الحياة والأدب...هل من رابط بينهما اليوم؟
كثيرا ما تأخذك الأفكار وأنت تقرأ قصة ما بأن هذه القصة تتحدث عنك بالذات وليس عن غيرك، ذلك وأنت تجدها تلامس يومياتك وتتلاقى مع أفكارك وطموحاتك، وأحيانا وأنت تسمع قصيدةً ما وإذ بك تتلفتُ يمنة ويسرة وأنت تعتقد أن أنظار الجميع تتجه إليك لأن الشاعر يتكلم عنك، ويصور عشقك أو حبك أو حتى معاناتك، حتى وإن كان هذا الشاعر يعيش في بلد وأنت في بلدٍ آخر.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
كل هذه المتلاقيات التي تجمع الأدب - بأجناسه كافة- مع يوميات حياتنا، وانبثاقات أحلامنا، وتشرذم ذكرياتنا يقودنا إلى سؤال طرحناه في موقع eSyria على مجموعة من (الأدباء والنقاد وقارئي الأدب العاديين).

وسؤلنا هو عن علاقة الأدب بالحياة، ويوميات الناس وتشعباتها؟

وعن هذه العلاقة قدم الأستاذ الناقد "حسن النيفي" حين التقيناه بتاريخ (22/10/2008)م لمحة فكرية عن علاقة الأدب بالحياة قائلا: «إن السؤال عن علاقة الأدب بالحياة قد يكون من الإشكاليات التي شغلت أذهان المفكرين والنقاد منذ أن بدأ الأدب يتبلور كظاهرة إنسانية تحتل حيزا كبيرا من النتاج الفكري، ومعالجة هذه الظاهرة لم تكن منفصلة في يوم من الأيام عن جذورها الفلسفية التي تتباين من نسف فكري إلى آخر، فـ "أفلاطون" شاءَ أن يقرن علاقة الأدب بالواقع بنظرية "الديالكتيك" التي تقتضي أن تكون الأفكار أصلا للأشياء المحسوسة، وبناء على ذلك فإن الشاعر –مثلاً- أقل شأناً من الفيلسوف لأنهُ مقلد أو محاكٍ.

أما "أرسطو" فقد جعلَ الفنان يحاكي ما هو موجود أو محسوس، ثم انتقلَ هذا المفهوم إلى العصر الحديث وإذا كانت نظرية (الفن للفن) قد جردت الأدب من أيّة وظيفة اجتماعية، وزعمتْ أنه للترفيه والتسلية، فإن النظرية الواقعية أعطته دورا كبيرا في عملية التغيير الاجتماعي، بل ألقت على عاتق الأديب مسؤولية تجاه
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي صلاح الحسنمجتمعه».

وإذا كان الأديب ذو مسؤولية تجاه مجتمعه، يجب أن نسأل من أين يجب أن يستمد مادته الأدبية؟

وهنا يرى الشاعر "صلاح الحسن" أن حياة الشاعر اليومية هي مصدراً من مصادره الشعريةفقال لنا بتاريخ (22/10/2008)م:

«تشكل حياة الشاعر اليومية مصدراً مهماً من مصادره الشعرية، ولكن الشاعر الحقيقي هو الذي ينجح في شعرنة هذه اليوميات، ويعتقد كثير من الشعراء أن استخدامهم لليوميات سمة تجعل نصوصهم معاصرة أكثر، وهم بذلك يحيلون الفن على عناصر خارجية، في حين أن الشعر يكون بالأدوات واللغة لا بالعناصر الخارجية، ولذلك إذا لم يخضع الشاعر هذه اليوميات إلى قوانين الفن فإنها تتحول إلى تعبير عادي عن أشياء شخصية وتكون أقرب للمذكَرات منها إلى الشعر، وعلى الشاعر أن يمنحها شيئاً من النموذجية تبدو فيه غير خاصة وتلتقي مع المجموع البشري في زاوية ما.

وقد أبدع شعراء الحداثة الشعرية في هذا المجال وخصوصاً "السيّاب" و"صلاح عبد الصبور" و"أحمد عبد المعطي حجازي".

أما الآن فتكتب نصوص كثيرة تستمد موضوعها من اليوميات ولكنها -بالعموم– لا ترتقي إلى ما قدمهُ شعراء الحداثة لأنها لم تتجاوز الشخصي ولم تبلغ صفة النموذجية».

أما متلقي الأدب وقارئيه فلهم نظرة..

وعن ذلك يقول الشاب "حسين حاج حسين" (محامي): «في ماضي الزمان كان العشاق يتبادلون روايات الحب، ويسهرون
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي حسين حاج حسينالليالي الطوال وهم يقرؤون أشعار العشاق وكأنهم هم من يعيش أحداثها، لينتهي بهم المطاف وهم يكتبون قصائدهم بأنفسهم، واليوم تنحسر هذه الأشياء مع طغيان الحياة على الأدب وحتى على المتلقي نفسه، فرسائل المحمول القصيرة مصدر لتبادل الكلمات، وكم يحدث أن يرسل لك أحدهم رسالة قد أرسلتها قبل فترة إلى شخص تحبه!!».

ولا يلقي "حسين" الذي التقيناه بتاريخ 23/10/2008)م باللوم على الأديب فقط، بل يرى المتلقي مسؤولا أيضا فيقول: «يقولون أن زمان الأدب قد ولّّى، وقل عدد الأدباء المبدعين. ربما يحمل هذا الكلام شيء من الصحة، ولكن علينا أن نسأل أنفسنا وبصراحة شديدة، أيهما نشتري -إن توفر لدينا مبلغ من المال- كتاب، أم (قميص أو حذاء)؟ بالتأكيد ستكون الأفضلية لكل شيء عدا الكتاب..».

وترى القاصة "محاسن الجندي" التب التقبناها بتاريخ (3/11/2008)م أن: «لكل قطعة أدبية هدف وفكرة يجب على الأديب أن يقترب من أوجاع الناس».

وتضيف : «حينما أقدم قصة تتحدث عن الناس يجب أن ألمس بها الوجع الإنساني للرجل وللمرأة معاً، وأنا كأديبة معنية بهذا الواقع، معنية بأن يظل الجمال في هذا البلد الجميل، وأن لا تسحقنا البشاعة».

ومن جهته الناقد "حسن النيفي" يعود ويكلمنا عن ضرورة أن يستمد الكاتب مادته من واقعه المعاش فيقول: «إن الإبداع كظاهرة منفردة لا
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي محاسن الجندييتأتى لجميع الناس، وإنما هو وقْفٌ على من ترعرعت في أنفسهم المواهب، فرق إحساسهم وتفردوا بعمق الرؤيا، ولكن هذا لا يعني أن الأدب فعالية فردية ذاتية فحسب بل لا بد لها أن تتفاعل مع الحياة وتنتج مادتها الإنسانية من العمق الإنساني الذي نحيا فيه، لأن الأديب هو قبل كل شيء كائن اجتماعي يبقى أملهُ الأكبر هو تعميق وتعزيز الثوابت الإنسانية النبيلة بين البشر.

وأستطيعُ القول أن الحياة هي مصدر الأدب وبدونها يفقد الأدب هدفه الإنساني الأسمى..».

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي محمد علو