منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1

    في الاحتفالية المئوية لولادته: رسـائل «أبو القاسم الشابي»..

    في الاحتفالية المئوية لولادته: رسـائل «أبو القاسم الشابي»..
    بين السـيرة الذاتيـة والبـوح والاعتـرافتعد رسائل الأدباء من الأعمال المهمة في الأدب العالمي، لجمعها بين المتعة وبين الجدة والفائدة، ولمزجها بين السيرة الذاتية والاعترافات وبين التأريخ الأدبي، فهي وثائق وتحف أدبية وكتابات إنسانية صريحة متحررة من كل رقابة، ومن كل مجاملة أو تملق للمجتمع والناس، لأنها لم تكتب للنشر، بل للإفضاء والبوح والاعتراف، لذا احتوت رسائل الأدباء الكثير من الأسرار والمعلومات الخاصة والعامة، حول علاقات وطرق إبداعهم ومعاناتهم الحياتية والمهنية.
    ألقت رسائل الشاعر التونسي «أبو القاسم الشابي» أضواء جديدة على شخصيته، وعلى محنته، وعلى معاناته المرضية، والعائلية والأدبية، وخاصة إخفاقه في نشر ديوانه، الذي لم يقدر له النشر إلا بعد واحد وعشرين عاماً من وفاته، وما سببته هذه المعاناة المرضية والعائلية والأدبية من آلام، عذبت روحه وجسده حتى رحل وهو لم يزل شاباً في الخامسة والعشرين من عمره، في التاسع من تشرين الأول عام 1934، وفي أوج عطائه الأدبي والفكري.
    يضم كتاب «رسائل الشابي» 34 رسالة، كتبها لصديقيه الأديبين التونسيين، محمد الحليوي ومحمد البشروس، مع 40 رسالة جوابية من الحليوي الى الشابي، و20 رسالة أخرى من البشروس، وصدر الكتاب بكلمة الأديب التونسي أبو القاسم كرّو، الذي خصص جهوده لإحياء تراث الشابي ودراسته، بعنوان «مكتبة الشابي»، بالإضافة الى كتبه ودراساته المتعددة عن الشابي وشعره وأدبه.
    وقد أعد الرسائل محمد الحليوي، وقدمها بمقدمة شرح فيها ظروف حصوله على الرسائل من شقيق الشاعر الراحل الأمين الشابي غداة وفاته وأرجع أسباب تأخير نشرها، لأنها «رسائل شخصية تتناول مشاعر صديقين، يتحدثان بكل حرية في مسائل أدبية وعن أشخاص مختلفين عن الوسط الذي كانا يعيشان فيه...»، وأنها «لم تكتب ليطلع عليها الناس أو ليغذي بها حبهم للفضول ومعرفة دخيلة الأدباء..»، و «أن هذه الرسائل تمثل عهد الشباب بما فيه من حماس وعفوية وتطرف وعواطف تلقائية نحو بعض الأشخاص والمذاهب والمشروعات».
    تبدأ أولى رسائل الشابي في 7 تموز عام 1926، وتنتهي آخر رسائله المؤرخة في 12 آب عام 1934، قبيل وفاته بشهرين، وهي أهم السنوات في حياة وإبداع الشاعر الراحل، ويذكر الحليوي أن الشابي كان يؤرخ رسائله في الغالب بالتاريخ الهجري، عدا رسائله الأخيرة، التي استعمل فيها التاريخ الميلادي، أو جمع فيها بين التاريخين، الهجري والميلادي، وأوضح الحليوي أن الشابي كان يستهل رسائله بعبارة «الحمد لله» أو «حمداً وصلاة وسلاماً»، وهذا يدلنا على تمسك الشابي بإسلامه وبتراثه وبعروبته، فقد كان والده، الشيخ محمد بلقاسم الشابي، من تلاميذ الأفغاني ومحمد عبده وقد تأثر به الشابي، وأهدى إليه كتابه الأول والوحيد، الصادر في حياته القصيرة: «الخيال الشعري عند العرب».
    وتصوّر الرسائل بداية محنة الشابي وحساسيته الشديدة، وتمزّقه بين متابعة طبع وتصحيح كتابه الأول، «الخيال الشعري عند العرب»، وبين صدمته في مرض والده، فيكتب لصديقه الحليوي في رسالته الثالثة، المؤرخة في 25 صفر عام 1348 هـ الموافق لشهر آب عام 1929م، متشائماً محبطاً: لقد ضقت ذرعاً بالحياة يا صاحبي ولا أخالني، إن ظلت الحياة على ما هي عليه اليوم إلا ذاهباً الى القبر، أو في سبيل الجنون..»! ويضيف: «لو رأيت يا أخي منظر إخوتي الصغار، حينما يلتئمون حلقة واحدة، ويهتفون بصوت واحد وبقلوب مخلصة: ربنا أشف أبانا، لعلمت كيف تجيش النفس وتطغى العواطف وتسيل الدموع، ولأدركت أن الإنسانية البريئة الطاهرة، إنما هي في أطفال البشر»، أصابه مرض والده بالاكتئاب، وحل بينه وبين متابعة أول كتبه.. حتى ليصف نفسه «بالبائس القريح»، ويطلب من صديقه متابعة جمع الاشتراكات من أصدقائه، في كتابه «الحقير»، على حد تعبيره، قائلاً: إنني أشكرك يا صديقي على ما تبذل من جهد في تشريك معارفك في كتابي الحقير، وأعترف بأنني لا أستطيع أن أفيك حقك من الشكر والمنة، وعندما يتم الكتاب، وذلك قريب، فإنني أوجه لك النسخ المطلوبة، أما المقتطع والمال فدعهما معك، اذ ليس في استطاعتي الآن وأنا البائس القريح، أن أشتغل بالماديات وما لفّ لفها، فلتترك المقتطع معك ولتشرك من تشرك في القيروان أو سوسة، ولنا بعد هاته الأيام في ذلك حديث».
    غير أنه ينتعش بأخبار إصدار المجلة الأدبية الجديدة: «العالم العربي»، لتنشر شعره وأدب أصدقائه.. فيكتب في رسالته السادسة، المؤرخة 15 كانون الأول 1929، حاثاً صديقه على إرسال كتاباته، مؤكداً أن المجلة حقيقة وليست خيالاً كالمحاولات السابقة، وأنه رأى وحضر تجاربها، وعندما تصدر المجلة، يطالب الشابي شباب تونس بالكتابة والإبداع، وعدم التعلل بمتاعب الحياة: فالكتابة هي العمل الضروري لتقدم تونس، فيقول له: «فلتكتب ولتعمل ولتطرد عنك خواطر الراحة والسكون، فإن شعبك في حاجة إليك، وليس لك شيء من العذر في أن تسكن ولا تعمل، فإنني لأجدر منك بالعذر وأنا بين دروس قانونية متوافرة تكدّ الذهن وتقتل الوجدان، ومطالعات في القانون أكثر تفثية للنفس، وإركاداً للعاطفة، وإخماداً للتفكير من أي شيء في هذه الدنيا».
    وفي رسالته العاشرة، تشرين الأول عام 1930، يعاوده اليأس بعد إصابته بمرض القلب، الذي يجبره على قطع صلته بالقراءة والكتابة، بناء على أوامر الطبيب الذي نصحه بالسفر وبتغيير الجو أيضاً: «إن قلبي يا صديقي هو مصدر آلام هاته النفس المعذبة وهذا الجسد المنهوك».
    ولكنه في رسالته الثانية عشرة نيسان عام 1932، ويطالب صديقه بالاستمرار في الكتابة، ويعتبر توقفه عن الكتابة انتحاراً، مهما كانت المحبطات ! ويقول له هذا، مع أنه لا يجد الجمال والعطف والحب إلا في الطبيعة، ولا يجده «في قلوب البشر الذين مللتهم ومللت أحلامهم الصغيرة وأحاديثهم الصغيرة وضحكاتهم التافهة، وإن كانت مخضوبة بالدموع»، ولكنه يصرّ على مواصلة النضال بالأدب: «وإنما أصارحك في موقف حاسم في تكوين الأدب الفرنسي الحيّ الجدير بالخلود، وفي تحطيم هاته الأصنام الخشبية، التي تحتل مكاناً من الأدب، يجب أن يحتله الأحياء الذين يعرفون كيف ينفخون في الشعب روح الحياة، والذين يعرفون كيف يعلمونه محبة الحق والقوة والجمال».
    ويمضي الشابي في الرسالة نفسها معبراً عن ثورتها العارمة ضد المرجعية التونسية: إن هاته الثورة التي تعصف في جوانب صدري، لا تهدأ أجنحتها، ولا يسكت هديرها، ولا يخمد طغيانها العارم المربد، وان المعاني لتزدحم وتتصارع في رأسي بصورة مرعبة، وأنني لعاجز عن أن أصور إليك الآن ما يصطفق في قلبي الآن من ثورة وسخط وغضب وحيرة وشك في المستقبل، وآلام لحظ تونس المنكوس»، ومع ذلك فإنه يحث صديقه على مواصلة الكتابة ويضيف: «أما أنا فإنني حين أفكر في هذا، يسودّ الفضاء المنير أمامي وتتضايق حولي رقعة هذا الوجود، لنتحمل يا صديقي كل شيء في سبيل النهوض بتونس وآدابها».
    ويعاوده المرض، فيدخل المستشفى، ويكتب الى صديقه الحليوي، كي يؤجر له منزلاً وخادماً وعجوزاً، يغسل له ثيابه، ويطبخ له طعامه البسيط، ويعرض عليه صديقه استضافته في منزله، فيستجيب للدعوة، غير أنه لا يتمكن من السفر، لأن نوبات المرض أخذت تلاحقه وتهدده، فيكتب الى صديقه في رسالته الثانية والعشرين، «22 شباط عام 1933»: «إنه لا يحزنني شيء في هذه الدنيا أكثر مما يحزنني التفكير في أنني أموت، قبل أن أؤدي رسالة الدنيا في هذا العالم..».
    ومن أجل هذا يلبي دعوة الشاعر المصري الكبير أبي شادي، ويبعث بقصائده الى مجلته «أبولو»، ويشيد بها، لأن جماعتها «أقل فرعونية وأدمث أخلاقاً من جماعة «السياسة».. (يقصد جريدة «السياسة» المصرية، جريدة حزب «الأحرار الدستوريين»، التي ترأس تحريرها الدكتور محمد حسين هيكل)، كما يحيي الشابي في رسالته صدور مجلة «الرسالة» المصرية.. وفي هذه الرسالة أيضاً يعترف الشابي بعجزه عن تلبية دعوة أبي شادي له، لكتابة دراسات في الأدب الفرنسي.. وقد آلمه أنه لا يعرف اللغة الفرنسية، قائلاً: «وإنه ليحز في قلبي، يا صديقي، ويدمي نفسي أن أعلم أنني عاجز، عاجز، عاجز، وأنني لا أستطيع أن أطير في عالم الأدب إلا بجناح واحد منتوف» (؟!).
    وتبدأ أزمة ديوانه في الظهور بسطور الرسالة الثامنة والعشرين المؤرخة في 8 شباط 1933 فيشكو من عناد القدر في تلك السنة بضياع ديوانه الشعري رغم ارساله لصديقه «بالبريد المضمون»، بينما هو يوزع اشتراكاته استعداداً لطبعه فيقول في رسالته: «فقد أصبحت لكثرة ما لقيت من عناد الأيام اعتقد ان كل ما يصدر عني أو يرد اليَّ مقضي عليه بالضياع وإلا فهل أغرب من ضياع الديوان، ثم ضياعه في هاته المدة التي أوزع فيها اشتراكاته؟! أسأل الله ألا يضيع وإلا فقد ضاع من حياتي جانبها الحي الذي احب».
    وتتفاقم أزمة مرضه وتنعكس في رسائله الأخيرة، ولكنه يقاوم كي ينجز نسخ ديوانه ليطبعه في مصر فرغم «خمول الحياة السائمة وملل الصحة الواهية وحرارة الجو التي لا تزيد إلا فساداً هنا عمل واحد أقوم به مساء كل يوم، ذلك العمل هو نسخ الديوان بصورة واضحة لأقدمه الى الطبع في مصر!»، ولكن عملية جمع الاشتراكات مقدماً لتغطية تكاليف طبع الكتاب لا تفي بالمبلغ المطلوب فيتمنى الشابي لو لم يجمع الاشتراكات من الأصدقاء القلائل الذين استجابوا لدعوته ويشعر بنفسه في مأزق لعدم كفاية الاشتراكات لذا يصمم على التضحية بماله وبصحته من أجل طبع الديوان: «وإنني الآن يا صديقي أضحي في سبيل ذلك ما لا أستطيع وما لو انفقته على صحتي لعاد عليّ ببعض الفائدة أجل سأضحي بذلك أيضاً بعد أن ضحيت بالصحة ضحيت من قبل بمتع الشباب وراحة العقل وهدوء الأعصاب وبذلك تكتمل التضحية ويتم ثالوثها الأقدس المخضب بالدماء».
    غير أن الشابي في ايامه الاخيرة زهد في كل شيء وأقبل على الراحة المطلقة، ومع أنه كان يمقت هذا النوع من الحياة المريحة «رغم هذا كله فقد كان يفكر في طبع ديوانه تفكيراً جدياً، وأراد جمع ما وقع ترويجه من الاشتراكات، وكان يعاني الأمرين وعلى صدره الثلج، كما أمر الطبيب، ولم يلبث أن لفظ أنفاسه الأخيرة في الساعة الرابعة من صباح اليوم التاسع من تشرين الأول سنة 1934 في المستشفى الإيطالي في تونس، كما حتم قدره (؟!) رحم الله الشابي صاحب الكلمات الخالدة المؤمنة بقدرات الشعب:
    اذا الشعب يوماً أراد الحياة
    فلا بد أن يستجيب القدر
    ولا بد لليل أن ينجلي
    ولا بد للقيد أن ينكسر
    عصام عز الدين

  2. #2
    يبدو انني تاخرت في زيارة الموضوع
    شكرا لك ملدا
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. جائزة أبو القاسم الشابي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الأدبي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-05-2011, 06:37 PM
  2. شاعر تونس الخالد ابو القاسم الشابى
    بواسطة السيد الحسيسى في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-04-2010, 08:08 AM
  3. جائزة أبو القاسم الشابي للبنك التونسي / للرواية
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى فرسان الأدبي العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05-21-2010, 12:29 PM
  4. جائزة أبو القاسم الشابي
    بواسطة فيصل الزوايدي في المنتدى فرسان الأدبي العام
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 09-03-2009, 12:37 AM
  5. أبو القاسم الشابي راهب من الجهـات الدافئة
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-17-2007, 08:08 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •