أيا تونُسَ الخضراءَ مزَّقتِ ليلَهم
وأرسَيتِ فجراً من خلائِقِكِ الكِبرُ

وصُغتِ نهاراً باجساً غيرَ مُظلِمٍ
وأذهلتِ نذلاً بعد أن نَفُذَ الصبرُ

أثرتِ شجوناً غُيِّبتْ عن شعورِنا
سنيناً وأسنا في الظـَّلامِ لكِ البدرُ

فمن لفحاتِ النار ِ قد أُضْرِمَ الشظى
وفي ظُلُماتِ الليلِ قد بَزَغَ الفجرُ

ويا أيها المحروقُ للعزِّ تنتمي
أبوكَ عزيزُ النفسِ في أصلِكَ الذُّخْرُ


فلا تُلْقِ مِنْ بالٍ لِمَنْ هُمْ تَقَوَّلوا
على اللهِ أقوالاً في َأنتَ والنَّحرُ

أراكَ شهيداً إنْ أفاءوا وإنْ أَبوا
فهلْ مثلَ ردِّ الظُّلمِ يُجزى لهُ أَجرُ؟

أراكَ وقدْ أَحْرَقتَ نَفْسَك تفتدي
جياعاً عراةً كانَ مسَّهُمُ الضُّرُّ

وكانَ عُتاةُ الحُكْمِ عاثوا وأفسَدوا
وأجزى من العيشِ الذَّليلِ غدا القبرُ

فزَلْزَلتَ فيهِم كُلَّ ما كانَ راسِخاً
وأذهَلْتَنا حتى حسبنا هوَ السِّحْرُ

وصارَ هشيماً باللهيبِ مُسَعَّراً
سُرادِقُهُمْ حتى أحاطَ بهِ القَفْرُ

فيا أيُّها القدِّيسُ قُدامُكَ الرُّؤى
وخلفُكَ ثوَّارٌ يشوقُهُمُ النَّصرُ

خطَطْتَ بفيضِ النُّورِ من ذلك اللَّظى
سُطوراً من الأمجادِ خَلَّدَها سِفْرُ

وصِرْتَ أميراً فوقَ هودَجِكَ الّذي
تَبختَرَ تشريقاً لتحضُنَهُ مِصْرُ

كأنَّ مِياهَ النِّيلِ تاهَتْ بِسَيرها
ففاضتْ بثوراتٍ من الغربِ تفْتَرُّ

وهلَّتْ بِشاراتُ التَّحَرُّرِ كالهُدى
تهادى بها من بينِ أمواجِهِ النَّهرُ

وصارَ حَميمٌ رُغْمَ بردِ ينايرٍ
يُحيطُ بأفواجٍ إلى السَّاحِ قد مرُّوا

صُفوفٌ تَرُصُّ الصَّفَّ حتَّى كأنَّهُ
إلى ساحةِ التَّحرير لا يَسلُكُ القرُّ

قُلوبٌ كأنَّ اللهَ عَمَّرَ وُسعَها
عقيدةَ إيمانٍ يُجاهِدُها غدرُ

حَناجِرُهُم قد ألهجتْ بِهُتافها:
(بغيرِ رحيلِ الوغدِ لا يستوي أمرُ)

فَسِيروا بعينِ الله يا أيُّها الوَرى
على خَطوِكُم يَختالُ منْ فَخرِهِ الفَخْرُ

هوى ما هوى من عاتياتِ حَديدِهِم
وسفَّاكُهُم منكمْ تَملَّكَهُ الذُّعرُ

وصَارَتْ سِياطُ الشَّرِّ تذوي أمامَكُم
ويسحَبُ أذيالاً من الخيبةِ الشَّرُّ

فتلكَ جموعٌ قد أنابَتْ لِخالِقٍ
وأخلَصَتِ الدُّعا، وهذَّبَها الذِّكْرُ

سَقَيْتَ الثَّرى في مِصرَ يا ربِّ هاطلاً
من البركاتِ الغُّرِّ إغداقُكَ الثَّرُّ

إلهي .. لِمصرٍ لا تؤخِّرْ هَديَّةً
ومن هاطِلاتِ المُزْنِ لا يُحرَمُ الزَّهرُ

إلهي في الفُسطاطِ شعبٌ مُكَبَّلٌ
فَفُكَّ – إلهي – القيدَ، يدعوكَ مضطَرُّ

وهذي حشودُ النَّاسِ قد ضاقَ عيشُها
فجاءتكَ في مَسرى يُظَنُّ بهِ الحشْرُ

فنصرُكَ اللهمَّ أكرِمْهُمُ به
ودُكَّ عروشَ الظُّلمِ، أو قل هو الكفرُ

أحالوا ديارَ الحقِّ للزورِ مرتعاً
وضاقت بنا الأحوالُ واستحكمَ العُسْرُ

وجُوِّعَتِ الأفواهُ لمْ تُكفَ قُوتَها
فإذْ بِخِشاشِ الأرضِ نقتاتُ أو نقروا

وصارتْ بأيديهِمْ بلادي غريبةً
وصِرتُ ذليلاً بعدما عَظُمَ النَّذرُ

وكانَ لسانُ الأرضِ يَحكي بمنطِقي
أداروهُ عبريَّ الحديثِ له ظِفرُ

فأصْبَحتُ قِنَّاً خادِماً مُتَذَللاً
وأسياديَ الأوباشُ أنيابُهُمْ كُشْرُ

صهاينةٌ جاسوا بِنيلي وجِيزتي
ومُعلَنُ ما في القولِ أني أنا حرُّ

فيا ليتها سيناءُ لم تُستَعَدْ ولم
أجِدْ جُلَّ أحبابي كرامَتُهُمْ هَدْرُ

عُروبةُ أبنائي سرابٌ وحِصْنُهُمْ
دَمارٌ وسيماهُم يُكادُ لها نُكْرُ

فلا .. وإلهِ الخلقِ عن صِبغَتي أَحِدْ
بأنْمُلَةٍ مهما تخطَّى لها المَكرُ

وصرحُكِ يا أرضَ الكنانةِ عامرٌ
وأقباطُهُ كالمسلمينَ لهمْ شَطْرُ

وليسَ لِوغدٍ أنْ يُسيءَ لوحدةٍ
بحبكةِ أفَّاكٍ يُزادُ لها حَفْرُ

فكلُّ صَعيدِ الأرضِ في مِصرَ واحدٌ
ولنْ يَشُقَّ العُرى دينٌ ولا فِكْرُ

ومِصرُ أمُّ البلادِ الكُلُّ يَعشَقُها
دروبُها حفَّها البُرديُّ والزَّهرُ

8/2/2011