عندما نترك العصبيَّة، وندع الخلاف جانباً ستكون الوسطيَّة الإسلاميَّة هى الدوحة اليانعة التى تشملنا بظلالها الوارفة وثمارها الناضجة إن الله اختار لنا الإسلام ديناً، والقرآن كتاباً، وسيدنا محمَّداً صلى الله عليه وسلم نبيَّاً ورسولاً، وجعلنا على الشريعة السمحاء والملةّ الحنيفية البيضاء، وجعلها على الوسطية القرآنية، وعلى نسق الحضرة المحمدية ليكون الناس جميعاً عند الله بالعدل والسويّة.

ولكن في هذه الأيام والآنات ـ ظهر بيننا في المجتمع ـ في الدين تيارات يحتار الإنسان إذا نظر إليهم بعقله، وإذا تدَّبر فيهم بفكره أيُّهم على الحق؟ وأيـُّهم على الطريق القويم والمنهج المستقيم الذى اختاره لنا المولى في كتابه الكريم، وكان عليه في حاله وسلوكه الرءوف الرحيم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟ نرى أناساً أخذوا الجانب المتشدِّد في الدين، وألزموا أنفسهم بالجوانب المتشدِّدة في سلوكياتهم وفي عباداتهم وفي تعاملاتهم وفي كل أحوالهم، ويظنُّون أنهم بذلك يزيدون قرباً إلى ربهم ويُحسنون المتابعة لنبيهم صلى الله عليه وسلم

فيطيلون الصلاة، ويكثرون من تلاوة كتاب الله، ويتشدَّدون في الأمور الظاهرة في الزِّي والمظهر واللباس للرجال وللنساء، ويتشدَّدون مع المعتدلين ويخاطبونهم بغلظةٍ وقسوةٍ أحياناً وبعنفٍ أحياناً أخرى، ويظنُّونهم مُفرِّطين؛ ويلومونهم على عدم الإلتزام بالتشدِّد في الدين ويزعمون أن ذلك هو المنهج الوارد عن سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم، وهناك طائفةٌ أخرى فرَّطوا في دينهم وتساهلوا في تنفيذ شرع ربهم، قصَّروا في أداء الصلاة، وفرَّطوا في أداء الزكاة، ولا يحافظون في التعامل على مبادئ شرع الله، ويدَّعون أن الله غفورٌ ورحيم وتوّابٌ وكريم، وأن الله سيتوب عليهم وسيغفر لهم

مَنْ مِنْ هؤلاء على المنهج القويم وعلى الصراط المستقيم؟ لا هؤلاء ولا هؤلاء، لا المتشدِّدين ولا المُفرِّطين لا الغلاظ القُساة في التعامل مع المسلمين ولا المتساهلين الذين يتساهلون في شرع رب العالمين أما المنهج المحمود الذي حمده الله وكان عليه حَبيبه ومُصطفاه فهو المنهج الذى قال لنا عنه الله في كتاب الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}البقرة143
هو المنهج الوسطي الذى لا إفراط فيه ولا تفريط لا تشدّد فيه ولا تساهل، وإنما على الوسطية التي يقول فيها صاحب الطلعة البهية صلى الله عليه وسلم: {عَلَيْكُمْ بِالنَّمَطِ الأَوْسَطِ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ العَالي وَيَرْتَفِعُ إِلَيْهِ التَّالِي}{1}
{خيرُ هذه الأمَّةِ النَّمَطُ الأوسط}{2}

عليكم بالنهج الأوسط، ولذلك ورد في الحديث أن بعض شباب الإسلام المتحمسين للعبادة ذهبوا إلى بيوت النبى وسألوا زوجاته عن عبادة النبي، ويقال أنهم فعلوا ذلك بعد موعظة عظيمة سمعوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هانت الدنيا على نفوسهم وتشوَّقوا للآخرة وما يقرِّب منها من العمل: {جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟! قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّى أُصَلِّى اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّى لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّى وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى}{2}

هذا كان فى السلوك خطأٌ قاتلٌ فأى عمل تعمله، فما هي حدودك؟ هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فإياك أن تظنَّ في يوم من الأيام أنك ستزيد عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأنت تكون بذلك بعدت عن طريق الله: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}النور54
امشِ خلفه وافعل مثلما يفعل، تقول أن النبي كان كذا وكذا وتتحدث بجدال فهذا من النفس وهذا يوقعك في الخبال، لكن من اهتدى بالنهج القويم، كان إمامه في كل أعماله الرءوف الرحيم صلى الله عليه وسلم، ولذلك دعاهم صلى الله عليه وسلم إلى الوسطيَّة، وهى أن يُعطي الإنسان كل ذى حقٍّ حقَّه، وقد سار على هذا النهج أصحابه البررة الكرام.


{1} أخرجه أبو عبيد عن علي رضي الله عنه
{2} مصنف ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه
{3} صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه