منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 30
  1. #1

    قضية فلسطين من جديد

    قضية فلسطين .. من جديد

    بمناسبة مرور ستون عاما على احتلال فلسطين وإنشاء الكيان الصهيوني على أرضها والتي تشكل قلب الوطن العربي حيث تربط شرق الوطن العربي بغربه، وشماله بجنوبه. وسنسهم مساهمة بسيطة في هذه المناسبة، خصوصا أنه ظهر هناك أصوات تشكك بعروبة فلسطين وهي نفس الأصوات التي مرنت نفسها وجاهرت بقبول فكرة التنازل عن عكا وحيفا والأراضي التي أغتصبت عام 1948، وستكون مساهمتنا لتوكيد المعلومات التي تخص القضية الفلسطينية، جغرافيا وتاريخيا وسياسيا، وسنعرج على التغيير الذي طرأ على واقع تلك القضية خلال ستة عقود.

    تمهيد جغرافي

    تقع فلسطين في الجزء الآسيوي من الوطن العربي الكبير، على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، يحدها من الشرق الأردن (قطرا ونهرا) ومن الجنوب سيناء(مصر) وخليج العقبة (البحر الأحمر) وشمالا جبل الشيخ وهضبة الجولان (سوريا ولبنان). وتبلغ مساحة فلسطين 26320كم2 وتقسم من الناحية الجغرافية الى:

    1ـ السهل الساحلي الذي يتكون من جيب سهلي يقع بين الناقورة وحيفا (شمالا) ويمتد الى رفح، ويعرف بسهل (عكا) ومن مدنه الرئيسة غزة و يافا وعكا.

    2ـ سلسلة الجبال الوسطى وتشكل حوالي ثلثي عرض فلسطين، وتضم جبال الجليل والسامرة، مع جبل الكرمل و جبال القدس والخليل، وتضم هذه المنطقة أماكن لها قدسيتها لدى المسلمين والمسيحيين واليهود، ومنها القدس والخليل وبيت لحم والناصرة وصفد ونابلس. والى الغرب من تلك المنطقة تقع تلال تربط بين الجبال والسهل الساحلي. ويفصل مرتفعات الجليل عن جبال السامرة سهل مرج ابن عامر الذي يقع على وجه التقريب بين ضواحي حيفا والناصرة وجنين وهناك امتداد شرقي جنوبي يمتد الى (بيسان) يعرف باسم وادي (عين جالوت).

    3ـ منطقة منخفض الأردن وتشمل غور الأردن والبحر الميت ووادي عربة. ويخترقها نهر الأردن من بحيرة الحولة ثم بحيرة طبرية التي تنخفض نحو 200 متر عن سطح البحر حتى يصل الى البحر الميت الذي ينخفض حوالي 400 متر ويعد وادي عربة جزءا من انخفاض الأردن أو غوره. ومن أشهر مدن هذه المنطقة (بيسان وأريحا).

    4ـ المنطقة التي يطلق عليها (صحراء النقب) أو منطقة بئر السبع، وهي هضبة ترتفع بين 300 و600 مترا عن سطح البحر وهي تشكل حوالي نصف مساحة فلسطين، بهيئة مثلث رأسه عند خليج (العقبة) أو (أم الرشراش) [إيلات]. وكانت على مر التاريخ معبرا بين مصر وآسيا.

    تمهيد تاريخي

    للأهمية الجغرافية لفلسطين، فقد كانت على مر التاريخ منطقة تنافس وحروب وقبلة للهجرة. ففي عام 3500 ق م خرجت من الجزيرة العربية وبالتعاقب موجات بشرية ـ أطلق عليها البعض الموجات السامية ـ انتشرت ثم استقرت في هذه المناطق، ومنهم الأكديون والآشوريون والعمونيون والمؤابيون والأموريون.

    وفي حدود عام 2500 ق م نزحت من جزيرة العرب أيضا، قبائل عربية أخرى، لكنها استقرت في فلسطين وعرفوا ب (الكنعانيين) وقد ظلت لهم السيادة حوالي 1500 سنة، وكانوا أصحاب حضارة، انتقلت حضارتهم حتى وصلت الى شواطئ المحيط الأطلسي وأوروبا. وقد أخذت فلسطين اسم أرض كنعان نسبة لهم.

    في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وصل ابراهيم عليه السلام الى فلسطين، ونزح أولاده الى مصر بحوالي عام 1656 ق م بسبب القحط والمجاعة، وهناك من يرجع أسباب النزوح الى غزو القبائل الهمجية (الهكسوس) لمصر. وبعد أن عادت قوة الفراعنة طردوا الهكسوس ومن جاء معهم من أبناء يعقوب، وكان هؤلاء تحت قيادة موسى عليه السلام في حدود عام 1290 ق م. في عهد فرعون مصر (منفتاح بن رمسيس).

    ولن نخوض في أسباب غزو هؤلاء الذين تاهوا في سيناء قرابة 40 عاما، ولكن حركتهم التي قادها (يوشع بن نون) على رأس 6000 مقاتل حسب رأي بعض الروايات*1، وكانت مدينة أريحا أول المدن التي وقعت ضحية هذا الغزو والذي اتخذ شكل المجزرة الرهيبة عام 1187 ق م . ثم امتد الى باقي المدن الكنعانية.

    عهد القضاة والملوك

    بعد موت يشوع بن نون انتقل الحكم الى شيوخ قبائلهم، وعرف عهدهم هذا بعهد القضاة واستمر الى عام 1020 ق م حيث تحول الحكم الى ملكي واختاروا ملكا اسمه (شاؤول) والذي قتل في إحدى المعارك مع الفلسطينيين، فخلفه ابنه (داؤود) عام 1004 ق م واستولى على مدينة اليبوسيين (القدس) واتخذها عاصمة لمملكته التي سماها المملكة اليهودية، وبقي حتى وفاته عام 963 ق م حيث خلفه ابنه سليمان الذي بقي في الحكم حتى وفاته عام 923 ق م.

    في أواخر عهد سليمان انقسمت المملكة اليهودية الى قسمين : مملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها (السامرة) ومملكة (يهوذا) في الجنوب وعاصمتها (القدس). وقد اتتهت الأولى على يد (الملك الآشوري سرجون الثاني) عام 722 ق م والثانية أصبحت ولاية تابعة للحكم المصري عام 608 ق م. ثم انتهى عهدها على يد (نبوخذ نصر) الملك البابلي عام 586 ق م حيث دمر الهيكل وسبى اليهود ورحلهم الى بابل.

    خلاصة:

    لم يسيطر اليهود ـ حتى في حكمهم القصير لفلسطين ـ على الساحل الفلسطيني نهائيا، بل كانت ممالكهم صغيرة استمرت لقرنين أو أكثر قليلا، على أجزاء صغيرة من فلسطين.

  2. #2
    الصهيونية .. حركة وفكرا

    في البداية، نشير الى ما وصل إليه الباحث (عبد الوهاب المسيري) في أن اليهود الحاليين ليسوا أمة، ولكنهم مجتمع وظيفي تشابهت طرقهم ووسائلهم في التعامل مع المحيط الذي كانوا يعيشون فيه ـ أينما كان ـ فكان التشابه هذا هو ما جمعهم حوله حتى بدوا وكأنهم مجتمع له هويته القومية والدينية، في حين أن هذه الرؤية خاطئة وغير متوفرة لدى اليهود.

    فاليهود كأصحاب دين آمنوا بما جاء فيه رسل الله، انتقلوا من الإيمان بما جاء به هؤلاء الرسل تباعا، أي أن هناك الكثير منهم من انتقل الى المسيحية، والإسلام، ومن تبقى وهم القلة كانت صفاتهم تتلخص بما يلي:

    1ـ إنهم أينما وجدوا ينغلقون على أنفسهم (غيتو) ويتمسكون بتقاليدهم، وتبقى أفكارهم وما ينتج عنها تنسجم مع الصفة الانغلاقية، وتنتج عنهم تشكيلات وهيئات مغلقة أيضا، كالماسونية والصهيونية ومعظم الهيئات السرية في العالم بعكس باقي الأمم التي تميل الى الانفتاح والتعامل مع غيرها بوضوح.

    2ـ إنهم يقومون بأعمال، ترفع المجتمع الذي يعيشون في وسطه عن القيام بها، كالربا وبيع الخمر وبيوت الدعارة وغيرها، وهذا أتاح لهم فرصة أن يلتقوا بنماذج تحسب على علية القوم في المجتمعات التي يعيشون بينها، فقد يتسترون على موظف كبير يلتقي بعشيقة تحت مرأى اليهود، وعلمهم (فقط) أو يؤمنون مالا له أو يبتكرون له وسائل ترفيه وعربدة، لا يحب أن يطلع عليها غيرهم، ويتكتمون على أوضاع ذلك المسئول الكبير، ولا يفرطون بأي معلومة يرونها، إلا وقت الحاجة وبثمن غير قليل. هذا في كل بلدان العالم التي تواجدوا بها، وكانت معظم الدول وقادتها يعرفون عنهم تلك الخاصية، لذا كان 63% من سفراء الدول الغربية بين عامي 1870 و 1935 من اليهود، الذين يتبادلون المعلومات فيما بينهم لإضفاء صفة الجدارة على السفراء منهم.


    ما هي الصهيونية؟ ومتى نشأت؟

    الصهيونية بجوهرها فكرة ودعوة وحركة سياسية عنصرية توسعية ثيوقراطية. اعتمدت على مقولات وأهداف ظاهرها ديني وباطنها استعماري استيطاني توسعي. فقد مارست التحايل على الماضي معتبرة اليهود (أمة أو شعبا من الأعراق النقية) ولذا ادعت وجوب لم شملهم مما وصفته ب (المنفى ـ الشتات) في كل أصقاع العالم ورجوعهم الى (الأرض الموعودة)، أي الاستيلاء على فلسطين واستعمارها لإقامة (الدولة اليهودية ـ الصهيونية).

    لقد ظهر مفهوم الصهيونية في العصر الحديث، على هامش المشروع الإمبريالي الغربي والذي تحالف معها في النهاية لتكامل دوري المشروعين الصهيوني والإمبريالي. لقد كانت الأجواء التي نتجت عن الثورة الفرنسية والتي كان شعارها (الحرية والإخاء والمساواة) فاستغل اليهود ذلك أسوأ استغلال، وبالذات بعد غزو نابليون لمصر، فواجهوا القائمين على الثورة الفرنسية بما جاءت به الثور من (أنه لا يجوز الاستيلاء على ممتلكات الغير إلا بقانون يبين وجه الحق في هذا الاستيلاء) فتساءل اليهود بخبث : أليس مصر أرض (غير) فبأي حق تم الاستيلاء عليها، وهنا جاءت أجوبة القائمين على الثورة الفرنسية بأن مبادئها تخص الفرنسيين فقط ولا تشمل المصريين.. فتصاعدت أشكال تجميع اليهود وتنظيماتهم لتكون مرافقة لما كان يجري في أوروبا من تغييرات وبالذات فرنسا، وسنذكر من تلك الأشكال ما يلي:

    1ـ حركة (الهاسكالا) أي حركة التنوير

    أسسها (موسى مندلسون) يهودي ألماني، دعا فيها الى إنهاء اليهود لعزلتهم والاندماج مع الشعوب الأوروبية والغرف من معين علمها وتقنياتها، كانت حركة هذا الإصلاحي اليهودي محفزا لمن يناقض مثل تلك الأفكار .. فقام عليه كل من: (زكريا فرانكل) و (سمولنسكين) و(ماكس نوردو) و (خام رفائيل هرش) وغيرهم وهم فلاسفة متعصبين كبار، فشتموه وحرضوا اليهود عليه وعلى حركته، ودعوا الى تنظيم اليهود بما يعيق مثل تلك الدعوات.

    2ـ الحلف الإسرائيلي العالمي، ونشأ في فرنسا عام 1860 ثم تلاه (الاتحاد الإنجليزي اليهودي) عام 1871 ، والجدير بالذكر أن السباق على نيل رضا اليهود قد سبق ذلك التاريخ، ففي عام 1839 أقامت بريطانيا قنصلية لها في القدس كان جل عملها حماية الجالية اليهودية التي لم يكن عدد أفرادها أكثر من تسعة آلاف يهودي، وقد بادرت ألمانيا في إنشاء قنصلية مماثلة (في القدس) للغرض نفسه عام 1842، وهكذا حذت الدول الأوروبية الأخرى هذا الحذو، ومن هنا كان عدد السفراء اليهود في الدول الغربية يتزايد شيئا فشيئا.

    3ـ بعد وضع القيود على اليهود في (بروسيا) [ألمانيا الحالية] في تنقلاتهم وحركتهم الداخلية بإجبارهم على لبس ملابس تختلف عن ملابس الألمان وإجبارهم على دفع رسوم (تعادل 4 أضعاف ما يدفع الثور) في التنقل من مكان الى مكان، ظهرت الدعوة للتفكير بالهجرة من أوروبا الى خارجها. وبعد أن كان اليهود يقدمون خدمات (استخبارية) للدول الاستعمارية، تطورت الدعوة لإنشاء الحركة الصهيونية.. وهناك من يرجع فكرة الصهيونية الى عدد من الفلاسفة والمفكرين اليهود منهم:

    أ ـ يهودا الكلعي (1798ـ 1878)

    حاخام يوغسلافي، دعا الى تجميع اليهود وترحيلهم الى فلسطين، وإحياء لغتهم العبرية الميتة، لا بل انتهج طريقا لتدريس اللغة العبرية لكل اليهود في العالم، فطاف في بريطانيا وفرنسا وباقي الدول الغربية. وحاول إيجاد نشاط استيطاني في فلسطين لكنه أخفق، فهاجر في أواخر أيامه الى فلسطين ومات فيها.

    ب ـ زفي هيرش كاليشر (1795ـ 1874)

    حاخام الطائفة اليهودية في مدينة (تورين) الألمانية، كان متزمتا عنصريا يفوق الكلعي بتشدده، وقد دعا لاستيطان فلسطين، واتصل بأثرياء اليهود ومنهم (روتشيلد) و (مونتفيوري) لإقامة مستوطنات ليهود أوروبا الشرقية المضطهدين في فلسطين. ونشر كتابه المعروف (البحث عن صهيون) عام 1862، دعا فيه لعقد مؤتمر لوجهاء اليهود غرضه تأسيس جمعية يهودية صهيونية لتمويل عملية استيطان اليهود في فلسطين. واستجابة له تأسست في برلين عام 1864 (جمعية استعمار أرض إسرائيل) وتجاوبت الجمعية اليهودية الفرنسية فبادرت الى تأسيس أول مدرسة زراعية يهودية في فلسطين قرب يافا.

    ج ـ موشي هيس (1812ـ 1875)

    يهودي ألماني من (بون) تلقى ثقافة تلمودية، ويعد أول من ربط بين الصهيونية واليهودية. نشر في عام 1862 كتاب (روما والقدس)، بين فيه أن حل مشكلة اليهود في أوروبا تكمن في إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.

    د ـ ليون بينسكر (1821ـ 1891)

    يهودي روسي كان من دعاة الاندماج مع الأوروبيين، لكن بعد مقتل قيصر روسيا (الاسكندر الثاني) عام 1881 والتنكيل باليهود كمتهمين بقتله، انقلب على موقفه السابق وبينه في كتابه (التحرر الذاتي) عام 1882 دعا فيه لتكوين أمة لليهود وإنشاء وطن لهم سواء في فلسطين أو غيرها. وقد لاقت أفكاره رواجا واسعا.

    هـ ـ جمعية (أحباء صهيون):

    نشأت هذه الجمعية في (أوديسا ـ روسيا) عام 1881 على إثر التنكيل باليهود، وكان شعارها (الى فلسطين) .. وقد عملت على تهجير يهود من روسيا وبولندا ورومانيا الى فلسطين وإقامة مستوطنات لهم.

    و ـ آحاد هعام (1856ـ 1927)

    هو أحد أعضاء جمعية أحباء صهيون، واسمه الحقيقي (آشر غينزبيرغ) ويعرف باسمه الحركي (آحاد هعام) أي واحد من الناس. وقد تعرض بالنقد الى المطالبين بالذهاب الى فلسطين كوطن يتسع لليهود، فشكك بإمكانية استيعاب فلسطين لكل يهود العالم، فطالب بإحياء الروح اليهودية والتركيز على أن تكون فلسطين مركزا لتنظيم تلك الروحية اليهودية.

    ز ـ أليعازر بن يهودا (1857ـ 1922)

    أحد المغالين اليهود، الذي دعا الى توحيد اليهود من خلال تعليمهم كلهم العبرية وفي آن واحد حتى يكونوا على اتصال مع منظماتهم. وقد سافر الى فلسطين ولاقى مشروعه نجاحا كبيرا.

    هذه هي الأفكار التي مهدت لقيام الصهيونية

    يتبع

  3. #3
    الصهيونية فكرة سياسية

    كان المفكرون الصهاينة قد اعتنقوا في خضم أفكارهم الآراء السياسية بشكل أو بآخر. لكن سرعان ما انتقلت هذه الفكرة الى بلورة مشروع واسع لتأسيس (كيان سياسي) خاص باليهود يستند على أسس تنظيمية وأيديولوجية.

    ثيودور هرتزل ومشروع (الدولة اليهودية) :

    يُعد هرتزل (1860ـ1904) أبرز اليهود الصهيونيين الذين ساهموا في وضع اللبنات الأولى لهذا المشروع وقدموا خدمة واسعة لنصرة الفكرة الصهيونية ثم تحويلها الى حركة سياسية. ولد (هرتزل) في بودابست/المجر لأبوين يهوديين موسرين. وقد عمل مراسلا لإحدى الصحف النمساوية الشهيرة. ولم يكن في البداية بالدين أو حتى فكرة الصهيونية، لكن بعد تدفق اليهود الشرقيين الى أوروبا الغربية في أواخر القرن التاسع عشر، وما رافق ذلك من احتقار دفين لهم من قبل الأوروبيين، انتبه للكيفية التي يمكن بها استغلال مهارات اليهود واستثمار الخدمات الاستخبارية التي يقدمها اليهود للغرب. فوضع أفكاره تلك بكتاب (الدولة اليهودية) الذي نشره عام 1895 فأثار جدلا واهتماما بين أوساط اليهود، حول اعتبار مشكلة اليهود ليست دينية ولا اجتماعية إنما هي مسألة قومية ولا يمكن حلها إلا بدولة خاصة بهم فوق رقعة معينة.

    المؤتمر الصهيوني الأول في (بازل) آب/أغسطس 1897

    لقد اصطف اليهود الشرقيون وراء (هرتزل) في مشروعه، واعتبروه منقذا لليهود، في حين لم يكن اليهود الغربيون بنفس حماس الشرقيين. مع ذلك دعا هرتزل حوالي 200 مندوب من مختلف يهود العالم الى (بازل/سويسرا) ليعقدوا أول مؤتمر لهم بين 29 و31/8/1897.

    لقد تمخض هذا المؤتمر عن تحديد أهداف الحركة الصهيونية لما عرف ب (برنامج بازل) ثم تأسيس الأداة التنظيمية لتنفيذ هذا البرنامج وهي (المنظمة الصهيونية) برئاسة هرتزل نفسه. وتم الاتفاق على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود ضمن أسس مناسبة. إضافة الى ربط يهود العالم بمنظمات يهودية محلية في كل بلد لترتبط في النهاية بالمنظمة الصهيونية.

    مساعي هرتزل لتطبيق برنامج بازل

    في نهاية المؤتمر الصهيوني الأول صرح هرتزل قائلا: (في بازل أسست الدولة اليهودية) .. وبعدها انصب نشاطه لتقوية المنظمات اليهودية. والاتصال بالسلطان (عبد الحميد الثاني) حيث عرض عليه بتسوية ديون الدولة العثمانية ومنحها القروض مقابل السماح لليهود بالاستيطان بالأراضي الفلسطينية، وقد رحبت الحكومة العثمانية بهذا العرض، شريطة تجنس اليهود بالجنسية العثمانية وعدم استيطانهم في مكان معين يعطيهم صفة الأكثرية.

    ولما فشلت جهود هرتزل مع السلطان، حاول الاستعانة بقيصر ألمانيا (وليم الثاني) للتوسط والضغط على العثمانيين .. ثم اتصل هرتزل ب (جوزيف تشمبرلن) وزير المستعمرات البريطاني مقترحا عليه توطين اليهود في مكان قريب من فلسطين، قبرص، أو العريش، وبعد أن عارضت الحكومة المصرية هذا الاقتراح، اقترح وزير المستعمرات البريطاني على هرتزل (موزنبيق) أو (أوغندا) .

    استغل هرتزل الاضطرابات في روسيا عام 1903 وطلب مساعدة منها أن تعمل على قبول العثمانيين لهجرة يهود روسيا الى فلسطين، فتم له ذلك واعتبر موقف روسيا صيدا ثمينا.

    وفي الوقت الذي كانت فيه سيول المهاجرين تتدفق الى فلسطين، اقترح هرتزل على الحكومة العثمانية تأجيرهم (سنجق عكا) مقابل 100ألف ليرة تركية سنويا، إلا أن جهوده باءت بالفشل، ومات هرتزل عام 1904.

    تصاعد النشاط الصهيوني (1904ـ 1914)

    تخلت الحركة الصهيونية عن مشروعها في استعمار شرق إفريقيا، ذلك المشروع الذي أوجد انقساما حادا في صفوف الحركة، ووحدت جهودها وركزتها نحو فلسطين، وانتخبت في مؤتمر (بازل) السابع (دافيد ولفسون) خلفا لهرتزل والذي كرس جهده لإيجاد ميثاق دولي لمساعدة اليهود في احتلال فلسطين.

    وخلال المؤتمر الصهيوني الثامن في (لاهاي) 14ـ21/8/1907 تقرر إقامة دائرة خاصة سميت (دائرة شؤون أرض إسرائيل). ثم جرت أبحاث حول إقامة تعاونيات في فلسطين. وكلف الدكتور (آرثر روبين) بالسفر الى فلسطين وتنظيم عمليات شراء الأراضي هناك. واتخذت الأراضي المشتراة صفة الأرض المقدسة التي لا يجوز بيعها إلا لليهود. وأنشئ في فلسطين بنك لتلك الغاية اسمه (شركة أنجلو ـ فلسطين).

    بعد الانقلاب الذي قامت به (جمعية الاتحاد والترقي) في تركيا أواخر تموز/ يوليو 1908 استغل الصهاينة هذا الحدث، فعاودوا نشاطهم مع تركيا حيث أنشئوا مصرفا باستانبول واتخذوه ذريعة للقاء بالمسئولين الأتراك. وحاولوا انتزاع ما لم يستطيعوا انتزاعه من السلطان عبد الحميد، لكنهم باءوا بالفشل، وقد شددت الحكومة التركية التي كانت فلسطين تحت حكمها باسم (سوريا الجنوبية) على موضوع الهجرة، فمنعته بكل وسائلها، لكن الترهل الإداري والفساد المتفشي بين المسئولين لم يوقف الهجرة اليهودية الى فلسطين، كما أن القنصليات الأوروبية كانت تمنح اليهود تسهيلات وحماية كافية لمزاولة نشاطهم الصهيوني ..

    يتبع

  4. #4
    السياسة البريطانية تجاه فلسطين:

    أ ـ فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى:

    في 5/11/1914 انضمت تركيا الى جانب دول الوسط (ألمانيا و النمسا ـ المجر) في الحرب ضد دول الحلفاء (بريطانيا و فرنسا و روسيا) ومن ثم إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية. واستمرت الحرب ما يقرب من أربع سنوات، انتهت بانتصار الحلفاء وهزيمة دول الوسط بما فيها الدولة العثمانية.

    احتاجت بريطانيا الى أي جهد إضافي يساعدها في حربها، فأعطت وعود للعرب فيما لو ساعدوها في التخلص من العثمانيين بإقامة دولة عربية شرق المتوسط، وذلك من خلال وعودهم للشريف حسين بن علي (مراسلات هنري مكماهون ـ الحسين). كما أرادت أن توظف معلومات اليهود ونفوذهم بكل الدول سواء العربية منها أو المتحاربة في (الحرب العالمية الأولى).

    ب ـ جمال باشا السفاح

    عجل سلوك قائد الجيش العثماني في سوريا (جمال باشا) والذي قام فيه بإعدام عشرات المناضلين العرب من بينهم فلسطينيين وسوريين ولبنانيين في الفترة الواقعة بين آب/أغسطس 1915 و أيار/مايو 1916 بتهمة انتماءهم لخلايا ثورية تخطط للانفصال عن الدولة العثمانية، في حين أن تنظيماتهم جاءت بعد ظهور الأفكار الطورانية الهادفة الى تتريك كل الشعوب الخاضعة للحكم العثماني، بما فيهم العرب، عجل ذلك في إعلان الثورة العربية التي انطلقت من الحجاز في 10/6/1916.

    وبنفس الوقت أي في 16/5/1916 كانت بريطانيا تضع اتفاقيتها مع كل من فرنسا وروسيا على اقتسام تركة الدولة العثمانية في المنطقة بما عرف باتفاقية (سايكس ـ بيكو). وتمهد بنشاطات كثيفة لوعد (بلفور) في السنة التالية.

    ماذا أرادت بريطانيا من ذلك؟

    كانت بريطانيا تطمح في إبعاد فرنسا عن (قناة السويس) فأرادت باتفاقية سايكس ـ بيكو أن تكون فلسطين القريبة من قناة السويس تحت سيطرتها، وأرادت أن توظف نشاط اليهود بدغدغة أحلامهم في إقامة وطن قومي في فلسطين.

    نشاط الصهيونية في الحرب العالمية الأولى

    أعلنت المنظمة الصهيونية حيادها في الحرب العالمية الأولى (موقف ظاهري) لغرض استغلال كل الدول المتحاربة في تحقيق هدفها بإنشاء وطن لها في فلسطين. فنقلت مقر المنظمة الصهيونية من برلين الى (كوبنهاجن ـ الدنمرك) حيث كانت الدنمرك محايدة في الحرب.

    لقد كان كره اليهود لحكام روسيا، بما فعلوه به من مذابح بحق يهود روسيا، هو السبب وراء تمثيلهم الحياد، وعدم اصطفافهم علنا مع (بريطانيا وفرنسا وروسيا). وقد استغل اليهود هذا الموقف الذي كان معروفا عنهم (عالميا) في الاتصال مع الحكومة الألمانية (حليفة تركيا)، وقد نجح اليهود في أخذ وعد من ألمانيا في الضغط على تركيا (بحالة انتصار دول الوسط) في تسهيل الهجرات اليهودية لفلسطين.

    نشطت المنظمة الصهيونية، فأوفدت كل من (تشلينوف وسوكولوف) الى بريطانيا للقيام بمهمة إعلامية وهناك انضم لهما (حاييم وايزمان .. اليهودي الروسي المهاجر منها الى بريطانيا عام 1904) و (آحاد هعام) . كما أرسلت المدعو (ليفين) الى الولايات المتحدة فاستطاع كسب ثقة اليهودي (الصهيوني فيما بعد) (لويس برانديس) رئيس المحكمة العليا الأمريكية وصديق الرئيس الأمريكي (ولسن) ومستشاره. وهناك من يقول: أن النشاط الصهيوني في أمريكا كان من وحي الإنجليز، حتى يتم موافقتهم على (سايكس ـ بيكو).

    لقد أثمرت جهود الصهاينة في كسب تعاطف الأمريكان، كما استطاعوا أن يكسبوا إيطاليا الى جانبهم، ولكن الجهد الأكبر للنشاط الصهيوني كان موجها نحو الحكومة البريطانية.

    لقد عرف اليهود بما لديهم من معلومات بحكم صفتهم الوظيفية التي تحدثنا عنها، كيفية صياغة خطابهم، وبالذات مع بريطانيا. ففي 12/11/1914 كتب (حاييم وايزمان) الى (شارل سكوت) محرر صحيفة مانشستر غارديان وأقنعه بجدوى المساعي الصهيونية لإقامة وطن قومي في فلسطين حيث يقول في رسالته له: (نستطيع أن نتحدث بشكل معقول، أنه إذا وقعت فلسطين تحت تأثير النفوذ البريطاني، وإذا عملت بريطانيا على إسكان اليهود فيها باعتبارها إحدى الممتلكات البريطانية، فإننا نستطيع أن نملك هناك بعد عشرين الى ثلاثين سنة مليوناً من اليهود أو أكثر، كما أننا نستطيع تطوير البلاد وإعادة الحضارة إليها وخلق حماية فعالة لقناة السويس).

    ليتوقف القارئ الكريم عند الفقرة السابقة، ويستخلص العبرة منه، عن الكيفية التي ارتبط بها المشروع الصهيوني بالمشروع الإمبريالي الغربي، والذي يعمل كفريق لحماية مفهوم الإمبريالية، فهم أنفسهم الذين وقفوا في قبرص أمام مشروع محمد علي باشا، وهم الذين أجبروا (ابراهيم ابن محمد علي) على تفكيك جيشه وتقليصه من 540 ألف جندي الى 12 ألف جندي. وهم الذين يطلقون الوعود للعرب و ينكثون وعودهم وعهودهم، ولم يتغير شيئا حتى اليوم. وهذا ما سنراه في وعد بلفور في المرة القادمة.

    يتبع

  5. #5
    المقاومة الفلسطينية المبكرة (1908ـ 1914)

    بعد أن تمت الموجة الثانية من هجرة اليهود الى فلسطين، عمت المجتمع الفلسطيني موجة استياء عارمة موجهة الى كبار ملاك الأراضي الإقطاعيين، وقد (ورد بأحد التقارير البريطانية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1908 معلومات تفيد بأن االفلاحين في منطقة حيفا وطبرية يضمرون شعورا من العداء نحو الملاكين العرب أصحاب الأراضي الشاسعة (مصطفى باشا، فؤاد سعد، آل سرسق) وكذلك الأمر بالنسبة للمستعمرين اليهود)*1

    كما فرغ بعض السياسيين الفلسطينيين المثقفين من عائلة الخالدي المقدسية، من وضع مخطوطة هامة سميت (المسألة الصهيونية)*2، أثرت فيما بعد على أن يلعب هؤلاء المثقفون أدوارا حساسة في الحركة الوطنية الفلسطينية مثل الحاج أمين الحسيني.

    بائعو الأرض

    وقد ورد في الوثيقة شرحا عن الكيفية التي كانت تباع فيها الأراضي، وتم تصنيف فئات البائعين للأرض كالتالي:

    1ـ الملاكون الغائبون ومعظمهم من الأسر اللبنانية (سرسق، تيان ، تويني، مدور وغيرهم.

    2ـ الحكومة العثمانية وذلك عن طريق المزاد العلني الذي تباع به أراضي الفلاحين العاجزين عن دفع الضرائب المترتبة عليهم.

    3ـ الملاكون الفلسطينيون ومعظمهم من العائلات المسيحية (كسار، روك، خوري، حنا وغيرهم). ومع أنه يوجد من البائعين من الوجهاء المسلمين الى أن المؤلف (للوثيقة) لم يكشف إلا عن حالتين منها في (صفد والرملة). كما أن هناك نسبة بسيطة باعها أصحابها العرب المسلمين في ثلاث قرى، بلغت نسبتها 7% من مجموع الأراضي التي تم بيعها لليهود.

    ومع ذلك فإن مساحة كل الأراضي التي بيعت لحين وضع الوثيقة بلغ 27949 هكتار أي حوالي 280كم2 من مجموع الأراضي الفلسطينية.

    المعارضة الإعلامية للهجرة الصهيونية

    ما أن انتهت عام 1909 حتى قامت الصحيفتان الوحيدتان (الأصمعي والكرمل) بفضح سياسة التهجير والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وكان رئيس تحرير صحيفة الكرمل (نجيب الخوري نصار) وهو من سكان طبرية قد عمل في مطلع حياته وكيلا لجمعية الاستعمار اليهودي، فتمكن من الاطلاع على الكثير من الأسرار، فأنشأ صحيفة الكرمل لغرض التحريض ضد الاستيطان. وقد تم تعطيل الصحيفة عدة مرات.

    ثم تصاعدت المعارضة وأخذت أشكالا مختلفة، منها البرقيات والوفود الإعلامية داخل فلسطين وخارجها وتسجيل الاحتجاجات الخ.

    وقد أثمرت تلك الحملات التي قادها نجيب نصار، فشنت الصحف العربية حملات ضد آل سرسق لاعتزامهم بيع قريتين (الفولة والعفولة). وعندما تحدث أحد موظفي السفارة البريطانية باستانبول مع (طلعت بك) عن وضع قيود على بيع الأراضي الفلسطينية، أجابه بأنه تلقى شكاوى من السكان وممثليهم.

    حزب وطني ضد الصهيونية

    في أيار/مايو نشرت صحيفة (ها ـ هيروت) نص كراس أكد ظهور معارضة عربية فلسطينية منظمة للصهيونية. وكان هذا الكراس صادرا عن (الحزب الوطني العثماني) وجاء في هذا الكراس الموجه الى العرب الفلسطينيين :

    (( الصهيونية هي الخطر الذي يحدق بوطننا، وهي الموجة الرهيبة التي تضرب شواطئ بلادنا، إنها مصدر الأعمال الخداعة الغادرة التي تجتاحنا والتي ينبغي أن تكون أشد إخافة لنا من السير على انفراد في ظلمة الليل الحالكة. ولا يقتصر الأمر على ذلك بل أنها أيضا نذير بنفينا عن وطننا وطردنا من بيوتنا وممتلكاتنا)*3

    وحاول الشيخ سليمان التاجي الفاروقي أحد مؤسسي الحزب الوطني العثماني تأليب الرأي العام العربي في البلدان العربية المجاورة من خلال كتابته لمقال مطول نشرته صحيفة (المفيد) واسعة الانتشار [آنذاك] والتي كان يتولى رئاسة تحريرها عبد الغني العريسي وهو من السياسيين العرب البارزين. وجاء بالمقال أن الغزو الصهيوني (كما أسماه الفلسطينيون منذ وقت مبكر) يتفوق علينا بالمتعلمين وأصحاب المال، ونحن الفلسطينيون فقراء مهددون بالطرد.. هذه المقالة تبرز الرد الواضح لمن يحاول الغمز بأن الفلسطينيين لم ينتبهوا الى الخطر الصهيوني..

    وقد أثمرت تلك الجهود بتجميع جماعة من الشباب لتأسيس حزب يضع كل حيل الصهاينة على طاولة البحث، وطالبت الحكومة العثمانية باتخاذ إجراءات ملائمة لها:

    1ـ منع الهجرة وذلك بتطبيق نظام جواز السفر الأحمر*4
    2ـ منع بيع الأراضي.
    3ـ إجراء إحصاء لليهود وإعطاء العثمانيين منهم بطاقات هوية واضحة.
    4ـ فرض رقابة حكومية وبرنامج الدراسة الرسمي على مدارسهم.
    5ـ حظر اجتماعاتهم الخاصة ما لم يسبقها الحصول على إذن خاص من السلطات العثمانية.
    6ـ إجراء أعمال مسح لأراضي المستعمرات، وفرض مختلف الضرائب والأعشار و (الويركو) عليهم مع إعادة تقييم وتقدير المبالغ المالية التي ضاعت على الخزينة عن السنوات الماضية*5

    من خلال تلك الأنشطة يتضح أن استشعار الخطر كان مبكرا من قبل النخب الفلسطينية، وردة الفعل تجاهه كانت تتلاءم مع الإمكانيات ووضع فلسطين الإداري كونها تحت الحكم العثماني.

    المراجع

    *1ـ الأتراك والعرب والهجرة اليهودية لفلسطين 1882ـ1914/ نيفيل مندل/ أطروحة دكتوراه/ غير منشورة/ كلية سانت أنطوني/ جامعة أكسفورد 1965/ ص 171ـ 179.

    *2ـ تاريخ فلسطين الحديث/ عبد الوهاب الكيالي/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ط 3/1973/ ص 57.

    *3ـ المصدر السابق ص 62
    *4ـ كان الهدف منه منع المتحايلين القائلين بأنهم جاءوا لفلسطين من أجل السياحة، فتؤخذ جوازات سفرهم العادية ويعطوا وثيقة حمراء تبقى معهم لحين مغادرتهم فلسطين، حيث يستردون عندها جوازاتهم الأصلية.
    *5ـ عن صحيفة المفيد البيروتية عدد يوم 11/8/1911

  6. #6
    وموضوع تاريخي هام نتابعه معك..
    كل التحيه استاذ عبد الغفور

  7. #7
    العفو ..

    أشكر متابعتكم
    ودمتم بخير

  8. #8

    تصريح بلفور (2/11/1917) :

    لم تثن الردود الفاترة التي واجه الأمريكان بها زعماء الصهاينة، لم تثنهم عن مواصلة ضغوطهم، فبعد أن يئسوا من استصدار تصريح لصالحهم من قبل الأمريكان، وبعد عودة (بلفور) من أمريكا، عاود الصهاينة حثهم الحكومة البريطانية حول إصدار تصريح يتبنى مطالبهم. وبناء على طلب (بلفور) قدم إليه اللورد (روتشيلد)، بالنيابة عن المجموعة الصهيونية في 18/7/1917 مشروع قرار بهذا الصدد لعرضه على الحكومة البريطانية.

    كان من أبرز مطالب الصهاينة في مسودة المشروع، هو أن تعلن بريطانيا قبولها (( مبدأ الاعتراف بفلسطين وطنا قوميا للشعب اليهودي، وحق هذا الشعب في بناء حياته القومية في البلد، ثم منح القومية اليهودية حق الحكم الذاتي في فلسطين، وحرية هجرة اليهود إليها، وإقامة شركة استيطان يهودية قومية لإعادة تأسيس البلد وتطويرها اقتصاديا...))

    معارضات يهودية بريطانية

    على عكس التعاطف اليهودي الأمريكي المتقدم نوعا، مع المشروع الصهيوني، واجه الصهاينة صعوبات هامة من قِبل يهود بريطانيا الذين استنكروا أن يكون اليهود (قومية) بل دين، وكان على رأس هؤلاء (أدوين مونتاغيو وزير الدولة البريطاني لشئون الهند).

    كما أعلن تحفظه على هذا المشروع كل من (دافيد الكسندر : رئيس لجنة المبعوثين اليهودية الإنجليزية) و (كلود مونتفيوري رئيس الجمعية الإنجليزية اليهودية)، حيث أصدرا بيانا (أنهما كانا قد تعاونا مع البرنامج الصهيوني "ثقافيا" لكنهما لا يستطيعان الاستمرار في هذا التعاون بسبب (الأهداف السياسية) التي يسعى إليها الصهاينة، كما استنكرا في بيانهما إعطاء صفة القومية لليهود.

    صيغة وعد بلفور

    لم تثن الاحتجاجات الحكومة البريطانية على إقرارها موقفها النهائي في اجتماعها يوم 31/10/1917، لتعلنه على شكل رسالة بناء على نصيحة (حاييم وايزمان) في 2/11/1917:ـ

    (الى اللورد روتشيلد: يسرني كثيرا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالة الملك، أنها تنظر بعين الرضا والارتياح الى تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين. وأنها ستبذل خير مساعيها لتيسير الوصول الى هذه الغاية. على أن يُفهم بجلاء أنه لن يُسمح بإجراء ما، من شأنه أن يلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية التي تقيم في فلسطين، أو تمس الحقوق والمزايا التي يتمتع بها اليهود في البلدان الأخرى)

    مراوغة وغموض في النص

    كانت المراوغة والغموض في هذا النص الذي يُعتبر أول لبنة في مأساة فلسطين، على مرأى ومسمع من المتبجحين بحقوق الإنسان والمتشدقين بالتحضر والنبالة..

    طوائف غير يهودية! كانت هذه هي الإشارة لعرب فلسطين الذين كانوا يشكلون وقت صدور الوعد المشئوم 90% من سكان فلسطين، في حين كان اليهود وغير العرب بمجموعهم يساوون 10%!

    ثم ماذا كانت تعني بريطانيا بالنسبة لفلسطين حتى تعطيها لغير سكانها؟ ومن فوضها بالحديث باسم سكانها؟ وحتى أنها لم تكلف نفسها حتى بعد الانتداب أن تبلغ السكان الأصليين لفلسطين بما تنوي فعله، كذب، وخداع، ونوايا استعمارية بعيدة المدى..

    يفسر البعض أن بريطانيا قد كافأت (حاييم وايزمان) مكتشف مادة (الأسيتون) التي أعانت بريطانيا في حربها أو حروبها! فأعطته فلسطين! (عذرٌ أقبح من ذنب).

    إن الدافع السابق ـ رغم حقارته ـ ليس هو وراء ما وعدته بريطانيا لليهود (الصهاينة)، بل أن الدافع الرئيسي وراء ذلك الوعد، هو ما اتفقت عليه الدول الاستعمارية السبع كمنطلقات نظرية في تعاملها مع تركة الدولة العثمانية، وكان ذلك في نهاية الثلث الأول من القرن التاسع عشر، بعد أن جردت (ابراهيم باشا ابن محمد علي) من قدرته، إثر انتصاراته المتتالية. وكانت فكرة انتهاء الخلافة الجامعة لسكان هذه المنطقة ـ ولو اسميا ـ والتي ستنتهي بانتهاء الدولة العثمانية لن يقوم لها قائمة بعد ذلك، إذا ما أحكمت الخطة الإمبريالية. وعليه فإن فكرة القومية العربية التي تحاذت مع أفول الدولة العثمانية، ستكون هي الأخرى مصدرا لقلق المخططين الاستعماريين.

    لقد فهم الصهاينة مرامي المشاريع الإمبريالية، فطافوا على كل الدول الاستعمارية ليعرضوا خدماتهم عليها في تعطيل المشروعين الإسلامي والقومي. وإلا ما هو سر سكوت كل الدول الاستعمارية على وعد بلفور، وما سر هرولتهم للاعتراف بالكيان الصهيوني فور إعلانه؟






  9. #9
    الاحتلال البريطاني لفلسطين:

    في 11/12/1917 دخل الجنرال (اللنبي) بقواته مدينة القدس العربية، بصفته (محررا لا محتلا!)، وحينها وضعت فلسطين تحت إدارة عسكرية حملت اسم (الإدارة الجنوبية لبلاد العدو المحتلة)، وظهر في وقتها تحيز بريطانيا السافر للمشروعات الصهيونية، وقبل انتهاء الحرب العالمية الأولى بعثت بريطانيا بلجنة صهيونية برئاسة (وايزمان) لفلسطين ومعه الكابتن البريطاني (أورمبسي غور) للتمهيد لصناعة تفاهم بين العرب واستعدادهم لما هو قادم. ولكن قدوم تلك اللجنة أثار سخط واستنكار عرب فلسطين.

    في 26/9/1918 أكملت القوات البريطانية احتلال كل فلسطين، وفي 30/10/1918 انتهت الحرب العالمية الأولى، بعقد هدنة (مودروس) .

    التسوية النهائية للحرب العالمية الأولى وعلاقتها بفلسطين

    كان الجيش العربي بقيادة الأمير فيصل، يحاول استغلال انهيار القوات التركية، ليملأ الفراغ في سوريا، فدخلت قوات الجيش العربي (دمشق) في 1/10/1918، لكن فرنسا وبريطانيا التي خدعت العرب، كانت في صدد تنفيذ اتفاقية سايكس ـ بيكو، كما كانت مرسومة ضاربين بعرض الحائط كل وعودهم للعرب.

    في مؤتمر باريس في 6/2/1919 وجد الأمير فيصل نفسه مكشوفا أمام مؤتمر عدائي، لا يقيم وزنا للمطالب العربية، وبعكسه كان الصهاينة، رغم أن لا دولة لهم ـ وقتها ـ لا رابحة حرب، ولا خاسرتها، ممثلين بمجموعة تعلم ماذا تريد منهم : وايزمان و البروفيسور (فرانكفورتر) و (جاكوب دي هاوس) من أمريكا، و (سوكولوف) و (أوشكين) وغيرهم من صهاينة أوروبا. رفض هؤلاء فكرة دمجهم بدولة عربية بحكم ذاتي، وأصروا على عدم تدويل مسألة فلسطين وتركها للانتداب البريطاني! وكان موقفهم منسجما مع البريطانيين.

    ردة فعل السوريين

    عاد فيصل الى سوريا وأخبر العرب هناك بما واجهه من خيبة أمل فانعقد مؤتمر عام في 7/6/1919 ضم ممثلين عن كل أبناء سوريا الطبيعية، وكان بمثابة أول هيئة ديمقراطية. وكان من قراراته الخاصة بفلسطين، الاعتراف باستقلال سوريا بحدودها الطبيعية دولة ذات سيادة. ثم رفض المعاهدات السرية بما فيها اتفاقية سايكس ـ بيكو ووعد بلفور، وكل مشروع يرمي لتجزئة سوريا أو كل وعد يرمي الى تمكين الصهيونية في فلسطين مع ضمانة لليهود بالتمتع بحقوقهم.

    لكن في 15/9/1919، جرت تسوية بين فرنسا و بريطانيا في اتفاقية (لويد جورج ـ كليمنصو) بجعل فلسطين وشرق الأردن تحت الانتداب البريطاني.

    مؤتمر سان ريمو والانتداب البريطاني على فلسطين:

    أحس الأمير فيصل بصعوبة تحقيق دولة سوريا الكبرى (الطبيعية) خصوصا عندما رأى أن بريطانيا ماضية في وضع يدها على فلسطين وشرق الأردن، فاضطر الى بحث مستقبل سوريا (الحالية مع لبنان) مع الفرنسي (كليمنصو) مما عرضه لانتقاد شديد من العرب وبالذات أعضاء المؤتمر السوري العام. فانعقد المؤتمر السوري العام مرة ثانية في 8/3/1920 وأكد مقرراته التي جاءت في المؤتمر الأول إضافة الى إعلان مملكة سوريا بما فيها شرق الأردن وفلسطين ولبنان، واختيار فيصل ليكون ملكا على تلك المملكة.

    هنا، أعلنت فرنسا وبريطانيا رفضهما لتلك القرارات، وتلا ذلك اجتماع عاجل للمجلس الأعلى لدول الحلفاء في مدينة سان ريمو الإيطالية بين 19و24/4/1920. وقد غاب عن هذا المؤتمر أي تمثيل عربي، في حين حضر مندوبون عن الصهاينة بكثافة، ولم يكتف هذا المؤتمر بإعلان الانتداب على فلسطين وسوريا ولبنان والأردن، بل تضمن إعلانا بما جاء به وعد بلفور بمنح وطن قومي لليهود.

    في 30/6/1922 صدر عن الكونجرس الأمريكي قرارا يؤكد روح وعد بلفور. وفي 22/7/1922 صدر قرار من عصبة الأمم بالموافقة على انتداب بريطانيا على فلسطين، ينص بشكل صريح على الإشراف على مؤسسات للحكم الذاتي لليهود في فلسطين، كما اعترف القرار بالوكالة اليهودية.

    معالم الإدارة البريطانية في فلسطين بعد إعلان الانتداب

    كان أول مندوب سام بريطاني هو (هربرت صموئيل) وهو يهودي ذو ميول صهيونية، ونائبه العام (نورمان بنتويتش) من غلاة الصهاينة، أطلقت يده لوضع الأنظمة المساعدة على تنفيذ مخططات الصهيونية، وكان السكرتير الأول للإدارة البريطانية صهيوني اسمه (ويندهام ديدس).

    كانت نسبة الموظفين الصهاينة في الإدارة البريطانية تفوق عدة مرات نسبة العرب فيها. وقد منحت امتيازات متعددة لليهود منها حصول (روتمبرغ) في 21/9/1921 على امتياز توليد الكهرباء لكل فلسطين. وحصول كل من (نوفومسكي) و (طولوخ) لاستخراج أملاح البحر الميت عام 1927.

    ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل سمح للصهاينة بتأسيس الهاجانا تحت مسميات كشفية ورياضية وحزبية فكانت (الهاجانا والأرغون و شتيرن)

    كما تكونت عدة تنظيمات لليهود تظهر أنهم في دولة، مجلس منتخب، ومجلس عام وتأسيس أحزاب (ماباي [ العمل الآن] ترأسه بن غوريون] و (هاشومور هاتزر ـ يعني الحارس الفتي) و(حزراحي ـ يعني المركز الروحي) و (أغودات إسرائيل). كما عمل الصهاينة على إنشاء تنظيمات نقابية مثل (الهستدروت ـ اتحاد العمال) الى جانب ذلك كان هناك أنشطة المستعمرات الجماعية (الكفوتزا، و الكيبوتز و الموشاف أوفديم).

    هذا كله تحت رعاية بريطانية.

  10. #10
    كل هذا الزمن والافكار لازالت متلخطبة عن الواقع وحقيقة الامر انها المؤامرة الكبرى ضد الامة العربية

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-14-2015, 04:35 PM
  2. خطة كيري لتصفية قضية فلسطين
    بواسطة د.غازي حسين في المنتدى الدراسات الاسرائيلية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-16-2014, 02:00 PM
  3. المفاوضات و تصفية قضية فلسطين
    بواسطة د.غازي حسين في المنتدى الدراسات الاسرائيلية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-18-2013, 02:47 AM
  4. المفاوضات وتصفية قضية فلسطين
    بواسطة د.غازي حسين في المنتدى الدراسات الاسرائيلية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-22-2013, 06:10 PM
  5. قضية فلسطين .. من جديد
    بواسطة عبدالغفور الخطيب في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 05-27-2008, 08:05 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •