المفكِر المقادمة ... معالم الطريق إلى تحرير فلسطين
غسان مصطفى الشامي
كم يشعر القلم بالخجل، وترتجف الكلمات والأسطر، وهي تتحدث في مقام هذا القائد الثائر المفكر، الدكتور إبراهيم المقادمة، إنها ذكرى الاستشهاد التي تبعث في القلوب والأنفس العزة والكرامة والثورة والأرض والهموم الدعوية والفكرية التي كانت محفورة في ثنايا قلب وعقل الدكتور المفكر المقادمة.
ولعل الكلمات والأسطر لا تفي بحق هذا المجاهد الثائر، الذي سطر معالم التحرير في أحد كتبه الفكرية، نحيا في هذه الأيام ذكرى رحيل المفكر المقادمة، وهو أحد الأعمدة الفكرية في حركة المقاومة الإسلامية حماس، فهو الذي كان لا ينام وعرف عنه في سجن عسقلان أنه أنهى قراءة جميع الكتب الموجودة في مكتبة السجن، كما أن قام بقراءة كراريس التنظيمات الفلسطينية الموجودة في المكتبة وهي حوالي 300 كتاب، وقد مكنته ملكته الفكرية وسعة اطلاعه وعلمه الغزير إلى تأليف عدد من الكتب منها " معالم في الطريق إلى تحرير فلسطين"، و كتاب " غزة أريحا رؤية إسلامية"، وكتاب " الصراع السكني"، كما كتب الكثير من المقالات الفكرية، وألقى العشرات من المحاضرات في اللقاءات العامة والمساجد والاجتماعات .
وقد عرف عن الشهيد الدكتور المقادمة عزيمته الكبيرة وإصراره، كيف لا وقد جاءه خبر وفاة ابنه غرقا في البحر وهو بين جدران السجن وعذابات السجان، ولكنه تقبل الخبر بكل صبر واحتساب ولم يعرفه الأسرى إلا صاحب العزيمة والقوة والإصرار، حتى أنه أصر أن يلقي درسه الأسبوعي رغم فجاعة الخبر وشدته".
وقد عرف عن الدكتور المقادمة رؤفا حنونا على إخوانه يقدم لهم ما استطاع من إمكانيات، وكان يستمع منهم لأدق التفاصيل وكان كثير الصمت ولا يقاطع متحدثا ويترفع عن سفاسف الأمور .
وفي هذا المقال سأذكر ما قاله عنه الإمام الشيخ أحمد ياسين رحمه الله قال " كان زاهدا في الدنيا يرضى بالقليل ولا ينظر إلى الكثير .. شجاعا لا يعرف الضعف.. رابط الجأش ... لا تؤثر فيه الخطوب والنوازل.. ولاتثنيه المصاعب عن برنامجه ... نعم يوم جاء خبر وفاة ولده الأكبر أحمد، أخذ يصبر إخوانه بدل أن يصبروه .. واستمر في برنامجه ودروسه كأن شيئا لم يكن، غير أنه صبر صبر الرجال الذين استقر الايمان في قلوبهم.. واستسلم لقدر الله وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه .. وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه .. كان عالما بمعنى الكلمة وكان حازما صبورا لا يتردد .. نافح عن الدعوة ضد العلمانيين ... وضد المغالين الداعين إلى التكفير، دخل السجن مجاهدا وخرج مجاهدا وعاش مجاهدا رغم مرارة السجون ورغم ما ناله من أذى في سجون الاحتلال اليهودي أو في سجون السلطة الفلسطينية .. إنه العالم الزاهد ... كثير الصمود وكثير القيام .. وغزير العلم والمجتهد بالدراسة والمدرسة والعلم ... كان يتنقل بين المساجد يلقي الدروس والندوات دون كلل أو ملل ".
ويذكر عنه الشهيد القائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي موقف في إضراب عام 1981م عندما أضربت الجمعية الطبية ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وحرمان الأطباء العرب من حقوقهم : أن الدكتور إبراهيم أبرز شجاعة منقطعة النظير في تلك المرحلة، إذ كان آنذاك عضوا في الهيئة الادارية لجمعية الأطباء وكان من أعضائها د. محمد الزهار ، ود. إبراهيم اليازوري، ود. محمد شبير، وعند إعلان الإضراب برز عدد من الأطباء ممن أرادوا إفشال الإضراب فتصدى لهم الدكتور إبراهيم المقادمة بقوة إلى درجة أنه كان يتحدث أمامهم بكلمات قاسية، وقال لهم " أمثالكم هم الذين بدؤوا النكبة الأولى، واليوم أنتم تعملون من أجل نكبة جديدة ... وكان يواجههم بكلمات قوية مؤثرة تحظى بتأييد معظم الأطباء وتصل إلى قلوبهم لأنها تعبر عن مشاعرهم الحقيقة في مواجهة الاحتلال ".
وقال عنه الشيخ المؤسس الأستاذ عبد الفتاح دخان " كان يتشبث برأيه إلى أبعد الحدود ويدافع عن وجهة نظره بالحجة والبرهان، ويضرب الأمثال ويسوق التجارب، ويوازن بين الموقف ويبتكر من خلال ذلك، وفي محصلة النقاش يلتزم برأي الجماعة ويتبناه ويدافع عنه بكل صدق وإيجابية ".
سردت لكم مقتطفات من كلمات القادة الشهداء والمؤسسين عن المفكر الدكتور المقادمة .. هذا الجبل الشامخ في العلم والفكر والدعوة وقد رسم معالم الطريق إلى تحرير فلسطين بالعودة لمنهج الله وصراطه المستقيم .
إلى الملتقى ،،
قلم / غسان مصطفى الشامي