لم يبق غير الوحل ..., فالأسماك لا تخون الماء. وهذه الأم البائسة التي طالما دفعت فلذات أكبادها الى مستنقع السهوم والعدم , قد غدت اكثر شحوبا وكراهية للحياة . ما يزال شوقك القديم يدفعك الى الوحدة والخلاء ,حيث السكينة والصمت صنوان لا ينفصلان. وحتما لن تكتفي بعد الأن بالاصغاء الى ايقاع ذاتك التواقة الى رجع ذلك النداء المجهول. لقد اكتمل الأن وجدك وانسكب الرحيق ....وهتفت الاقداح.... هيت لك.... لتصطفيك. فأنت واحد من هؤلاء المشردين الحيارى. بل أنت في حانة الوجد سيد الوالهين, قد وهبتك القفار البعيدة مكنون سرها الغامض.أيها البدوي لا تنتظر وهيئ الزاد والراحلة .فهذا الشرق المتوج بالأساطير جدير على الدوام بالفخار والملاحم والقصائد . خط لامرتين رائعته العزلة,وانتظر العالم الأخر الذي هو في الحقيقة منطو فيه , كجنين توقفت به الحياة....ولكنك على قلق ....لا صبر لديك .وطالما سخرت ممن يتوقون بسبب عجزهم الى فسحة في الأعالي... فالفضاء اللازوردي الأزرق الخلاب, تمزق صمته القديم الشهب والرجوم التي لا تطيش لها سهام . ظل وجدك المقيم وشوقك المقلق يقودانك الى نداء الأعماق البعيدة الزاخرة بالحكمة والطلاسم... والموت.......أوليس الموت جميلا وشبيها بماء يترقرق في صفاء الأحلام ..موت يشتهيك أو ربما يشتهي نخوة الصحراء فيك ,في خيلاء جوادك الجموح الآتي من زمن الصهيل والغزوات...؟ وما من شبه بينه وبين موتك الذي تراه الساعة وأنت تسير هائما وقد توارى الهدف وضاع السبيل.....في هذه المدن الخاوية ,التي أعتقتك من سطوتها منذ زمن. لكنها تأبي الا أن تسكن فيك كصقيع الشتاء ..فلا تدري أيها المقرور أحي أنت ام ميت .؟شبيها بتلك المروج الخضراء المتماوجة تحت الأشجار الظليلة.... والتي تكاد تكون عديمة السحر .......ان لم تتراقص فوق تويجاتها الحالمة ذكريات الجمال التي تذروها الرياح في هسيس وريقات الخريف الآفلة, ذات البريق الذهبي الخالد !!!.......وهذا اللهب الذي لا يزال يعتصر فؤادك السقيم, عشقك الأبدي للصحراء والسكينة والمطلق.أسلمك أخيرا الى حضرة مولاي البحر....هل خانتك صحراؤك ... ؟!وهي التي اصطنعتك لصخب البروق والأنوار. نشيدا بحريا يولد من آثار أسراب القطى المتدافعات على وجنات الكثيب’’ . يكرع من النبع الالهي من كانت شفته من طين ’’. لم يختلف المشهد عن سابقه..وما ذلك الا مجرد تعديل طفيف ,فزرقة السماء الفسيحة في الفضاء الرحب. قد آلت الى لازورد في وجه العباب تجمل وجه الغبراء الكئيب . أيها الطائر المحوم الحبيب , هل تناهى الى سمعك ما قيل فيك ’’..فهو ان حط الى الغبراء شك السهم صدره...وهو ان طار الى العلياء لاقى قشعم الجو ونسره.’’...أيها البدوي مكثت لساعة ساكنا أمام صخب الموج الهادر ...واجما كأنك لا تراه . وكم تتوحد الروح أمامه ساكنا أو مزبدا, يتولاك النسيان بحكمته ويعتريك الشرود, فكأنك تلملم كل ما راكمته خلفك من العالم الفاني لتذروه بلا أسف في لجته . وترى الصمت يغور عميقا في ذاكرتك أمام جلاله ,حتى ليستحيل ماضيك بأكمله زنبقة قانية. هديتك المريبة والجريحة بلون الدم ؟...وهل أجمل من زهرة يتقاذفها التيار, فيلهو بأريجها الرذاذ, ويطوق خصرها الزبد . عندما تقترب أشعة الشمس من صفحته رأد الضحى, تستحيل الى دفقات من النور المذاب , وتغدو خيوطها الراعشة المتسربة الى عتمة قاعه البعيدة’ بروقا تتكسر دون رعود أو رجوم . وكما تصبو الأضواء الى اختراق الظلمات في لجته يصبو قلبك الذي يطفو على شفتيك كتنهيدة يائسه... لذلك العناق القاتل والمسحور .فتنزلق روحك بين الأعشاب البحرية وصخور الأزل الناعمة, وسط عرائش المرجان اللامعة.ولا يطول اغترابك.... ها أنت في ومضة صدق بلهاء قد تحولت الى وليد في قماط حيث لا ذكرى ولا تاريخ.....ولا أمنيات. كائنا بحريا.....خرافيا . وكما تتسلل بالفطرة صغار البلاعيط الوليدة من شقوق الصخور الى الخضم المتلاطم.... عانقت عالمك المسحور مجتازا لحظة الاندهاش المبهرة والعصية عن الادراك .......لتغدو طفل البحر الأوحد.فنهر الأحلام العائد الى نبع الملكوت لن يعدم السبيل اليك أيتها ’’الكرنفالات’’ البرقية ذات الوميض الحالم قرب عرائش المرجان والأصداف. لماذا تبحث عيناك عني وقلبك لماذا هو شديد الخفقان كأنفاسك أيتها السمكة النادرة ..؟ .ما الذي جعلك برفقتي, كيف اهتديت الي ...أما أنا فقد قادني اليك..وهج ألوانك الفاتنة. يابنة الموج والعتمات ..أتراك سئمت بدائعك الزاهيات أين يقطر دمع الأصيل بالتبر والارجوان...... فتخيرتني.....وهل أدهشك لوني الشبيه بأديم الصخور والسراب.... ان قلبي من فرط النظر اليك مفعم بالضياع والاحلام.....فلماذا أنت واجفة ...فما أنا الأن الا بطل صغير من عشب ومرجان. والمحيط لا يخلو كل آن من آيات ونبوءات تترصدني... تبسمت الأصداف عن الدر الوليد, واضطربت شفاه المحار ذات الحواف الصدفية الراعشة.....وذاب الشوق في توق النقيض الى النقيض وامحت الأضداد.......فلا الشوق مرجو ولا الوعد مرتقب ولا الوصل قائم , لا ضير..فقد قضي الامر.. واتحد العاشق والمعشوق..., فما من معيار لرصد الدموع ولا الحنين. كافحنا لسنين سطوة الأقدار... وسبحنا ضد التيارالنهري الغاشم كأسماك ملكية مهاجرة تأبى الموت الساذج... في ظلال الوحول. أخيرا عانقنا هذا اليم, الساكن والهادر.... ...وحين تداولت العتمة والأنوار في تتابع بديع .. كيف اهتدى كل منا الى الاحتفاظ بهذا الاقتران العجيب....وحين يلمع نور البدر المدور فوق ظلمات الليل الساجي .....وتعم السكينة...تصل الى قلوبنا همسات المياه الناعسات. يصفق الموج في وهن....وتخفق النجمات البعيدة مناجية عرائش المرجان, تلك الشماريخ الشبيهة بخيوط من الحمم الوردية الملتهبة المشرئبة نحو الأعالي, وقد حنطتها يد الصقيع في تشظ عجيب .هنالك اقتسمنا زهرة الفجر الغاربة ,وغفونا لدهور في حضن الغيب, ذرات من رمل مبذور, لنصير اللؤلؤ والياقوت .متناسيين انسكاب الشمس الكبير في اناء المحار.حيث الدوي السرمدي في الوجيب لا ينذر بغير عبق الصمت المشتهى .شلالا من النور يتلو لحظة العدم الناعمة ,ويستقر في اللانهاية ./. 08/10/2010