ملتقى أصدقاء الثورة الجزائرية الدولي بالشلف في شهر نوفمبر 2014 للذكرى والعبرة
احتضنت دار الثقافة بمدينة الشلف يومي 17 و18 فعاليات الملتقى الدولي حول "أصدقاء الثورة الجزائرية من الإيمان بالقضية إلى التجسيد ابتداء من الفاتح من نوفمبر سنة 1954 إلى سنة 1962". جاءت فكرة الملتقى تشير إلى موضوع ربما كان من الطابوهات على حد تعبير رئيس قسم العلوم الإنسانية بالكلية المنظمة للملتقى ولا يجوز طرحه أكاديميا وفي فضاء تظاهرة علمية دولية رسمية في الجامعة أو خارج الجامعة، تبلورت الفكرة وتجسدت بفعل الجهود الجبارة التي بذلها أساتذة شعبة التاريخ بقسم العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف وعلى رأسهم السيد عميد الكلية، كما عرف الملتقى تحضيرا علميا وماديا كبيرا أخذ من الوقت أكثر من ثمانية أشهر، كان وراء ذلك التحضير الجيد الطاقم الإداري للجامعة وعلى رأسه السيد مدير الجامعة الذي حضر وتابع فعاليات الملتقى من الافتتاح إلى الاختتام والطاقم الإداري والبيداغوجي للكلية، وجاء الملتقى تحت الرعاية السامية للسيد رئيس الجمهورية وبدعم مالي من وزارة المجاهدين ممثلة في "المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954".
ترأسا الجلسة الافتتاحية السيد عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية من جهة جامعة حسيبة بن بوعلي ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والسيد مدير المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954 من جهة وزارة المجاهدين. افتتح الملتقى رسميا السيد وزير المجاهدين بكلمة مطوّلة أشاد فيها بموضوع الملتقى وبالتحضير الجيد والتنظيم المحكم والوقت المناسب الذي انعقد فيه الملتقى وحضر أشغال الجلسة الأولى كلها واستمع إلى المحاضرتين: الأولى جاءت باللغة الإنجليزية من تقديم الباحث النرويجي "Torbjorn ODEGAARD" أستاذ بالمعهد الإسكندنافي للدراسات حول شمال إفريقيا، عنوان المحاضرة "نقد تغطية حرب الاستقلال الجزائرية من طرف مراسل إذاعة RKألبير هنريك مون في شهر أفريل "1960".وجاءت الثانية باللغة الفرنسية من تقديم الباحث الإيطالي "Andrea BRAZZODURO" أستاذ بجامعة باريس1 حول الإيطالي "جيوفاني تيريلّي بين المقاومة في إيطاليا والكفاح المسلح في الجزائر"، كما حضر الجلسة كاملة السيد والي ولاية الشلف وقائد القطاع العسكري بالولاية والسيد مدير التراث بوزارة المجاهدين وجمع غفير من ممثلي الشعب والمجتمع المدني والمجاهدين، وغصّت القاعة بعدد هائل من طلبة التاريخ في الليسانس والماستر والدكتوراه الذين تعاطوا باهتمام كبير مع الموضوع والحدث والمناسبة.
أطّر الملتقى علميا وأكاديميا خلال اليومين عدد من الأساتذة الباحثين المختصين من الجامعة الجزائرية ومن خارج الوطن، من داخل الوطن جامعة الشلف وجامعة الجزائر 2 وجامعة المسيلة وجامعة سيدي بلعباس وغيرها، أما من خارج الوطن فجاءت المشاركة من انجلترا وفرنسا ومصر والنرويج والسويد وتركيا وغيرها. انصبت المداخلات على الدور المهم الذي لعبه أصدقاء الثورة الجزائرية منذ اندلاعها في الفاتح من نوفمبر المجيد إلى سنة 1962 الوقت الذي استردت فيه الجزائر استقلاها المسلوب، لقد تعرّضت أوراق البحث للأساتذة الجزائريين والأجانب خلال اليومين للدعم الكبير المعنوي والمادي الذي قدّمه أصدقاء ثورة الجزائر المظفرة خلال حرب التحرير المجيدة من مثقفين وسياسيين ونقابيين ومفكرين وفلاسفة وعلماء وقادة عسكريين وجنود في فرنسا وفي البلدان الإسكندنافية وفي أوربا الغربية عامة وفي العالم العربي والإسلامي، الأمر الذي زاد الثورة الجزائرية قوة على المواجهة بكل الوسائل المتاحة وزادها ثباتا على مسعى التحرر والنصر، ومن جهة أخرى زاد الدعم الأجنبي للثورة التحريرية الجزائرية الاستعمار الفرنسي ضعفا وتراجعا إلى الخلف أمام الرأي الداخلي الفرنسي والرأي العام العالمي، فانتهى الأمر إلى استقلال الجزائر واسترجاعها سيادتها وكرامتها، وكان للدعم الأجنبي من الأصدقاء أفراد وهيئات ودول الإسهام في تدويل القضية الجزائرية ومنحها الشرعية لعدالتها وإنسانيتها وطابعها المشروع عقلا ووضعا ودينا وخلقا، وصبغتها الحضارية، فهي مظهر من مظاهر التحضر والسلوك الحضاري تعبر عن رفض الظلم والاستبداد والاستعباد والاستدمار، والثورة في وجه كل أشكال الشرّ الذي كثيرا ما عانت منه الإنسانية عبر تاريخها الطويل.
الهدف الرئيسي حسب القائمين على الجانب العلمي والأكاديمي للملتقى الاعتراف بالجميل الذي قدّمه الطرف الأجنبي الصديق للثورة الجزائرية العظيمة في مختلف أنحاء العالم ومن غير تمييز، وفي العالم الغربي وفي فرنسا بصفة خاصة، فرنسا التي أجرمت في حق الجزائر شعبا وأرضا وثقافة وتاريخا طيلة الفترة الاستعمارية، وجاءت جرائمها أكبر وأخطر وأفدح خلال حرب التحرير المظفرة. الطرف الأجنبي الذي ساند ثورة الجزائر ووقف إلى جانبها ودعمها ماديا ومعنويا وسياسيا وإعلاميا في وقت كانت السلطات الاستعمارية الفرنسية والقوى الامبريالية المساندة لها تعتبر الجزائر قطعة من فرنسا، مشكلتها مع الشعب الجزائري قضية داخلية بحتة، متجاهلة الحدود الجغرافية والتاريخية والثقافية والدينية الفاصلة بينهما فتقف في وجه كل من يساند القضية الجزائرية في مختلف أنحاء العالم هيئات ودول وقد تعتدي عليه إعلاميا وسياسيا وأحيانا عسكريا، وتخوّن كل فرنسي معارض. ومن أهداف الملتقى التأريخ لظاهرة الصداقة الأجنبية لحرب التحرير الجزائرية ودراستها بمنهج علمي موضوعي، وهي مهمة نبيلة جدّا وعمل شريف يضطلع به المؤرخون بالجامعة الجزائرية وبالمؤسسات ذات الصلة مثل "المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954" فالموضوع يعنيهم مباشرة، ويساهم في ذلك المؤرخون الأجانب من مختلف أنحاء العالم لكون، وملتقى أصدقاء الثورة الجزائرية وضع اللبنة الأولى في مسعى التأريخ لظاهرة الصداقة الأجنبية مع ثورة نوفمبر طيلة حرب التحرير، ويدفع باتجاه تأسيس شبكات وفرق بحث محليا ودوليا تنجز الدراسات والبحوث في الموضوع، يستفيد منها القارئ والباحث والطالب، وإشراك الآخر الأجنبي مع المؤرخ الجزائري في كتابة تاريخ الثورة الجزائرية بالنسبة لأصدقائها ليس من باب التعاون في مجال البحث والدراسة فحسب بل هو اعتراف بفضل الآخر صديق الثورة وجمع معارف ومعلومات أكثر عن الموضوع وضمانا لموضوعية البحث وحيادية الباحث، لأنّ الحقيقة التي لا مرد لها هي أن ثورتنا المجيدة في منطلقها لم تكن شرقية أو غربية بل كانت جزائرية محلية فكرة وتجسيدا، ومع الوقت قويت وعظم شأنها وبان أثرها محليا وإقليميا ودوليا بالاحتضان الشعبي الداخلي اللامحدود وبالتأييد الأجنبي والتدويل من خلال أصدقائها عربيا وإفريقيا وأسيويا وأوروبيا وفي فرنسا بصفة خاصة.
إن تركيز الملتقى على أصدقاء الثورة الجزائرية ومسألة التدويل من الإيمان بالفكرة إلى التجسيد في الفترة بين 1954 حيث اندلاع الثورة إلى غاية 1962 أين استردّ الشعب الجزائري سيادته واستقلاله لا يعني أنّ للجزائر أصدقاء فقط في هذه الفترة التي دامت أكثر من سبع سنوات ، بل القضية الجزائرية لها أصدقاء ولها من ساندها ووقف إلى جانبها منذ دنست أقدام الاستعمار الفرنسي أرض الجزائر واعتدت فرنسا على الشعب الجزائري أول مرّة سنة 1830 بسلبه حريته واحتلال أرضه والطعن في عرضه وكرامته، ولما كانت الثورة الجزائرية نتيجة لجهود الحركة الوطنية النضالية بمختلف الوسائل منذ الاحتلال إلى الفاتح من نوفمبر والكفاح المسلح أحسن وسيلة وسبيل لاسترجاع الاستقلال والحرية والكرامة وما سُلب بالقوة لا يُسترد إلاّ بالقوة، لم تتوقف مساندة الآخر ووقوفه إلى جانب الحركة الوطنية في عهد الأمير عبد القادر وبعده وقبل الثورة وخلالها وبعد الاستقلال، والأمر يعود بالدرجة الأولى إلى عدالة القضية الجزائرية وشرعيتها الأخلاقية والإنسانية.
موضوع الصداقة الأجنبية للثورة الجزائرية له أهمية كبرى وخاصة، ويبدو أنّه لأول مرّة يُطرح، على الأقل أكاديميا وعلميا، بعدما كان من الممنوعات ولا يجوز الخوض فيه على المستوى الرسمي بسبب سياسة الحزب الواحد وغياب الحرية الفكرية والسياسية وانعدام الانفتاح وتسييس البحث العلمي وتوجيه الكتابة التاريخية خاصة تاريخ الجزائر الاستعماري وتاريخ الحركة الوطنية وتاريخ الثورة، وبعد التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها الجزائر المعاصرة، والتطور الذي عاشته وتعيشه الجامعة الجزائرية كمّا وكيفا خاصة في مجال البحث العلمي في التأريخ للحركة الوطنية الجزائرية عامة وللثورة التحريرية المظفرة بصفة خاصة من خلال فضاءات البحث المفتوحة بالجامعة وخارج الجامعة، بالجامعة في إطار CNEPRU وفي إطار PNR وفي إطار مخابر البحث وجميع الشعب المفتوحة في التاريخ تخصص تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر الذي يشتغل بتاريخ الحركة الوطنية الجزائرية من بدايتها إلى الاستقلال، هذه الفضاءات العلمية والأكاديمية المفتوحة بمعية مؤسسات وشبكات البحث في الحركة الوطنية وثورة نوفمبر خارج الجامعة يكنها التأريخ علميا وموضوعيا لظاهرة الصداقة الأجنبية التي ساندت وبقوة لا من باب الخوف على مصالح فرنسا كما فعل البعض ولكن من باب الإيمان الصادق القوي بعدالة القضية الجزائرية وشرعيتها القانونية والأخلاقية، الأمر الذي دفع أصدقاء الثورة إلى الاتجاه في مسعى الدعم السياسي والإعلامي والمالي واللوجيستيقي للحركة الوطنية الجزائرية وللثورة التي أحبّوها وضحّوا لأجلها بالغالي والنفيس، واستمر الدعم حتى بعد الثورة، فكيف ينس الشعب الجزائري من وقف معه في محنته؟.
كم نحن في أمس الحاجة إلى مثل هذه الملتقيات التي تقوم بتنوير الجزائريين كل في مستواه بتاريخ وطنهم وبما لا يعرفونه عن ماضيهم، سواء بالنسبة لما جرى في الداخل الجزائري بالنسبة للحركة الوطنية عامة وما حصل خلال الثورة التحريرية بصفة خاصة، وبالنسبة لعلاقة الشعب الجزائري وثورته المجيدة بالآخر الأجنبي العدو وكذا الشقيق والصديق في أيّة جهة في العالم وفي أي مستوى، وللاعتراف بفضل الآخر على مرّ الأجيال في دعم الشعب الجزائري أثناء الظروف العصيبة التي مرّ بها والمحنة التي حلّت به وطال أمدها، وللذكرى والعبرة.
لولا عدالة القضية الجزائرية وصدق مبادئها الإنسانية ذات الطابع الأممي العالمي وسلامة خطّها التحرري ونبل أهدافها وغاياتها وحفظها لمقاصد الشرائع والأديان في الحقوق والواجبات، حق الحياة وحق الحرية وحق الكرامة وحق الملكية وحق التحضر وغيره من الحقوق التي لا تقوم الحياة الإنسانية الكريمة إلا بها ما نالت ثورتنا المجيدة كلّ التأييد الدعم والمساندة، في الداخل احتضان الشعب الجزائري لها وفي الخارج تدويلها بتمثيلها في المحافل الدولية وتقديم كل العون والمساعدة لها، حتى أصبحت الثورة الجزائرية أنموذجا يُقتدى بها من قبل الأمم والشعوب التواقة إلى الحرية والاستقلال، وصارت الجزائر قبلة الأحرار في العالم أجمع مثلما هي الكعبة الشريفة قبلة المسلمين في صلاتهم وحجّهم.
لقد أوصى الباحثون المشاركون في تأطير الملتقى في الختام بضرورة طبع أعمال الملتقى في كتاب وترجمته إلى أكثر من لغة وتوزيعه على الطلبة وعلى المكتبات للقراءة وتعميم الفائدة حول الموضوع، كما دعا الأساتذة إلى ضرورة الاستمرار في البحث في الموضوع بتنظيم تظاهرات علمية والتركيز على جهات أخرى لم تكن حاضرة في هذا الملتقى، ونظرا للإشعاع الدولي الذي تُحضى به ثورتنا الخالدة بين أمم وشعوب العالم الحرّ يوصي الباحثون بإنشاء شبكة بحث دولية أو هيئة علمية دولية تضطلع بالدراسة والبحث في موضوع الملتقى وفي الثورة الجزائرية، كما اقترح الملتقى إنشاء جائزة دولية تكريمية لأحسن بحث تاريخي يعالج أحد مواضيع الثورة الجزائرية تسمّى "الجائزة الدولية لتاريخ ثورة نوفمبر الجزائرية" يسلّمها فخامة رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
جيلالي بوبكر الشلف يوم 18-11-2014