُوا خبزَكُمْ على عَتَباتِ بِيُوتِكُمْ للْجَّائعين ، وَأَبْقوا بَعضَ الثِّمارِ على أَغْصانِها لِعابِري الطَّريْق )
    إذاً لا بدَّ من طريقة ما لتوزيع الصَّيْدِ دونَ أَنْ يُعْرَفَ صاحِبَ الصَّيْد .
    وَقَبْلَ أَنْ يَغفُو، كانَ قدَ ْوَجَدَ الْحَلَّ في أنْ يَضَعَ لِثاماً ثُمَّ يَخرجُ ليلاً ، وبَعْدَ أَنْ ينامَ أَهْلُ القريةِ ، فيُوَزِّعَ صَيْدَهُ لِمَنْ قَسَمَ اللهُ نَصيباً لَهُ فِيْه .
    وهكذا ! وَيَوْماً بَعْدَ يومٍ ، يَجْرِي شاكِرٌ مَجْرى يَوْمِهِ الرَّمَضَانِيِّ الأَوَّل ، وَأَهْلُ القريةِ يَتساءَلونَ عَنْ هذا الرَّجُلِ العَظيمِ الذي يَبِرُّ بِهِمْ بِذَلِكَ الصَّيْدِ ، وَأَغلبُهُمْ ظَنَّ أَنَّهُ صاحِبُ الْقَصرِ ، لولا أَنَّ صاحِبَ القصرِ هُوَ الآخَر أَرْسَلَ رِجالَهُ يَسْأَلونَ في القريةِ عَنْ الرَّجُلِ الذي يَضَعُ الصَّيْدَ على بابِ قَصرِه .
    وَما إِنْ دَخَلَ الْعُشْرُ الأَخِيْرُ ، حتّى شَعَرَ شاكِرٌ أَنَّ حَيْلَهُ فَتَرَ ، وَهِمَّتُهُ خَمَدًتْ ، وَشَهِيَّتُهُ لِلطَّعامِ فُقِدَتْ .
    إنَّها الحُمَّى تُداهِمُهُ ، لَكِنَّهُ لَمْ وَلَنْ يَسْتَسْلِم .
    وَبَيْنَما هُوَ جَالِسٌ تَحْتَ السِّنْدِيانَةِ ، يَنْتَظِرُ صَيْدَهُ ، وَيَتضرَّعُ إلى اللهِ ، شَعَرَ بِقُشْعَرِيْرَةً تَسْرِي في جَسَدِهِ ، فأضافَ إلى دُعائِهِ المَعْهُودِ دُعاءً وتَضَرِّعاً فاضَتُ بِهِ نَفْسُهُ الحزينَة :
    ((اللَّهُمَّ لا اعتِراضَ على حِكْمِكَ وَلكِنَّ عَبدَكَ شاكِراً يَتَوَسَّلُ إليْكَ أَنْ تَنْظُرَهُ حتَّى يَلْقى لَيْلَةَ الْقَدْرِ التي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . اللهُمَّ إنِّي أَتَوَسَلُ ، ولَكَ المَشيْئَةُ ، يا غَفورٌ يا رَحِيْم ))
    وفي الليلَةِ السَّابِعَةِ وَالعشْريْن مِنَ الشَّهْرِ المُبارَكِ ، وَبَعْدَ أَنْ عادَ شاكِرٌ مِنْ صَيْدِهِ ، أَثْقَلَتْ عليْهِ الْحُمَّى وَلَمْ يَسْتَطِعْ مُغادرَةَ فَرَاشِهِ .
    هاجَمَتْهُ هَذِهِ الحُمَّى بِكُلِّ جيوشِها ، وَلَمْ يَتَغَيَّبْ مِنْ هَذِهِ الجيوشِ إلاّ جَيْشَ الهَلْوَسَةِ . فَقَدْ كانَ شاكِرٌ بِكامِلِ مَدارِكِهِ العَقْلِيَّة .
    نَظَرَ إلى تِلْكَ الْكُرَةِ البلاسْتيكيَّةِ الصَّغيْرَةِ التي أَهْداها لَهُ أَحَدُ أَطْفالِ القَرْيَةِ بَعْدَ قُدومِهِ إلَيْها فاحْتَفَظَ بِها بَعْدَ أَنْ ثَقبَها وأَدْخَلَ فيها غُصْنَ شَجَرَةٍ لِتَبْدو كَمُجَسَّمٍ الْكُرَةِ الأَرْضِيَّةِ الذي كانَ كُلَّما رآهُ في القاعةِ الرَّئيسيَّةِ في الميتَمِ ، توَقَّفَ أمامَهُ ، وَتأمَّلَهُ مليَّاً علَّهُ يَجِدُ لَهُ مكاناً على خارِطَتِهِ ، وعِنْدَما لَمْ يَجِدْ ، كانَ يَضْرِبَهُ بِقُوَّةٍ ، حتى يَدورُ حَوْلَ مِحْوَرِهِ ثُمَّ َيُشيْحُ بِنَظَرِهِ عَنْهُ .
    لَمْ يَكُنْ شاكِرٌ بِحاجَةٍ لِيَقومَ مِنْ فراشِهِ لِيُحْضِرَ هذِهِ الكُرَةَ ، فَغرفَتُهُ صغيرَةٌ ويستطيعُ مِنْ مَكانِهِ أَنْ يُلامِسَ جَميعَ جدْرانِها .
    مدَّ يدَهُ ، وأَحْضَرَ المُجَسَّمَ الأَرْضيَّ الذي صَنَعَهُ مِنْ تِلْكَ الْكُرَةِ ، وَراحَ يَغْمِسُ إصبَعَهُ بالدَّمِ النَّازِفِ مِنْ أَنفِهِ الرَّاعِفِ ، ويخُطُّ مكاناً لَهُ على الأَرْضِ مِنْ خِلالِ هذا المُجَسَّمِ الْكُرَويِّ لَها ، فَكتَبَ عِبارَةً غَطَّتْ كُلَّ المُجَسَّمِ ، كَتَبَ : ( أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاّ الله ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله ) وَذَيَّلَ أسفلَ المُجَسَّمِ بِهذهِ العِبارات : (( أَحْمَدُ الله أَنْ جَعَلَ لي مَكَاناً رحباً في هَذِهِ الأَرْض ، فَكُلِّ مَكانٍ تُؤَدَّى فيهِ الشَّهادَتَيْن هوَ مَكانِي )) ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ أَمامَ ناظِرَيْه ، وَتَمْتَمَ كَلِماتَهُ الأَخيرَةِ ، قائلاً : (( الحَمْدُ للهِ أَنِّي شَهِدْتُ الشَّهرَ الذي أُنْزِلَ فيهِ القُرْآنُ ، شَهْرَ الخَيْرِ والمَغْفِرَة ، وَشَهِدْتُ خَيْرَ لَياليْهِ ، شَهِدْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ التي هيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر . ))
    وَقُبَيْلَ إِغْماضِ عَيْنَيْهِ ، تَراءَتْ لَهُ أُمُّهُ بِرِداءٍ وَأجْنِحَةٍ مَلائِكِيَّة ، مَدَّتْ لَهُ يَدَها قائِلَةً : (( تَعالَ مَعي يا بُنَيّ ، فإنَّ لَنا مَكاناً آخَرَ أَرْحَبَ وَأَسْمى مِنْ هَذا المَكان )) ، ثُُمَّ احْتَضنَتْهُ وَرَحَلا ، بَيْنَما لا يَزالُ أهلُ القَرْيَةِ يَتَساءَلونَ عَنْ صاحِبِ الصَّيْد الذي زيَّنَ موائدَ إفطارِهِم بلُحومِ الطَّيرِ طيلةَ ليالي الشَّهرِ السَّابِقَة .

    ********************


    " حــلـــــم يتحـــــقـــق"



    في ذلك اليوم المبارك من شهر رمضان الكريم،استيقظ الشيخ مسعود مبكرا،توضأ وصلى صلاة الفجر،وآتجه نحو صندوق حديدي صغير،ورثه عن جده،كان يعتز به كثيرا،خصوصا أنه يضم مصحفا كبيرا،كان الجد يعكف على قراءته في العشي والأبكار،والصيف والشتاء،وأقلام قصب ملطخة بالسمق،ولوحة خشبية كان الجد يكتب فيها السورالقرآنية،وبعد حفظ السورة يمسحها بالصلصال لينتقل لكتابة السورة الأخرى بالسمق.
    وكان الصندوق أيضا تربض بداخله بردة شرف الدين بن أبي عبدالله محمد البوصيري في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتاب الموطأ للإمام مالك، وسيرة ابن هشام، والبداية والنهاية لابن كثير.
    كان الشيخ مسعود يعتز بهذا الإرث القليل،ويعتبره خير الزاد،وأفضل نعمة من بها الله عليه،فتح الصندوق وتحسس بردةالبوصيري بيديه المرتعشتين،هبت ريح قوية، فانفتح الكتاب على مصراعيه،
    والتقت عيناه بهذه الأبيات:
    محمد سيد الكونين والثقلين ـــــ من الفريقين من عرب ومن عجم
    نبينا الآمر والناهي فلا أ حد ـــــ أبر في قول لامنه ولانعم
    هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ــــــ لكل هول من الأهوال مقتحم
    دعا الى الله فالمستمسكون به ـــــ مستمسكون بحبل غير منفصم
    فاق التبيين في خلق وفي خلق ـــ ولم يدانوه في علم ولاكرم
    مايزال يتذكر،تلك الأيام الخوالي التي كان يقيم فيها الأب والجد تلك الحفلات الدينية احتفاء بعيد المولد النبوي،وتنبعث أصوات شباب وكهول وهم يرددون الأمداح النبوية،بأصوات شجية رخيمة،يتردد صداها في تلك الغرفة الكبيرة،وتمتزج رائحة المسك بالعود القماري،وروائح أخرى زكية،وتتعالى أصوت المقرئين لقوله تعالى: ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا،ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب مايبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) سورة النساء الآيات: 80 ـ 81 .
    فاضت عيناه بالدموع،نظر حواليه كأنما القوم مايزالون أحياء،نظر لتلك الجدران العتيقة التي شهدت مواقف الحضرة والجدبة ،وهم يرددون:
    ياخيرمن يمم العافون ساحته ــــ سعيا وفوق متون لينق الرسم
    ومن هو الآية الكبرى لمعتبر ـــــ ومن هو النعمة العظمى لمغتنم
    سريت من حرم ليلا الى حرم ــــ كما سرى البدر في داج من الظلم
    وبت ترقى إلى أن نلت منزلة ــــ من قا ب قوسين لم تدرك ولم ترم
    لقد كان الشيخ مسعود،يجد في هذا الصندوق الصغير ضالته،ويشتم رائحة إيمان عبقة تسري في عروقه،وتنتشر في أوصاله،وكيف له ألا يلازم هذا الصندوق الذي يحوي كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم،تحسس الصندوق هذه المرة بتؤدة وعناية،كان يبحث بداخله عن شيء أخر،لم يطل بحثه طويلا،فتح الصندوق، نزع مسامير قطعة خشبية وأخرج صرة سوداء ثقيلة،ربت عليها كما يربت الأب على كتف ابنه،وحنا عليها بكلتا يديه حنو الأم على طفلها الصغير،انفرجت أساريره،وعلت وجهه نضارة وحمرة لم يعهدها على وجهه الشاحب من قبل،خفق قلبه أكثر من أي وقت مضى،فهذه الصرة هي حصيلة مجهود كبير،وتعب مضني،وزاده الذي جمعه لوقت الشدة،بعد سنوات طويلة من الكدح والحرمان والعمل الشاق في شركة السكة الحديدية،هو وحده يتذكر كم من صخرة شق بمطرقته،وكم من جبل اخترق ليحول أحشاءه الى سكة حديدية تمر منها عشرات القطارات. مهنة متعبة،لكن الرغبة في تحقيق الغاية،أنسته متاعب الأمس،وصروف الزمان.
    بهذا المبلغ الذي جمعه طيلة سنوات طوال من العمل،سيحج الى بيت الله،ويحط الرحال بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم،وسيشرب ماء زمزم،وسيهرول بين الصفا والمروة،سيعانق جدران المدينة،وتطأ قدميه البقيع ومكة،ارتعشت أوصاله،وبيسرخرجت من فيه أدعية حارة وصادقة،وانسابت بسهولة من بين شفتيه كأمواج بحر هادرة ″ ياسيدي يارسول الله،في القلب اليك شوق،وكل مسام عروقي تحن اليك،يا أب فاطمة الزهراء كن لي شفيعا يوم الحشر،ومعينا لي يوم يقضى الأمر،بحبك طال سهري وأكثرت الفكر،ولعت بك إمام الورى وطلبت الله أن أراك في السحر،أنت المرتجى والملاذ يوم يعرض الناس في سقر،يامن لازمته الغمامة وكلمه الشجر والحجرأنا اليك واصل فاقبل مجيئي اليك…
    تهدج صوته،وارتفع نشيجه،وأخذته سنة من النوم،تراءت له الكعبة،ومكة بمآذنها وقبابها ومسا جدها،
    رآى أبابكر وعمر وعثمان وعلي وأباذر الغفاري رضوان الله عليهم، يحيطون بالرسول صلى الله وسلم وهو وسطهم كالبدر بين النجوم،لوح لهم بيديه،كانت المسافة بعيدة،فجأة ظهر جمل قوي لم يرله مثيل من قبل،اقترب من الشيخ مسعود وحمله على ظهره،وحط به في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم. من شدة فرحة الشيخ مسعود بالوقوف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه،شهق شهقة وسلم الروح لباريها.
    حين اقترب موعد الحج،كانت دموع أصدقاء الشيخ مسعود لاتتوقف أمام عائلته الصغيرة،فقد سبق أن اتفق مع أصدقائه بزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.لكن الموت أخلف الموعد.
    انتهت مراسيم الحج وشعائره،وعادت وفود الحجاج للقرية،وهم يهللون ويكبرون،واتجهوا نحو منزل صديقهم الراحل مسعود،فرحين مستبشرين،وأقسموا للزوجة وللأولاد،أنهم رأوا الشيخ مسعود معهم في الديار المقدسة،وأنهم طيلة أدائهم لمناسك الحج،كان قريبا منهم،وهو يردد: لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك.


    **************************


    دوار




    تصفع الوجه شمس آب ، عاند نفسه بالسير توفيرا لنصف دينار ثمن ربطة خبز، محاجر عينيه تسبحان في بحيرة العرق،تتناوب على ظهره موجات برد لاسع وجمر ملتهب ، يحبل الشارع بسيارات لا عداد لها ، المدينة دوامة لا تتوقف ، باعة ، أجراس ، نداءات ، صافرات شرطة ، لوحات تأخذ الأبصار...
    المحطة بعيدة ،راتب الشهر يلفظ أنفاسه على أبواب اليوم العاشر، قائمة لحاجات لا تنتهي ...
    -: لماذا لا تنبت الرحمة في قلب أحدهم ويسألني وجهتي؟
    العرق يضبب الرؤية ، تختلط الأصوات في الأذنين مزيج صراع وعتب ، شاشات باتساع الحلم تنزرع في الساحات... أخبار...مسلسلات وفوازير.
    المديونية تجاوزت المليار ...شهداء جدد تقصفهم الطائرات ...حملة على حملة الشهادات المزورة ....العنف يصل نقطة اللارجوع.
    ساعة الساحة غادرت الثالثة...متى ينتهي العذاب ؟
    هل يتقاضى أصحاب هذه السيارات مثل راتبك؟
    لسعة كهرباء تضرب الرأس
    توقف الدماغ عن التفكير
    كفت الخلايا عن الإحساس
    قوة الجسد تنسل بوهن
    تسري حرارة في الوجه غير المحلوق،
    شوك ينبت في الحلق ، إبر حادة تنغرز في الكتف الأيسر ، دوخة تجتاح الرأس والعين والبدن ، الدنيا دولاب يلف الأشياء، تصفرّ الدنيا، تتلاشى الرؤيا ،طنين يستعمر الأذنين ، أقدام تتسارع ، أصوات تحوقل، رأس ملطخ بخيوط دماء ، يهبط صمت مفاجئ، يصل زعيق الإسعاف، طوفان من مشاعر يتجذر في الأعماق ، صرخة دامية حطمت الصمت،علق في الفضاء سؤال ظل بلا جواب.
    **********************


