لقاء في بيروت مع الشاعر الحضرمي علي احمد باكثير

حديث اجراه
ابراهيم عبده الخوري
مجلة الجمهور 25/7/1968م
بيروت


- الجأ الى الاسطورة والتاريخ لاعالج من خلاله مشاكل عصرنا الحاضر .
- لااؤمن بالفصل بين العاطفة والعقل حين نتحدث عن الاعمال الادبية.
- الشعر الحر سيستمر وجوده لانه يؤدي حاجة الى الانطلاق الشعريغير المحدود لايؤديها غيره.
- في التاريخ العربي الاسلامي مواقف عظيمة سيعيها الجيل الحاضر حين تصور في صورة درامية مؤثرة .


في حضرموت برز شعراء امدوا الخزانة الفكرية العربية بنتاجات متنوعة الابواب وفي مقدمتهم الشاعر علي احمد باكثير الذي يعيش حاليا في القاهرة . وقال الشاعر وهو يافع في حضرموت ومازال يغوص في بحوره حتى وضع قصائد عديدة في الوطنيات والعاطفيات لم يضمها ديوان حتى الان . وبعدما لمع نجمه في دولة القريض , انغمس في الفن المسرحي فكتب اول مسرحية شعرية في الحجاز تحت عنوان (همام) ونشرها بالقاهرة عام 1934م . ثم شرع يقذف بالمسرحية تلو الاخرى حتى بلغ عدد مسرحياته ستين مسرحية نشرت معظمها ومثلت في مصر , ومن بينها سر الحاكم بامر الله – مسمار جحا – سر شهرزاد – قطط وفئران – حبل الغسيل – مضحك الخليفة – فاوست الجديد – مأساة اوديب – هاروت وماروت , وقد ركز مسرحياته على مواضيع عميقة المعاني وانغمس الاستاذ باكثير في الفن الروائي , فعالج الرواية بتؤده , فوضع خمس روايات هي (سلامة القس) , (وا اسلاماه) , (ليلة النهر) , (الثائر الاحمر) , (سيرة شجاع) . كما وضع ملحمة نثرية عن عمر بن الخطاب في 19 جزء .
واثناء زيارته الاخيرة الى بيروت كان لي لقاء مع الشاعر الحضرمي في منزل المجاهد العربي الاستاذ محمد علي الطاهر وكان لقاء ادبيا ناعما .

س/ اعتنيت كثيرا بالمسرحية , ونلاحظ ان بعض مسرحياتك مأخوذة من باطن التاريخ العربي الغابر , فهل من سبب ؟

لان في التاريخ العربي الاسلامي مواقف عظيمة رائعة ينبغي ان يعيها الجيل العربي الحاضر حين تصور في صورة درامية مؤثرة . وشكسبير كتب الكثير من المسرحيات التاريخية التي استلم فيها تاريخ بلاده . والمعروف ان التاريخ يربط حاضر الامة بماضيها . ولا حياة لامة مبتورة الصلة بماضيها .

س/ ونلاحظ ايضا ان للاسطورة دورا في اعمالك ؟

هذه حقيقة واقعة . والاسطورة عندي اهم من التاريخ , لانها اقدم من التاريخ واشد امتلاء بالتراث القومي والشعبي من التاريخ . ولهذا الجأ الى الاسطورة كثيرا لاعالج من خلالها مشاكل عصرنا الحاضر .

س/ اية مشاكل تعني ؟

مشكلة السلام وعصر الفضاء في (هاروت وماروت) ومشكلة الطموح الانساني والقلق النفسي لدى الانسان المعاصر في (فاوست الجديده) , ومشكلة القضاء والقدر من وجهة النظر الاسلامية في (مأساة اوديب) .

س/ معنى كلامك هنا ان الانسان العربي يشارك العالم في قلقه النفسي ؟

هذه القضية . انا لااؤمن بالفصل بين العاطفة والعقل حين نتحدث عن الاعمال الادبية . فالعمل الادبي بالضرورة مزيج منهما معا , ولا يستطيع الاديب ذاته ان يتحكم في مقدار العاطفة او العقل في ادبه .

س/ من المؤسف استاذ باكثير ان معظم الاعمال الشعرية التي قيلت في قضية فلسطين قد ارتكزت على العاطفة !!

من الطبيعي جدا ان ترتكز هذه الاعمال الشعرية على العاطفة , لان أولئك الشعراء يصفون الجراح الغائرة التي في قلوبهم . ولا مكان حينئذ للعقل الا في جانب قليل . والرسالة التي يحملها أولئك الشعراء الى العربية هي ان يعمقوا احساس الامة بالمأساة , ويذكروها بانها قضية حياة او موت , قضية مصير , ولا يطلب منهم ان يحللوا ابعاد القضية واسبابها وكيف السبيل الى حلها .

س/ من الذي عليه ان يستند الى العقل والمنطق دون العاطفة ؟

المفكرون والكتاب السياسيون هم الذين عليهم ان يلتزموا العقل والمنطق فيما يكتبون عن هذه القضية وغيرها . ولكل طائفة مجالها وواجبها .

س/ يقال انك اول من كتب الشعر الحر , ثم انقطعت عنه فلماذا ؟

كتبت باديء ذي بدء في المجال المسرحي , وكتبت ترجمة لـ (روميو و جوليت) بالشعر الحر , ثم الفت مسرحية (اخناتون ونفرتيتي) ومسرحية (الوطن الاكبر) , وكان ذلك بين عامي 1936 و 1941م , وانقطعت عن الشعر حين صرت اكتب مسرحياتي النثرية .

س/ هل ترى ان الشعر الحر الذي طغى موجته على العالم العربي سيستمر وجوده ام سيضمحل ؟

اعتقد ان هذا الضرب من الشعر سيستمر وجوده لانه يؤدي حاجة الى الانطلاق الشعري غير المحدود لايؤديها غيره . ومادمت انا مؤمن بالحاجة الى وجوده فلاشك انني مؤمن بان وجوده سيستمر جنبا الى جنب مع الشعر الكلاسيكي .

س/ ولكن هناك معركة بين انصار الشعر الكلاسيكي وانصار الشعر الحر !!

هذه المعركة طبيعية لانها تقوم دائما بين كل جديد وكل قديم , وانا ارى ان هذه المعركة لن تسفر عن انتصار احد الفريقين على الآخر , لانهما يتعاركان في ميدانين مختلفين , لكل منهما ميدان وحتما ستنتهي هذه المعركة ويعيش النوعان من الشعر جنبا الى جنب في تعاون وسلام .

س/ يقال ان الشعر الحر مقتبس عن الغرب ؟

هذا صحيح لانه حدث لي انا نفسي , فلولا اطلاعي على الشعر المرسل عند شكسبير وغيره لما خطر لي ان اقوم بهذه التجربة في الشعر العربي ولكن ليس معنى ذلك انه تقليد اعمى للشعر الغربي دون حاجة حقيقية اليه في شعرنا العربي .

س/ وباعتباره شعرا جديدا, فهل هو مؤهل لان يعبر عن خلجات الامة العربية في المستقبل ؟

نعم لا اشك انه مؤهل لهذا الغرض في المستقبل , بل ان ما كتب منه قد استطاع ان يثبت وجوده في قدرته على التعبير عن تلك الخلجات .

وأردت ان احرج الشاعر علي احمد باكثير فقلت له:

س/ منذ مدة وانت منقطع عن قرض الشعر , فهل هذا من باب الكسل , ام ان المعين قد جف ؟

فقال ضاحكا :

انا اعترف لك بان ينابيع الشعر الفياضة قد جفت عندي ولم تعد كما كانت في عهد الشباب , وذلك عندي امر طبيعي لان الشعر في رأي هو لغة الشباب الاولى . ومعظم الشعراء العالميين اما ماتوا وهم شبان مثل كيتس وشيلي , او قالوا احسن شعرهم وهم شبان مثل وردزورث , وخاصة اذا كان للشاعر وهو يودع عهد الشباب وسيلة اخرى للتعبير عن نفسه غير الشعر , مثل القصة والمسرحية , اذ يكون هذا النوع الاخير من التعبير اوفق لمزاجه واقدر على استيعاب المجالات التي اتسعت امامه كلما نضج ذهنه وترامت آفاق رؤيته .
ملتقى حضرموت العربي