العمل الجماعي وأهميته
سوسن البرغوتي
في ظل الواقع المشهود وغياب مشروع وطني عربي ومظلة موحدة تقوى على المواجهة الشاملة، آن آوان تحرك القوى الحية نحو تكثيف العمل ورص الصفوف عبر لجان وجمعيات ومؤسسات، لتشكيل خلايا فاعلة، تعمل من أجل توحيد الهدف على جميع الأصعدة، بصرف النظر عن الاختلافات الأيدلوجية. فالهجمة الاستعمارية تشتد، وقادم الأيام يشي بتطورات وسلسلة أحداث، قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع العدو الصهيوني والإمبريالية العالمية وبمقدمتها الهيمنة الأمريكية الاستعمارية. ولأن تمكين الجبهة الداخلية، والتفافها حول المقاومة المشروعة والشرعية، بات من الضرورة بمكان، الالتقاء على قاعدة الأسس والمبادىء المتعارف عليها، دون التوقف عند فكر الأفراد والعلاقات الخاصة، وتقويم التجارب بناءً على الايجابيات.هذا لا يعني أن النقد ممنوع، بل على العكس فهو لا شك يثري ويضيف، خاصة إن كان يصب في خدمة الصالح العام. إلا أن التمترس وراء الفكرة الواحدة والكيل بالكيد والرفض لمجرد ظهور وتنشيط تحركات جماعية وطنية من مختلف الأطياف، لا يعني أنها تستثني هذه الجهة أو ذاك الطرف المعني. وإن الموقف تجاهها مصدره أسباب خاصة أو انتماءات فكرية، مما سيؤدي بالتالي إلى انعزالية وتعصب لا مبرر لهما، في وقت يكون الجميع بأمس الحاجة فيه إلى تشابك الأيدي والعمل لإنقاذ الأمة من واقعها المتردي، لا أن نزيد الطين بلة.
مهما قلت تلك الجهود، أو ضعفت ثم تلاشت، فهذا يضيف ولا ينقص من تجارب الشعوب، والتحرك الثقافي والاجتماعي والسياسي، هو نضال مدني يُحسب للمد الجماهيري ولا يُحسب لجزر أي منها.
لقد سادت مغالطات كثيرة حول مفهوم القومية العربية، على أنها احتكار لحزب بعينه أو قطر دون آخر، أو أنها مستقلة عن الأحزاب، في حين أنها الجامعة ووعاء يضم تحت جناحه كل أبناء الأمة المخلصين لقضاياهم التحررية والنهضوية، سواء أكانوا حزبين مؤدلجين- إن جاز التعبير-، أو مثقفين سياسيين، فالاستقلالية لا تعني عدم الالتزام برؤية معينة، ولكنها لا تتعصب لها، وترفض ما دونها، على أنها الأفضل والأشمل. كما إن القومية العربية، لا ينبغي أن تكون منغلقة وعنصرية، بل يجب أن تفتح أفق التعاون وتوعية شعوب العالم، أينما وُجد وتواجد الفكر العربي الناضج، فلسنا ضد القوميات الأخرى، على أن لا تعادينا أنظمتها، وتقف موقفاً سلبياً من كافة قضايانا. ولهذا فإنَّ تكافؤ كفتي توازن القوى، يفتح أفق الحوار والسلام بين الشعوب، على أساس الندية، واحترام الشعوب في تقرير واستقلال بلادهم من أي نفوذ خارجي أو استعمار، وعدم استغلال أو توظيف حالة العجز والضعف الرسمي العربي، للتمدد والسيطرة والتحكم بثروات الأمة.
عود على بدء، ينبغي تواصل الجميع، لبناء أواصر التعاون الجاد بينهم، طالما أن نقطة الارتكاز والهدف واحد، فإن الهجوم لمجرد النيل من أي تحرك وطني، وإيجاد ذرائع وثغرات للانقضاض على الطرف المقابل، وإضعاف المحاولة، أو الرفض غير المبرر، لا يعني إلا أن يكون الجميع ضد الكل، ويعرقل جهود الخلايا الحية والفاعلة، فليس معيباً أن تضم أي منها، أفراداً لا نتفق معهم بالتفاصيل، ولكن من الخطأ والخطيئة معاً، أن تتفق الأهواء والأمزجة مع متصهينين ومتأمركين أو أدوات وموظفي الاحتلال، وأن تتقاطع مصالحنا الذاتية، لفترة ما مع ما هو ضد الإجماع على قاعدة استيراتيجية المقاومة، بهدف التحرير أولاً وأخيراً.
كما يقع على كاهل التجمعات الوطنية ومسؤوليتها واجب طرح مواضيع غاية في الدقة، وأهمها تقريب وجهات النظر بين الجبهات المقاومة، فلطالما عانى الشعب العربي من خلافات عربية رسمية حادة، لاختلاف مصالح أنظمة عربية وتمحورها حول الفلك الاستعماري، إذاً لا مناص من محاولات متعددة ومكررة، لسد كل الثغرات والاختلافات بين الأحزاب والحركات المقاومة الوطنية القومية والإسلامية، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة ومعطيات وظروف كل جبهة على حدة، فقربوا ولا تبعدوا.. سهّلوا ولا تنفروا، فالنفور سيوسع الهوة، ولن يعطي للحصاد أي ثمر يُذكر.
ليس شرطاً أن يشارك جميع أبناء الوطن في الداخل والمهاجر بكل التحركات، ولا أن يتفق بالمطلق معها، لكن أن لا يعاديها بالكامل.. فهل للعمل الجماعي الوطني الداعم للمقاومة أي جدوى، إن لم يكن إيجابياً؟.. على هذا الأساس، فليعمل كل من بلده وفي مجاله ومحيطه، وهذا لا يعني القطرية، ولكن أهل البلد أدرى بأوضاعها وما يجري داخلياً، مع تفهم الفرق بين الدول العربية المستقلة نسبياً، والبلاد الواقعة تحت الاحتلال بالكامل، فالمعارضة الوطنية بالأول هدفها تغيير المسار نحو التطور والتقدم والاستقلالية التامة عن أي تبعية، وتوازن في العلاقات الخارجية، بشكل ديمقراطي لا تصادمي، وموقفها الداعم من حركات التحرر، بينما في الموقع الثاني، الاندماج كلية في مشروع التحرر والتصدي لأعوانه ومرتزقته، وحسم المواقف تجاه سلطة محلية لا تعمل إلا بإملاءات لتقوية وتثبيت الاحتلال، ولا فصل بينهما على الاطلاق.
افتحوا نوافذنا جميعاً، ولا تغلقوا أي تعاون، هدفه واضح دون التباس، بالتأكيد على ضرورة العمل الداعم والمساند للمحاصرين والمرابطين في أكناف بيت المقدس وعلى كافة الثغور العربية، والمقاطعة على كافة الأصعدة، والتمسك بالثوابت الوطنية وبناء مجتمع مقاوم لا مهادن ولا متأرجح أو متحجر، ومواجهة الفاسدين والمفسدين والعملاء من الهرم إلى القاعدة، دون أي استثناء أو توظيف سياسي، لغاية ما في نفس يعقوب لأي حل أعوج.
الوطن العربي ليس حكراً على قوم وحزب أو ملة أو طائفة، إنما هو بيت الأصحاء والبناة الأقوياء الأحرار، ولا مكان للانتهازين والمأجورين والانعزاليين.. هويتنا عربية، ثقافتنا إسلامية، وهدفنا التحرير.
--