    من مذكرات معوّق

    بينما أنا جالس في حوش منزلي على كرسيّ المتحرّك ، أتأمّل بعض الأزهار المتفتّحة
    في هذا الجوّ الربيعي الجميل ، واذ بصديقي الرجل الكهل أبي فادي يستأذن عليّ
    محييا : ــ مرحبا إيهاب.. كيف حالك اليوم ؟
    ــ أهلا أبا فادي تفضّل .. أرى معك ضيفة ؟
    ــ آه نعم ، هذه الآنسة داليه صحفية من جريدة الجوردن تايمز .
    نظرت إليها ، فرأيت فتاة غاية في الرقة والجمال ، ترتدي قميصا وبنطالا ، وتضع على
    عينيها نظارة شمسية سوداء ، تقدّمت مني وصافحتني قائلة :
    ــ سمعت عنك الكثير من أبي فادي، وعرفت أنك إنسان عصامي بنيت نفسك بنفسك ،
    رغم الإعاقة ، وتعلّمت القراءة والكتابة وحدك دون الذهاب إلى المدارس ، وقد قرأتُ
    قصّتك الرائعة ( أطفال تحت التعذيب ) وتأثّرتُ بها كثيرا ..
    فقلتُ لها بترحاب : هذا لطف منك تفضلي بالجلوس رجاءاً.
    جلست قبالتي على كرسيّ بلاستيكي أبيض ، وكذلك فعل أبا فادي ، قالت لي
    بإكبار ومودّة :
    ــ لقد جئتُ اليوم لأُجري معك حديثاً صحفياً عنك وعن حياتك وما مرّ بك
    من مواقف تعرّضت لها ومسّتك في نفسك وإنسانيتك ؟ .. وكيف بعد ذلك استطعت
    أن تتعلّم القراءة والكتابة وحدك حتى أصبحت كاتباً وأديباً متميّزاً ؟!؟ .. أرجو
    أن توضّح لي ذلك ، وهذا الحديث أخ أيهاب سينشر مترجماً إلى اللغة الانجليزية .
    صمتُّ قليلا ، وعادت بي الذاكرة إلى الوراااااء ... الى يوم مولدي ، حيث كان
    الشقاء ينتظر قدومي ، ليقبض عليّ ويأخذني أسيراً تحت نيره ، ويضمّني ربيباً
    في أحضانه الشوكيّة المؤلمة ، فقلتُ مُبيّناً :
    ــ بدأت مُعاناتي في اللحظة التي خرجتُ فيها باكياً من رحم أًُمّي ، وهبّت عليّ
    رياح الدنيا بغبار الحُزن والضنك الخانق ، فتنفّستُ عبق الحياة غُصصاً ،
    وسرى في عروقي ألماً .. حدث هذا الشيء في أوّل هنيهات عمري ، حينما
    تمّت ولادتي في ذلك المستشفى الفخم ذي السمعة العالية ، حيث وضعتُ من فوري
    في حضّانة خداج أُكسُجينها ناقص ؟!... فكانت الطامّة الكبرى التي حوّلتني الى
    كائن بشريّ معوّق .. نصفُ إنسان في عُرف المجتمع ، له أن يأكل ويشرب
    إلى أن يُوافيه الأجل ، وتأتيه المنيّة ، وليس له الحق في أي شيء آخر !! .
    انتفضت الفتاة الجالسة أمامي تأثّراً وقالت بذهول :
    ــ غريب ما أسمع .. عجيب ما تقول !! .. فكلُّ إنسان له الحق الكامل في أن
    يعيش بكرامة ، يأكل ويشرب ويسكن ويتعلّم ويتزوّج ويبني مستقبله ويحقق
    أحلامه وطموحاته ، ويعبّر عن رأيه بحرّية وهو آمن على نفسه وحياته .
    فأجبتها : كلُّ ما ذكرته يا أُخت داليه لا يعدو أن يكون في دولنا ومجتمعاتنا
    العربية حبراً على ورق ، لاسيما لنا نحن معشر المعوّقين .. فالمعوّق مُحرّم
    عليه في عُرف مجتمعاتنا المُتخلّفة أن يعيش ويظهر في الحياة ، ويحصل على
    كافّة حقوقه المدنية كأي إنسان سويّ ، إن أوّل ما يُواجهه المعوّق في حياته
    هو مُحاولة قتله إنسانيا واغتياله معنويّاً من أقرب الناس إليه ، عائلته وأهله ،
    عندما يقوموا جاهدين بإخفائه عن الأنظار والعيون ، وكأنه فضيحة يجب التستّر
    عليها أمام الناس ، وعار يجب التخلّص منه أو سُبّة يجب طمسها وإزالتها من
    بينهم .. لقد مررتُ بهذا الموقف مرور الكرام ، ومع ذلك فقد ترك في نفسي
    وبداخلي أثراً لا يُمحى ...
    صمتُّ قليلا لأفكّر .. وأردفتُ قائلا :
    ــ ثم إن لي اعتراضاً كبيراً على هذه التسمية التي تصموننا بها من دون الناس
    ، ألا وهي ( ذوي احتياجات خاصة ) ، إنها لا تخصّنا وحدنا ، بل هي تشمل جميع
    الناس بلا استثناء !! ...
    داليه تبتسم وتسأل متعجّبة : وكيف ذلك ؟ .
    قلتُ مُجيباً وأنا أرنو إليها مُستأنسا :
    ــ إن هذه التسمية وهذه الصفة بالفعل تشمل جميع الناس ، فكلّ الناس هم من
    ذوي الاحتياجات الخاصة ، من أعظمهم مقاماً إلى أدناهم شأناً ، ولك يا آنستي
    بعض هذه الأمثلة ، كالملوك والرؤساء والأمراء ، فهؤلاء يتعذّر عليهم الخروج
    إلى الشارع والظهور بين الناس دون ترتيبات أمنية مُسبقة ومُحيط واسع من
    الحرس الخاص مع الكثير من المُرافقين ، وهذه كلّها احتياجات خاصة أنا وأنت
    لا نحتاجها ، كذلك المرأة فهي من ذوي الاحتياجات الخاصة ، سواء أكانت محجّبة
    أم مُتبرّجة .. فبداية هي تحتاج إلى لباس طويل يغطّيها من قمّة رأسها إلى أخمص
    قدميها ، ثم هي تحتاج إلى أدوات التجميل والزينة والفوط الصحية ... كل ذلك
    احتياجات خاصة نحن الرجال لا نحتاجها ! .. وبشكل عام الإنسان ذو احتياجات
    خاصة لا تحتاجها باقي المخلوقات ، فمثلا الإنسان يحتاج إلى النار لكي يتدفّأ بها
    ويطبخ عليها طعامه ، ويحتاج في بيته إلى الأثاث والفراش والأواني والماء والكهرباء
    ، وفي مواصلاته إلى السيّارات والحافلات والطائرات .. بينما الحيوانات وباقي المخلوقات
    لا تحتاج إلى شيئاً من ذلكم .. وإذاً فالإنسان خلقه الله سبحانه مطبوعاً على أن يكون
    من ذوي الاحتياجات الخاصة .. أرأيت كيف أن هذه الصفة لا تخصّنا وحدنا من دون
    الناس نحن المُعوّقين ، وأنّكم تُشاطروننا إيّاها !! .
    قالت الصبيّة الصحفيّة وهي تضحك مسرورة :
    ــ جميل ، حقاً جميل ..لم يخطر ببالي هذا قبل الآن ! ..ولكن قل لي أيها الكاتب المفكّر
    ما هي أصعب المواقف التي مرّت في حياتك بعد أن تعلّمت وأصبحت ذا موهبة أدبية
    واضحة خرجت بها إلى الناس ؟ .
    أجبتُ بحزن وأسف فقلت :
    ــ لقد طارت بي الأحلام الوردية وجعلتني أُحلّق عالياً في سماء المجد والشهرة كأديب
    عربي مرموق ، بيد أنني عندما رحتُ أعرض قصصي على الموجّهة للأطفال والكبار معا
    والتي تُضاهي الأدب العالمي ، على المؤسسات الثقافية ودور النشر المختصّة ، قوبلت
    بالرفض والسلبية من قبل هؤلاء المسئولين في هذه المؤسسات رغم اعترافهم الصريح
    وإشادتهم العظيمة بأعمالي المقدّمة لهم ، وبأنها ذات سويّة عالية من حيث الموضوع
    والشكل الفني والمستوى الأدبي الرفيع ، ومع ذلك فهي لا تتماشى ولا تتوافق مع أهوائهم
    الفكرية والتجارية المطروحة في السوق ..وذات مرّة ذهبتُ مع رفيق لي إلى إحدى دور النشر لأعرض بعض أعمالي الأدبية .. فلما قابلني المسئول نظر إليّ نظرة إشفاق وتحنّن ، ثم وضع في يدي خمسة دنانير وقال :
    ــ استعن بها على قضاء حاجتك ، وادعُ لنا بالخير !! .
    تصوّري كم ذُهلت وصُدمت لهذا الموقف الفظيع الذي لم يخطر لي ولا حتى في الخيال
    أن أتعرّض له !..
    نظرت لي داليه بحيرة ، ولاح بخلدي سؤالها الصامت من خلال بريق عينيها
    الدعجاوين ، فاستطردتُ مُكملاً :
    ــ خرجتُ من عنده وأنا ذاهل عن نفسي ، أُردّد بلا وعي : أنا لستُ شحّاذاً .. لستُ
    شحّاذاً ... ثم نظرتُ إلى يدي وإذ بالخمسة دنانير لا تزال موجودة فيها ، فأعطيتها له
    إلى مُرافقي الفتى الفقير ، وأنا أقول : هي لك تصرّف بها كما تشاء ، فطار المسكين
    فرحاً ! .
    هتفت داليه : بعض الناس يتصرّفون بلا تفكير وهم يظنّون أنهم يحسنون صنعا
    ويفعلون خيراً .
    قلتُ مُعلّقاً : ذلك مردّه إلى الإعلام السلبي الذي يصرّ دائما بوسائله المختلفة وخصوصاً
    التلفزيون على إظهارنا بمظهر الدونية والانكسار والمهانة ، حيث يُطلّ علينا صوت المذيعة المُتباكي ليقول : ساعدونا وتبرّعوا لنا ، لنساعد هذه العزيزة والمحرومة من
    أبنائنا وفلذات أكبادنا ، الذين أصابنا القدر بهم .. إحم عفواً ، أقصد أصابهم القدر
    بدائه المرير المؤلم ! ..
    ويظهر على الشاشة معوّق أو أكثر وهمفي حالة مزرية يًرثى لها .. وهكذا فهم
    يًكرّسون في الأذهان صورة المعوّق البائس الذي لا يصلح لشيء سوى للشحاذة ،
    وأن يتصدّق عليها الناس ، لكي يكسبوا الحسنات ، ومن ثم يدخلون الجنة بالخلوة ،
    على ظهره وحسابه !! .
    وصل صوت داليه إلى مسمعي وهي تقول باندهاش وارتباك :
    ــ هل سبق وتقدّمت إلى وظيفة ؟ .
    ضحكتً .. وما بي من سرور .. وليس كل الضحك سببه السرور ، وإنما هو
    الهمُّ يُضحك ويُبكي معا ، قلتُ بأسف :
    ــ اعلمي يا آنستي بأنني لم أدع باباً يُطرق في هذا السبيل إلا وطرقته ، بل اقتحمته ،
    ولكن دون جدوى ، فمن قائل : أنت لا تملك شهادة لتعمل بها ، إلى قائل : أنت وأمثالك من المعوّقين لا تصلحون للعمل وتعجزون عنه ، إلى قائل : إن منظرك أمام الناس وأنت
    جالس على الكرسي المتحرّك غير حسن ويُسبب لنا المشاكل ! .
    لم أعرف قبل التقدّم إلى الوظيفة بأننا عاجزون في عُرفكم ، وبأن منظرنا يخدش
    الحياء العامّ ؟!! .
    ( وسلّم لي على الحياء العامّ )
    طأطأت الفتاة رأسها بحزن وأسف ، وغمغت قائلة :
    ــ لم أكن أعلم قبل الآن بأن الصورة مُظلمة وقاتمة إلى هذا الحدّ !؟ .
    قلتُ لها وأنا ألج عميييييقاً في الجرح :
    ــ وحتى تكتمل الصورة لديك سأزيدك من الشعر بيتاً يكون فيه خاتمة لقاءنا
    الصحفيّ هذا ..
    حدث أن أحببتُ فتاة من فئتي ، معوّقة ، في ساقها جهاز يُساعدها على المشي ،
    هي كذلك أحبتني ، وقد اتّفقنا على الزواج ، وراودتنا الأحلام الوردية السعيدة ،
    وبنينا لنا بيتاً مثاليّاً رائعاً يكتنفه الدفء والحب ، يُظلله التفاهم والتعاون ، وتكلؤه
    عناية الله ورحمته ..
    تساءلت داليه بفضول صحفي مُتحفّز : ثم ماذا حدث ؟ .
    ما حدث كان إهانة لكلّ قيم التحضّر والتمدّن الإنساني .. لم أتصوّر للحظة
    بأن يصل الانحطاط والسوقية بالناس في نظرتهم الوضيعة لنا الى هذا الدرك،
    فعندما ذهبتُ لأطلب يد فتاتي على شرع الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم
    ، استقبلني أهلها بفتوووور واضح ، مما جعلني أشعر بضياع الأمل ، وبأن هناك
    غصّة في سويداء قلبي وفؤادي ، أخذت تكبر وتمتدّ كالسرطان ، ولكني صممتُ
    على أن أحمل جرحي المنكوب وأمضي فيه حقباُ حتى النهاية ...
    وكانت النهاية عندما قال لي وليّ أمر الفتاة بصوت كأنه نباح كلب :
    ــ أنتم المعوّقين > يعني أنا < لا أدري كيف تُفكّرون بالزواج ؟! .. ثم أنت ، أنت يا من
    أتيت لتخطب ابنتنا ، هل أنت قادر على الزواج ومُتطلّباته ؟ ..
    قلتُ بقوّة كمن يدفع عن نفسه نصلاً مسموماً :
    ــ لو لم أكن قادراً على الزواج وأعبائه لما جئتك اليوم خاطباً !! .
    فعاد بذات الصوت النابح يقول :
    ــ أنا لا أعني الجانب الماديّ ، أنا أعنيك أنت ، أنت نفسك ، إني لأظنك غير
    قادر على أن تكون رجلاً مع المرأة ، أقصد كيف " ستنام معها " وأنت بهذا
    الوضع؟!؟! .. ثم كيف ستساعدها وتُساعدك ؟ ... لا .. لا أنت غير صالح
    خصوصاً من هذه الناحية ، لذا ليس لك عندنا نصيب ، ربنا يحنّن عليك
    ويسهّل لك ! .
    خرجتُ من عنده وأنا مُتمالك لنفس الجريحة المطعونة ... لم أبك ... لم
    أنهار ... ولم تدُر بي الأرض ... لكني ضحكتُ ... ضحكتُ ... وضحكتُ ...
    حتى غطّت دموع ضحكي الآفااااااق

    *********************

    أين يختفي المسحراتي؟


    كان السؤال يلح عليّ دائما عندما يحل شهر الصيام ؟..من أين يأتي المسحراتي، وأين يختفي باقي العام؟.. يختفي كالحلوى التي تصنعها أمي في هذا الشهر..يختفي كالفوانيس والأحلام ورائحة الهواء المندى المنعشة..
    أتذكر ذلك اليوم جيدا..كنت قد بلغت العاشرة، وضقت بتساؤلاتي التي ظلت حبيسة بداخلي أيام وشهور..بعدما صلينا العشاء والتراويح..أطلقت السؤال في وجه أبي:
    - "أبي لماذا لا يظهر المسحراتي سوى في رمضان؟"
    - "ليوقظ الناس للسحور طبعا!!"
    - "وأين يختفي باقي العام؟"
    ضحك أبي، ومسح على رأسي قائلا:
    - "الشيخ حسن..إن لديه عملا آخر لكنه يحب أن يفعل هذا كل عام..الليلة نوقفه وأجعلك تحادثه لو أردت.."
    بالطبع،عندما حل وقت السحور ،كان أبي قد نسى كل شيء عن الأمر، لكنني لم أنس، وبمجرد أن سمعت دقات الطبلة في الخارج حتى فتحت عيني، واستويت جالسا على الفراش..لم أكن قد نمت إذ كنت أنتظر بلهفة هذا اللقاء مع ذلك الكائن الخرافي القادم من وراء الحجب..
    نزلت بسرعة من سريري، وهرعت إلى أبي أناديه:
    - "الشيخ حسن..الشيخ حسن وصل.."
    كان أبي قد استيقظ لتوه؛ فنظر إلي دون وعي قائلا:
    - - "الشيخ حسن من يا ولد؟"
    نظرت إليه في إحباط وأنا أرد:
    - "المسحراتي، لقد قلت انك ستجعلني أكلمه.."
    فرك أبي عينيه، وجرني في تثاقل من يدي متجها إلى النافذة..تسلقت مقعدا، ووقفت بجواره.. كنا نسكن الطابق الأرضي؛ فبمجرد أن تنظر من النافذة حتى تشعر أنك في قلب الشارع..
    قلبي يدق في عنف بقرع أشد من طبل المسحراتي ذاته..وبرز الرجل قادما من بداية الشارع كطيف خيالي يشع نورا غريبا..كان كل شيء فيه أبيض؛ جلبابه، شعره، ولحيته..
    انتظرت أن يناديه أبي لكنه وجم للحظات قبل أن يقول:
    - "هذا ليس الشيخ حسن؟"
    - "ومن هو إذن.."
    لم يرد أبي وفي تلك اللحظة، مر الرجل أمامنا، وألقى السلام فرده أبي في خفوت..تعلقت بذراع أبي وأخذت أهزها:
    - "والنبي..أسأله، والنبي.."
    استجاب أبي لإلحاحي وناداه..والتفت إلينا، للحظة خيل إلي أن المساحة المظلمة أمامنا أضاءت لكنني لم أعر الأمر اهتماما وقتها..سأله أبي عن من يكون فأجاب الرجل في هدوء وابتسامة شفافة تنساب على وجهه:
    - "عبد الله.."
    ثم استدار مختفيا في الفم المظلم للشارع.ظل أبي محدقا في الظلام للحظات ثم هز رأسه وجذبني للداخل وأغلق النافذة:
    - "لم تسأله يا أبي أن يختفي بعد انتهاء رمضان؟"
    بدا على وجهه الضجر من إلحاحي اللامتناهي ، وأشاح بيده قائلا:
    - "يذهب إلى بيته، إلى عمله ..هل فهمت؟"
    وتركني واقفا في مكاني، محاطا بعلامات استفهام لم يستطع هو أن يبددها..

    وفي الليلة التالية ما إن سمعت الدقات حتى اتجهت أنا إلى النافذة، وفتحتها، ووقفت انتظر ظهور الرجل، وما إن لمحته يقترب حتى أشرت له بيدي قائلا:
    - "انتظر، أريد أن أسألك سؤالا..:
    تباطأت خطواته أمام نافذتي، ورفع إليّ عينين صافيتين متسائلتين:
    - "أين تذهب بعدما ينتهي رمضان؟"
    ولم يرد..فقط ابتسم ابتسامة غامضة، وواصل طريقه..ودون وعي مني بجنون ما أفعله، وجدت نفسي أقفز من النافذة لأتبعه ولأعرف أين سيذهب بعد انقضاء هذه الليلة..
    نسيت كل شيء عن أبي وأمي وأخوتي وسرت وراءه كالمسحور..
    كانت ركبتي قد جرحت من السقطة العنيفة على الأرض، لكنني لم أكترث للألم واخترقت من خلفه ضباب الشارع الخاوي..هل كان يحس بي؟..أتراه شعر بخطواتي الواهنة المرتعشة من وراءه أم أن صوت الدقات طغى على كل صوت آخر..أم تراه أحس بي وتجاهل وجودي عامدا..لم أعرف..
    مر في شوارع كثيرة وأنا وراءه كأنني مشدود إليه بخيط سحري، وبدأ يبتعد عن بيتنا أكثر فأكثر، وبدأت أنا أشعر بالخزف يهز قلبي الصغير ووحشة غريبة لم افهمها تتخلل حواسي.
    رأيت كلبا يتشمم الهواء قريبا مني فأجفلت، وبدأت أشم رائحة الخوف التي لا أستطيع تفسيرها تخترق أنفي، لكن الكلب تجاهلني تماما..إن الليل ليله، ملكه وأنا الكائن الدخيل، أنا وذلك الرجل ذو الدقات..
    توغلنا بعيدا وتوغل الليل..كدت أبكي من الوهن والخوف، وهممت بأن أجري إلى الرجل، أتعلق بثوبه وارجوه أن يعود بي إلى البيت ، لكنه توقف فجأة.. اختفت الطبلة من بيده؛ كأنها لم تكن، وذاب بياض عباءته ولحيته وشعره في كتلة واحدة من نور أبيض أغشي عيني الصغيرتين..أغمضتها على الفور.. وانهرت على ركبتي أرتعش من البكاء..شعرت بالضياء يحيط بي، يمتصني ، أنني أصير جزءا منه، أنني ارتفع معه بعيدا عن الأرض نحو السماء؛ السماء البعيد ة، لم يعد لي وجود مادي، صرت طاقة صافية ، لا تشعر بخوف أو ألم..ثم ذاب كل شيء أما عيني في البياض..
    عندما أفقت وجدت نفسي راقدا في الفراش..الغريب أنني لم أكن أشعر بخوف أو فرغ...كنت أشعر أنني ما زلت هناك، طائرا على جناح النور المخملي..ولم أخبر أحدا قط بما حدث..
    والآن وبعد مرور كل تلك الأعوام لازلت لا أعرف إن ما حدث حقيقيا أم لا..لكنني ما عرفته حقا هو أين يختفي المسحراتي باقي العام..إنه في أرواحنا!!!

    *************************
    كل التوفيق نتمناه لكم ورمضان كريم

  2. #2
    قاص
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    الدولة
    العقبة / الأردن
    المشاركات
    318
    أين يختفي المسحراتي

    هشام
    14.:00 بتوقيت البحر 07/9/2009
    - أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
    - وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا
    مجنون ليلى

  3. #3
    السلام عليكم
    تم التصويت وبالتوفيق
    ملدا

  4. #4
    تم التصويت الآن
    وتمنياتى للجميع بالفوز
    ولهم محبتى فى الله
    اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ ،صلاة
    ً كما هى فى عِلمِِك المكنون،عددَ ما كان وعددَمايكون،وعددَ
    ما سيكون،وعددَالحركات والسكون،وجازنى عنها أجرًا غيرَ
    ممنون
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها
    عبدالوهاب موسى(بيرم المصرى)
    شاعر وناقد وكاتب وباحث

    http://i459.photobucket.com/albums/q...5/890cd7b8.gif

  5. #5
    السلام عليكم
    تم التصويت وفقكم الله
    اديبه

  6. #6
    بالتوفيق يارب
    ورمضان كريم

  7. #7
    صاحب الصيد
    فيها معاني رمضان
    ونوره

  8. #8
    Senior Member
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    الاردن
    المشاركات
    172
    تم التصويت بحمد الله
    ايهاب هديب
    طائر السماء المقعد

  9. #9
    مشرفة قسم اللغة الغربية
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    المشاركات
    882
    حضرت للتصويت
    اتمنى للجميع التوفيق
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



    اللهم أعنا على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك

  10. #10
    نتمنى لكم كل النجاح
    أسامه

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مسابقة الفرسان الكبرى للقصة
    بواسطة ادارة المنتدى في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 06-09-2012, 06:33 PM
  2. نصوص مسابقة الفرسان للنقد/2009/1430
    بواسطة ادارة المنتدى في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 09-15-2009, 02:10 PM
  3. نصوص مسابقة الفرسان للشعر/2009/1430
    بواسطة ادارة المنتدى في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 09-15-2009, 01:48 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •