منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 7 من 7
  1. #1
    كاتب وناقد
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الدولة
    البُليْدة/ الجزائر
    المشاركات
    110

    Post بين نحلة و ذبابة (مقالة قصصية)

    بين نحلة و ذبابة !

    بقلم حسين ليشوري

    أحيانا يجد الإنسان "العاقل" الحكمة و فصل الخطاب عند كائنات يظنها حقيرة قذرة، و ربما كانت تلك الكائنات حشرات ضعيفة تافهة، إن رآها استبشعها و طردها و إن وقعت على طعامه ألقاه و شتمها، و هذه هي طبيعة هذا الإنسان "العاقل" لكنه المتغطرس، فهو يأنف عن كل ما يراه دونه في العقل و يتأفف من كل ما يتصوره تافها في القدر، و قد يكون فيما يأنف عنه خير جم و قد يكون فيما يتأفف منه فضل تم، و هذا توضيح ما قصر عنه التلميح.
    التقت ذبابة صغيرة و نظيفة، على غير ما يظنه الناس في الذباب عادة، على زجاج حجرة مكتبي مع نحلة عصبية لكنها ظريفة. كانتا تحاولان الدخول فضلتا السبيل و ظلتا تنطحان الزجاج بإصرار و عناد و....طنين !
    كنت جالسا إلى مكتبي أحاول كتابة مقالة و أنظر إليهما دون أن أراهما ثم اهتممت بهما لإصرارهما و طول عنادهما و أخذت أتمعن فيهما و أرهف السمع لطنينهما فصار يعلو و يرتفع شيئا فشيئا حتى صار كالكلام و إذا به حوار طريف بين الذبابة النظيفة و النحلة الظريفة.
    قالت النحلة بنرفزة: طننننننننننن، ما هذا الشيء الذي يمنعني من مواصلة مشواري و الدخول إلى الغرفة لعلي أصل إلى الطاقة الجميلة من الزهور و الورود فأمتص رحيقها و أحمل طلعها إلى دياري لأغذي صغاري ؟ طنننننننننن !
    فردت عليها الذبابة بتعالم ظاهر و هي تلهث: أزززززززززز، يقال لهذا الشيء الذي أزعجك و أعجزك عن الدخول: الزجاج، و هو من صنع ذاك الإنسان، و قد حدثت لي، أزززززززززز، معه حوادث مؤلمة كلما وجدته مغلقا، أززززززززز، وكم أفرح عندما أجده مفتوحا فأدخل أو أتسلل من ثقب أو شق، أززززززززز، فأجول في الغرف و أصول في المطبخ و أغتنم كل فرصة سانحة ما لم يتفطن لي الإنسان، أزززززززز، فيطردني أو يحاول قتلي بسمومه الفتاكة، أززززززززز، و ما أكثرها فأفر بجلدي، أقصد: نفسي إلى الخارج آملة في العودة كاليوم فأعيد الكرة ككل مرة، أززززززززززززززز !
    قالت النحلة دون توقف و هي تنسف: طننننننننننن، ما أعظم غطرسة هذا الإنسان و تجبره ! ماذا يضيره لو يدعني أدخل فلربما أفدته بما لا يخطر له على بال؟ قالت هذا بضمير المفرد ناسية رفيقتها الذبابة، أما يدري أنني، أنا النحلة، طننننننننننن، مهندسة بارعة قد أشير عليه برأي مفيد يحل له أزمة السكن التي تخنقه حتى صار في صناديقه هذه، تقصد العمارات و الشقق وقد شبهتها بصناديق النحل التي تعرفها جيدا، طننننننننننننننن، كالذباب، معذرة ما قصدت الإساءة، و هو المكرم المحترم !
    فتبسمت أنا ضاحكا من قولها و لاسيما من تلميحاتها الذكية، غير أنني واصلت في صمت الإنصات إلى هذا الحوار الطريف.
    قالت الذبابة بامتعاض و قد ساءها تعريض النحلة بها: أززززززززززززز، لا تعتذري يا رفيقة، لقد انحطت قيمتنا حتى عند الحشرات فما بالك بها عند البشر؟ و هذا الآدمي الذي يظن نفسه شريفا و هو، إن أعملت الفكر و أنعمت النظر، أتفه من حشرة و إن كانت مهندسة، أززززززززززززززز !
    تفطنت النحلة لتهكم الذبابة فنظرت إليها شزرًا و هزٌت كتفيها استعلاءً و هي المعتزة بنفسها و طنَت طنَة طويـــــــــــــــــــــلة : طننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننن نن، و طارت مغيرة المكان بعيدا بينما واصلت الذبابة بإصرار نطح الزجاج و لما استأت أنا منها و قد رحلت النحلة و انتهى الحوار، سحبت الستار و التفت إلى موضوعي الذي كنت بصدد كتابته و هو مشكلة التجمعات السكنية "المراقد" و مخاطرها على الأطفال في تنشئتهم الاجتماعية حتى صاروا كالذباب على حد تعبير النحلة !

  2. #2
    ذكرتني اديبنا العزيز بحكايات كليله ودمنة
    اقسم ان نصك من النوادر/سررت بقراءته
    وفقك الله

  3. #3
    كاتب وناقد
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الدولة
    البُليْدة/ الجزائر
    المشاركات
    110
    أنت تخجلينني بإطرائك، شكرا لك على التفاعل السريع و البديع,
    تحيتي و مودتي,
    "للخيال على الكاتب سلطان لا يقاوم، فإن كنت كاتبا فلا تقاوم خيالك و لكن قومه"
    (حسين ليشوري)

  4. #4
    فعلا..هو من النصوص النظيفه الرائعه
    استمتعت بقراءته
    شكرا لك اخي حسين

  5. #5
    كاتب وناقد
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الدولة
    البُليْدة/ الجزائر
    المشاركات
    110

    Post

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو فراس مشاهدة المشاركة
    فعلا..هو من النصوص النظيفه الرائعه
    استمتعت بقراءته
    شكرا لك اخي حسين
    الشكر كله لك أخي أبا فراس.
    أحاول، منذ 1984، أن أكتب بالهاءت الثلاث و لها :
    الهاء الأولى: أن تكون كتابتي هادئة،
    الهاء الثانية: أن تكون هادفة،
    الهاء الثالثة: أن تكون هادية.
    دمت على التواصل البناء.
    تحيتي و مودتي.
    "للخيال على الكاتب سلطان لا يقاوم، فإن كنت كاتبا فلا تقاوم خيالك و لكن قومه"
    (حسين ليشوري)

  6. #6
    استمعت بنص هادف قل مثاله
    وفقك الله دوما كاتبنا العزيز
    ملدا

  7. #7
    كاتب وناقد
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الدولة
    البُليْدة/ الجزائر
    المشاركات
    110
    شكرا لك أختي ملدا و زميلتي في مهنة المتاعب.
    دمت على التواصل المثمر.
    تحيتي و مودتي.
    "للخيال على الكاتب سلطان لا يقاوم، فإن كنت كاتبا فلا تقاوم خيالك و لكن قومه"
    (حسين ليشوري)

المواضيع المتشابهه

  1. ذبابة التنين
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان العلوم العامة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-10-2012, 09:41 AM
  2. هاي يا نجمة
    بواسطة الهام بدوي في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 09-24-2011, 06:39 AM
  3. نجمة فضية
    بواسطة عبدالوهاب محمد الجبوري في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-04-2010, 02:22 PM
  4. نجمة الصبح
    بواسطة عبدالوهاب محمد الجبوري في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 04-26-2010, 08:53 AM
  5. نخلة
    بواسطة مبروك السالمي في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-04-2009, 12:05 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •